|
يوم حصادها ! يوم حصادها !
|
كانت مسرعة خلف الحافلة التى سوف تقلها الى جامعتها، فاليوم ودَّعت حياة الطلاب بعد النجاح الباهر الذى أذهلت به أساتذتها وزملائها، وسوف تستلم عملها كمساعد تدريس. يا إلهي إنها درجة في سلم الكفاح الطويل تتخطاها بنجاح، وسوف تستمر حتى تنال الدكتوراة لا بل اكثر من ذلك لم يتوقف طموحها ابداً يوماً ولن يتوقف بأذن الله فهى المندفعة دائماً نحو الافضل . مسحت جبينها المبلل بالعرق وهى تفكر في تلك الكلمات التي تملأ داخلها أملاً وحماساً اختارت مقعداً قرب النافذة عدلت من وضع بلوزتها الوحيدة القديمة الباهتة من كثرة الغسيل ابتسمت إبتسامة رضا وهى تتحسس بأناملها حقيبتها التى تحمل فيها شهادتها بإعزاز اجترت سنين ماضيها وأول ماخطر على بالها والدها رحمه الله؛ ذاك الرجل النحيف المقهور الذى رسم الزمن على وجههه اخاديداً من البؤس كان (بائع بصل) ورائحة البصل التى تفوح منه تعلن عن قدومه الى المنزل بعد أن يجوب الشوارع والازقة ليعود متلفحاً بمرارة العوز وبحفنة من المال لا تكفي حتى لتغلق الأفواه الجائعة فتسعة من الاطفال لم يكن بالعدد القليل. والدتها يالتلك الوالدة المسكينة التى تتميز بصبر أيوب عليه السلام لم تشاهدها قط تتزمر من وضعها أساءت التقدير حين لم تتوقف عن الإنجاب منتظرة أن يمنحها الله بالصبي الذى كانت تتمنى ولم تفلح في إنجابه الا بعد سبعاً من البنات. لم يفكروا في تعليمهم فكانت غايتهم أن يسدوا رمقهم حتى يستمرو في الحياة. لا هي فالصدفة وحدها ساعدتها على الالتحاق بالمدرسة لأنها كانت تختبئ خلف الفصول الدراسية لتقلد أقرانها الذين ألحقتهم اسرهم بالمدرسة. لاحظت معلمة الصف ما كانت تفعلة وأحضرتها وتوسطت لها عند الناظرة التى بدورها أعفتها من رسوم القبول ومن يومها انتظمت في التعليم وادهشتهم بتفوقها إلا أن ذلك لم يعجب والديها في البداية فوالدتها كانت تعتبر التعليم ليس لمثلهم تريد أن تعمل معها كباقي شقيقاتها في بيع الكسرة والأعباء المنزلية كانت تعمل بإتقان ماعليها من واجبات موكلة لها من قبل والدتها حتى تسمح لها بالذهاب الى المدرسة. تغيرت فكرة والدها عندما استلم شهادتها فكانت نظرة الزهو التى تراها في عيني والدها يزيدها تشبثاً واصراراً على الاجتهاد وأيضاً تعليق بعض الزميلات وتلقيبهم لها (بام رقعة) نسبة لملابسها المهترية كان يسبب لها جرحاً عميقاً و يملاها أصراراً على التفوق عليهم. مرض والدها من كثرة العمل المضني كانت تسمع سعاله طول الليل ويتمزق قلبها وهى ترى أمها لا حول لها ولا قوة وهى تصنع الأدوية البلدي (قرنفل، حلبة، .......) ولكن دون فائدة فحال والدها تتدهور يوم بعد يوم حتى عادت من المدرسة لتجد نحيب النسوة ووالدتها واخوتها تعلن عن رحيل عزيز وادركت حقيقة الموت والفناء وامتحانتها غداً الحزن يعصر قلبها تقف وسط دائرة الهموم الحزن العوز هل تترك نفسها تنطوي بالآمها في زاوية البؤس؟ إلا أنها صمدت لم تفارقها صورة والدها وهو يقهقه من الفرح عندما أحرزت المركز الاول في امتحانات النهائية في المرحلة الابتدائية بكت بحرقة امتلا قلبها بالاصرار والعزيمة امتحنت وكعادتها تفوقت . انكفاءت والدتها على بيع الكسرة وضاعفت مجهودها حتى تقطى الفراغ المادى الذى خلفه والدها وضاعفت هي ايضاً مجهودها في العمل المضنى مع والدتها دون كلل ظنّاً منها أنّ غداً يحمل معه البشر فيوم الحصاد اتى واصات على إلحاق إخوانها الذكور بالمدرسة وكانت تساعدهم في الاستذكار، تمر عليهم ليالي وهم يتضورون جوعاً. او اذا مرض احدهم ما من دواء لا ماتقدمه لهم امهم من ادوية بلدية برغم كل شئ واصلت كفاحها حتى جلست في امتحانات الشهادة السودانية تفوقت والتحقت بجامعة عريقة بكلية مرموقة درست الجامعة؛ لم تفوقها من ذكريات الماضى الا طقطقة الكمسارى. لدفع الحساب وعندها وجدت نفسها وصلت إلى مكانها نزلت بخطوات ثابتة وعينيها مضاءتان ببريق الطموح فاليوم يوم حصادها.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: يوم حصادها ! يوم حصادها ! (Re: بت العرب)
|
الابنة بت العرب لم أطلع على هذه القصة القصيرة الرائعة من قبل والظاهر أصبحتي تكتبي في الخفاء وتيقنت بأن قلمك أخذ طريقه للإبداع حقيقة القصة مؤثرة وقريبة من الواقع في بلد فيه أكثر من 90% من شعبه تحت خط الفقر ولكن هل فرحتها وفرحة أمثالها ستستمر وآلاف الخريجين لا يجدون عملاً ويمتهنون نفس مهنة والد بطلة قصتك المفرحة المبكية يا ريت لو بقت مادة القصة الجاية واقع الشباب بعد التخرج
| |
|
|
|
|
|
|
|