الأثنين الدامي: المحرومون اجتماعيا وسيكلوجية الاحتجاج الفالت0

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:42 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-06-2005, 09:29 AM

محمد الامين محمد
<aمحمد الامين محمد
تاريخ التسجيل: 03-07-2005
مجموع المشاركات: 10013

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأثنين الدامي: المحرومون اجتماعيا وسيكلوجية الاحتجاج الفالت0

    الأثنين الدامي: المحرومون اجتماعيا وسيكلوجية الاحتجاج الفالت!
    الدُماغ الدارج وحده ليس كفيلا بأن يتجاوز القِشرة إلى العُمق ليهدينا تحليلا، ومن ثم، تفسيرا معمّقا لأحداث الأثنين الدامي، التي نسأل الله أن يجعل ما تلاها من هدوء للمشاعر والأحوال نهاية لها وبداية لمعالجة نهائية للأسباب الجذرية التي أشعلتها.
    وإذا كانت المجتمعات البدوية والريفية تستعيض عن مجتمع الخبراء ممّن تزوّدوا بتدريب نظامي في مؤسّسات الدولة الحديثة من جامعات ومؤسّسات خدمة مدنية وعسكرية بحكمة الشيوخ والقيادات الأهلية المستلهمة من تجارب الأسلاف، فإنّ المجتمع الحَضَري الحديث المعقّد التركيب والخبرات والمحرّكات {Dynamics} يحتاج، هو الآخر، إلى جهد أدمغة الخبراء ومعارفهم النظرية للتعاطي مع قضاياه وأحداثه.
    وسنُخطئ خطأ بالغا لو تخندقنا خلف تلك التفسيرات الدارجة، الناشئة بشكل تلقائي، استلهاما لبعض هواجس المجتمع الحَضَري وأوهامه ممّا ليس في وُسعه، بالضرورة، الصُمود في وجه أدوات ونتائج التحليل والتفسير المتسلّحين بالمنهج والنظرية العلميتين.
    خرجت سريعا إلى الشارع، صباح إعلان وفاة النائب الأوّل لرئيس الجمهورية، الدكتور جون قرنق، الأثنين الماضي، مجموعات صغيرة متفرّقة من المُشاغبين وبغلبة واضحة من بينهم لعناصر من أصول عرقية من جنوب السُودان. وأسفرت أعمال الشغب التي أوقعها هؤلاء خسائر فادحة وغير مبرّرة، في الأرواح والممتلكات. ولقد كان هدف تلك الأحداث الدامية أشخاص وممتلكات بعض المواطنين الحضريين الذين تصادف كذلك أن أصول أغلبهم من شمال السودان. ولقد أطلقت هذه المقابلة التي هي في ظاهرها جنوبية/شمالية، ذلك التفسير للأحداث الذي ما زال سائدا، والمبني على أن ذلك الاحتجاج الفالت ليس سوى استهداف عرقي! وهو تفسير قفز سريعا، وبشكل تلقائي، إلى الأذهان من مخبئه في لاوعي سوادٍ غالبٍ من المواطنين الحَضَريين ممّن استهدفتهم أعمال الشغب تلك، أو ممّن استبدّ بهم الخوف من كونهم مستهدفين مستقبلا بمثل ذلك الشغب اللئيم. وهذا التفسير هو ماقاد إلى رد فعل في اليوم التالي، بعد أن امتصّ الشارع الصدمة الأولى، دفع مقولة الاستهداف العرقي هذه إلى الأمام، وجعل منها إطارا تحليليا/تفسيريا صلبا.
    وفيما تغيب رؤية تحليلية/تفسيرية بديلة، فإنّنا نتخوّف أن تمثّل نظرية الاستهداف العرقي هذه القاعدة التي يعتمدها المجتمع والدولة أساسا للسياسات والسلوك التي ستحكمنا في مُقبل الأيّام. ولو جاء ذلك كذلك فسنكون حينها قد دخلنا، حتما، مرحلة من البلقنة والصوملة سيطول بقاؤنا في أكنافها بكلّ ما سندفعه من ثمن، هذا إن بقي هنا مجتمع في الأساس!
    أمّا مهمّة البحث عن نظرية تحليلية وتفسيرية لأحداث الأثنين الدامي فيقع عبئها، في الأساس، على مفكري الأمّة وأكاديمييها وحكمائها من أصحاب الخبرات التي أضحت حكمة لا يمكن الاستغناء عنها بحال. وهذا هو ما يحدث، على نحو تلقائي في كثير من المجتمعات التي تقدّمت فيها دورة التحديث.
    فعندما شاعت ظاهرة عنف مشجّعي كرة القدم في أوربّا تصدّى علماء النفس والاجتماع والاقتصاد والتاريخ لتلك الظاهرة بحثا عن تفسيرات علمية لها شكّلت في محصّلتها النهائية مادّة جيدة لصناع القرار والسياسات في العواصم الأوربيّة حينئذ.
    وحينما تفشّت ظاهرة عنف الأحياء والمدن الفقيرة في أوربّا الرأسمالية تصدّى العلماء أيضا لتلك الظاهرة، وفي كثير من الحالات بتمويل أو بتكلف من أجهزة الدولة المعنية، بحثا واستقصاء وإيجادا لأُطر تحليلية/تفسيرية كانت لها قيمتها في تحديد الكيفيات التي واجهها بها جهاز الدولة.
    وأن نفهم أحداث الأثنين الدامي على نهج عِلمي فالبداية هي أن ننظر في الحيثيات التي تفتق على أرضيتها ذلك الاحتجاج الفالت. وأوّل هذه الحيثيات هي التصنيف الاجتماعي لجماعات المحتجّين الفالتين أولئك. أمّا اجتماعيّا فإن ما يجمع أولئك هو انتماؤهم لأدني سفح الهرم الاجتماعي . . . جماعات المحرومين اجتماعيا/اقتصاديا من الأميين ومحدودي التعليم والمحرومين من فرص العمل بسبب تصاعُد معدّلات البطالة. لم يجيء واحد منهم ممتطيا سيارة، أو مرتديا هُنداما أنيقا. كانوا على قدرة عالية على المشى اكتسبوها غالبا من خلال مران مستمر كنمط حياة يومي. و أظهروا استعدادا ملحوظا لممارسة العنف لا تتوفّر لأغلب أفراد المجتمع الحَضَري المصنّفة إلى أعلى الهرم الاجتماعي/الاقتصادي. جاء هؤلاء المحرومون من أحياء طرفية بعيدة فيما يبدو، ورجعوا إليها راجلين. وصحيح، كما أسلفنا، فإنّ أغلب هؤلاء من أصول عرقية من جنوب السُودان. لكن لم يكن كل الجنوبيين مشاركين في تلك الأحداث أو حتّى مؤيّدين لها! حينما استهدف هؤلاء السيارات في الطُرقات أو بعض المحال التجارية ذات الواجهات المُترَفة (في نَظَرِهم). بل، من المؤكّد، أنّهم لم يكونوا يميّزون بين شمالي أو جنوبي، بل كان المستهدف هو السيارة أو المحل التجاري.
    يجب عدم الربط، شرطيّا بين الأصل العرقي والفعل الهمجي الذي وقع يوم الأثنين الدامي. لقد كان الجامع بين هؤلاء هو كونهم مجموعات محرومين اجتماعيا تصادف أن كانت أغلبيتهم الغالبة من أصول عرقية من جنوب السُودان. وهذا الفرز ممّا يسهل على عالم الاجتماع إجراؤه. ويذكّرني هذا الخلط التلقائي ما بين العرق والسلوك ردّا بليغا على الصحافيين من رئيس اتّحاد نقابات عمال بريطانيا الأسود الأصل، بيل موريس، عشية انتخابه في العام 1992 أوّل رئيس أسود لإتحاد نقابات عمال بريطانيا. جاءوا إليه مستغربين بلوغه ذلك الموقع بالرغم من أصله الأسود، لكنّه وبذكاء شديد قال لهم لا تُخطئوا فأنا لم أبلغ هذا الموقع لكوني ذي أصل أسود بل من منطلق أهليتي كنقابي! . . (أنا النقابي الذي تصادف أن كان أصله أسودا). وهكذا فهؤلاء هم المحرومون اجتماعيا الذين تصادف، لاعتبارات معروفة في تاريخ السُودان المعاصر، أن جاءوا من أصول عرقية جنوبية.
    حيثية أُخرى ذات قيمة كبيرة في تكييف إطار تحليلي/تفسيري لأحداث الأثنين الدامي هي أنّ وعيا بالحرمان الاجتماعي (التهميش في خطاب الحركة الشعبية وجماعات الاحتجاجات المسلّحة في الأطراف) قد اكتملت دورة تكوينه الجنيني. ولقد حدث ذلك بعد أن تبنّت الحركة الشعبية منذ نحو ربع قرن من الزمان هذا الخطاب ما قاد إلى انتشاره وتبنيه، خاصة من قِبل جماعات المتعلّمين من نُخب الأطراف. المُّهم هو أنّ واقعة التهميش (بغض النظر عن مسبّباتها) لم يعُد مختلفا عليها بتكوينها المركّب (مركز/أطراف . . تراتبات اجتماعية . . تداخل الإثني مع الاجتماعي/السياسي إلخ . . ). غيرّ أنّ الجديد، راهنا، هو الوعي بالتهميش، كما لاحظ بحذق سكرتير الحزب الشُيوعي السُوداني، محمّد إبراهيم نُقد، في حواراته المعمّقة مع صحيفة الأيّام بعد خروجه من خبائه الأخير.
    وأعضاء نادي المحرومين اجتماعيا الذين خرجوا إلى شوارع مدن البلاد هم من سكّان المراكز الحضرية. ويجب أن نلاحظ هُنا أنّ الاحتجاجات الفالتة تلك لم تقع في الريف، ولم تكن موجّهة بشكل مباشر ضد السُلطة، إذ لم يُُحصب أو يُحرق مقر للسُلطة إطلاقا، ما عدا مكتب للزكاة في إحدى المُدن الولائية. وهذا الأخير ممّا يعضّد النظرية التحليلية/التفسيرية التي يتبنّاها هذا المقال. فالاحتجاجات السياسية الموجّهة ضد السُلطة تقع حتّى في الريف إذ أذكر أنّنا حينما كُنّا تلاميذا في مراحل التعليم العام في قرى بعيدة كُنا نتظاهر ضد السُلطة تضامنا مع المتظاهرين في المُدن. لكنّ الريف لم يلتحق بهذه الاحتجاجات الفالتة، فيما يبدو، بسبب مضمونها الاجتماعي لا السياسي المُباشر. والريف هو الفضاء الاجتماعي الذي لا تبرز فيه الفوارق الاجتماعية/الاقتصادية على نحو ما يحدث في المُدن وسائر المراكز الحضريّة.
    المحتوى غير السياسي المباشر لاحتجاجات الأثنين الدامي الفالتة يعبّر عن مُعطيين مهمّين أوّلهما هو المحرّك الاجتماعي لها، وثانيهما هو أنّ تساكُن الحرمان الاجتماعي جنبا إلى جنب التَرَف في المدينة ظاهرة يسهل تمييزها، سريعا وبدون جهد. فالمقابلة ما بين أحياء السكن العشوائي ومُدن الزبالة والجوالات المهترئة من جهة وأحياء السكن الفاخر من جهة أُخرى، والتكوّم عند محطّات النقل العام فيما تتكاثر السيّارات الجديدة بمختلف ماركاتها التجارية وموديلاتها، بل حتّى والمقابلة في هيئات المواطنين وفقا للتصنيف الاجتماعي، وعبء كُلفة المعيشة شديدة الإرهاق أدنى الهرم الاجتماعي ويُسرها أعلاه . . هذه المشاهد اليومية، ممّا لا يُلاحظ في الأرياف، تتحوّل سريعا من كونها وقائع حرمان اجتماعي (تهميش) إلى تأسيس وعي واسع بالحرمان الاجتماعي ذاته. أمّا هذا الوعي المُتراكم فهو الذي يصنع الفعل الاحتجاجي الفالت (نزاعا مسلّحا في الأطراف، أو احتجاجا فالتا في المُدن).
    الوعي بالحرمان الاجتماعي هو برميل البارود الذي تجلس عليه مُدن البلاد. وانفجار برميل البارود هو النار التي يمكن أن تأتي على البلاد كلها، ريفا وحَضَرا.
    أمّا لماذا وقعت تلك الأحداث الأثنين الماضي فيما لم تستبقه أو تقع من بعد، فتفسير ذلك في أنّ مثل هذه الأحداث الكُبرى إنّما تعتمل عبر دورة كاملة من الزمان تتفاعل خلالها، وتتراكم أثناءها العوامل المؤدّية إلى انفجارها. فأحداث الأثنين الدامي ظلّت جنينا يتشكّل إلى أن أُشعِل عُود الثقاب . . الموت المُفاجئ للدكتور جون قرنق. ومهما كان فإنّ الراحل قرنق كان محط آمال كثير من المحرومين اجتماعيا بحكم أنّ خطابه السياسي انشغل بهم، و دغدغ أحلامهم بقوة وعنف.
    ولو أنّ كلّ ذلك كذلك، فغاية النظرية التحليلية/التفسيرية هي استقصاء أسباب الفعل وتداعياته. وهي ليست معنيّة بتحديد الصواب أو الخطأ، أو شرعية الفعل مقابل عدم شرعيته. و شأنها، من حيث هي جهد تحليلي تفسيري، أنّها تُعين صانع القرار وصانع السياسات العامّة بعيدا عن التفسيرات الدارجة عديمة العُمق، والمسكونة بخيال مجتمعي تغذيه بعض التخوّفات والأوهام التي تغذّيها، هي الأُخرى، بعض وقائع تاريخ غابر أكل عليها الزمان وشرب.
    أمّا ماذا تفعل الدولة فعليها أوّلا أداء واجبها في حفظ أمن مواطنها، دافع الضرائب، استباقا لا آجلا، فالحرمان الاجتماعي، مهما كان، لا يبرّر احتجاجا فالتا على نحو ما حدث. أمّا المعالجة النهائية المطلوبة فهي اجتثاث أسباب الحرمان الاجتماعي بمعالجة جذرية تتجاوز المسؤولية الأمنية إلى ضرورة إعادة تصويب مُجمل السياسات العامة، وتطويرها، بإكسابها مضمونا اجتماعيا يصب لصالح نادي المحرومين اجتماعيا بما يوفّر لهم الحد الأدنى من مطلوبات العيش الكريم.
    أمّا المجتمع في شقّه الشمالي، ومع كلّ ضرورات الاحتراز الأمني المشروع والمنضبط قانونا فواجبه هو ألا يتقوقع في وحل نظرية الاستهداف العرقي، التي لا يسندها، كما رأينا النظر العلمي المعمّق، فوق أنّه ليس من شأنها أن تُكسب مجتمعنا أملا لمستقبل موحّد وآمن وناهض. أمّا المجتمع في شقّه الجنوبي فمسؤول كذلك عن كبح جموح الفالتين وضبطهم قانونا كذلك. على أن تعمل مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني، شمالا وجنوبا، على امتصاص الصدمة وتجاوز آثارها والعمل على تعزيز فُرص التعايش بين المواطنين كافة بأعراقهم وثقافاتهم ومناطقهم المختلفة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de