جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير..

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 03:33 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-11-2005, 11:26 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير..

    نشرت جريدة الصحافة لقاءاً مع الأديب الكبير جمال الغيطاني، تحدث في جزئه الثاني عن الأدب السوداني، وعبـر عن إعجابه بالأديب السـوداني وعضو هذا المنبر أحمد المـلك، ونسـبة لأن حديث الأديب الغيطـاني في مجمله جميل وشيّق ومفيـد، ونسـبة لما ذكره عن الكاتب أحمد المـلك، رأيت أن أنقل الجزء الثاني من الحوار معه إلى هنا، ليطّلع عليه عدد أكبر من القـراء..

    Quote: لم أقرأ لابراهيم اسحق لكن بهرني احمد حمد الملك فروجت له !!في باريس اكتشفت ان اصل الإهرامات في السودانالاستاذ جمال الغيطاني , احد اعمدة السرد

    الروائي في العالم العربي منذ ستينيات القرن الماضي . تبدو رحلته وقد صاحبتها الازمنة - كما يقول دكتور فيصل دراج - للبعض متكلفة ومليئة بالغموض . تكتب ما كتب, وتستقدم ما لا حاجة اليه , وما يقول به هذا البعض خاطيء ويجانب الصواب في اكثر من اتجاه . فالغيطاني يحاور الماضي بمعرفة من الحاضر , أي أنه ينظر الى الماضي وهو زمن محدد ومحدود بزمن لاحق اكثر اتساعا وتعقدا , الامر الذي يجعله يقرأ الماضي ولا ينغلق فيه , وهو يتعامل مع الموروث كعمومية ثقافية بمنظور روائي لا عمومية فيه ..
    لانجاز هذا الحوار , ظللنا لاكثر من اسبوعين نرتب له في اطار الظروف المتغيرة حولنا , بذل خلالها الصديق الصحفي الاستاذ صلاح خليل مجهودات جبارة حتى نتمكن من اجراء هذا اللقاء , الذي تم تأجيله لاكثر من مرة بسبب الظروف الصحية للكاتب.. والذي على الرغم من توعكه , تغلب على احساسه بالاعياء , فجلسنا اليه في مكتبه بمقر عمله في اخبار اليوم و بكل الاريحية والحميمية التي اتسم بها الكاتب الكبير جمال الغيطاني اخذ يرد على اسئلتنا في تلقائية ووضوح ويسر ..
    كانت تساؤلاتنا ( لا اسئلتنا ) حول الاسئلة التي يطرحها مشروعه الادبي بعد كل هذه الرحلة الممتدة منذ الستينيات حتى اليوم .. نهضت اسئلة حوارنا من التصور , في قرائتنا للغيطاني من المعطى البسيط بمنظور لاحق متقدم عليه .. ذلك ان الزمن الروائي في دلالته الثقافية , يتضمن زمن الموروث ويفيض عليه في آن , لذا فان نص الغيطاني لا يستقدم الماضي من الحاضر ولا يرحل الحاضر الى الماضي بل يتكون في زمن متغير ومتنام خاص به . يتهم حداثة يعرفها , ويبحث عن حداثة اخرى يتعرف عليها دون انقطاع . فالي مضابط الجزء الثاني من حوارنا مع الكاتب الكبير جمال الغيطاني حول : مشروعه الادبي وحول المشهد الثقافي المصري وحول العلاقة الثقافية بالسودان ..
    القاهرة : أحمد ضحية
    الزويل قبيلة وهمية بين مصر والسودان تخطط لحكم العالم :
    عن روايتك " الحكايات الخبيئة " نحكي : ( حول سؤال التحولات ) التحولات التي تعتري الابنية الفوقية : السلطة والسلوك الانساني ازاء ذلك .. كشاغل للنص (حكايات الخبيئة ) , حيث يأخذ الانسان في ظل استقرار التدهور قيمته من صلته بالمؤسسة التي ينتمي اليها , وليس من نشاطه في المجتمع .ز ما يطرح السؤال حول الغياب الفاجع لمفهوم قوة الفعل الانساني ونشاط المجموع او الفرد في التاريخ - هذا الاهتمام بالعارض والعابر دون الجوهري في حكايات المؤسسة او حكايات الخبيئة ماذا يعني عند الغيطاني ؟!.. حيث يرتبط الزلزال بموقف " عطية بك" من التحولات التي تعتري السلطة , ولا يتوقف عند كونه ظاهرة طبيعية فهو زلزال انساني قبل كل شيء , ولا علاقة له بالحركة التيكتونية لباطن الارض ..
    حكايات الخبيئة هي الجزء الثاني من حكايات المؤسسة , ويمكنك انم تعتبرهما رواية واحدة .. ففي العام 1996 كنت قد انجزت ما نشر تحت عنوان : " حكايات المؤسسة" , بعدها تعرضت لظروف صحية صعبة , شككت خلالها في انني ساعود مرة اخرى .. كانت عملية كبيرة في القلب , اجريت لي في امريكا , وكانت خطيرة للغاية . قبل ان اسافر لاجراءها كنت قد دفعت بحكايات المؤسسة الى زميلي وصديقي عزت القمحاوي لينشرها .. ولولا الازمة الصحية وقتها لنشر الجزئين معا في رواية واحدة .. حكايات المؤسسة وحكايات الخبيئة هما شهادتي على الواقع الذي عشته . وااعتقد انني لمست موضوعات اقترب منها الكثيرون الان ..لكن لم يجرؤ احد من قبل على تناولها .... هذا لايعني انها ريبورتاج ادبي مكتوب . بالعكس حكايات المؤسسة وحكايات الخبيئة , فيهما ما يشبه بناء اسطوري , وهذا ليس جديدا على . وانت تعرف انني كتبت الزويل سنة 1967 . حينها لم يكن ثمة من سمع بالواقعية السحرية .ز والزويل هي قبيلة وهمية موجودة في منطقة بين مصر والسودان هي منطقة حلايب .. هذه القبيلة تخطط لحكم العالم .. وهذه الرواية غريبة لكنها منسية .. فيها محاولة بناء وهمي خاص بالكامل .
    حكايات الخبيئة استوحيتها من الواقع المعاش الان , ولكن اعيد ترتيبه وصياغته , وهذا ليس جديدا على , فانا مشغول بجوهر السلطة .. بالبناء الفوقي وبالذات في مصر , فنحن دولة قديمة , لكن - كما اعتقد - ان اساليب الحكم لم تتغير فيها . بمعنى انها تاخذ اشكال فقط . من يجلس على ذروة الهرم يشعر بنفسه ليس كمثل اى شخص اخر في العالم ..انه احساس الديكتاتور , ومع ذلك نطلق عليه ديموقراطي !! هذا وضع استثنائي جدا بالنسبة لمصر . وهذه مشكلة تخصنا نحن فقط . لذلك انا معني بالبناء الفوقي , ولذلك كانت الزيني بركات ( اقاطعه : لاحظت الاعلاء من شأن علاقة الانسان بالمؤسسة الرسمية . خصما على علاقته بمؤسسة الناس ... المجتمع ,, اعني في حكايات الخبيئة ) يكمل : اخشى ان اخواننا اليساريين زمان يتساءلون : اين الجماهير .. ( يضحك..) يا سيدي انا اخذت هذه الزاوية , انظر من فوق , احاول فهم ما يجري , مثلا من طابقنا هذا (الطابق 12) الذي نجلس فيه الان . احاول رؤية كل الامور في المؤسسة ولا احد يرى ما نرى الا ويتساءل ( اقاطعه : التعبير عن الراوي في الحكايات الخبيئة يتم ب " سيادته") يواصل : نعم يتم بسيادته , فهو ليست له شخصية , وانا لم ابالغ , فكل التفاصيل دي موجودة في الواقع , عشتها ورأيت اكثر منها , لكنني اعيد تركيبها وص ياغتها في علاقات خاصة بالعمل الادبي .. ولذلك تجد ان احد النقاد عندما انشر اي عمل يقوم بالهجوم عليه , وقد وجد الفرصة في حكايات المؤسسة ليذبحني ويتخلص مني نهائيا , اذ كتب ما يشبه البلاغ البوليسي نشر على مدى اسبوعين في جريدة صوت الامة المستقلة والتي كان يرأسها عادل حمودة , ونشروا لي صورة في هذه الجريدة , تشبه صورة المجرمين فهي صورة تم التقاطها لي وانا مريض .. قال هذا الناقد انني اتحدث عن مؤسسة بعينها - وهو يقصد هنا اخبار اليوم - حتى يوقع بيني وبين رئيس المؤسسة " اللي مشي من اسبوعين " .. وبعد ذلك قال انني اعني مؤسسة اكبر .. وكلمة " المؤسسة " هنا في مصر كلمة متداولة و لها دلالات محددة , منذ اواخر السبعينيات مثلا : مؤسسة الرياسة , مؤسسة الصحافة , المؤسسة الدينية , الخ .. لكن هو قصده ان يورطني مع مؤسسة محددة " اللي ممكن تخلص عليّ" ..( يضحك..) تولى الرد على هذا الناقد اخرين , لكن صفوة القول , ان الرواية ضد الفساد وضد القهر , ودي قضية قديمة جدا ..
    لسؤ حظ الثقافة المصرية استمرار هذا الوزير اكثر من 20 سنة :
    منذ بداياتي في الكتابة اهتممت بقضية القهر والفساد . فقد كتبت في 1963 عن المعتقل قبل ان ادخل المعتقل ( قصة رسالة فتأة من الشمال ) وكل هذا ادانة للقهر , ولأى اعتداء على حرية التعبير والانسان والاوطان والجماعات . هؤلاء هم الناس الذين ادافع عنهم ككاتب .. ان ادين الفئات التي تقهر البشر ..
    محطات اثرت في تجربة جمال الغيطاني الادبية ؟
    اكتشافي لابن اياس طبعا , فهذا كان اكتشافا مبهرا في فترة مبكرا جدا في اواخر الخمسينيات , كان ذلك في الفترة بين 61 - 1963 حين كان الحديث كله عن كافكا وبروست وتيار الوعي والرواية الجديدة وناتالي ساروت والان روب غرييه .. كانت ندوة الاستاذ نجيب محفوظ مركز ثقافي مهم , وكان زملائي في الندوات يتحدثون في الاتجاه الذي ذكرت بينما كنت اتكلم عن ابن اياس والمقريزي . واذكر هنا ان باحث هام في التراث " عبد الجليل حسن " والذي كان من كتاب مجلة الكاتب _ توفي في ليبيا _ دائما كان يسألني :- انت صغير في السن , فكيف عرفت هذه الاشياء ؟ .. بالطبع كانت دار الكتب قد ساعدتني كثيرا , بعد رصيف الازهر , فقد كنت اقرأ منها ما لا استطيع شراؤه .ز كتب ومراجع ضخمة .زبعد ذلك بدات اقرا ديستوفيسكي وهيرمان هيسه ونجيب محفوظ وكافكا وبروست وابن عربي والجيلاني وصولا الى الادب الفارسي الذي بدأت اهتم به في العشرين سنة الاخيرة .. هذه هي الكتابة الكبيرة التي اهتممت بها .. وقبل ان ابدا في اى رواية كبيرة اقرأ موبي ديك مثلا للاستفزاز . وهناك كاتب يوغسلافي حصل على نوبل في 1961 اعتبره من اهم الكتاب الذين اثروا فيّ ( اسمه ايفون ديتش : كتب جسر على نهر درينا ) هذه كلها محطات مهمة في حياتي .
    ماذا عن المشهد الثقافي المصري ؟
    المشهد المصري له ظاهر وله باطن . الظاهر رسمي , وهو فقير جدا . وشاحب ويموج بضوضاء كاذبة و" ضوضاء " ليست من اختراعي , ولكنها وصف لوزير ثقافة , لسؤ حظ الثقافة المصرية انه استمر لاكثر من عشرين سنة , هو الذي ذكر في مرة من المرات انه يريد ان يحدث ضوضاء ثقافية , والثقافة ليست بحاجة لضوضاء بل بحاجة للهدوء والتأمل , ولكنه اعتمد فكرة الابهار , فمثلا افتتح مسرح كلف ملايين الجنيهات , وفي اليوم التالي تم اغلاق المسرح , فهو يريد ان يبهر فقط المسئول الذي يبقيه في السلطة .ز خسرت الثقافة المصرية كثيرا في العشرين سنة الاخيرة , لكن مصر الثقافة فيها ليست وزارة الثقافة ( يستقبل تليفون خارجي ) .. اما الباطن الذي اعنيه هو الحركة الابداعية في مصر . فمصر الان فيها حركة ابداعية ضخمة ومفيدة جدا . اقول ذلك من موقع المسئولية , فانا مسئول عن جريدة ادبية ( اخبار الادب ) عمرها 13 سنة , ظلت تتابع الحركة الادبية باهتمام وتقاوم وزير الثقافة . وما نحمد الله عليه ان الظروف في مصر الان تسمح بذلك . فنحن جريدة توصف بانها حكومية , ومع ذلك عندما تقرأها يخيل لك انها جريدة معارضة , وهذا يثبت ..( يستقبل اتصال تليفوني ..) يكمل : هذا يثبت ان الابداع في مصر الان ليس رهينا بوزارة الثقافة . هناك الشعر العامي حركته مذهلة لكن الماساة ان شعر العامية يأتي من المجهول ويذهب الى المجهول . في السابق كان الغناء ياخذه ( صلاح جاهين , الابنودي , فؤاد حداد وبيرم التونسي , الخ ..) الان الغناء كما ترى " كلام فارغ " فشعراء العامية لا احد يهتم بهم , وهذه هي الجريمة الحقيقية للمؤسسة الثقافية الان . الكاتب يضطر لبيع عفش بيته ليتمكن من طباعة كتاب لا يقرأه احد . انا اتحدث بدون حرج لانني اعتبر السودان ومصر شيء واحد . ولذلك لا اشعر بالحرج في تسريب هذه الهموم . لم ينفق على الثقافة ملايين كما انفق عليها في العشرين سنة الاخيرة , ولم تفتقر الثقافة المصرية مثلما افتقرت في العشرين سنة الاخيرة فهذا بلاء اتمنى ان يخلصنا الله منه قريبا . واعتقد ان الحركة الثقافية المصرية , بدأت الان تتجه الى الاعتماد على الجهود الخاصة , فمثلا مؤسسة ( ساقية الصاوي) وهي مشروع جانب منه تجاري , فصاحبه لم يستثمر فيه ليخسر . هذه المؤسسة تضج " تشغي " بالشباب . في المقابل نجد ان قصور الثقافة خربة , ولا احد يشعر بها . اذن هناك روح جديدة في مصر , اتصور انها ستتبلور اكثر في السنوات القادمة . ونجد دار نشر مثل ( دار نشر ميريت ) اهتمت بنشر الكتابة الجديدة في مصر , وهي التي تلعب الان الدور الفاعل في نشر كتابة الاجيال الجديدة . لكن لا توجد حركة نقدية , فالنقاد الذين لهم مصداقية في مصر عددهم قليل جدا .
    مشاريع الغيطاني الابداعية , ومدى تأثير الصحافة على الغيطاني المبدع ؟
    الصحافة وبالذات الصحافة الثقافية كانت بالنسبة لي كارثة .. انا استفدت من عملي كمراسل حربي لانه اضاف الى تجربتي من خلال المشاركة في ظروف عصيبة كان الوطن يمر بها . لكن عملي في الصحافة الثقافية خطأ جسيم يمكن انني قبلت هذا العمل , لانني عندما توليت صفحة الادب في الاخبار سنة 1985 كان ممنوع ذكر اسماء أهم كتاب مصر في الصحافة .. كانت هناك قائمة في مكتب يشرف على الشئون الثقافية , مسئول عنه عبد الفتاح البارودي . كانت هذه القائمة تبدأ باسم ادوارد الخراط باعتباره شيوعي( " امال صنع الله ابراهيم يطلع ايه ".. يضحك ..) انا اتكلم على اشياء مكتوبة . فعندما توليت صفحة الادب تحت رئاسة تحرير المرحوم سعيد سنبل وضعت شروطي كجمال الغيطاني , فاسمي عندما اضعه على صفحة كرئيس تحرير يصبح جزء من موقفي , ولذلك لا اقبل ان يقول لي احد اكتب هذا ولاتكتب هذا . والذي حدث اننا عملنا صفحة كانت من اهم الصفحات الادبية وبعد ذلك في 1993 تأسست اخبار الادب , ودوري اتسع اكثر وعلى المستوى الشخصي اشعر بالانهاك واتصور انني لو بقيت في بيتنا لكان ذلك افضل لي كمبدع .
    امر اخر ان دورك في الحياة الثقافية لا يتم تقييمه الا بعد ان تكون قد انتهيت . وبالطبع انا لا استطيع متابعة كل الكتب التي تطبع . كما ان العمل الثقافي الصحافي مرهق فعندما تنشر قصة لشخص يحتج لانك لم تورد اسمه في الصفحة الاولى واخر يحتج على عدم وضع صورته , الخ .. ومع ذلك تحاول ارضاء هذا وذاك لكنك في النهاية تفشل فمن الصعب ارضاء الجميع وانتم تعملون فيه وتعرفون ذلك جيدا . .. اتصور ان اخطر شيء خسرته هو الوقت , وربما تتسال لماذا استمر ؟ لان العزاء هو ان اخبار الادب لعبت وتلعب دورا كبيرا في الحياة الثقافية . واعتقد انك تلمسه . اذ لا توجد جريدة في مصر تهتم بالعالم العربي مثلما تفعل اخبار الادب . فالصحف المصرية قاهرية , لا تهتم بالصعيد اذ تجد بها ما تسميه " اخبار المحافظات " وكأنها اخبار جوبا واوغندا وسربرنيتسيا . يرون القاهرة هي الاساس ولذلك كل ما عداها يرونه خارج القاهرة . فما بالك بجريدة فتحت الابواب على المنطقة , اذ لا قيمة لاي مطبوعة ثقافية في العالم العربي , ما لم تكن معبرة عن الثقافة العربية ككل . انا طرف في مشاكل الثقافة في المغرب . او القضايا الثقافية التي تثار في الكويت , عندما يضطهدون كاتبا , او ما شابه ذلك . فهذه قضيتي وتمسني , وبصراحة ماذا تبقى للعرب سوى الثقافة . لن نصبح دولة واحدة , ولن نصبح في المستقبل كالاتحاد الاوروبي , لذلك يجب ان نحافظ على اللسان فهو كل ما تبقى لنا .
    الخرطوم كعاصمة للثقافة العربية 2005 لم تجد حظا في الاعلام المصري ؟
    لأنه انتم السبب ( يضحك ..) لاحظت انه حصل افتتاح ثم لا شيء بعد ذلك ربما بسبب اتفاق السلام والوضع في دارفور لم تتمكنوا من عكس الوجه الثقافي المشرق للسودان . واتصور ان هذا امر مفهوم فقضية السلام ودارفور اكثر اهمية . كنت اتكلم في ساقية الصاوي الاسبوع الماضي وقلت ان من الاخطاء في السياسة الثقافية المصرية عدم الاهتمام بالثقافات السودانية , بمعنى ان السودان بالنسبة لنا هو الطيب صالح .. اظن ان اخبار الادب لم تقصر في هذا فقد نشرنا لكثير من الاقلام السودانية ( بشرى الفاضل , احمد حمد الملك , عليش , امير تاج السر , الخ ..) ونفرح كثيرا بالنصوص السودانية في اخبار الادب فالسودان الكتابة فيه ثرية ثراء مدهشا . ( يسأل عن احمد حمد الملك ..) للاسف انا لم اقرأ شيئا لابراهيم اسحق ابراهيم , لكن قرأت الفرقة الموسيقية وعصافير اخر ايام الخريف لحمد الملك ورغم انني لم التقي المك ولا اعرفه الا انني عملت له دعاية كبيرة , واعطيت روايته عصافير الخريف للترجمة .. وعموما التقصير هو منكم ومنا ايضا , فمسئوليتنا اكبر . فالمفروض ان نهتم مع بعض بالسودان . فباستثناء قناة دريم واذاعة صوت العرب لا يوجد جهاز يهتم بالسودان. فالتلفزيون الحكومي لا يابه لامر الثقافة في السودان بدرجة كافية وهذه امور يمكن معالجتها اليوم قبل الغد . فلو انا تقلدت موقع مسئولية في الهيئة المصرية العامة للكتاب ساعيد طباعة كل المنجز السردي لابراهيم اسحق . ومع ذلك هناك علاقات تحتية بين مصر والسودان .( انت تعرف درب الاربعين شغال حتى الان ؟ .. ) ..لا احد من الكتاب فكر ان يعمل فيه رحلة ويكتب عنه . هناك مجلة اسمها " امكنة " تصدر من الاسكندرية . العدد الاخير منها اشتمل على ملف كامل عن المسارات . فيه قسم خاص بدرب الاربعين . انا اهتممت بدرب الاربعين في نهايته . ولو كنت في تلك السن عندما كنت مراسلا حربيا لذهبت فيه بالكاميرا في رحلة حتى السودان . واذكر في سنة 1960 عند تفجير اول عبوة في السد العالي , وحينها كنت في الكشافة في رحلة مدرسية , فوجئت بان العملة السودانية متداولة في اسوان؟!.. والمفروض اننا كمثقفين علينا ان نبني جميعا على هذا .. ربما لا يوجد وعي في المؤسسة الثقافية او رؤية بهذا الخصوص لانني الاحظ اهتمامها بايطاليا اكثر من اهتمامها بالجوار الشقيق , فنحن لا نعرف شيئا عن اريتريا او الحبشة الا من قناة ار تي الفرنسية وبالطبع السودان في مقدمة ذلك . ولا ادري هل الاقرب لنا ايطاليا ام السودان .. لقد حكمنا من قبل فراعنة سودانيين , اكتشفت ذلك من معرض حضارات على النيل الذي اقامه معهد العالم العربي بباريس . اكتشفت ان اصل الاهرامات هو السودان .
    كيف تنظرون الى المشهد الثقافي السوداني , وما هي التصورات الثقافية المتوقع نهوضها في هذه المرحلة من الحياة الانتقالية للثقافة السودانية ؟
    الحرب الاهلية في السودان كانت من اسوأ الامور , وساتكلم معك بصراحة , فبلد متعدد الاعراق والثقافات والاديان مثل السودان , غير مقبول فيه ان يحكم بهيمنة الجبهة الاسلامية . على فكرة كنت اتفرج على تلفزيون السودان في كثير من الاحيان وتدهشني شعارات المتظاهرين :" رايحين رايحين نصرة الدين !!.." كيف يكون ذلك في بلد بمثل تنوع السودان ؟!.. هذا اخطر ما مر به السودان في الفترات الاخيرة . ولذلك انا احمل النعرات الدينية والقومية العربية مسئولية ما حدث حتى في دارفور . ومأساة العرق نموزج لذلك . وارجو ان يكون اتفاق السلام الاخير بداية مرحلة جديدة حقيقيو , فالافضل لكل السودانيين ان يكون قرنق في الخرطوم لا في الجنوب . واشك في ان للحكومة يد في ما حدث في دارفور , فهي مسئولة بدرجة من الدرجات . ولا يقنعني الخطاب الاعلامي بغير ذلك . .. لابد من التعرف على الاولويات . ولا افهم كيف تمول حكومة عصابات لقتل المواطنين ؟!.. .. الرؤية التي تحكم القوى العظمى باتت واضحة , وهي تستند على تفتيت الدول على اساس عرقي وطائفي . وبلد مثل السودان يمكن ان يفتت الى خمسة او ستة دويلات , وهذا ليس جيدا .ز الايجابي هو ظهور قرنق في الخرطوم . وذلك لان السودانيين من اذكى الشعوب . فعندما يأتي الطيب صالح الى القاهرة ويقوم بزيارة صديقه ابشر حسن الطيب في المعادي للعشاء معه اذهب اليهم وقد فوجئت في واحدة من المرات بنفسي اجلس مع سفير السودان وفصائل معارضة مختلفة ( مسلحة وغير مسلحة من الجنوب وغير الجنوب ) .. كل هؤلاء حكومة ومعارضين جاءوا للاحتفاء بالطيب صالح في دعوة عشاء بالمعادي في منزل صديقه ابشر ., هذا امر مدهش , اذن لماذا يتحاربون وهم بهذه الحميمية تجاه بعضهم ؟ !.. ادركت ان الامور داخل السودانيين لا تصل الى درجة الفجور في العداوة ابدا .. نحن الان نريد التعرف على جنوب السودان . فمعرفتنا به في القرن التاسع عشر افضل من معرفتنا به اليوم , فالامير عمر طوسون كتب 3 مجلدات عن جنوب السودان , حملت ادق التفاصيل عن حملة الخديوي اسماعيل الى ملكال وجوبا .. الان نريد التعرف على السودان ثقافيا ( اتصال تليفوني خارجي ) يكمل : انا من دعاة الاهتمام بالثقافة السودانية , لاننا بحاجة لان يتم اكتشافنا في السودان . السودانيين لا يقصرون , فدائما يبادرون بالتواصل معنا والتعرف الينا . واعتقد ان الوضع في الفترة القادمة سيكون افضل , لان هناك اهتمام كبير الان بالسودان على المستوى الثقافي , ولا اعني هنا المؤسسات الحكومية بل المؤسسات الثقافية الحرة مثل ( ادباء من اجل التغيير واتحاد الكتاب ) فالان هناك اتجاه نحو انشاء علاقات حقيقية بعيدا عن المؤسسات الرسمية ..
    بالنسبة للخرطوم عاصمة ثقافة 2005 فنحن لم نسمع الاعن الافتتاح . وبعد ذلك لا نشاط . ومن المؤسف ان اخبار الادب لا توزع في السودان وكذلك المطبوعات السودانية لا توزع في القاهرة .وهذا امر بحاجة للمراجعة . اشكركم .


    المصـدر: جريدة الصحافة: جمـال الغيطاني عن أحمد الملك
                  

08-11-2005, 02:52 PM

الصادق اسماعيل
<aالصادق اسماعيل
تاريخ التسجيل: 01-14-2005
مجموع المشاركات: 8620

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    عيسي
    أنا من المتابعين لنشاط أحمد الملك منذ زمن، وأعتقد أنه من الكُتاب المتميزين، وأنا من المعجبين بالغيطاني وطريقته السردية، وأعتقد أنها شهادة مستحقة لصديقي أحمد الملك.
    وشكراً لإيراد هذه المقبالة الرائعة.
    صادق
                  

08-12-2005, 07:51 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: الصادق اسماعيل)

    الأخ الصادق،، لك التحية والشكر، وفعلا الأخ الأديب أحمد الملك يستحق المتابعة والإهتمام بكتاباته الثرة والعميقة والساخرة في نفس الوقت،، وللمناسبة يمكن لك وللجميع الإطلاع على بعض أعمال أحمد الملك من صفحته الأدبية على الإنترنيت، وعنوانها:
    صفحة أحمد الملك الأدبية

    ولك الود...
                  

08-11-2005, 05:08 PM

Elmosley
<aElmosley
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 34683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    احمد الملك

    (ملك)
                  

08-12-2005, 07:56 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Elmosley)

    أستاذنا الكبير موصلي،،، لك عميق الشـكر، وبالطبع أنت أيضا أحد مبدعي بلادي المميزين كما الأخ أحمد الملك،، وأيضا كم أطربتنا وأشجتنا ألحانك وأداءك وموسيقاك مثلما طربنا وضحكنا وتأملنا سخرية القاص والروائي أحمد الملك وعمق معاني كلماته... ولك الود كله...
                  

08-11-2005, 05:46 PM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    Quote: ولذلك انا احمل النعرات الدينية والقومية العربية مسئولية ما حدث حتى في دارفور .


    لمان نقول، وهم العروبة هو خلية الانقسام السرطانية الاساسية في جسم بلادنا، صدقونا مرة!

    لااعرف من هو جمال الغيطاني هذا قبل اليوم، لكن الرجل وهو عابر سبيل وضع صباعو مكان "نتح" الجرح!

    بالله لوفلقوا ذرة مشكلتنا، لوجدو سوسة القومية العربية، متحكرة هناك، خالفة رجل في التاني، مادة لسانا، مع الmiddle finger، من السخرية!

    انت قومي عربي، انت نازي!

    في السودان طبعا.
                  

08-14-2005, 01:17 PM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Bashasha)

    الأخ بشاشا، لك التحية والشكر...

    Quote: الحرب الاهلية في السودان كانت من اسوأ الامور , وساتكلم معك بصراحة , فبلد متعدد الاعراق والثقافات والاديان مثل السودان , غير مقبول فيه ان يحكم بهيمنة الجبهة الاسلامية . على فكرة كنت اتفرج على تلفزيون السودان في كثير من الاحيان وتدهشني شعارات المتظاهرين :" رايحين رايحين نصرة الدين !!.." كيف يكون ذلك في بلد بمثل تنوع السودان ؟!.. هذا اخطر ما مر به السودان في الفترات الاخيرة . ولذلك انا احمل النعرات الدينية والقومية العربية مسئولية ما حدث حتى في دارفور . ومأساة العرق نموزج لذلك . وارجو ان يكون اتفاق السلام الاخير بداية مرحلة جديدة حقيقيو , فالافضل لكل السودانيين ان يكون قرنق في الخرطوم لا في الجنوب . واشك في ان للحكومة يد في ما حدث في دارفور , فهي مسئولة بدرجة من الدرجات . ولا يقنعني الخطاب الاعلامي بغير ذلك . .. لابد من التعرف على الاولويات . ولا افهم كيف تمول حكومة عصابات لقتل المواطنين ؟!..


    وجهة نظر الكاتب جمال الغيطاني عن مشكلة دار فـور محل تقدير،،، رغم عدم إدراكه الكـامل لما يحدث هناك،، فكما ترى فهو يرى أن الحكـومة لا يـد لها فيما حدث ويحدث هـناك!!! بينما كل المجتـمع الدولـي يدرك تورط الحكومة في تلك الأحداث بشكل مباشـر،، والكاتب يشكك (ولا يفهم) مسألة أن تمـول الحكومـة عصابات لقتل المواطنين!!!،،، ونعـرف كلنا أن أهل دار فـور من المسلمين، فلا يصح أن نتحدث عن (نعـرات دينية)،، الإسلاميين يا سيدي استغلوا النزعة العربية عند (العرب) في دار فـور لقمع أهلها عندما طالبوا بحقوقهم، مثلما جيشوا الشباب للجهاد في الجنوب باستغلال النزعة الدينية، هذا هو ديدن (الإسلاميين) في كل زمان ومكان،، فهم في البداية والنهاية، حزب فاشي لا يؤمن لا بالدين ولا بالعروبة ولا بالإنسانية ولا بأي شئ، ويفعلون كل شئ من أجل تحقيق مآربهم.. إذن في رأي أن الصحيح والدقيق هو أن تقول: أنت إسلامي: إذن فأنت فاشي ونازي وكتّـال كَـتلا، الخ! ولا أشك أنه سيأتي اليوم القريب لينالوا عقابهم العادل لما أرتكبوه في حق الأبرياء من أهل دار فـور..هذا هو رأي مع احترامي الكامل لرأيك!...إذن فالغيطـاني كاتب وأديب وليس سيـاسي، ورغم ما ذكـرت من إحترامي لوجهة نظره، لكـني لا اعتد بها كثيرا،، لذلك ركـزت على رأئه الأدبي بخصوص أحمد المـلك والكتّاب والكتابة السودانية... لك الشكر من جديد

    (عدل بواسطة Isa on 08-14-2005, 01:28 PM)

                  

08-12-2005, 08:01 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    تحية للجميع،،، وهذا هو الجزء الأول من الحوار مع الكاتب جمال الغيطاني أرجو أيضا أن أنشره للمتابعة...

    Quote: بدأت الكتابة بنوع من " الكذب الابيض " احكي وقائع لم تحدث ..
    الاستاذ جمال الغيطاني , احد اعمدة السرد الروائي في العالم العربي منذ ستينيات القرن الماضي . تبدو رحلته وقد صاحبتها الازمنة - كما يقول دكتور فيصل دراج - للبعض متكلفة ومليئة بالغموض . تكتب ما كتب, وتستقدم ما لا حاجة اليه , وما يقول به هذا البعض خاطيء ويجانب الصواب في اكثر من اتجاه . فالغيطاني يحاور الماضي بمعرفة من الحاضر , أي أنه ينظر الى الماضي وهو زمن محدد ومحدود بزمن لاحق اكثر اتساعا وتعقدا , الامر الذي يجعله يقرأ الماضي ولا ينغلق فيه , وهو يتعامل مع الموروث كعمومية ثقافية بمنظور روائي لا عمومية فيه ..



    لانجاز هذا الحوار , ظللنا لاكثر من اسبوعين نرتب له في اطار الظروف المتغيرة حولنا , بذل خلالها الصديق الصحفي الاستاذ صلاح خليل مجهودات جبارة حتى نتمكن من اجراء هذا اللقاء , الذي تم تأجيله لاكثر من مرة بسبب الظروف الصحية للكاتب.. والذي على الرغم من توعكه , تغلب على احساسه بالاعياء , فجلسنا اليه في مكتبه بمقر عمله في اخبار اليوم و بكل الاريحية والحميمية التي اتسم بها الكاتب الكبير جمال الغيطاني اخذ يرد على اسئلتنا في تلقائية ووضوح ويسر ..



    كانت تساؤلاتنا ( لا اسئلتنا ) حول الاسئلة التي يطرحها مشروعه الادبي بعد كل هذه الرحلة الممتدة منذ الستينيات حتى اليوم .. نهضت اسئلة حوارنا من التصور , في قرائتنا للغيطاني من المعطى البسيط بمنظور لاحق متقدم عليه .. ذلك ان الزمن الروائي في دلالته الثقافية , يتضمن زمن الموروث ويفيض عليه في آن , لذا فان نص الغيطاني لا يستقدم الماضي من الحاضر ولا يرحل الحاضر الى الماضي بل يتكون في زمن متغير ومتنام خاص به . يتهم حداثة يعرفها , ويبحث عن حداثة اخرى يتعرف عليها دون انقطاع . فالي مضابط حوارنا مع الكاتب الكبير جمال الغيطاني حول : مشروعه الادبي وحول المشهد الثقافي المصري وحول العلاقة الثقافية بالسودان ..



    القاهرة : أحمد ضحية









    الاستاذ جمال الغيطاني القاريء السوداني يود لو يعرف , بدايات المبدع جمال الغيطاني في الكتابة السردية . وكيف كانت بدايات تعرف المشهد الثقافي في التعرف عليك .. نود لو نتعرف على جذور هذا الالحاح الابداعي " الورطة " .. ورطة الكتابة ؟!..



    ولدت في اسرة فقيرة . ويمكنني القول : انني جئت الى هذا العالم كاتبا . لم يكن في اسرتي اى شخص يهتم بالادب , الا قدرة غير عادية للوالد على الحكي . ودائما اقول انه لو اتيحت له فرصة في التعليم لكان روائيا - ربما - .. اكتشفت نفسي بنفسي , منذ كنت في سن الخامسة , وقد كنت بدأت في هذه السن المبكرة بنوع من " الكذب الابيض" , اذ كنت احكي لوالدتي احداث ووقائع لم تحدث - من نسج خيالي- عن سفن فضائية هبطت في الحارة , وسراديب تحت الارض , الخ .. فتتظاهر بتصديقي . وكانت هذه الحكايات مستوحاة من الافلام التي كنت اشاهدها في السينما الصيفية بالجمالية . وكانت تلك السينما تتوسط البيوت والحواري .



    عرفت القراءة قبل ان ادخل المدرسة , فالوالد كان يحرص على شراء جريدة يومية , ويشير لي الى الكلمات والحروف حتى حفظت شكلها . وعندما دخلت المدرسة وتعلمت القراءة , فتح لي باب سحري من عوالم مدهشة , اذ بدأت اتعامل مع كتب المكتبة في المدرسة , والتي كان ضمنها مجلة السندباد , بلغتها العربية السليمة وتحريرها الرفيع . ..( مقاطعة مكن الخارج ) .. القراءة كانت هي البداية للكتابة , وهكذا بدأت اقرا الكتب التي اجدها , وهنا انا مدين لمدينة القاهرة القديمة , فحياتي في درب متفرع من شارع " قصر الشوق" , وطدت علاقتي بالمكان .. كان هناك قصر اثري اسمه " المسافر خانه" _ احترق منذ سنوات للاسف - وعلى مسافة 200 متر منه كان مسجد مولانا وسيدنا الامام الحسين , وكانت هناك مكتبات حوالي المسجد , فكنت عندما اذهب مع الوالد للصلاة , اشعر بالمكان .. فبالنسبة لي كان ميدان الحسين آخر حدود العالم . والشارع مزروع بالكتب , والمنطقة المحيطة بالمسجد فيها عدد من المطابع القديمة جدا مثل مطبعة الحلبي ومكتبة الجمهورية ومكتبة القاهرة , وكانت تلك اولى المطابع في القاهرة .



    أهم مجموعة منذ صدور ارخص ليالي :



    كانت الكتب على الرصيف خاصة على رصيف الازهر ( روايات عربية , كتب تراثية , روايات مترجمة ,الخ ) ومن هنا بدأ تكويني غير المباشر فقد كنت اقرأ مايقع تحت يدي , واذا تاملت تجربتي تجدني كنت احاول الجمع بين المعارف المختلفة .. اذا المكان الذي نشأت فيه كان له تأثير كبير .



    استمريت في القراءة من سن 6 سنين الى سن 14 , ومنذ العام 1959 يمكن القول انني بدأت كتابة القصة القصيرة . استمريت في كتابتها حتى 1963 بدون نشر , فالنشر وقتها كان من الامور الصعبة جدا خاصة انني كنت صغير السن . , اتردد على مجلات كثيرة لكنها لا تنشر لي . الى ان نشر لي مقال في مجلة " الادب" التي كان يصدرها المرحوم امين الخولي في يوليو 1963 . وفي نفس الشهر نشرت لي قصة قصيرة اسمها ( زيارة) في الاديب البيروتية , وما بين 63 - 1969 نشرت أكثر من خمسين قصة قصيرة , وثلاث روايات , ولكن عندما اصدرت مجموعتي الاولى ( اوراق شاب عاش منذ الف عام ) ضمنتها خمسة قصص قصيرة فقط كتبت كلها بعد 1967 , وكانت المجموعة بمثابة شهادة الميلاد لي , لانها احدثت ضجة كبيرة , فعندما صدرت كتب عنها الاستاذ / محمد عودة مقالا قال فيه : ان هذه المجموعة اهم مجموعة قصصية منذ اصدر يوسف ادريس " ارخص ليالي " .



    أعتقلت بتهمة الشيوعية المتطرفة وتم تعذيبي في 1966






    تعليمي فني , فقد دخلت مدرسة فنية في وقت مبكر . والمفروض انني اخصائي سجاد .. بعد ذلك التحقت بكلية الفنون التطبيقية , ولكن لم اكمل فقد بدأت اقرا في كتب الادب , واعتبرت العمل في السجاد " أكل عيش " مثلما اعتبر العمل في الصحافة اكل عيش بالضبط . انتقلت من العمل في السجاد الى الصحافة في 1966 عندما تم اعتقالي لاسباب سياسية ( بتهمة الانضمام الى حزب شيوعي متطرف ) وخرجنا من المعتقل في مارس 1967 , اثر زيارة جان بول سارتر الى مصر , والذي طلب اطلاق سراحنا , ولم يكن يعرفنا لكنه علم ان المعتقلين كلهم مثقفين ( منهم عبد الرحمن الابنودي , غالب هلسا , صابر حافظ , صلاح عيسى , الخ .. من مثقفي الستينيات ) حددت اقامتي في مدينة القاهرة , وحلت مشكلة العمل بان عينوني مديرا للجمعية التعاونية لخان الخليلي . وهذه اسعد ايام حياتي تقريبا واسعد مرحلة في العمل , فقد كان العمل قريبا من البيت , وكنت اعيش بين فنانين في الصدف والسجاد , الخ - للاسف يطلق على هؤلاء المهنيين حرفيين وصنايعية - وانا لم اكتب عن هذه المرحلة من حياتي حتى الان .



    طموحاتي في الصحافة لم تكن كبيرة , رغم انني الان في نهاية السلم المهني الصحافي , انما اعتدت انه اذا اوكل الى عمل لابد من ان اؤديه باتقان , فاتقنت العمل في الصحافة .فقد كنت اهم مراسل حربي لمدة 6 سنوات .



    في 1969 اصدر الاستاذ محمود امين العالم كتاب , وكان في ذلك رئيس مجلس ادارة هذه المؤسسة ( يعني اخبار ايوم حيث يعمل ) ولم اكن قد التقيت به من قبل , فهو من جيل يسبقني .. لكن عندما صدر الكتاب كتب عني مقال في يوميات الاخبار ( التي لم اعد الى كتابتها الا الاسبوع الماضي = منتصف يوليو 2005 بعد توقف دام 6 سنوات ) فجئت لاتعرف به واشكره , فقام بادخالي الى اخبار اليوم .



    يتصور دكتور فيصل دراج في كتابه نظرية الرواية العربية ) ان مشروعك الادبي يطرح قضايا تحتضن النص الادبي وتتجاوزه ويعني بذلك ازمة الحداثة القائمة , وازمة البحث عن حداثة مغايرة .. نود لو نتعرف على التجربة الحداثية للغيطاني اكثر ؟



    طبعا دكتور فيصل دراج من اهم النقاد الذين فهموا ما اقوله لكن حتى اكون صريحا معك , انا لم يكن لدي تنظير مسبق .. التنظير جاء بعد ذلك بفضل النقاد الذين فهموا التجربة , والذين منهم دكتور فيصل دراج , وكل ما في المسألة انني بدأت بصورة تلقائية , وكنت اشعر بضرورة ان اكتب شيئا لم يكتب مثله من قبل , اذ لطالما تصورت منذ الطفولة ان المبدع هو الذي يكتب شيئا لم يكتب مثله , فكل ابداع هو اضافة .



    بدات بقراءة الادب العالمي فكان طموحي مرتبطا بهذا الادب , ولم يكن مرتبطا بالادب المحلي بحال من الاحوال . . كنت اريد ان اكمل مشروع ديستوفسكي في الاخوة كرامازوف , ولا زال رايي عندما اضع النماذج العالمية , التي اتنافس معها , اجد انها تشمل روايات كبرى ونصوص عظمى .. عندما يبدا الكاتب كتابته تكون هذه الكتابة عادة في اطار الموجود , بمعنى ان تقرأ قصص وروايات ومقاييس نقدية تحد القصة او الرواية .. وهكذا استمريت منذ ان بدأت في فترة شابها الاضطراب (1966) تقريبا . حيث كانت مقاييس القصة في ذلك الوقت مستمدة من تشيخوف وموبسان , وفقا للمنهج القائل بالبداية والوسط وما يسمى بلحظة التنوير .



    حديث عيسى ابن هشام والمقامة :



    لم اقتنع بالمنهج الموباساني في كتابة القصة , اذ لم يريحني في الكتابة .. ثم انني اعتبر نفسي روائيا في الاساس , وكتابة القصة القصيرة بالنسبة لي مثل ملاكم بوزن محدد , يطلب منه ان يلاكم وزنا غير وزنه ( الوزن الثقيل في مجابهة وزن الريشة ) .. استعدادي لكتابة الرواية هو البداية , لكن نشر الرواية في ذلك الوقت كان صعبا , فكانت كتابة القصة القصيرة وسيلة للنشر , لتقديم كتاباتي للقراء , فكان السؤال : من اين يأتي الجديد , ولا اعني بالجديد : او شكل او موضة فالمسألة لها علاقة بحرية التعبير . بمعنى ان الاشكال المتاحة في ذلك الوقت , وقد تأسس عليها الادب العربي الحديث , لم تكن توفر لي مساحة الحرية الجسدية التي اريد ان اعبر من خلالها عما اشعر به , او ما اريد ان اكتبه من موضوعات . وعلى سبيل المثال - في الرواية - كانت الكلاسيكية الاوروبية في القرن التاسع عشر هي النموذج وعندما نتامل المسار العربي للرواية في مصر نجد انتقال او كوبري - جسر اسمه حديث عيسى ابن هشام للمويلحي - كان عملا ادبيا رائعا , ويمثل همزة وصل بين القديم والحديث . لكن الادب العربي او حركة الثقافة العربية , اعتمدت في مصر رواية ( زينب لهيكل ) والتي تعتبر الرواية المؤسسة . وهذا غريب جدا اذا قلنا انها اول رواية عربية فاننا بذلك نلغي 16 قرنا من الكتابة المنثورة .. وزينب هذه اسس عليها توفيق الحكيم عودة الروح . ثم الاستاذ نجيب محفوظ . لكن نجد ان نجيب محفوظ قام بالدور الرئيسي في التأسيس , فمن سبقوه مثل هيكل والحكيم لم يلعبو الدور التاسيسي الذي لعبه هو . ف" زينب" محاولة وحيدة لهيكل . كما ان عودة الروح كان كاتبها الحكيم موزعا بين المسرح والمقال .. لكن جيل نجيب محفوظ اسس الرواية العربية الحديثة مستندا الى هذا المبدأ وفي نفس الوقت انقطعت العلاقة بالكتابة القديمة .



    توصلت الى تقنية التناص قبل ان تعرف نقديا في الغرب :



    جوهر تجربتي ينهض في التلقائية والاكتشاف . وبمعنى اخر لماذ لم يتم الانطلاق من القديم , مثل : الف ليلة وليلة والملاحم والسير الشعبية هذه الكتابات التي اختفت اليوم من الاسواق مثل : الاميرة ذات الهمة و الظاهر بيبرس , اذ تم التوقف عن نشرها - لقد قمت باعادة طبع هذا الكتاب في الهيئة العامة للكتاب وهو موجود الان - هذا هو الادب السهل المنظور , هناك ادب اخر غير منظور ,' وانا هنا معني بالسرد .. وهكذا اكتشفت نتيجة احساس قوي بالزمن , هذه العلاقة بالقديم .. ما قادني للعلاقة بين الزمان والمكان , الذي ادخلني بدوره على التاريخ .. من خلال علاقتي بالمكان الذي اعيش فيه .. وقادني ذلك الى المؤرخين المصريين في القرون الوسطى , فوجدت ان طريقة الحكي والاسلوب يحلان اولا : مشكلة العلاقة بين الفصحى والعامية , ما اسميته فيما بعد بالبلاغة المصرية . وهو اسلوب يأخذ اللغة الفصحى ويجريها على تراكيب عامية , لكنها فصحى في الصميم , وهي طريقة اكثر قدرة على الامساك بالمعنى . فبدأت اتعامل معها . وكان النص المؤسس لي في هذا المجال هو بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس , وهو الذي خرجت منه الزيني بركات التي هي ليست بداية بقدر ما هي تقليد لمرحلة .



    القصة القصيرة عندي , دائما - كما تقول - بمثابة اللحن التمهيدي للحن رئيسي في الموضوع . فعندما كتبت ( المقشرة ) لم اكن اعلم انه ستتبعها الزيني بركات . وهناك عدة قصص قصيرة تكاد تكون هي الماكيت او النموزج للزيني بركات . مثل قصة اسمها ( اتحاف الزمان بحكاية جناب السلطان ) .ز فكانت الزيني بركات هي الاساس . ولم اكن اعلم انني انحت اتجاه جديد , او اؤسس رؤية جديدة في الكتابة , لكنني كنت مدفوعا بالرغبة في ايجاد شكل وسرد يوفر لي مساحة اكبر من الحرية , وتوضيحا لذلك , دائما ما يقال لابد من ان يكون الراوي مختفي ( المؤلف مختفي ) . فعندما تقرأ الثلاثية لنجيب محفوظ لا تجد نجيب محفوظ , اذن من الذي كتبها ؟!..كيف يختفي الراوي من الرواية ( اقاطعه : النص يروي نفسه ..فيضحك ..) انا هنا كنت اتسآل من هو هذا الذي يعلم كل شيء . اين هو ؟!..



    أنا من جيل تربى على ان الهم العام هم خاص ..



    النص العربي مختلف فعندما تقرأالحيوان للجاحظ , تجد الجاحظ هو الراوي ( المركز ) ثم يوقف السرد الخاص به كمتكلم ويورد حكاية او حكمة .. هذا يعطي حرية اكبر للكتابة . ما اريد قوله , انه لو كانت الرواية تطورت من حديث عيسى ابن هشام للمويلحي وتطورت القصة القصيرة من المقامة , لكنا وصلنا الان الى شكل مختلف جدا من الادب . بدات انا هذا الاتجاه , ولم اكن مدفوعا برغبة في التجديد , ففي اواخر السبعينيات وصلتنا رواية اسمها ( سعيد ابو النحس المتشائل ) لاميل حبيبي , فوجدت فيها ما قمت به انا في الزيني بركات تقريبا . كنا متوازيين في الوقت الذي كتبت فيه الزيني بركات . انا قرات حبيبي متاخرا وهو قراني متاخرا كذلك . لان الكتب بين مصر وفلسطين كانت صعبة الوصول بسبب ظروف الاحتلال . بعد ذلك في اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات قرات رواية اخرى اسمها ( حدث ابو هريرة قال ) لمحمود المسعدي , كانت قد ظهرت في 1974 , واستغرق الامر عدة سنوات كي نقرأها , وفوجئت انه ينحو ذات المنحى , اذا الهم كان موجودا عند عدد من الروائيين العرب : فكرة التجاوز للاطار الغربي للرواية , وتاسيس رواية عربية ذات شكل مستمد من الجذور .. في البداية كنت اتكيء على نصوص كبيرة , بمعنى انني اكاد احفظ بدائع الزهور وهو حوالي 7 الاف صفحة . واتنا اعايش ذلك باستمرار . دائم القراءة فيه . لعدة اسباب تتعلق بالتعرف على الاسلوب واللغة , والمكان والتاريخ . والتعرف على العقلية المصرية والشخصية المصرية في السياسة والمجتمع . حيث الاحظ ان الامور لم تتغير كثيرا منذ العصر المملوكي حتى الان . الشيء الاخر ان ابن اياس هاش تجربة شبيهة بتجربتي .. تجربة الغزو العثماني وهزيمة الجيش المملوكي واحتلال مصر من قبل العثمانيين , وتحولها لولاية تابعة , وبداية الاستعمار العثماني .. وانا عشت تجربة 1967 , فكلاهما هزيمة , رغم ان ما بينهما حوالي خمسة قرون . لكنني ذهلت عند قراءتي مشاعر ابن اياس , اذ تكاد تكون تعبيرا عني .. حدث هذا النوع الغريب من التلاقي الذي يمكنك ان تسميه (تناص) .. مجلة الجامعة الاميريكية قدمت عدد خاص بعنوان التناص في 1967 , جاء في مقدمته : ان جمال الغيطاني توصل الى هذه الظاهرة " التناص" قبل ان تعرف نقديا في الغرب .. لقد حدث تناص بيني وبين ابن اياس ( الزيني - بدائع الزهور) .. في الزيني اقحمت لغة العصر المملوكي .وجاءت روايتي بعد الزيني منختلفة تماما ( رواية وقائع حارة الزعفران ) ..



    انغماس جيلي في السياسة لا يعني انه سياسي او ان السياسة جاءت على حساب الادب !!



    بعد وقائع حارة الزعفران تجد الرفاعي وخطط العيطاني , ثم نقلة كبيرة في كتاب التجليات في الثمانينيات , وكانت وراء هذا الكتاب تجربة مؤلمة تتمثل في وفاة الوالد , وتغير الاحوال تغير جذري بذهاب السادات الى اسرائيل , وكيف يصبح العدو صديقا .. انا من جيل تربى على ان الهم العام هم خاص , تؤثر القضايا العامة فينا كثيرا . موت الناس في فيتنام عندما ضربت بالقنابل جعلني ابكي في الشارع .. كان جيلنا غير منغلق على الذات , لكن انغماسه في السياسة لا يعني انه سياسي , وان السياسة جاءت على حساب الادب . فالسياسة جزء من الحياة . صحيح ان الامور تدهورت واصبحنا ننظر للقتل والدمار في التلفزيون .ز ننظر الى جثث الفلسطينيين والعراقيين , دون ان يؤثر فينا ذلك كثيرا مثلما كان يحدث لجيلنا في الماضي ربما ان جلدنا اصبح " تخين" بسبب تراكم الالام , وربما ان الصورة جعلتنا نعتاد على هذه المشاهد المرعبة للجثث الممزقة اشلاء !! .. وهذه ظاهرة جديرة بالدراسة .. اريد ان اقول اننا لا نرغب في الندب , ولكننا جيل تعيس الحظ . عشنا فترة محملة بالامال هي فترة عبد الناصر , وكنا مختلفين معه , فقد كانم هو يقول انه يبني اشتراكية بينما كنا نرى ان ما يفعله لا علاقة له بالاشتراكية . وفي 1967 حصلت كارثة عظمى , نعيشها حتى الان . فهزيمة 1967 الحقيقية هى ما نعيشه الان على مستوى مصر والعالم العربي ككل ( اقاطعه : زلزال استقرار التدهور ..) ايوة .. استقرار التدهور . في العشرين سنة الاخيرة . اذ حدث تجمد في الحياة وحصل فساد لم تعرفه مصر ولا حتى في العصر المملوكي _ بالعكس المماليك كانوا ناس شجعان يحاربون ويصدون تيمورلنك , ويهزمون المغول - اثرياء هذا الزمان تسبقهم ارصدتهم الى الغرب . قدر علينا ان نعيش مرحلة فيها تراجع مستمر .ز اظن انه في الكتابة لا انا ولا جيلي قصرنا , بالعكس نحن كتبنا كتابة كان ممكن تودي بحياتنا في بعض الفترات . لكن هذا لم يشغلنا عن تطوير ادواتنا الفنية باستمرار . فبالنسبة لي كانت الكتابة مغامرة مستمرة ..



    ان تحبس كاتب 40 يوم وتعذبه وتحرمه من رؤية الاهل والاصدقاء :



    اقدر اقول ان المرحلة في تجربتي مع الكتابة هي مرحلة التعامل مع نصوص كبرى والخروج منها . مثل تجربة الزيني بركات والفتوحات المكية , حول هذين النصين عشرات النصوص الاخرى , انما حدث شيء شخصي : هو علاقتي بابن اياس فقد احببته كما احببت ابن عربي والمغريزي في (.. معرفة دول الملوك) والذي يكاد يبلغ خمسة اضعاف كتاب ابن اياس . احببت المقريزي في كتاب اخر (الخطط) يعني بعلاقة المكان بالزمان بالانسان ويؤرخ للقاهرة ( الحارة والدرب والشارع والمسجد والنافذة ) ولم يحظ هذا الكتاب الغريب بدراسة وافية حتى الان .. من هذه النصوص احاول ان انطلق الى حداثة مقلوبة - اذا جاز التعبير - بمعنى حداثة للخلف , لاكتشاف مناطق مجهولة لم يتعامل معها احد .



    اتصالا بحديثك عن " الزيني بركات .. في كتاب " زمن الرواية " لدكتور جابر عصفور , اشار دكتور عصفور الى ان اليجوريات الغيطاني في الزيني بركات ووقائع حارة الزعفراني تشكلت من السياق السياسي المغلق .. وهنا يقصد دكتور عصفور " رمزية العسكري الاسود" .. كيف تقرأ ما اشار اليه دكتور عصفور ؟



    فيما يتعلق بي انا طبعا - العسكري الاسود واعمال اخرى كانت رد فعل للقهر الديموقراطي في الستينيات - كانت الستينيات مرحلة غريبة , فيها تجربة كبيرة وامال عريضة , ومحاولة للبناء ومجتمع متفائل يتطلع الى التقدم .. البعض صدق ذلك والبعض لم يصدق - مثلي- بسبب الخلل والفساد . اذكر ان جمال عبد الناصر خطب لان رئيس مجلس ادارة سابق اختلس 5الاف جنيه - يعني الفساد كان على صغير - اليوم الواحد ممكن يتغدى بمثل هذا المبلغ في مطعم من مطاعم القاهرة . ما اريد قوله ان التجربة الناصرية شابها عسف ديموقراطي لم يسبق له مثيل , ولم يكن له مبرر على الاطلاق . انا طبعا اؤمن بان الحكم على مرحلة رهين بظروف هذه المرحلة , بمعنى انه يجب ان يضبط بظروفها . لكن اعتقد ان الذي ادى الى هزيمة 1967 هو هذا العسف والقهر والفساد . دخلت المعتقل وتعرضت للتعذيب , وكنت متهم بانني في تنظيم سري , لكن لم يكن هناك مبرر لكل ذلك , ان اعتقل اربعين يوما في زنزانة لا ارى فيها احد من الاهل او الاصدقاء ولا اى شخص , واتعرض للاغراق بالمياه الباردة في الشتاء , والضرب والكهرباء , الخ .. وقد عانى الاخوان المسلمين اكثر من ذلك , فقد عرفو الاعتقال والتعذيب قبلنا بسنة .. قابلتهم في سجن طرة وجلست معهم وبدات افهم من اين جاء بعد ذلك كل هذا العنف .. فالعنف الناصري نتجت عنه حركات مثل التكفير والهجرة والتنظيمات الاخرى المتطرفة , وهنا دور الادب ان يقاوم هذا .ز لكن في بعض الحالات نضطر لاستخدام الاقنعة في الكتابة , مثل قناع اللغة كما في الزيني بركات . وطبعا انا مدين لهذه الظروف لانها جعلتني اصل بصورة كبيرة فكما تعلم ان الزيني بركات ضد القهر وضد العسف .. صحيح كتبتها بايحاء من العصر المملوكي , لكنها ليست العصر المملوكي اذ قمت بتفكيك العصر المملوكي وتجميعه واعادة تركيبه من جديد .. فتجد مثلا عبارة مثل " كبير البصاصين" , وهذه العبارة لا اعرف من اين جئت بها , انها من اختراعي وربما اكون وجدتها في الصعيد , لكنها غير موجودة في العصر المملوكي .ز الشيء الاخر : الثراء الرهيب في القص , هذين الامرين جعلا الرواية تخرج من اطار الزمن , بمعنى ان الاطار مملوكي والمضمون عصري جدا .. ادانة للقهر في اى عصر واى مكان واي زمان . ولم اتوقع ان تترجم هذه الرواية لصعوبة لغتها , فقد كتبتها بلغة القرن السادس عشر . امعالنا في التمويه ولما ذهبت بها للنشر في روز اليوسف , نشرت مسلسلة على مدى 6 شهور , تعامل الرقيب معها على اساس انها مخطوطة ( اقاطعه : طرحت هذه الرواية على القاريء في السودان , فيما اذكر التساؤل حول اللغة وفي اي عصر تدور هذه الاحداث .ز وشعرت شخصيا بشيء غريب في هذه الرواية يتعلق باللغة , فهي لغة مخطوطات , وتساءلت وقتها عن مدى علاقتها بالمخطوط ومسافتها من الخيال ..) يكمل : هي بالنسبة لي تجربة طريفة , فاللغة هنا جميلة وفيها امكانية لاستيعاب العامية . انا احب العامية لكنني لا اكتب بها , لانها في حالة تغير مستمر لكن الكتاب المصريين في القرون الوسطى حلو هذه المشكلة , فذاك عصر عبقرية اللغة وليس عصر انحطاط الاسلوب كما يشيع عنه اساتذة الادب في الجامعات . لان اللغة العربية حينها كانت بالنسبة للمصريين لغة وافدة , وليست لغتهم الاصلية , وكانت اللغة القبطية هي التي تحكم الشارع العام ودواوين الحكومة . ولم تستقر اللغة العربية في مصر الا بعد 400 سنة اي في بداية العصر الفاطمي وهذا راي بعض العلماء مثل دكتور مختار عمر , والذي لديه كتيب اسمه ( تاريخ اللغة العربية في مصر ) ..



    لن تكتمل معرفتنا بالادب العربي الا بدخول نصوص التصوف في دراسة الادب ..



    اذن عملية احلال اللغة العربية في مصر لم تتم بسهولة , فالمصريين لاجل ان يواءموا بين لغتهم القديمة واللغة العربية التي دخلت عليهم حديثا - وهي لغة مقدسة - وصلوا لمرحلة في البلاغة بين البينين , نموزجا لذلك اللغة التي كتب بها ابن اياس والمقريزي , والتي هي نحن نرفض ان نعتبر كتاباتهم جزء من الادب ... ثم اتسعت المسألة في التجربة الصوفية . فعندما تقرأ الشعراني ومدارس الصوفية المصريين مثل ابن الصباغ وغيرهم تجد اساليب ادبية فريدة , وعالية جدا وموحية . والادب الرسمي ومناهج الدراسة لا تعتمد هذه النصوص كادب ولذلك انا اقول دائما : لن تكتمل معرفتنا بالادب العربي كله الا اذا دخلت نصوص التصوف وادب الرحلة وادب التراجم الذاتية في دراسة الادب , ففرع التراجم مثلا يفيد في طريقة تقديم الشخصية عند ابن خلكان مثلا او الكتبي , الخ .. وهذه تراجم عامة . اذ توجد هناك تراجم النحاة والمذهبيين والمخططين والشعراء : عالم كامل من البشر . فعندما تقرأ طريقة الترجمة او التقديم لشخصية عاشت 70 سنة تجد اسلوبا خاصا في التقديم لم يدرسه احد . وهذا ما اشتغلت عليه انا ويمكنني القول بعد " التجليات " انني تخلصت تماما من الاقانيم والمقاييس التي ظلت معي فترة حتى في الزيني بركات , اذ تجد فيها بناء روائي وان يكن غير مألوف .. لكن في النهاية هناك معمار صارم ممكن تقول ابتداء من " شطح المدينة " والتي هي المرحلة التي تلت التجليات . وكان هدفي من البداية ان يكون هذا الذي افعله مقبولا . وبالفعل .
                  

08-12-2005, 08:09 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    الأخ المفضال عيسى

    إني لمدين لك بالشكر
    على تعريفي بهذا الحوار
    الشيق محتفياً بتلك الحفاوة
    التي إستقبل بها روائي في
    قامة جمال غيطاني عمل
    شقيقنا الروائي أحمد الملك
    لك ولأحمد الملك خالص
    التحية والإحترام
                  

08-13-2005, 03:58 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Osman M Salih)

    أخي الأديب عثمان محمد صالح، لك التحايا، وسعيد أنا بطلتك هذه،،، وسعيد أيضا لاستمتاعك بهذا الحوار مع الأديب الكبير الغيطاني، وبالطبع هذا ما رميت إليه أنا،أي أن يستفيد الجميع من الإطلاع على الحوار، ولكن في ذهني بصورة خاصة زملاء وأصدقاء ومحبي الأخ المبدع أحمد الملك.. ولك عميق الشكر وكثير الود..
    عيسى
                  

08-14-2005, 01:10 AM

banadieha
<abanadieha
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 2235

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)



    Isa

    أحمد الملك يكتب الحكاية لمن يقراها أيا كان هو..أي القاريء..فانه يجد فيها ما يجب أن يجده المرء عندما قصة أو حكاية أو رواية..واشكرك على الحوار مع جمال الغيطاني وأشكر سارة عيسى على لينك صحفة أحمد
                  

08-14-2005, 08:57 AM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: banadieha)

    العزيز بناديها...نعم أحمد الملك هو كما قلت في رأي أيضا،، إذ أجد أنا (كقـارئ عـادي) في كتابـات أحمد المـلك كل شي،، وكـل المعـاني العميقة السـاحرة والسـاخرة...فلك عميق الشكر والتقدير على تعليقك..

    Quote: وأشكر سارة عيسى على لينك صحفة أحمد

    بناديها: يبدو أن الأسماء قد اختلطت عليك!! ومن هنا أيضا تحية للزميلة سارة عيسى!!
                  

08-14-2005, 10:24 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: Isa)

    تحية لك وللأصدقاء:

    أحمد الملك
    أحمد ضحية
    صلاح خليل
                  

08-14-2005, 01:23 PM

Isa

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جمـال الغيطـاني: بهـرني أحمد الملك، فروّجـت له! شهادة من أديب كبير.. (Re: عبد الحميد البرنس)

    ولـك أيضاالمثل من التحايا،، والمزيد من الشكر عزيزي الأستاذ عبد الحميد البرنس...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de