اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 08:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-19-2005, 12:04 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة

    حتى لا تنجرح فضيلتكم

    اذهبوا الى كهوفكم و ناموا سعداء، وحاولوا مرة مرة اخرى شد الغشاوة حول الكرة الارضية كلها
    واحلموا انها توقفت عن الدوار

    Quote:
    نقلا عن نادي الأدب الأيروسي

    الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة
    أدب الاعـتـراف كـوســيـلـة لـلـمــعـــرفــة
    فـرح جـبـر


    هل يهرب الادباء من أدب البوح والاعتراف ويخافون نتائجه؟ يطرح المقال هذه المسألة لأن كتابة السيرة الذاتية لا تزال بعيدة عن اهتمامات العديد من الادباء العرب، فلم يقبل عليها الا القلائل من الرواد والادباء المعاصرين. وفي حين يرى بعضهم ان أدب الاعتراف يحتاج الى شجاعة وان يكون كاتبه جديراً بتاريخ نفسه، يرى آخرون الاكتفاء بلمحات من سيرهم في اعمالهم الادبية من دون الانزلاق الى اعترافات كاملة، ذلك ان "الأنا" العربية تظل تفضل الاختباء خلف ضمائر الجماعة أو خلف ضمير مجهول.

    أدب السيرة الذاتية في العالم العربي، باب فتحه محمد حسين هيكل في روايته "زينب" واقتدى به طه حسين في "الايام" وابرهيم المازني في "ابراهيم الكاتب" وتوفيق الحكيم في "زهرة العمر" والعقاد في "سارة" ومحمد شكري في "الخبز الحافي" وفدوى طوقان في "رحلة جبلية" وميخائيل نعيمة في "سبعون" وعبد الفتاح بومدين في "حكاية الفتى مصباح" واحسان عباس في "غربة الراعي" وجبرا ابرهيم جبرا في "شارع الاميرات" وسيرة عبد الرحمن بدوي... هل السيرة الذاتية العربية اقنعة أم اعترافات؟

    الغرب نفسه لم يعرف ولادة السيرة الذاتية، بالمعنى الذي نفهمه اليوم، قبل نهاية القرن الثامن عشر وصدور "اعترافات" جان جاك روسو، وإن كان البعض يحب اعتبار "اعترافات" القديس اوغسطينوس اقدم سيرة ذاتية باقية لنا اليوم. وحين كتب روسو اعترافاته اعلن رفضه لكل قناع، قال: "هذا أنا وهذه حياتي". اما جورج ماي فأطلق جملته الشهيرة: "اننا ننحني على كتف نرسيس، لنرى وجهنا، لا وجهه منعكساً على صفحة الماء". في رأي فيليب لوغون "ان كتابة السير الذاتية هي اولاً ممارسة فردية واجتماعية لا تقتصر على الكتّاب وحدهم"، في حين ان غبريال غارثيا ماركيز يميز بين السيرة الذاتية التي "تحكي ما كنته" والرواية التي "تقول انت ما تتخيل". بعضهم يهرب من المواجهة ويلجأ الى أقنعة روائية شأن نجيب محفوظ في ثلاثيته التي اجمع النقاد على ان كمال عبد الجواد هو محفوظ نفسه. يقول: "لم افكر في كتابة سيرتي الذاتية ووضعها في كتاب مستقل، لأنني كتبت سيرتي في رواياتي وقصصي". محفوظ محق في هذا، فمتتبع اعماله منذ الثلاثينات يجدها تعبّر بالفعل عن افكاره واحداث حياته، التي ينطق بها في روايته: "أنا كمال عبد الجواد. ابن السيد عبد الجواد بطل الثلاثية". اذاً شخصيات نجيب محفوظ هي نتاج حياته نفسها. واذ يهرب من المواجهة، يلجأ الى ما يمكن تسميته "جنساً أدبياً مراوغاً" بين التأمل والسيرة والرواية.




    عبد القدوس ومحفوظ في حيّز المراوغة
    لم تلامس غالبية السير العربية فضاء المكاشفات فبقيت في حيز المراوغة والتلميح لا الايضاح، ولم تتجاوز السائد المألوف الا بلمحات قليلة، ولم تصل مرحلة الاعتراف وبسط صورة الذات بما لها او عليها، كما فعل كتّاب اوروبا بسبب ظروف موضوعية.

    يجب القول ان عشاق القراءة يحبون "أدب الاعتراف" ويجدون فيه اللحظة الجميلة فيتسللون الى الحميمي في حياة الادباء.

    هل كتب الادباء العرب اعترافاتهم عن النساء والجنس وصولاً الى الأب؟ الجواب شائك ومعقد. فحين كتب طه حسين سيرته في "الايام" اتجه الى الترميز وبيّن صورة الأب التقليدية. وعندما نشرت غادة السمان رسائل غسان كنفاني اليها، لم "تتجرأ" في نشر رسائلها اليه. وحين اصدرت ديزي الامير الرسائل التي تبادلتها مع خليل حاوي قيل انها "منتجتها" وحذفت الكثير من مقاطعها التي تدل على خصوصية ما. والمعروف ان خليل حاوي انتحر في عام .1982 بعضهم قال انه اطلق النار على نفسه احتجاجاً على الغزو الاسرائيلي، ولكن هناك حقائق عن فشله في علاقته الغرامية. وحين كتب احسان عبد القدوس سيرته لم يعترف الا بعلاقته النسائية الاولى. يقول: "الحب الاول في حياتي كان لبنت الجيران، كانت صديقة لابنة عمتي، وكان حباً اعتبره من ارقى انواع الحب وانظفها وأعمقها والذي يجمع بين صبي وصبية، كان عمري وقتها 14 عاماً، وهي 13 عاماً، كان حباً قوياً بالنسبة لي شخصياً، وكان لا يتجاوز انها تزور ابنة عمتي واجلس معها كما كانت التقاليد، كان شيئاً راقياً في معناه، وكنت انتظرها على محطة الترام واركب معها لاوصلها الى مدرستها. ثم اعود على قدمي بعد ذلك الى مدرستي، وكل الذي كان يجمع بيني وبينها لا يعدو اكثر من ان امسك يديها وكان ذلك منتهى الرومانسية".

    لم يعترف عبد القدوس بأسراره رغم ان المرأة كانت محور اهتمامه وتفكيره. وقد علل ذلك بأن سلوك المرأة اكثر تعقيداً بسبب اختلاف ظروفها الاجتماعية عن سلوك الرجل.

    يردد بعضهم ان البيئة التي تربّى فيها عبد القدوس جعلت منه انساناً صعباً للغاية، فقد كان ملتزماً في المعنى الاجتماعي، ولم يكن يسمح لزوجته بأن تخرج من البيت بمفردها، وعندما يكون مسافراً يطلب منها الا تخرج، بل ان ترفض الدعوات التي توجه اليها. وكان متشدداً معها في موضوع الملابس، الى درجة انه كان يشترط عليها ان تكون ملابسها محتشمة. بلغ من محافظة احسان والتزامه ان أمه روز اليوسف ارسلت اخته اليه ليعاقبها بنفسه وتعيش معه في العباسية، اذ كانت تركب الدراجة الهوائية مع ابن الجيران. ما يلفتنا ان الناس يظنون احسان عبد القدوس كاتباً متحرراً من التقاليد والاعراف الاجتماعية، في حين انه ملكي اكثر من الملك، وتتناقض حياته مع كتاباته. واذا كان الاصوليون يصفون أدبه بـ"المارق" فهو نفسه يهاجم الادب الذي يعتمد على اثارة الغرائز ويعتبره "رخيصاً".

    وكلاء السماء على الارض يتهمون عبد القدوس بأنه "استبعد الدين تماماً من قصصه"، وكأن القصص وجدت للتبشير والدعوة، ولا يدركون ان سند الرواية الاول هو المعرفة والبحث عما نجهله. لم يكن عبد القدوس يعمل انطلاقاً من هذه المقولة بل كان يستند الى امور مغايرة. ويأخذ بعضهم عليه ان البطلات والابطال في قصصه تسيّرهم الغريزة الجنسية، ويتهمه بأنه برر الخيانة الزوجية، وجعل علاجها في احدى قصصه بأن تقوم الزوجة بالخيانة ايضاً وان تكون لها علاقات برجال آخرين، وبذلك تتساوى شخصيتها مع شخصه. وعندما رفضت الزوجة فكرة الخيانة، اتهمها طبيبها بأنها تسير وفق تقاليد متحفظة، مهملاً الجانب الديني.

    ويروّج منتقدوه انه جعل "الحب فوق الحلال والحرام، وهاجم الحجاب والفصل بين الجنسين"، وقال: "إن شرف البنت وعذريتها من التقاليد التي يجب التمرد عليها".

    نجد في ما اوردناه فصامية في اقصاها، من حيث دعوته الى الحرية ونظرته الرجعية حيال المرأة، وفصامية الذين يحاكمونه من خلال شخصياته الادبية وليس شخصه.

    تختلف اعترافات نجيب محفوظ عن اعترافات عبد القدوس. نشر احد مواقع الانترنت ان نجيب محفوظ عاش في الفترة التي سبقت زواجه ،"حياة عربدة كاملة، كنت من رواد دور البغاء الرسمية والسرية، ومن رواد الصالات والكباريهات، ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن ان يتصور ابداً ان شخصاً يعيش مثل هذه الحياة المضطربة وتستطيع ان تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن ان يعرف الحب والزواج، كانت نظرتي للمرأة في ذلك الحين جنسية بحتة، ليس فيها اي دور للعواطف او المشاعر، وإن كان يشوبها احياناً شيء من الاحترام، ثم تطورت هذه النظرة وأخذت في الاعتدال بعدما فكرت في الزواج والاستقرار".

    اعتراف محفوظ بعلاقاته النسائية وذكرياته الجنسية يبدو مثيراً وصاخباً. يقول: "عشت في العباسية اول قصة حب حقيقية في حياتي، وهي قصة غريبة ما زلت اشعر بالدهشة لغرابتها، كنت ايامها على اعتاب فترة المراهقة، وقبل ان ادخل هذه التجربة كانت علاقتي بالبنات لا تزيد على مداعبات تتجاوز الحد احياناً وكانت هذه التجاوزات البريئة تصطدم بالاحساس الديني، لدرجة انني كنت اتوجه الى الله يومياً، واعيش في عذاب مستمر من تأنيب الضمير". كانت الفتاة التي احبها نجيب محفوظ تكبره سناً، هي في العشرين من عمرها وهو في الثالثة عشرة، جذبه اليها بالاضافة الى جمالها انها مختلفة عن كل البنات اللواتي عرفهن قبلها، فلم تكن تقليدية مثل بنات العباسية، بل كانت تميل الى الطابع الاوروبي في مظهرها وحركاتها.

    ولم تكن المرأة هي العنصر الوحيد بل صاحبتها اشياء اخرى اعترف بها محفوظ في رسالته الى احد اصدقائه أوردها الكاتب احمد فرج في كتابه "ادب نجيب محفوظ" وقال فيها: "لقد عرفت هذا الصيف اديباً شاباً موهوباً ولطيفاً معاً، ولهذا الاديب عوامة نقضي فيها نصف الليل ما بين الحشيش والاوانس. انقلب اخوك شيئاً آخر، لقد علّمني البوكر - سامحه الله - فغدوت مقامراً، وليس بيني وبين دكتور الامراض التناسلية الا خطوة، فانظر كيف يتدهور الاديب على آخر الزمن. وفي هذه اللحظة التي أكاتبك فيها يعثرون على القنابل في القاهرة كالتراب. وخصوصاً بعد حادث سينما مترو. بل تصور انه انفجرت منذ اسبوعين قنبلة في شارعنا، وعلى بعد عشرين متراً من بيتنا، وكان من نتائج ذلك اني بطلت حفظ الحشيش في البيت خوفاً من التفتيش".

    هذه الاعترافات تظل مهذبة، مقارنة بغيرها، تفضح لكن من دون تفاصيل. على ان صورة المرأة في أدب محفوظ، بدت باهتة مثل امينة في "الثلاثية" التي صارت الزوجة المطيعة على الدوام لـ"فرامانات" زوجها احمد عبد الجواد، عنواناً لكل زوجة اتخذت الهوان والضعف والخنوع سبيلاً للبقاء على قيد الحياة. لم تخرج الانماط التي وضع محفوظ نساء اعماله في اطارها، كثيراً عن هذا السياق.

    المرأة المحفوظة اما سلبية مثل امينة، واما فتاة ليل شأن زبيدة وزنوبة في الثلاثية ايضاً، فضلاً عن ريري في "السمان والخريف" ونور في "اللص والكلاب".

    وحين أراد محفوظ ان يقدم نماذج المرأة الجديدة المتحررة اتاح لنا ان نقرأ سوسن حماد في "السكرية" وهي تناقش شاباً جاء خاطباً ودها، اذ طلبت منه ان يتخلص من كل رواسب البورجوازية فيه، وفي "خان الخليلي" يقدم نجـيـب محـفوظ عليات الثائرة معشوقة للازواج، وقد تزوجت زواجاً صورياً، زواج مهنة وارتزاق.




    شكري... في الماخور
    ليست اعترافات نجيب محفوظ سوى نقطة في بحر اعترافات محمد شكري. هذا الروائي الذي كتب سيرته بلغته السهلة التي تقلص المسافة بين الادب الشفوي والادب المكتوب، شكل صدمة في الوعي الثقافي العربي، وقد جاءت سيرته مثل بيان ساهم في تغيير النمط السائد في الثقافة العربية التي تميل الى الحجاب لا الكشف. كتب على غلاف سيرته: "هناك من يأتي الى الكتابة عن طريق اجترار الكتابة، وهناك من يأتي اليها عن طريق الحس والتجربة". لا يخفي محمد شكري انه انتهك عبر "الخبز الحافي" العرف الموروث الذي يرى في وصف التجربة الذاتية قضية اعتبارية تتصل بفعل رمزي هو استرجاع تكوّن الذات. كتب شكري عن شخصيات عرفها في طنجة، المدينة ذات البنية الاجتماعية والثقافية الفسيفسائية المعقدة والاندرغراوندية. ويصف لقاءاته الجنسية الاولى وصفا كاملاً، يحكي عن المرأة الاولى التي اختبر معها رجولته يقول: "انتقلنا الى حي "الطرانكات"، اعين امي في بيع الخضر والفواكه، انادي بصوت صاخب على المشترين بالاسبانية، كل مساء آخذ لنفسي دون علم امي النقود لشراء معجون الحشيش والكيف والجلوس في المقهى، والدخول الى السينما، التقيت صديقي واتفقنا ان نذهب الى الماخور".

    وفي الماخور يقول شكري: "اكدت للمرأة اننا لم نشرب كثيرا، فقط نحن مرحان ونريد ان ننعس معها كما فعل رفاقنا في الحي، ظلت تفحصنا بنظرات باسمة ونحن نخاف ان ترفضنا قالت لنا: طيب من سيبدأ الاول: نظرت الى رفيقي قال: ارجوك ادخل معها انت الاول، طلبت مني ان ادفع لها المال مقدما. لم اتردد، هي تبيع جسدها ونحن نشتريه، اخذت تتعرى والسيكارة في فمها، دخانها يجعل عينيها ناعستين. شفتاها شهوانيتان حمراوان قالت لي: "افتح فمك"! وضعت سيجارتها في فمه المفتوح، ادارت له ظهرها، فك لها رافعة صدرها متأملا بشهوة الزغب الخفيف عند منبت ظهرها، استدارت وواجهته باسمة رافعة نهديها بيديها، استعادت سيجارتها الى فمها، وابتسم لها خوفا من جسدها. وسط هذا الجو المتوتر يقول شكري: "افك ازرار بنطالي باضطراب، قلبي يخفق بعنف، هذه المرأة ستتركني ادخل في لحمها كما تدخل السكين في اللحم، سأجرح لها فرجها".

    ما كتبه شكري هو رسالة، نتورط في حبها واسطرتها، وفجورها دالّ على التدهور الاجتماعي والسياسي في طنجة. بعضهم من دعاة الادب الصالوني، قد يستغرب ادب محمد شكري ويمنعه لأنه يصب في مصاف السوقية، ذلك ان عالم السوقية يكمن في الاسفل، حيث يتأرجح الجسد وحاجاته. و"السوقية خضوع الروح المذل لقانون الاسفل"، على تعبير احد الكتّاب.

    قد يخترع احد الكتّاب سيرة لنفسه، من الوهم والخيال والافتراض، فهل كل ما يكتب عن الذات حقيقي ويجب ان يلفت الآخرين الى فضائحيته؟ ما المعطيات التي تجعل من المكتوب في السيرة الذاتية خارجا من الانا لا من "فن الكذب" الذي توصف به الرواية عادة؟

    ادب شكري فيه قدر من الحقيقة لأن رواياته تتقاطع مع الكثير من الادباء الذين عاشوا في طنجة.

    اللافت ان سهيل ادريس كان رفض نشر رواية "الخبز الحافي" لشكري لأنها سوقية وتحتاج الى فلسفة، وربما لأنها جريئة. وعندما كتب سيرته اعترف بشذوذ والده الجنسي، قال: "لقد اخذ عليّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به. شخصيا، حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل".

    "اخترق" ادريس التابو متأخرا ولم يكن لسيرته الصخب المعتاد بل كانت عابرة باستثناء علاقة والده بالشذوذ. كان على سهيل ادريس ان يكشف المستور في علاقاته بالايديولوجيات التي اتبعها وناضل من اجلها، ربما يبين ادوات قمعها للأدب والجسد والروح.




    "بيضة" رؤوف مسعد
    على ان رؤوف مسعد، الخارج من الاحزاب اليسارية في مصر، هو اكثر الروائيين العرب ميلاً لاختراق التابوات. رغم كونه ابنا لقسيس بروتستانتي، فقد تمرد على التعاليم الدينية، وقاطع الكنيسة نهائيا وصار يبحث عن كل ما هو غريب. ففي وقت كانت مكتبة الكلية الاميركية في اسيوط ممتلئة بالكتب الدينية، كان رؤوف مسعد يبحث عن القصص والروايات الروسية والكتب الماركسية التي تنسجم مع ذائقته الادبية.

    في سيرته الذاتية التي اعطاها اسم "بيضة النعامة"، كتب مقاطع من ذكرياته الجنسية. في حكايته الاولى يقول: "اسند الخادم مكنسته المصنوعة من زعف النخيل على الكرسي، ووقف خلف الولد الذي كان منحنيا، لم يحس به الولد، التصق الخادم زنقه بين فخذيه واضعا يده على فمه يسده والاخرى ترفع جلابية الولد، هكذا حسم الخادم الموقف الذي كان يتنامى بينهما خلال اسبوع طويل من المطاردة، الخادم لا يتجاوز عمره السابعة عشرة، يعمل في البيت من حوالى اسبوعين، ام الولد مشغولة في ارجاء البيت الواسع وهي تحاول ان تضع الولد دائما تحت مراقبتها، ولكنه كان يهرب منها، تنادي عليه فلا يجيبها، كانت احيانا ترسل الخادم للبحث عنه، حينما يجده يتسلل اليه من الخلف ويحتضنه، احيانا كان الولد يرفضه ويخمش وجهه، احيانا اخرى كان يتجاهله فيظل الخادم يحتضنه ساحبا اياه ببطء باتجاه صوت الام المنادي، حينئذ يتركه ويراقب الموقف عن كثب هل سيشتكيه الولد الآن؟ لكن الولد لم يشكه ابدا". وفي مقطع آخر يقول: "هل يمكن السير في مظاهرة بدون ملاحظة ارداف من امامك من البنات؟ يقول: ثمة مظاهرة للاحتجاج على اتفاقية كامب ديفيد التي وقّعها انور السادات، سرنا جميعا باتجاه السفارة المصرية، المصريون الذين يعملون في العراق والطلاب الذين يدرسون هناك. رأيتها. رأيت اولا الردفين وقد تكورا خلف البنطال الرمادي، كنت على بعد خطوات من مؤخرتها، فاقتربت اكثر لأرى وجه صاحبة الردفين، انها يمامة التي تدرس في كلية الطب، اعرف والدها على الخفيف، سألت نفسي مؤنبا لماذا لم اهتم بها من قبل، الردفان يقبلان ويدبران يتلاطمان ويتراعشان، قلت لنفسي لو لم تكن تمتلك يمامة شيئا سواهما لشفعا لها".

    وفي مقطع آخر: "في حي غاردن سيتي في القاهرة، و في سنتي الجامعية الاولى وفي الشقة التي يسكن فيها اصدقائي الطلاب السودانيون، سألت المرأة التي قصدناها من شارع قصر العيني والتي كانت في منتصف العمر: خلاص؟ فأجابت: طبعا هي شغلانة. ارتدي ثيابي وكنت ما ازال مشغولا بالسؤال الابدي الذكوري: هل انا رجل بما فيه الكفاية؟ وما هو التكنيك الصحيح الذي يسعد المرأة؟ وهل للحجم علاقة بكل ذلك؟ اجلس في الصالة ادخن سيجارة بينما يلغط الآخرون ويضحكون بتوتر، اسير الى ميدان التحرير، استقل الباص الى شقتنا في الضاهر، اختي الكبرى تسألني مستريبة كنت فين، فأتلعثم، تقول دون ان تنظر اليّ، ريحتك غريبة اذهب الى الحمام".

    حين صدرت "بيضة النعامة" عام 1994 لم يكن احد يعرف رؤوف مسعد كروائي، بل كان معروفا في اوساط النخبة الثقافية والادبية انه صحافي. ظهوره المفاجىء برواية "تكشف المستور"، فرضه على الواقع الثقافي. فقد كتب روايته بالجسد وليس بالايديولوجيا التي كانت سائدة. الجسد يتحدث عن الرغبة والعاطفة بلغة البوح، اما الايديولوجيا فتتحدث عن المؤسسة والتمجيد والشعار. الجسد مطرود من شروط العمل الادبي، بحسب احد الكتّاب العراقيين. فأهل الايديولوجيا كانوا يعلموننا ان القضية هي التي تستحق الكتابة عنها لا الجسد. وعلى هذا، فسيرة رؤوف مسعد تمرد الجسد البشري على الجسد الايديولوجي.




    العبث بالجسد... ممنوع
    في سيرته، "خارج المكان"، يقدم ادوارد سعيد نوازعه مع اهله وكيف اكتشف الجنس وهو في الخامسة عشرة. يقول: "لم تكن توجد مجلات جنسية او افلام فيديو اباحية متوافرة علنا بالنسبة لي، ثم ان المدارس التي ارتدتها في مصر والولايات المتحدة الى حين بلوغي السابعة عشرة والنصف كانت تولدن كل شيء وتنزع عنه كل صفة جنسية". كان الجنس ممنوعا لادوارد سعيد لكنه تمكن من قراءة وصف يتضمن التفاصيل الوافية عن العملية الجنسية في مذكرات ويلفرد ده سانت ماندي اذ صار ويلفرد واحدا من رفقاء مراهقته الصامتين السريين، لكن اهله كانوا قد ابعدوا عنه كل ما من شأنه اثارة الغريزة الجنسية لديه، الا أن حاجته العارمة الى المعرفة والاختبار هي التي خرقت قيود الاهل، الى ان حدثت مواجهة علنية.

    ففي اواخر تشرين الثاني عام ،1949 فتّش ابوه في ملابسه وقال: "انا وامك لاحظنا انك لم تستحلم وهذا يعني انك تعبث بجسدك". وكان الوالدان قد حدّثا ابنهما عن اخطار العبث بالجسد، رغم ان اباه لم يكلمه ابدا عن ممارسة الحب الذي هو الجنس، وكان ادوارد قد طرح سؤالا على ابيه عن كيفية ولادة الطفل، فكان الجواب غامضا، يقول سعيد: "ان حمل امي المتكرر وخصوصا انتفاخ بطنها بطريقة تنذر بالخطر خلاله، لم يساهم في الاجابة عن السؤال عن الحمل والوضع، كانت الاجابة كل مرة هي" كتبنا رسالة الى يسوع فبعث الينا بطفل"، اما ما قاله ابي بعد تحذيره الصارم من العبث بالجسد فكلمات شحيحة عن كيفية وضع الرجل "اعضاءه الحميمة" في "الاعضاء الحميمة الخاصة بالمرأة"، فلا شيء عن النشوة او القذف او عن موضع تلك الاعضاء الحميمة من الجسم".

    لم يتعرف سعيد الى الاستمناء بنفسه لكنه شاهده بالصورة عندما كان يتسكع في غرفة تبديل الثياب في المسبح. يعترف: "كنت بخجلي المعهود ادخل الغرفة لارتداء المايوه، اقتحمت الغرفة عصبة من الفتيان يكبرونني سنا، يرشحون ماء من السباحة، يتقدمهم ايهاب، كان ثريا مطمئنا ومستقرا في مكانه، طلب منه اصدقاؤه، قالوا له افعلها يا ايهاب، انزل الشاب سرواله واعتلى المقعد، وفيما هو يتلصص من فوق الجدار على منطقة التشمس حول حوض السباحة، بدأ يستمني، فالجميع كان يراقب ايهاب. كان مضحكا". يمكن القول ان الاعتراف عند ادوارد سعيد اقرب الى توجيهات اخلاقية.

    الاستمناء هو ما عرف في وصفه منظومة من الحركات يقال انها مرضية او مذنبة تخص الاطفال والمراهقين. لكن جاك ديريدا يعتبر من العسير الفصل بين الكتابة والاستمناء. فهذان المكملان يشتركان على الاقل في تسمية الخطورة. يخترقان المحظور وتتم معايشتهما في اطار الشعور بالذنب. ولكنهما في الوقت نفسه ووفقا لقاعدة الارجاء يؤكدان المحظور الذي ينتهكانه ويتفاديان خطرا ويدخران جهدا. في الكتابة والاستمناء، يتجلى حب الذات، ويتركان اثرا للذات في العالم.

    يجب القول ان الكتّاب حين يثيرون علاقتهم بالجنس في الكتابة، يدلون على ذلك كنوع من حب الذات، لكن الكتابة حين تبدأ اشتغالها، تعرض المنظور للموت حين تجعله مكتوبا. هل العرب يحبون ذاتهم؟ في كتابه المهم "ازمة الجنس في القصة العربية"، يتتبع غالي شكري تاريخ كتابة الجنس في الادب ومدى الكشف او التستر والترميز الذي يستخدم فيه الجنس وفقا لظروف العصر ووضع المرأة فيه. فكلما قل وضع المرأة، قل التعبير عن الجنس، على ما حدث في القرن الثامن عشر. فبهذه النظرة الرومنسية رأى الانسان الجديد حاجته الملحة تتحول رويدا رويدا حاجة ثانوية، بعدما احاط المرأة بهالة نورانية من ضوء سماوي خالد، وانزوى الجنس من صفحات الادب الرومنسي الى الهوامش، لأنه لم يصدق ان المرأة - هذه القديسة الملائكية - يستطيع جسدها ان يحتوي هذه الحاجة الملحة. حتى ظهر بالزاك وفلوبير فساهما في اعادة الربط بين الحب والرغبة والجنس.

    اختلف الامر بظهور رواية "عشيق الليدي تشاترلي" لـ د.هـ. لورنس والتي اثارت ضجة كبيرة لأن لورنس كانت لديه نظرية محورها ان الجنس مظهر لنشاط الانسان بل هو اصل هذا النشاط.

    البنية الاجتماعية والدينية العربية لا تسمح بأي خروج على الرؤية السائدة بل تحاربها. وتظهر هذه القسوة اكثر في موضوع السيرة الروائية الذاتية. لا احد يجرؤ على كتابة سيرة ذاتية "جريئة"، ولا تزال الانا غائبة عن النصوص. يميل غالبية الكتّاب الى الغموض والحجب ولا يعيرون الجسد اهمية. يكتبون عن الجنس، يتحول الجنس عندهم كليشيه بائسا لا جدوى منه.

    تحتاج الثقافة العربية الى ادب الاعتراف ليس كموضة ادبية بل كوسيلة للمعرفة .
                  

07-19-2005, 02:44 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة الذاتية وانتهاك الصمت (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: السيرة الذاتية وانتهاك الصمت


    ( إن حياة أي إنسان،

    مهما كانت تافهة،

    ستكون ممتعة إذا رويت بصدق).

    * كولريدج.




    يوم صدرت رواية رؤوف مسعد " بيضة النعامة" سنة 94 لم يكن احد يعرف من قبل هذا الكاتب كروائي، بل كان معروفا في أوساط النخبة الثقافية والأدبية كصحفي عمل في دول عديدة ومنها العراق وألف مع الروائي المصري صنع الله ابراهيم كتابا عن تجربة السد العالي.

    لكن الظهور المفاجئ والعلني بهذه القوة وبرواية عارية مفتوحة وبلغة جارحة تفضح وتعري وتكشف، يكون رؤوف مسعد قد فرض نفسه على الواقع الثقافي الذي يميل إلى تقاليد صارمة في المحاباة وتقديس الرموز والنموذج والأصل والرواد والأسماء والولاءات الشخصية والحزبية من جهة، وإلى رسوخ صورة نمطية شائعة ونموذجية وتقليدية عن الرواية، فضلا عن تقاليد القراءة المتخلفة من جهة أخرى.

    وهناك، مع كل أشكال القمع السائدة السياسية والاجتماعية والدينية، توجد معها وبضراوة أشكال قمع أخرى وهي كما ذكرنا تقاليد الولاءات بما عرف عنها من نفور أو محاباة، وكذلك رسوخ صورة محددة نمطية عن العمل الروائي نتيجة سنوات طويلة من القراءة للرواية الكلاسيكية حتى آمن البعض، بل أقول غالبية القراء، أن وظيفة الروائي لا تختلف عن وظيفة المؤرخ، كلاهما، حسب هذا الفهم السطحي، يكتب( عن الحقيقة).

    ولسنا هنا في وارد الفصل بين لغة الروائي ولغة السياسي أو المؤرخ وهي باختصار:

    *إن المؤرخ يتحدث عن وقائع كما هي.

    * والروائي يتحدث عن وقائع حقيقية أو متخيلة أو كما ستكون أو كما يراها هو.

    * المؤرخ يبحث عن الحقيقة في التاريخ.

    * والروائي يبحث عنها في اللغة والجسد والخيال والتاريخ.

    * المؤرخ يصف الواقع.

    * والروائي يفككه.

    * المؤرخ يبني الماضي من جديد وبلغة واقعية.

    * والروائي يبنيه في المستقبل وفي الحاضر باللغة والمخيلة والمحكي.

    * مهمة المؤرخ أن يعيد رسم صورة الماضي كما وقع.

    * والروائي يعيد رسم الحاضر/ الماضي/ المستقبل كما جرى أو يجري في خياله.

    * لغة المؤرخ لغة يقينية جازمة حاسمة مطمئنة.

    * ولغة الروائي لغة نسبية احتمالية مقلقة.

    ويمكن المضي قدما في الفصل بين وظيفة المؤرخ وبين وظيفة الروائي. لكننا نكتفي بهذا القدر كما يسمح الوقت والظرف.

    ورغم أن رؤوف مسعد كتب على غلاف روايته كلمة( رواية) ولم يكتب سيرة ذاتية، خاصة وأن هذا التعريف الأولي على الغلاف يعكس ميثاق القراءة أو عقد القراءة بين الكاتب وبين القارئ، إلا أن هذا التوصيف لا يلغي كون هذه الرواية هي سيرة ذاتية روائية مبهرة وممتعة وجريئة.

    وسنحاول، في هذه القراءة/الانطباعات،تقديم صورة عامة عن طرق قراءة النصوص الروائية الجديدة، وكذلك طرق نقدها من خلال التركيز على الخطاب الروائي وليس على مادته فقط، فالخطاب الروائي هو الطريقة التي ينتظم فيها الموضوع أو المادة داخل شبكة علاقات وبناء لا يمكن لأي مضمون مهما كان أن يظهر بغيره.

    وهنا، مرة أخرى، لا بد من الفصل النظري في الأقل، بين الرواية وبين السيرة الذاتية، وبين هذه وبين السيرة الذاتية الروائية رغم أن هذه الأجناس تتداخل في بعض الأعمال.

    هناك خلط مستمر وواضح بين هذه النصوص حتى بين صفوف الروائيين العرب، بل وبين النقاد العرب، وليس بين القراء فحسب، رغم أن الوضع القرائي المزري بين القراء هو الأكثر إثارة للاهتمام لأنه هو الذي يتحكم في سوق النص( أو سوق الخطاب) ولو بصورة مؤقتة.

    إن السيرة الذاتية، باختصار مركز، هي محاولة لاستعادة ذات أو وقائع كما هي بالدليل والشهادة والوثيقة والصورة والفيلم ..الخ.

    أما السيرة الذاتية الروائية فهي محاولة لاستعادة ذات أو وقائع حدثت فعلا أو ستحدث أو حوادث متخيلة، وليس مطلوبا من الكاتب أو المؤلف في هذه الحالة الالتزام بحرفية الوقائع، لأن الخيال يعيد بناء الواقع ولا ينسخه نسخا، لأن النسخ غير موجود حتى في الصورة الفوتوغرافية حيث المشهد يتغير بعد الصورة بما فيه من ظلال وأضواء وألوان وروائح...الخ.

    ولذلك فإن قراءة السيرة الذاتية الروائية قراءة حرفية هو تشويه وتسطيح وحذف للنص أولا ، وهي قراءة دينية حزبية تاريخية تطابق بين النص وبين الواقع، ثانيا.

    وهذه" المطابقة" أو المحاكاة الارسطية ناتجة من يقين ساذج وشائع بأن اللغة قادرة على نقل الأحداث كما هي إلى النص، أو أن النص الروائي يجب أن يكون نسخا أو طبعة أخرى أو صورة مشابهة للواقع.

    وفي هذا نفي للفن لأنه ليس صورة مشابهة للواقع، و إلا ما حاجتنا إلى إنتاج كل هذه الصور التي تنتجها الطبيعة بإفراط بتعبير الرسام ماتيس؟.

    الفن، والرواية خاصة، هو أو هي واقع آخر مختلف، ونقيض. ومن هنا قدرته على التغيير في المزاج والهوية والحياة عموما. ويوما قال سارتر وهو يكتب سيرته الذاتية( الآن سأكتب الحقيقة، لكن عن طريق الخيال).

    إذا كانت السيرة الذاتية هي استعادة للوقائع كما هي ، وإذا كانت السيرة الذاتية الروائية هي واقع بديل أو صورة مغايرة له، فإن الرواية هي الخلط بين الاثنين.

    أي أن الرواية هي خليط من تقنيات السيرة الذاتية والسيرة الروائية وبين العمل الروائي. وبمعنى أوضح: إن الرواية هي فن تحويل الأحداث، من خلال الخيال، واللغة، إلى واقع بديل، ليس مشابها، بل نقيضا.

    وهنا تكمن قدرة الرواية عبر تاريخها في عملية التغيير.

    أما الذين يشرحون ويفسرون الرواية والسيرة الروائية بطريقة نصية حرفية آيديولوجية دينية سلفية اجتماعية، فهم يفسرون ويشرحون ما يدور في عقولهم وليس كما هو مثبت في بنية النص.

    وهذه القراءة، أو اللاقراءة، هي أسوأ القراءات. ومن مساوئ هذه القراءة السطحية هو تعميم فهمها للنص إلى الآخرين، وحثهم على قراءته بذات الطريقة كما لو أننا أمام نص حزبي أو ديني أو تجاري أو قائمة حساب هاتف أو أوامر عسكرية أو كنسية.

    وأسلوب القراءة الجمع، كما يؤكد الناقد الفرنسي بيرنار فاليط( لم تعد صالحة، ولا يمكن تلبيس النص أو مؤلفه بخطاب نقدي جاهز قائم على بديهيات إلا بالإسقاط). أي إسقاط عقد وشذوذ وأمراض القارئ على نص روائي خليط من الأسطورة والمتخيل والخرافة والملحمة والحلم والوهم الروائي .



    في نص رؤوف مسعد كل عناصر السرد السيروي الروائي المستند على خيال جامح ومركب قائم على الصدمة والتكثيف والفرادة والبوح المكشوف واللعب الفني والشطح والخيال والتشظي في عمل أدبي خارج من القاعدة والمعيار والسائد وفضاءات النص التقليدي وتهشيم الأزمنة بطريقة السرد غير المنطقي أو المتسلسل.

    فهو نص روائي سيروي لا يمكن التعامل معه من خارج شروطه، أي لا يمكن الحكم عليه بغير قوانينه الداخلية،أي لعبته الفنية. وأي قراءة له من خارجه،أي بناء على قيم ومعايير أخلاقية أو سياسية أو دينية، هو تشويه للنص أولا، وقراءة لنص آخر غير هذا العمل الجريء، ثانيا.

    طبعا، وكما يقول الكاتب والشاعر يوسف بزي وهو يكتب عن هذا النص المتمرد، إن نصوص السيرة الذاتية الروائية العربية قد أخذت طريقها للنشر والقارئ في السنوات الأخيرة التي أعقبت نهاية( الحكاية الكبيرة) عن المجتمع والتاريخ والسلطة والعقيدة والإنسان والجسد.

    فبعد خروج الذات الفردية أو ذات الكاتب تحديدا من ركام وأوحال وسرديات كبرى وصور ضخمة تشرح وتفسر وتحلل كل شيء بلغة سياسية سحرية ترفض أية لغة أخرى تساعدها على فهم العالم مثل لغة علم النفس والاجتماع والطب و الأسطورة والجنس والأديان والقانون والفلسفة، بعد كل ذلك اكتشف المؤلف أو الروائي أو المثقف ذاته المنفية والمقصية والمستبعدة وشرع، في لحظات العمر الأخيرة، في التعرف على ذاته المغتربة، وعلى هواجسه، وعلى أشواقه الإنسانية العادلة التي كان ينفيها ويقصيها من مجال الشعور نحو الداخل والباطن كي تشوهه على نحو سري دون أن يشعر. هكذا عثر الروائي على ذاته يوما وصدفة مرمية على رصيف بعد نهاية الحكاية الكبيرة عن الكون.

    كان يقال له إن هذه الأشواق الجسدية والعاطفية والفردية تفسد المشروع السياسي النضالي العام، لذلك عليه بالمزيد من الإقصاء ونفي الذات والرغبة والجسد عن دائرة الوعي نحو الأعماق، كي تنفلت من بعد وفي ظروف مغايرة منفتحة على شكل اغتصاب يأخذ صورة الجريمة العلنية أو الصامتة.

    كل انفتاح على الذات هو انفتاح على العالم. كل كتابة فردية حقيقية من داخل العزلة حسب سيمون دي بوفوار، هي كتابة عنا نحن، لأن الذين يكتبون من أعماق وحدتهم يكتبون إلينا.

    ومن متابعة خاصة قائمة على الملاحظة والتأمل لاحظت أن بعض الذين انخرطوا في أحزاب سرية لفترة طويلة من الزمن نفوا خلالها مشاعرهم الإنسانية وتهربوا منها في سنوات تفتح المشاعر والرغبات، ارتكبوا أخطاء فادحة فيما بعد، وفي ظروف مغايرة، أي في ظروف العري الأوروبي وانكشاف الجسد المخفي.

    هؤلاء كانوا قد أسسوا مشاعرهم على النفي والزجر والإقصاء والإنكار الكاذب للعواطف، لكن جسدهم باغتهم في أول لحظة مواجهة مع الجسد الأخر كما يباغت المرء ضبع في منعطف طريق غابي.

    فجأة التقوا بأجسادهم كما يعثر المرء على صورته الضائعة في منعطف طريق أو كما يعثر على رغبته المنفية والمقصية في سرير عاجل أو لحظة عري في قطار أو محطة أو مطار أو حديقة عامة أمام مشهد عري عابر.

    وبدل وعي المسألة والاعتراف بها ولو على مستوى الذات، يلجأ هؤلاء تحت مشاعر كبرياء غير مبررة، واستنادا إلى ذهنية المخبأ السري والنفق الشخصي، إلى مزيد من الإنكار والنفي لأصل المشكلة، مما يقود إلى مزيد من الأخطاء، بل الجرائم.

    وهكذا الحلقة المفرغة.

    وظيفة الرواية والسيرة الروائية هي جعل المستور علنيا، والمخبوء مرئيا،والمطمور مكشوفا، والمسكوت عنه واضحا، والذي لا يقال معترفا به، والمهمش ظاهرا، والرغبة غير المعترف بها علنية.

    وهنا التصادم والرفض والشجب للسيرة الذاتية الروائية لأنها تكشف المطمور والمختفي والمهمل والسري والذي لا يقال أو غير المصرح به. وعادة ما يتم هذا الإنكار، وهنا المهزلة، تحت دعاوى أخلاقية

    مع تجربة الحياة، ظهر أن أكثر الذين يرفضون هذه النصوص المكشوفة والمفتوحة والصادمة والصادقة هم أكثر الناس عشقا لها في السر، لكنهم، وهنا المأساة، يريدون ممارسة هذه الازدواجية العامة على المستوى السياسي والجسدي والأدبي والأخلاقي بسرية وكتمان.

    والويل لمن يفتح هذا الجرح النرجسي. سيجد نفسه مجرما، وعدوا للتاريخ والوطن والشرف والحقيقة.

    هكذا يدافع الكبت عن نفسه بلباس التقوى، وتدافع الجريمة عن نفسها تحت شعار الطهرانية، ويدافع الانحراف الأخلاقي عن نفسه بحجة صيانة الحقيقة أو المجتمع من هذه النصوص المفتوحة

    كأن مجتمعاتنا وصلت بها التقوى والنقاوة والعدالة والنظام والتنسيق والجمال والطمأنينة والديمقراطية إلى حدود غير متخيلة ولا يهددها غير هذا النص أو تلك الرواية؟!

    وبيضة النعامة هي كشف لهذا الكذب وخاصة في مقتله الرئيس وهو الجنس والسلطة والجسد والرغبة، الرواية الجديدة يكتبها هذه المرة الجسد لا الآيديولوجيا، كما يقول رولان بارت، ليس المقصود بالجنس هو الشبق، كما يقول مسعد في مقدمته، بل المقصود بذلك هو الإيروتيك، أي الشهوة، والشهوة ليست اللذة، لأن الأخيرة مادية، بل هي متعة صافية مثل ممارسة الحب أو قراءة نص أو مشهد بحيرة في مساء ماطر.

    إن بيضة النعامة( وبيضة النعامة كما أظن هو احد رموز الكنيسة القبطية) هي سيرة رؤوف مسعد منذ منتصف الأربعينات مرورا ببغداد والخرطوم وكل الأشخاص والنساء الذين عرفهم وتركوا شيئا ما في الذاكرة حتى الرحلة إلى الجبل والغابة في نهاية المطاف أو العودة إلى النبع والجمال البري، حيث الطبيعة هي الرحم والبراءة وهي مكان اكتشاف الجسد والرغبات المنسية والمهمشة والمقصية والمبعدة.

    في سيرة رؤوف مسعد نجد أسماء حقيقية كما وجدناها في سير روائية سابقة وهو أمر لا يفهمه القارئ البسيط على نحو دقيق.

    إن روايات وسيرة محمد شكري المغربي( زمن الأخطاء، الخبز الحافي، مثلا) تمتلئ بأسماء حقيقية لكتاب وعاهرات مثل محمد الصباغ، المختار الحداد، وكذلك الروائي حيدر حيدر في ( وليمة لأعشاب البحر) حيث نجد أسماء حقيقية مثل الشاعر مظفر النواب وعزيز الحاج وظافر وغيرهم، كما نجد في رواية غالب هلسا( السؤال) أسماء حقيقية ، وفي كل روايات صنع الله إبراهيم، وفي رواية الكاتبة المغربية ليلي أبو زيد( رجوع إلى الطفولة) حيث نجد أسماء حقيقية مثل ثريا السقاط، عثمان جوريو، عبد القادر بن يوسف، محمد منصور وغيرهم.

    والذين يخافون من ذكر الأسماء الحقيقية لا يخافون صيانة للأخلاق،بل على العكس، يخافون من الانكشاف والفضيحة، لأنهم تعلموا على حياة مزدوجة وسرية وباطنية من جهة، وعلى حياة أو صنع واجهة علنية مزورة من جهة أخرى.

    لماذا لا يخجل هؤلاء من ممارسة الفضيحة، ويخافون من أسلوب التعبير عنها؟!

    الروائي يتعامل مع الشخوص الواقعية على أنها شخوص روائية دون أن يهمه كثيرا أو قليلا هويتها الحقيقية. فهناك فرق كبير بين الشخص الواقعي وبين الشخص الروائي. فنحن نتعامل مع شخوص روايات محمد شكري وحيدر حيدر والغيطاني وصنع الله إبراهيم والياس خوري وإبراهيم نصر الله وغالب هلسا والطيب صالح وغابريل ماركيز وشكسبير وهمنغواي على أنها شخوص روائية أو مسرحية دون أن يهمنا أن نعرف هويتها الأصلية.

    الشخص الروائي هو كائن نصي يتم التعامل معه بناء على هويته داخل النص. هو، بتعبير رولان بارت، كائن ألسني لا وجود له خارج حدود النص. إن جمال عبد الناصر في رواية( السؤال) لغالب هلسا ليس هو جمال عبد الناصر السياسي ورجل الدولة المعروف. بهذه الطريقة يرد غالب على منتقديه الذين قالوا أن غالب شوه عبد الناصر. أي أنهم يريدون (المطابقة) والنقل الحرفي للشخص أو الواقع إلى العمل الروائي.

    إن المقارنة بين الشخص الواقعي وبين الشخص الروائي هي مقارنة تصلح في النصوص التاريخية أو السير الذاتية الوثائقية والاعترافات.

    النص الروائي أو السيروي هو نص يبحث عن هوية مغايرة والقارئ في هذه النصوص العارية هو مؤول ومشارك في صنع النص من خلال إعادة إنتاجه في قراءة إبداعية وليس عبر قراءة نصية حرفية.

    القراءة الإبداعية هي تأليف آخر على النص.

    بهذا المعنى تصير القراءة كتابة أخرى.

    بتواضع مبدع يشكر رؤوف مسعد كل الذين ساعدوه على إتمام هذا النص وبلغة عفوية صريحة دون تلك العجرفة التي نجدها في نصوص فارغة.

    يشكر أولا، فاطمة الطناني وأحمد هشام على المؤازرة في ساعات اليأس والقنوط. يشكر من ساعده على الطباعة بالكومبيوتر، يشكر أدوار الخراط ونبيل السلمي وعبد الحكيم قاسم لدعمهم له في لحظات الإحباط وهي كثيرة، ويشكر خاصة الروائي صنع الله إبراهيم على الإلحاح والنق في إنهاء الكتابة والذي ساعده في النصح بإعادة صياغة صفحات غير ناضجة، ولم ينس زوجته، أخيرا، ووتد خيمته وأم العيال أنا ماريكا رفيقة الدرب.
                  

07-19-2005, 03:39 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التهام الأدب ومزايا عصيان الأباء (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: التهام الأدب ومزايا عصيان الأباء في نص غريب:

    ماركيز يكتب عن التهام الأدب ومزايا عصيان الأباء.

    ترجمة وتقديم عبدالسلام باشا




    اشتهر "جابرييل جارثيا ماركيز" نوبل 1982، بالكتابة الروائية وقام خلال العقد الأخير بإصدار مجموعة من الكتب هي إعادة طبع لأعماله الصحفية منذ بدايته صحفيا في كولومبيا، بالإضافة إلى الحوارات التي تجري في مدرستي الصحافة والسيناريو اللتين يديرهما في المكسيك. إلا أننا اكتشفنا له عملا مختلفا بعنوان (دليله لكي يصبح طفلا)، ويتحدث فيه عن التمرد والعصيان الذي يجب أن يعلنه كل طفل على إرادات الآباء وكيف أنه الحل الوحيد لاكتشاف الموهبة وتنميتها في بلده الأم (كولومبيا)، لكن الوصفة أو الإرشادات التي يضعها ماركيز يمكن أن تصلح للتطبيق على أي مجتمع في العالم الثالث... وهذا ما سنراه في السطور القادمة.


    أتمنى أن تكون هذه التأملات مرشدا للأطفال لكي يجرؤا على الدفاع عن أنفسهم أمام الكبار فيما يخص تعلم الآداب والفنون. إنهم لا يملكون قاعدة علمية وإنما شعورية ـ عاطفية إن جاز هذا ـ ويعتمدون على مقدمة غير مقبولة: إن وضع طفل أمام مجموعة من الألعاب سينتهي به الأمر إلى البقاء مع واحدة منها فقط، التي تعجبه أكثر. أعتقد أن هذا التفضيل ليس مصادفة وإنما يكشف عن ميل واستعداد قد يمران على أبويه المشغولين ومعلميه المرهقين. أعتقد أن الميل والاستعداد يوجدان معه منذ الميلاد ومن المهم التعرف عليهما في الوقت المناسب والانتباه لهما لمساعدته في اختيار مهنته. والأكثر من هذا أنني أعتقد أن بعض الأطفال في سن معينة وفي ظروف معينة، تكون لديهم إمكانات خِلقية تمكنهم من النظر إلى ما وراء الواقع الذي يقبله الكبار. قد تكون بقايا قوة تخمينية استهلكها الجنس البشري في فترات سابقة أو مظاهر غير طبيعية من الحدس الكشفي لدى الفنانين خلال عزلة النمو والتي تختفي مثل الزائدة الدودية، عندما لم نعد نحتاجها.

    أعتقد أن الطفل يولد كاتبا أو رساما أو موسيقيا. يولد بالميل، وفي حالات كثيرة، بالهيئة الجسدية المناسبة للرقص وبموهبة في الصحافة المكتوبة التي تعرف كجنس أدبي، وللسينما التي تعرف كتوفيق بين الخيال والفن التشكيلي. أنا أفلاطوني في هذا الصدد: التعلم هو التذكر. هذا يعني أنه عندما يصل طفل إلى المدرسة الابتدائية، ربما يكون لديه ميل طبيعي من قبل لإحدى تلك الوظائف، على الرغم من أنه لا يعرفها بعد. وربما لن يعرفها أبدا، لكن مصيره سيكون أفضل إن ساعده أحد على اكتشافه. ليس بإجباره على أي شيء بأي معنى من المعاني وإنما أن يخلق له أفضل الظروف ويشجعه على الاستمتاع بلعبته المفضلة. أعتقد وبجدية شديدة، أن فعل الإنسان لما يريد دائما، وهذا فقط، هو الطريقة المثلى لحياة طويلة وسعيدة.

    ولكي أحقق هذه الفكرة الجميلة لا أملك أساسا سوى الخبرة الصعبة والإصرار على تعلم مهنة الكتابة أمام وسط مخالف وليس على هامش التعليم الرسمي وإنما ضده، انطلاقا من شرطين لا غنى عنهما: استعداد شديد التحديد وميل جارف. لا شيء يسعدني اكثر من أن تكون لهذه المغامرة الفردية فائدة ما، ليس لمتعلم مهنة الكتابة فقط وإنما لكل المهن الفنية.

    الميل بدون موهبة

    والموهبة بدون ميل

    قال الكاتب الفرنسي جورج برنانوس: "كل ميل هو دعوة". (المعجم الحجة) الذي كان أول معجم تصدره الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية في 1726 يعرف الميل بأنه:" الوحي الذي يدعو به الله إلى حالة معينة من الكمال". كان هذا إذن تعميما منطلقا من الدعوات الدينية. الاستعداد كما يعرفه نفس المعجم: "المهارة والسلاسة في أداء شيء معين". بعد قرنين ونصف لازال معجم الأكاديمية الملكية يحتفظ بنفس التعريفات بتصرفات طفيفة. وما لا يقوله أن ميلا غير خاطئ وعميق يصبح نهما وأبديا ومقاوما لأي قوى مضادة: القدرة الوحيدة للروح التي يمكنها هزيمة الحب.

    الاستعدادات تجيء غالبا بمصاحبة مواصفاتها الجسدية. إن سمع أطفال كثيرين نفس النوتة الموسيقية، يستطيع بعضهم تكرارها بدقة وآخرون لا. معلمو الموسيقى يقولون إن الأوائل يمتلكون ما يسمى بالسمع الأولي، المهم لكي يصبح الإنسان موسيقيا. أنطونيو ساراساتي استطاع في الرابعة من عمره أن يعزف بفيولين لعبة مقطوعة لم يستطع أباه العازف الشهير أن يعزفها بفيولينته. رغم هذا يوجد دائما خوف من أن يقوم الكبار بتدمير هذه المواهب لأنها، أو لأن هذا ما يبدو لهم، بسيطة وينتهون إلى سجن أبنائهم في الواقع المحدود الذي سجنهم فيه آبائهم. صرامة الأباء مع أبنائهم الفنانين تكون دائما نفس الصرامة التي يعاملون بها أبنائهم الشواذ جنسيا.

    الميول والاستعدادات لا تعيش دائما متجاورة. ومن هنا كارثة مطربين ذوي أصوات رائعة لا يصلون لأي شيء لانعدام التقييم، أو رسامين يضحون بحياتهم كلها من اجل مهنة خاطئة أو كتاب خصبين ليس لديهم ما يقولونه. فقط عندما يجتمع هذان الشيئان توجد إمكانية لحدوث شيء، لكن بفعل السحر: لا زال هناك التعلم، الدراسة، التكنيك وقدرة على التفوق طوال الحياة.

    بالنسبة للقصاصين توجد تجربة ل تفشل أبدا. إن طلبت منهم مجموعة أفراد من أعمار مختلفة أن يحكوا لهم قصة فيلم، ستكون النتائج كاشفة. البعض يعبرون عن انطباعاتهم العاطفية والسياسية أو الفلسفية لكنهم لا يعرفون كيف يحكون الحكاية كاملة وبالترتيب. آخرون يحكون القصة بالتفصيل، كما يتذكرونها، واثقون أن هذا كاف لنقل الشعور الأصلي. الأوائل يمكن أن يكون بهم مستقبل لامع في أي مجال إنساني، لكنهم لن يصبحوا قصاصين. الآخرون لا زال ينقصهم الكثير لكي يصبحوا قصاصين ـ قاعدة ثقافية تكنيكية، أسلوب خاص، قدرة عقلية ـ لكن يمكنهم هذا.

    هذا يعني أن هناك من يعرفون كيف يحكون قصة منذ يبدءون في الكلام ومن لن يعرفون أبدا. بالنسبة للأطفال تستحق هذه التجربة أن تؤخذ بجدية.

    مزايا عدم طاعة الأباء

    أُجري استفتاء قبل هذه التأملات كشف عن عدم وجود أنظمة قائمة في كولومبيا قادرة على الالتقاط المبكر للميول والاستعدادات، كنقطة انطلاق لحياة فنية من المهد إلى اللحد. الأباء غير مؤهلين لهذه المسئولية الخطيرة باكتشاف هذا في الوقت المناسب، وعلى العكس إن كانوا مؤهلين لهذا فلكي يقفوا ضده. الناس الأقل ثقافة يفرضون على أبنائهم دراسة مجال مضمون والاحتفاظ بالفن للتسلية في ساعات الفراغ. لحسن حظ الإنسانية يعطي الأطفال أهمية قليلة لكلام الأباء الخطير وأقل فيما يتعلق بالمستقبل.

    لهذا يقوم من يملكون ميولا خفية بأفعال غامضة لكي يظهروها. يوجد من لا ينجحون في المدرسة لأنهم لا يحبون ما يدرسون، ومع هذا يمكنهم التفوق فيما يحبون إن ساعدهم أحد. ويمكنهم أيضا أن يحصلوا على تقديرات جيدة، ليس لأنهم يحبون ما يدرسون وإنما لكي لا يجبرهم آبائهم ومعلميهم على ترك اللعبة المفضلة التي يحملونها سرا في القلب. ومعروفة أيضا مأساة من يجبرون على الجلوس أمام البيانو في أوقات اللهو، بدون ميل أو استعداد، فقط لأن آبائهم يفرضون هذا عليهم. معلم موسيقى حيد فضح عدم الرحمة في هذه الطريقة وقال إنه يجب وجود بيانو في البيت، لكن ليس لكي يدرسه الأبناء قسرا وإنما لكي يلعبوا به.

    نحن الأباء نريد دائما أن يكون أبنائنا أفضل منا، على الرغم من أننا دائما لا نعرف كيف. وحتى أبناء العائلات الفنية يعانون من هذا الهاجس. في بعض الحالات لأن الأباء يريدون لأبنائهم أن يصبحوا فنانين مثلهم والأطفال لديهم ميلا مختلفا تماما. في حالات أخرى لأن الأباء كان حظهم سيئا في الفن ويريدون حماية أبنائهم (الذين يملون إلى الفن بلا شك) من حظ مشابه.

    ليس قليلا خطر أبناء العائلات البعيدة عن الفن الذين يريد آبائهم إنجاب ذرية تستطيع أن تكون ما لم يستطيعوا هم. على الطرف المقابل يوجد الأطفال المعارضون الذين يتدربون على الآلة خفية، وعندما يعرف الأباء يصبحون نجوما في اوركسترات شهيرة.

    يوجد معلمون وتلاميذ يتفقون على رفض الطرق الأكاديمية، لكن ليس لديهم معيار مشترك لما يمكن أن يكون أفضل. الأغلبية ترفض الطرق السائدة لطبيعتها الصلبة واهتمامها القليل بالإبداع ويفضلون أن يكونوا تجريبيين مستقلين. وآخرون يعتبرون أن مصيرهم لم يتوقف كثيرا على ما تعلموا في المدرسة، بقدر ما توقف على الحيلة والعناد الذين كانوا يسخرون بهما من عقبات الأباء والمعلمين. عموما، صراع البقاء وافتقاد الحافز أجبرا الكثيرين على العزلة والجنون.

    معايير التعليم شديدة التنوع. بعضها لا يقبل سوى بالحرية الكاملة وأخرى تحاول تقديس التجريب على إطلاقه. من يتحدثون عن اللانظام يعترفون بفائدته، لكنهم يعتقدون أنه يولد تلقائيا كثمرة لحاجة داخلية، ولهذا لا يجب الإجبار عليه. آخرون لا يعولون كثيرا على التكوين الإنساني والأسس النظرية لفنونهم. وآخرون يقولون إنهم تجاوزوا النظرية. الأغلبية، بعد سنوات من الجهد، يتمردون على غياب النفوذ وفقر الفنانين في مجتمع يرفض الطابع الاحترافي للفن.

    ومع هذا، فإن أشد الأصوات حدة في الاستفتاء كانت ضد المدرسة كفضاء يقص فقر الروح الأجنحة فيه، وأنها صخرة أمام تعلم أي شيء، والفنون خصوصا. يعتقدون أن هناك تبديدا للمواهب بالتكرار اللانهائي للمقولات الأكاديمية الجامدة. بينما أمكن لأفضل الموهوبين أن يصبحوا عظاما ومبدعين لأنهم لم يكونوا مضطرين للذهاب إلى قاعات الدراسة.

    "التعليم يتم من وراء ظهر الفن" هكذا يقال للمعلمين والتلاميذ المتفقين في الرأي. هؤلاء يبهجهم الشعور بالعزلة. المعلمون يأسفون لهذا لكنهم يقبلون أن يقولوه أيضا. ربما كان أكثر عدلا أن يقال إنهم جميعا على حق. لأن المعلمين مثل التلاميذ، وفي النهاية المجتمع بأكمله، ضحايا نظام تعليمي شديد البعد عن واقع البلد.

    كيف تؤكل الآداب

    نحن الكولومبيون وجدنا أنفسنا دائما بلدا مثقفا. ربما يعود هذا لأن مقررات الثانوية تتحمس للأدب أكثر من الفنون الأخرى. لكن فيما عد السرد التاريخي للمؤلفين وأعمالهم لا ينمون لدى الطلاب هواية القراءة وإنما يجبرونهم على القراءة وعلى كتابة ملخصات للكتب المقررة. في كل مكان أجد طلابا مثقلين بالكتب التي يجبرونهم على قراءتها بنفس المتعة التي يتناولون بها زيت الخروع. بالنسبة للملخصات لا مشكلة لديهم لسوء الحظ، لأنهم يجدون في الصحف إعلانات مثل هذا: (أبدل ملخص دون كيخوته بملخص الأوديسا). وهكذا نجد في كولومبيا سوقا مزدهرا وتداولا كبيرا للملخصات المصورة. وسيكون أربح لنا نحن الكتاب أن نضع الملخصات بدلا من تأليف الكتب.

    هذه هي طريقة التعليم ـ وليس إلى هذا الحد التلفزيون والكتب الرديئةـ التي تقضي على هواية القراءة. أنا أوافق على أن دورة أدبية لا يمكن أن تكون سوى دليلا للقراء. لكن من المستحيل أن يكتب الأطفال رواية أو ملخصا ويعدوا عرضا تأمليا للأسبوع التالي. سيكون أكثر مثالية أن يخصص الطفل جزءا من عطلة نهاية الأسبوع لقراءة كتاب في المكان المتاح وحتى في الكان الذي يحب ـ هذا هو الشرط الوحيد لقراءة كتاب ـ لكن من الجرم بالنسبة له وللكتاب أن يقرأه قسرا في ساعات اللعب، و بالضيق الذي يؤدي به مهام أخرى.
                  

07-19-2005, 04:08 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: وفي الماخور يقول شكري: "اكدت للمرأة اننا لم نشرب كثيرا، فقط نحن مرحان ونريد ان ننعس معها كما فعل رفاقنا في الحي، ظلت تفحصنا بنظرات باسمة ونحن نخاف ان ترفضنا قالت لنا: طيب من سيبدأ الاول: نظرت الى رفيقي قال: ارجوك ادخل معها انت الاول، طلبت مني ان ادفع لها المال مقدما. لم اتردد، هي تبيع جسدها ونحن نشتريه، اخذت تتعرى والسيكارة في فمها، دخانها يجعل عينيها ناعستين. شفتاها شهوانيتان حمراوان قالت لي: "افتح فمك"! وضعت سيجارتها في فمه المفتوح، ادارت له ظهرها، فك لها رافعة صدرها متأملا بشهوة الزغب الخفيف عند منبت ظهرها، استدارت وواجهته باسمة رافعة نهديها بيديها، استعادت سيجارتها الى فمها، وابتسم لها خوفا من جسدها. وسط هذا الجو المتوتر يقول شكري: "افك ازرار بنطالي باضطراب، قلبي يخفق بعنف، هذه المرأة ستتركني ادخل في لحمها كما تدخل السكين في اللحم، سأجرح لها فرجها".


    Quote: .

    اللافت ان سهيل ادريس كان رفض نشر رواية "الخبز الحافي" لشكري لأنها سوقية وتحتاج الى فلسفة، وربما لأنها جريئة. وعندما كتب سيرته اعترف بشذوذ والده الجنسي، قال: "لقد اخذ عليّ البعض ما ذكرته عن سلوك ابي من شذوذ جنسي، ولكنهم لا يستطيعون ان يشعروا بما كنت اشعر به. شخصيا، حين كتبت ما كتبته، لم يكونوا ليشعروا بالخجل الذي عانيته من سلوك ابي، وهذا شيء انساني وطبيعي، ومن المفروض ان اتحدث عنه كما اشعر بالخجل من اي سلوك يكون فيه الكذب هو الطاغي والتزوير والتضليل".

    "اخترق" ادريس التابو متأخرا ولم يكن لسيرته الصخب المعتاد بل كانت عابرة باستثناء علاقة والده بالشذوذ. كان على سهيل ادريس ان يكشف المستور في علاقاته بالايديولوجيات التي اتبعها وناضل من اجلها، ربما يبين ادوات قمعها للأدب والجسد والروح.


    ياحاتم
    الكلام الناقلو لينا فوق ده اذا انت بتفتكرو ادب ...انا شايفوا قلة ادب ونصيحة ليك ما تخلي واحد او وحدة من افراد اسرتكم الكريمة يقراه.

    (عدل بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf on 07-19-2005, 06:45 PM)

                  

07-19-2005, 04:20 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    تعرف يا دكتور العين ما بتلقط الا الحاجة البتهمها او هاوساها او اوبسيسد بيها.
    ما افتكر صدفة انك من كل المكتوب ده شفت السطور دى، و لا غيرك لقط بعض الكلمات والجمل من كل ما كتبه محسن
    بالنسبة لاسرتنا الكريمة علمونا نتعلم مع الدنيا بمسئولية كاملة عشان كده زى كلمتك دى ما عندنا
    Quote: ما تخلي
    ، كل واحد و واحدة عارف شنو البقررو وما محتاج لرقيب او " خلاى"
    اما الناس المحتاجة لرقابة تحدد لهم الصاح والخطا والخطر حتى لو كان كتاب فديل فتش عليهم فى مكان تانى.

    بمناسبة الاسر و قلة الادب والنصح و كدة،التجانى المشرف اخبارو شنو، قالو متجدع فى مكاتب الامم المتحدة ؟
                  

07-19-2005, 04:26 PM

humida
<ahumida
تاريخ التسجيل: 11-06-2003
مجموع المشاركات: 9806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    الجديد شديد ..
    ابسط يا عم ..
                  

07-19-2005, 05:02 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: تعرف يا دكتور العين ما بتلقط الا الحاجة البتهمها او هاوساها او اوبسيسد بيها.
    ما افتكر صدفة انك من كل المكتوب ده شفت السطور دى، و لا غيرك لقط بعض الكلمات والجمل من كل ما كتبه محسن
    بالنسبة لاسرتنا الكريمة علمونا نتعلم مع الدنيا بمسئولية كاملة عشان كده زى كلمتك دى ما عندنا



    بعد الكلام النقلتو لينا فوق ده بدون خجل وبتعتبرو ادب ....يعني اتوقع ردك يكون علي شنو!!!

    Quote: بمناسبة الاسر و قلة الادب والنصح و كدة،التجانى المشرف اخبارو شنو، قالو متجدع فى مكاتب الامم المتحدة ؟




    تسأل منك العافية...سوف اقوم بتوصيل اشواقك للقائه

    (عدل بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf on 07-19-2005, 05:15 PM)

                  

07-19-2005, 04:29 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    حميدة انت اللى فيهم والله
    رايق و متفسح فى البوستات

    لذيذ لكن وهم على خفيف كده

    اخد راحتك البيت بيتكم
                  

07-19-2005, 04:51 PM

humida
<ahumida
تاريخ التسجيل: 11-06-2003
مجموع المشاركات: 9806

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    وهم .. عديل كدا
    برضو مقبولة منك يا سيدي .. !!
                  

07-19-2005, 04:31 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تأويل النص الأدبى وإشكالياته الفلسفية (Re: Hatim Elhassan)

    Quote:

    تأويل النص الأدبى وإشكالياته الفلسفية


    تشكل عملية التأويل الأدبية للنصوص مجال خلاف واسع بين نقاد الأدب وعلماء التأويل Hermeneutics أو الهرمنيوطيقا أى التفسير بمعناه القديم الذى استمد الكثير من محدداته وشروطه من علم التأويل بمعناه الدينى الذى استمد جل شروطه من مركزية النص المقدس، ومن تصور شائع مؤداه انطواء هذا النص على طبقات متعددة من المعانى والدلالات اللدنية التى لا تكشف عن نفسها للجميع، إلا لمن لديه من المعرفة والبصيرة والقدرة ما يتيح له سبر أغوارها. فالتأويل هو علم التفسير أو فنه الذى اقتصر فى بادئ الأمر على تأويل النصوص الدينية، ولكنه مد نطاق اهتمامه فى القرن التاسع عشر ليشمل كل أنواع النصوص الأخري، ومشاكل تفسيرها. ولأن هذا المجال المعرفى قد بدأ مسيرته العلمية فى إطار النشاط الديني، فقد جعل لدور الفرد العارف بالنص الأصلى مكانة محورية فى عملية التأويل تلك. تنبنى عليها الكثير من المسلمات أو المصادرات المنهجية التى يقوم عليها العمل التأويلي. ولا يفوق هذه المكانة فى علم التأويل إلا مكانة النص المقدس الذى تنصب عليه عملية التأويل ذاتها. فقد كان طبيعيا أن يحظى هذا النص المقدس بقدر أكبر من المركزية التى تعد أحد شروط قدسيته الأساسية. ومع أن منطلقات تأويل النصوص المقدسة ليست مدار اهتمامنا هنا، فإن التذكير بهاتين الخاصتين: مركزية النص ومحورية مفسره مفيد للتعرف على المناهل التى ارتوت منها الكثير من مقتربات تأويل النصوص الأدبية الحديثة فى تركيزها على الجانبين معا: النص ومفسره.

    النقد والدراسة الأدبية

    وحتى نتعرف على مسار التطورات التى انتابت انتقال هذا المنهج التأويلى الذى كان قاصرا على النشاط الدينى إلى مجالات النصوص الدنيوية علينا العودة إلى الأسس الفكرية والفلسفية لهذه النقلة المهمة التى أثرت دون شك النقد الأدبي، أكثر مما ساهمت فى إغناء النظرية الأدبية أو الدراسات الأدبية الأكاديمية. والواقع أن ثمة فارقا مصطلحيا دقيقا بين النقد والدراسة الأدبية، فالنقد هو النشاط الثقافى الذى يتناول العمل الأدبى بطريقة تتغيا التركيز على تجربة القراءة، بما تنطوى عليه من وصف للعمل الأدبي، وتأويل معناه، وتقييم تأثيره على المتلقي، وتقديم هذا كله للقارئ العام غير المتخصص. فالنقد ليس عملا أكاديميا محضا، ولكنه عمل ثقافى عام، وقد يكون نشاطا فرديا له طابع خصوصى أو شخصي. ولا يعنى هذا أن النقد لا ينطوى على قدر من الصرامة المنهجية التى تقترب به من تخوم الممارسة العلمية، ولا يجرده هذا الجانب الفردى من حيدته وقيمته المعيارية، لكن كل ما يعنيه أن اهتمامه الأول هو القارئ العام لا المتخصص، برغم اتشاحه برداء التخصص والمعيارية فى كثير من الأحيان. بينما تعمد الدراسة الأدبية التى تتوجه باستقصاءلتها عادة إلى المتخصصين إلى تناول هذا كله بالإضافة إلى مجموعة من العناصرالخارجة عن تجربة القراءة مثل أصل العمل الأدبى موضوع الدراسة، وعلاقاته النصية بعدد من نصوص سابقة عليه أو معاصرة له، وغير ذلك من العوامل التى تهم المتخصصين فى الدراسات الأدبية دون غيرهم. لأن مطمح الدراسة الأدبية الأول هو تحقيق الحياد الموضوعى والاقتراب قدر الإمكان من معيارية العمل العلمي، والالتزام بصرامته المنهجية التى تتسم بها كل مجالات الاستقصاء البحثية الأكاديمية.
    وهناك فضلا عن ذلك فارق آخر مهم بين النقد والدراسة النظرية، وهو أن النقد على العكس منها ليس مشغولا بالمصادرات النظرية التى يصدر عنها العمل النقدى نفسه، وإنما بتجربة قراءة هذا العمل فى المحل الأول. وليس مهتما بالمفاهيم المجردة، وإن استخدم الكثير من التجريدات النظرية فى صياغة أطروحاته، لأن مدار اهتمامه الأول هو تجربة تلقى العمل الأدبي، وإرهاف وعى القارئ بها من خلال الشرح والوصف والمقارنة والتقييم. ومن هنا يمكن القول بأن النقد الأدبى يستخدم لغة التجسيد أكثر من لغة التجريد، ويطمح إلى إقناع القارئ أكثر مما يتغيا البحث فى المجردات التى تنطلق منها التجربة الإبداعية. لكن على النقد الذى يريد أن يضيء جوانب العمل الأدبى الذى يتناوله، والذى يسعى لطرح تأويل مقنع له، أن يعى بعض الأسس التى تنهض عليها ممارساته، حتى يكسب هذه الممارسات قدرا من التماسك والإقناع. وهذا هو سر الاهتمام بالتعرف على مسار عملية التأويل وتطورها من ناحية، وعلى أصولها الفكرية والفلسفية من ناحية أخري.

    مد نطاق التأويل

    وقد كان من أوائل المفكرين الذين أولوا هذا الأمر عنايتهم ومدوا نطاق التأويل إلى النصوص الدنيوية هو المفكر الألمانى ديلتى Dilthey الذى بنى على استقصاءاته الفيلسوف الألمانى هوسيرل الكثير من مبادئ فلسفته التأويلية التى سرعان ما حورها فيلسوف ألمانى آخر هو هايديجر، ثم طور الناقد الألمانى الكبير هانزجورج جادامار Hans-Georg Gadamar استقصاءاتهم الفكرية إلى عمل نقدى بالغ الأهمية فى كتابه الكبير "الحقيقة والمنهج Truth and Method". وهو عمل يطرح عددا من أهم الأسئلة المتعلقة بتأويل النصوص الأدبية: ما هو المعنى فى النص الأدبي؟ وما هى الصلة بين المعنى الذى ينطوى عليه النص ومقصد كاتبه منه؟ وهل ثمة أمل فى أن نفهم أعمالا غريبة عنا ثقافيا أو تاريخيا؟ وهل من الممكن تحقيق الفهم الموضوعى حقا؟ أم أن كل فهم نسبي، ومشروط بالظرف التاريخى والسياق الذى تبلور فيه؟ ولأن عمل جادامار هذا على درجة كبيرة من الكثافة والتعقيد، فإن من الضرورى علينا أن نعود إلى أسلافه الفكريين، وأن نتعرف على مصادراته، أو الأصول التى تحاور معها، أو حاول نقضها كى يشيد فوقها البنية المنهجية التى تنهض عليها الآن معظم الدراسات التأويلية المعاصرة فى النقد الأدبى الحديث.

    فلسفة الظاهراتية

    ويعرف المهتمون بالدراسات الفكرية أو تاريخ الأدب والفكر الإنسانى على السواء أن صدمة الحرب العالمية الأولي، وهى واحدة من أكثر الحروب دموية فى التاريخ الإنساني، قد زعزعت الإيمان بكل الرواسى الفكرية والأدبية السابقة عليها، وأدت إلى ظهور الكثير من النزعات التحديثية فى الفكر والأدب على السواء. وفيما يتعلق بالأساس الفلسفى لعملية تأويل النصوص وهو موضوع اهتمامنا هنا، فإن بزوغ ما عرف باسم "الظاهراتية Phenomenology" شكل الأساس الفكرى للكثير من مدارس تأويل النصوص الأدبية الحديثة. لذلك علينا أن نتعرف بسرعة عليها كى نفهم الكثير من مصادرات المنهج التأويلى الحديث. ويعتبر الكثيرون الفيلسوف الألمانى إدموند هوسيرل هو مؤسس هذه المدرسة الفلسفية التى انطلق فيها من محاولة رأب صدوع مثالية الفيلسوف الألمانى الكبير كانت التقليدية وإشكالية منهجه المعرفية الأساسية، وهى كيفية استطاعة العقل معرفة ما يقع خارجه. لأن هذه الإشكالية كانت نقطة الضعف الأساسية فى مشروع كانت المعرفى الكبير، الذى جعل المعرفة العقلية منارة عصر التحديث، وكان سبيله لحل إشكاليات ما يمكن دعوته بالكوجيتو الكانتى "أنا أعرف، إذن فأنا موجود" هو العودة إلى الكوجيتو الديكارتى القديم "أنا أفكر إذن فأنا موجودِ". وذلك من خلال ربط المعرفة بالتفكير، واعتبارهما معا، وليس منفصلين أساس أى وجود.
    فقد بدأ هوسيرل بزعزعة يقين النزعة الطبيعية القديم بأن معلوماتنا عن العالم الخارجى تتسم بالصلابة والتماسك الذى يجعلها مصدر كل يقين. فقد كان هذا اليقين الزائف هو مصدر الفاجعة الأوروبية الكبرى التى تمخضت عنها الحرب العالمية الأولي. ولكى نؤسس أى معرفة يقينية فى رأيه علينا أن نطرح وراء ظهورنا كل ما لا نستطيع إدراكه بوعينا، فلا يقين لديه فى وجود الأشياء والظواهر فى حد ذاتها، وإنما فى مدى وعينا بها، لأن كل وعى هو وعى بشيء ما إبان عملية التفكير فيه ومن خلالها. ففعل التفكير وموضوعه متصلان لا يفترقان، ويعتمد كل منهما على الآخر اعتمادا كاملا. ولذلك يرى هوسيرل أنه لكى يمكن تأسيس أى معرفة يقينية لا بد أولا من أن نطرح وراء ظهورنا كل ما لا نستطيع أن نعيه بشكل مباشر، وكل ما لا تنطوى عليه خبرتنا المتعينة الملموسة. وأن نختزل العالم الخارجى إلى ما يمكن أن يحتويه وعينا، وهذا هو ما يدعى باسم الاختزال الظاهراتى phenomenological reduction الذى يستبعد كل ما لا يحيط به الوعى مباشرة. أو هو فى تأويل آخر علم الظاهرة فى نقائها وتجردها من أى التباس أو غموض. لكن الظاهراتية كفلسفة ليست على هذه الدرجة من التبسيط والاختزال، لأن هوسيرل ليس مشغولا بزحام الظواهر التى تتبدى بشكل عفوى لأى وعى إنساني، بقدر ما هو مشغول بما وراءها من ثوابت وجوهر خالص، أو بالأحرى نظام كونى جوهرى حيث ينصب اهتمامه فى المحل الأول على إعاده الفلسفة من عالم التجريدات الهلامية الغامضة إلى عالم المحسوسات والظواهر المحددة والمتعينة. وتأسيس معرفة يقينية يمكن الوثوق بها، وتمحيص مفرداتها بشكل دقيق. وهى من هذه الناحية تشكل نقلة أساسية للفلسفة من عالم التأملات إلى ساحة العلم التجريبى أو معادله الفلسفى حيث تقدم لنا مقتربا تفصيليا لدراسة أن نص أو ظاهرة بطريقة منهجية محددة، يمكن تطبيقه على أى شيء من الذاكرة إلى الرياضيات.

    وقد خلق هذا المقترب أساساً علميا لدراسة المعنى الذى كان يتشح من قبل بقدر كبير من الهلامية. فقد ربط المعنى بالوجود والوعى بالظاهرة موضوع التأمل والدرس. ومن هنا أقام جدلا عميقا بين الذات والموضوع أو بين المعنى والذات التى تتوصل إليه، وفى هذا الأمر قدر من العودة ألى فلسفة برادلى الاستقصائية التى تقول بأن الذات والموضوع هما وجها عملة واحدة، وأن الذات هى مصدر كل معنى وأصله، بما ينطوى عليه ذلك من مثالية فاضحة من حيث الموقف الفلسفي، وعودة إلى محورية الذات العارفة فى علم التأويل القديم. لأن هوسيرل يجعل معرفة العالم مشروطة بمحورية الذات العارفة حيث بنى فلسفته على فلسفة كانت بإنسانها المتعالي. فقد أكد أن المعنى ليس موضوعيا بالطريقة التى نجد أن المحسوسات بها موضوعية مثل الكأس أو الكرة، ولكنه ليس ذاتيا أيضا، وإنما أقرب ما يكون إلى المثال الموضوعى الذى يمكن التعبير عنه بأكثر من طريقة واحدة، ولكنه يظل برغم تباين طرق التعبير عنه ثابتا. وهذا ينطوى على أن معنى العمل الأدبى ثابت أبدا، وهو محدد بالموضوع الذى أراد المؤلف التعبير عنه بشكل قصدى فى وقت الكتابة، أو بما دعاه النقاد الأمريكيون الجدد فيما بعد بالأغلوطة القصدية Intentional Fallacy. فالمعنى عنده "موضوعى وقصدي" بمعنى أن له استقلاله النسبى الذى يحول دون اختزاله إلى المزاج النفسى لأى من الكاتب أو القارئ، وإن لم يكن مستقلا عن أى من الفعلين. فالمعنى موضوعي، ولكنه ليس موضوعيا بالصورة التى تتحدد بها دلالات المفردات، ولا موضوعية المحسوسات والأشياء مثل المقعد أو الكرة. لأن موضوعيته تعتمد على مركزية الذات العارفة باعتبارها الوعى الذى تتم عبره المعرفة، ويتبلور به المعني، وبذلك تصبح الذات هى مصدر المعنى وأصله.

    جوهر المعني

    وقد ترتب على هذا التمحيص الفلسفى للظواهر بغية الوصول إلى جوهرها المتعالى مقترب نقدى يعمد إلى تأويل المعنى فى العمل الأدبى من خلال عزله عن سياقاته الفردية (المؤلف) والتاريخية (زمن صدوره) والاجتماعية (الظروف التى صدر عنها) وفاعليته (القارئ الذى توجه باستقصاءاته إليه). مقترب يستهدف معرفة جوهر المعنى كما يتجلى فى النص واستقلاله عن كل المؤثرات الخارجية، لكى يصبح تجسيدا لوعى المؤلف وبلورة لقصده منه. وكما يدرس الفيلسوف كل مكونات الظاهرة بحياد موضوعى باعتبارها أجزاء فى وحدة عضوية، يدرس الناقد مكونات النص اللغوية والأسلوبية والدلالية باعتبارها أجزاء تتخلق من مجموعها وجدة المعنى العضوية دون الإشارة إلى أى معلومات خارجية عن النص سواء منها تلك التى تتعلق بسيرة المؤلف أو أعماله السابقة، أو بالسياق الاجتماعى أو التاريخى الذى أنتج فيه النص. فغاية الاستقصاء النقدى هنا هى الوصول إلى المعنى باعتباره تجسيدا للبنية العميقة للوعى الذى أنتجه. لأن عالم النص الأدبى عنده ليس واقعا موضوعيا ولكنه Lebenswelt حسب التعبير الألمانى الذى يعنى الواقع كما خبره الوعى الفردى ونظمه. كما أن سبيل اكتشاف هذا الواقع فى تشكلاته التى صاغها الوعى الفردى هو تمحيص كل مكوناته وعلاقات هذه المكونات الزمنية والمكانية على السواء بطريقة موضوعية وحيادية صارمة، ولكنها دؤوبة ومخلصة فى تجردها عن القصد وتعاطفها مع موضوعها. ولا بد أن ينحى هذا التمحيص عن نفسه كل الأفكار والمعلومات المسبقة، وكل نزوع إلى النقد أو التقييم ناهيك عن التقويم.

    أهمية اللغة

    والواقع أن كل هذه الاحتياطات مفيدة من حيث أنها ترهف من حيدة العمل النقدى وتعزز موضوعيته، لكن أهم إشكاليات هذا المقترب هو ما يتعلق بتصوره للغة ومعالجته لها. إذ يعتبر اللغة مجرد تعبير خارجى عن جوهر المعنى الداخلي. وقد جلب هذا التصور جل متاعب هذا المنهج، حيث انهالت عليه بسببه معاول الهدم، لأن أى وعى بأى ظاهرة لا يتم خارج اللغة وبمعزل عنها، وإنما عبر اللغة نفسها ومن خلالها. فأى وعى بأى خبرة دون أخذ اللغة بعين الاعتبار يعد ضربا من الوهم المحض. كما أن اللغة باعتبارها كائناً اجتماعياً تجلب معها إلى تأويل المعنى عناصر اجتماعية عديدة تشارك بفعالية فى عملية انتاج المعني، كما برهنت على ذلك ثورة القرن العشرين اللغوية من بنيوية سوسير ووضعية فيتجنشتاين إلى توليدية تشوميسكى واستقصاءات ما بعد البنيوية عند كل من باختين وبيير بورديو.

    وقد كان الوعى بإشكاليات التصور التجريدى الخاطئ للغة عند هوسيرل، وبأهمية البعد التاريخى والاجتماعى لها هو الذى دفع تلميذه النجيب مارتن هايدجر إلى الانشقاق على أستاذه وتطوير منهج تأويلى أكثر تماسكا ونفاذا. فقد رفض هايدجر المنطلق الكانتى لمحورية الذات المتعالية الذى ينهض عليه فكر هوسيرل التأويلي. وانطلق من كلية التجربة الإنسانية كمعطى لا يمكن اختزاله، ومن هنا كرس عمله الرئيسى "الوجود والزمن Sein und Zeit" ــ وقد تركت عنوان العمل بالألمانية للكشف عن الطباق الذى ينطوى عليه العنوان ودلالته على محتوى الفكرــ لقضية الوجود ذاتها. وينطلق هايدجر فى عمله ذاك من أن الوجود هو أساسا وجود فى العالم. لأن إنسانية الإنسان عنده تنبثق عن وجوده فى العالم المادى مع آخرين وفى سياق هذا الوجود المادى ذاته. فالعالم ليس شيئا خارجيا عنا يمكن لنا أن نعقله ونحلله بمعزل عن الذات العارفة التى تستطيع أن تضع نفسها خارجه كى تحلله بهذا الحياد الموضوعى الذى يتغياه هوسيرل، لأننا كذوات فردية ننبثق عن هذا العالم الذى يستحيل علينا تصور أنفسنا خارجه، لأن حركية التصور ذاتها تتخلق من هذا الوجود فى العالم، وبالتالى يستحيل علينا أن نتعامل مع العالم الخارجى بموضوعية كاملة محايدة ولاذاتية فيها كما يريد هوسيرل. ومن هنا فإن الذات عنده تنطوى على الموضوع، كما أن الوجود الإنسانى نفسه هو وجود حوارى يحاور فيه الإنسان العالم. وقد أدى تغير هذا الأساس إلى تغيير جذرى مهم فى عملية تأويل النصوص الأدبية فتح المجال أمام اسهام جادامر البارز فى ها الميدان، وهو ما سنتعرف عليه فى المقال القادم والذى يتضمن مراجع هذا البحث.



    بقلم: د. صبرى حافظ - العرب أونلاين - 24.08.2004



                  

07-19-2005, 04:49 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: تعرف يا دكتور العين ما بتلقط الا الحاجة البتهمها او هاوساها او اوبسيسد بيها.
    ما افتكر صدفة انك من كل المكتوب ده شفت السطور دى، و لا غيرك لقط بعض الكلمات والجمل من كل ما كتبه محسن
    بالنسبة لاسرتنا الكريمة علمونا نتعلم مع الدنيا بمسئولية كاملة عشان كده زى كلمتك دى ما عندنا


    بعد الكلام النقلتو لينا فوق ده بدون خجل وبتعتبرو ادب ....يعني اتوقع ردك يكون علي شنو!!!

    Quote: بمناسبة الاسر و قلة الادب والنصح و كدة،التجانى المشرف اخبارو شنو، قالو متجدع فى مكاتب الامم المتحدة ؟

    تسأل منك العافية...سوف اقوم بتوصيل اشواقك له

    (عدل بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf on 07-19-2005, 05:13 PM)

                  

07-19-2005, 05:17 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Dr.Mohammed Ali Elmusharaf)

    Quote: بعد الكلام النقلتو لينا فوق ده بدون خجل وبتعتبرو ادب ....يعني اتوقع ردك يكون علي شنو!!!

    يا دكتور زعلت و لا شنو؟

    القراية قسم و الفهم نصيب والقلم ما بزيل بلم

    غايتو كنكش فى النيوتريشن قوى، يعنى لو كنت سايكاتريست عليه العوض ومن العوض

    يا دكتور انت لو شايفنى قليل ادب و ما بخجل جدا البريحك نقبلو

    اهاانا حا اواصل فى قلة ادبى دى

    وانى احفظ نظرك و طهارتك منها، و ما تنسي الاسرة الكريمة ما تخليهم يجوا يشوفو
                  

07-19-2005, 05:49 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: في سيرته الذاتية التي اعطاها اسم "بيضة النعامة"، كتب مقاطع من ذكرياته الجنسية. في حكايته الاولى يقول: "اسند الخادم مكنسته المصنوعة من زعف النخيل على الكرسي، ووقف خلف الولد الذي كان منحنيا، لم يحس به الولد، التصق الخادم زنقه بين فخذيه واضعا يده على فمه يسده والاخرى ترفع جلابية الولد، هكذا حسم الخادم الموقف الذي كان يتنامى بينهما خلال اسبوع طويل من المطاردة، الخادم لا يتجاوز عمره السابعة عشرة، يعمل في البيت من حوالى اسبوعين، ام الولد مشغولة في ارجاء البيت الواسع وهي تحاول ان تضع الولد دائما تحت مراقبتها، ولكنه كان يهرب منها، تنادي عليه فلا يجيبها، كانت احيانا ترسل الخادم للبحث عنه، حينما يجده يتسلل اليه من الخلف ويحتضنه، احيانا كان الولد يرفضه ويخمش وجهه، احيانا اخرى كان يتجاهله فيظل الخادم يحتضنه ساحبا اياه ببطء باتجاه صوت الام المنادي، حينئذ يتركه ويراقب الموقف عن كثب هل سيشتكيه الولد الآن؟ لكن الولد لم يشكه ابدا". وفي مقطع آخر يقول: "هل يمكن السير في مظاهرة بدون ملاحظة ارداف من امامك من البنات؟ يقول: ثمة مظاهرة للاحتجاج على اتفاقية كامب ديفيد التي وقّعها انور السادات، سرنا جميعا باتجاه السفارة المصرية، المصريون الذين يعملون في العراق والطلاب الذين يدرسون هناك. رأيتها. رأيت اولا الردفين وقد تكورا خلف البنطال الرمادي، كنت على بعد خطوات من مؤخرتها، فاقتربت اكثر لأرى وجه صاحبة الردفين، انها يمامة التي تدرس في كلية الطب، اعرف والدها على الخفيف، سألت نفسي مؤنبا لماذا لم اهتم بها من قبل، الردفان يقبلان ويدبران يتلاطمان ويتراعشان، قلت لنفسي لو لم تكن تمتلك يمامة شيئا سواهما لشفعا لها".




    Quote: القراية قسم و الفهم نصيب والقلم ما بزيل بلم


    ردودك ايضا تشبه ما تعتبره ادب .....اتوقع الاسواء من الرد فكل اناء بما فيه ينضح

    (عدل بواسطة Dr.Mohammed Ali Elmusharaf on 07-20-2005, 01:07 AM)

                  

07-19-2005, 06:06 PM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الوليمة والشارع وحيدر حيدر (Re: Hatim Elhassan)

    نواصل
    Quote: الوليمة والشارع وحيدر حيدر

    الكتاب : وليمة لأعشاب البحر

    الكاتب: حيدر حيدر – سوريا

    الرواية طبعت عدة مرات وفي أكثر من دار نشر.



    قبل الدخول في رحاب الرواية أدرج مقتطفات من محاضرة ألقاها الروائي عبد الرحمن منيف في دمشق بعنوان "الرواية العربية تاريخ من لا تاريخ له "جاء فيها:

    "الرواية أداة معرفة جميلة تسبر وتكشف وتعكس المراحل الاكثر أهمية في حياة الشعوب إذ تقرأ أفكار الناس وأحلامهم وخاصة حين يعجز هؤلاء الناس عن ترجمة أفكارهم إلى أقوال واضحة وصريحة" ويضيف في نفس المقال "بمجرد ان تطبع الرواية تصبح ملك للاخرين ولا يمكن لأحد أن يعدمها"

    ويقول في باب المحرمات هذا الهم الكبير الذي تعانيه الروية "أن المحرمات في السياسة والدين والجنس عوائق وتحديات أمام نمو الرواية وتطورها.....وهذه الموجة الظلامية لابد ان تنحسر"
    وان"ما يعتبر أو يسمى المحرمات هو في الحقيقة مصالح أشخاص أو فئات أو طبقات قبل أن تكن ضرورة أو قداسة أو حاجة تعني الجماهير"

    أعتقد أن هذا يفسر ما تعرضت إليه الرواية مؤخراً من شجب واستنكار في مصر.



    بالتوغل قليلا في رحاب الوليمة، سنجدها عامرة بتفاصيل انكسارات سياسية وأجتماعية وإنسانية، ساحاتها العراق الجريح منذ دهور والذي يتقاطع في جرحه مع الإستلاب الأصولي لشوارع الجزائر بناسها الاصليين والعرب المنفيين هناك.

    زمنها، زمن ينضح بالثورات والأحزاب المباعة الخامجة وسماسرة الدين وبهلوانات الاسواق الوطنية.



    المواضيع الرئيسية التي تتطرق إليها الرواية:



    1- صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والقيادة المركزية التحريفية التي راح ضحيتها الآلاف من الشيوعيين الذين علقوا على المشانق أو ماتوا في الأهوار أو في سجون التعذيب والمعتقلات وتشرد من بقي منهم، في منافي العالم يعاني مرارة الخيبة والحنين لوطن ما زال غارقا بين فكي حوت اسطوري. راجع فصل ( ظهور اللويثان).

    2- خيبة الشارع الجزائري بثورة المليون شهيد إذ تحول الجزائر من يد المستعمر الفرنسي إلى تجار السوق الوطنية ورجال الدين اللذين استعمروا البلاد بمفردات جديدة مثل (القومية والوطنية والاسلام والمحرمات...).ومن ثم انكسار الحلم القومي.

    3- مشاركة المرأة في صنع التاريخ في المراحل النضالية ثم حشرها بعد ذلك في بوتقة الجنس كفعالية وحيدة في الأيام السلمية وهذا حسب منظور تجار الوطنية والشيوخ.

    وكون المرأة من جهة أخرى حجر الأستقرار والملاذ الذي يبحث عنه المنفي ليقيه سعير العالم الملتهب بحمى الخراب.

    4- معاناة المنفي الذي يبقى غريباً حتى في البلد العربي الشقيق! رغم اللغة الواحدة والدين الواحد والمصير المشترك وأشياء أخرى كثيرة.





    الشخصيات المحورية في الرواية:



    - مهدي جواد: المناضل الشيوعي العراقي المنفي إلى الجزائر، يدرس اللغة العربية ضمن خطة التعريب بعد ثورة الجزائر الكبرى، الرجل المكسور الذي تطفو الخيبة والكآبة عليه كلما أراد الفرح، يبحث عن المرأة كملاذ ثم يهرب منها لإن داخله مسكون بالمقابر والموتى بأكثر من نبض الحياة.



    - مهيار الباهلي: رفيق مهدي جواد المناضل الخائب، ومتعهد الثورات الخاسرة الذي شارك في الكفاح المسلح لخلايا الماركسية في أهوار العراق أيام الأنقلاب العسكري. شهد حمامات الدم وساحات الإعدام التي أشعلها القوميون عند وصولهم الى الحكم ...يسكنه جرح أزلي يلعق روحه وهو التحريفية التي سلكتها القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وتبعيتها للبرجوازية الوطنية.



    فلة ابو عناب: الثورية الجزائرية، رفيقة جميلة بوعزة في النضال، حملت السلاح وقاتلت الأستعمار الفرنسي وكانت تزرع القنابل في فنادق الضباط الفرنسيين . حولتها الثورة بعد انسحاب الاستعمار الفرنسي إلى سلة مهملات جنسية، تقذف فيها شهوات الرجال الشبقة.

    حطام امرأة خائبة تلوذ بجسد مسعور بنار الشهوة والشبق الجنسي، كرد فعل على موتها واقصائها من مكانتها التي يجب أن تكون!



    اسيا الخضر: المرأة الجديدة المليئة بالحياة والجمال، تعشق البحر والرقص والشواطى البعيدة والسفر ، تتعلم اللغة العربية وتدخل الخامعة.

    ابنة المناضل (سي الاخضر العربي) الذي سجل صفحات بطولية في الدفاع عن الجزائر والذي قتل وهو يهرب الأسلحة إلى الثوار في الجبل. ورثت عن والدها روح التمرد والشجاعة وبقيت تحلم بعودته!



    مقتطفات من مجرى الأحداث الموزعة في هيكل الرواية بين العراق والجزائر:



    يواصل مهدي جواد شحن خلية من سبع رفاق في حي الكاظمية، العراق، بقوله "الآن يجتاز حزبنا مرحلة اختيار حاسمة ودقيقة، نحن الآن في معركة فرضت علينا وكان لا بد أن نحضر لها ولكن تواطؤ القيادة وذيليتها للبرجوازية هي التي وضعتنا في هذا المضيقن اذا هزمنا فإن دماء الحزب ستكون في أعناق القيادة التحريفية، لقد بدأوا عميات المطاردة والإبادة والتصفيات واذا سقط الحزب دخلت المنطقة كلها الحلف الامبريالي الرجعي ...."

    يرد عليه رفيق اخر : ولكن كان السلاح في يدنا يوما والشعب الى جانبنا، فلماذا لم نقم سلطة ديكتاتورية البروليتاريا بدلا من سلطة الزعيم الاكبر ؟

    يجيب مهدي جواد: ان قيادة الحزب لم تتخذ قرارا باستلام السلطة رغم وجود تيار ثوري يطالب باستلام السلطة...." ويضيف كانت الحجة عدم نضوج الظروف الموضوعية ص44



    ينتقل في صفحات اخرى للحديث عن جبهة الكفاح المسلح التي اسست خلايا مقاتلة في الأهوا ر ويذكر اسماء حقيقية مثل خالد أحمد زكي، نوري كمال، مظفر النواب سلام عادل وغيرهم ....في مستنقعات الأهوار.

    وضمن العزلة تأتيهم الأخبا ر من القيادة بحل الحزب الشيوعي أسوة بالحزب في مصر وتبقى الفصائل المسلحة غارقة في وحل الاهوار تقوم بنضالات فردية انتحارية، هناك يعانون الموت الحقيقي والجوع والضياع المرير، هذه الأوجاع التي ما زال يتجرعها (مهيار وجواد ) وآخرون في أصقاع المنافي المتعددة.



    يرسم الكاتب تفاصيل الواقع بدقة، يشعر القارئ أن قدميه تغوصان في وحل الأغوار، يسمع أزيز الرصاص الذي يتحاور به المناضلون المبوذون وفصائل من الحكومة التي تتعقبهم، يشتّم القارئ رائحة الدم المسفوك والمباح من كل صوب وقبلة.
    ينقلك الوصف من حمى الرطوبة والبعوض إلى شمس (بونة) الأستوائية الحارقة وشوارعها التي تضج بالعاطلين عن العمل، الممتلئين بالشبق وشهوات الدم والقتل ملتاثين بالتقوى الكاذبة ولوثة الصلوات وهذا ما كان عليه يزيد ابن الحاج التاجر الورع الذي أغتصب أسرة سي الخضر العربي بعد استشهاده باسم الزواج وراح يحصي الأنفاس عليهم باسم الشريعة والدين، هو الذي كان يعود عند المساء من سوق السمسرة حاملا (النبيذ الفرنسي) متغطرسا يفرض الرعب في أرجاء البيت، يفرض طقوسه الجوفاء على أفراد الأسرة ثم يختم طقوسه البطولية في جسد (لالا فضيلة )زوجته، الجارية الثانية.



    شخوص الرواية والمرأة:

    يتحدث مهدي جواد عن المرأة والمدينة فيقول: (بونة وآسيا تداخلتا موجة وشاطى فوقعت عاريا فوقهما)ويقول عن بونه، المدينه الاستوائية الجزائرية:

    "بونة مدينة اسلامية لا ترحم، عيون من النار والفولاذ، الغيتو الإسلامي المظلم يتمدد كديناصور يتأبى على الانقراض....عندما هبط ثوار حرب التحرير من الجبال المصبوغة بالدم كانوا يهللون بتكبيرات عصور الفتح الكبرى، كل مجاهد علق على صدره قرآناً عربيا بمثابة رقية ضد رصاص المستعمر الصليبي ....ص276



    وفي حديثه عن اسيا الخضر، يصور لنا حين كان يمشي معها في الشارع، و كيف كانت العيون تأكلهما، وكانا يسمعان الكلمات الجارحة النابية وكأنه مغتصب لملكيتهم ويسمع أحدهم يقول:

    راح المستعمر الرومي وها هو المستعمر العربي يطيح بنا.

    أما فلة بو عناب فتقول بمرارة: "لقد اخذوا الوطن واعطونا البانسيون....."

    أما يزيد ابن الحاج والذي اصبح السيد في أسرة سي العربي فكان يراقب بنات زوجته ويفتعل الشجار مع الأم الطيبة بحجة الشرف والحرام، إذ كانت آسيا وأختها تذهبان إلى الرقص والتنس والسباحة.



    المشهد العام عبر تفاصيل السرد:



    ذات نهار، كانت آسيا تتمشي مع مهدي جواد وسط المدينة، وحين رآها يزيد ابن الحاج طار عقله وراح ليشعل في البيت كارثة على رأس الام التي لاحول لها ولاقوة، هي التي كانت تردد أقواله أحيانا، لانه مارس استلابها إرادة وموقف. وبصراخ مجنون في البيت يتهم آسيا بالعهر وتلطيخ سمعته في الوحل "شوفي بناتك يا لالا، لا حديث في المدينة الا عن ابنتك وهذا الشيوعي الحلوف تمشي معه في عز النهار وكأنه حليلها..."

    كانت اسيا تسمع صراخه وروح والدها تهبط عليها فتنزع للمقاومة ومواجهة هذا الخراب .

    أطلقت صرختها العارية حين سمعته يقول "بناتك .... شوفيهم يالالا ..." وأنطلقت آسيا كالسهم الى المطبخ تحمل سكينا وتصرخ "ساقتلك يا خنزير يا هاتك الأعراض ..... يا تاجر المارشيه نوار،اقتلك يا ....يا فطار رمضان ......يا.....يا حلوف". اختبأ الشيخ يزيد ابن الحاج، خلف الباب ثم هرب من البيت كالفأر.



    الأم تضمد جراح ابنتها الجميلة والقوية، سياج الأسرة ودرعها الفولاذي، وبعد تلك الليلة أصبح الحاج يدخل ويخرج دون أن يسمع دبيبه أحد.



    تتوثق العلاقة أكثر بين آسيا ومهدي ولا يجدان لهما ملاذا إلا البحر، حيث الاشياء على فطرتها وبدائيتها. اتساع البحر يضم الروح المتشظية، وفي خرابها الممتد منذ ألف عام وهي الحالمة بأن الأب سيعود يوما حاملا الشوكولا والحليب، اذ كانت ترى فيه الأب المفقود، الحلم المفقود.

    هاربان الى البحر، من شوارع الخراب والدم والمحرمات الى الطبيعة الأم بعيدا عن رائحة العفونة والعبارات المهترئة منذ سالف الأزمان.



    يزداد الشارع قسوة وانتهاكا بتواجد عناصر المخابرات العراقية في الجزائر حيث يفتعلون شجارات وأحاديث تسيء الى مهدي ومهيار وحين ينقل مهدي للتحقيق معه من قبل ضابط الأمن يخرج بنتيجة واحدة: أن المؤامرات تحاك ضدهم وأنه ليس حراً على الأطلاق، وسيبقى معرضا لمضايقات شتى واتهامات ملفقة....

    الأمن يقتحم بيته ويقلبه رأسا على عقب ليجد.... التي في بيته، ويصف لنا ايضا كيف يتعامل مهدي مع الضابط ببرودة كبيرة لأنه كان وحيدا في البيت لا امرأة معه، ولم تكن تلك أول مرة يتعرض فيها لمثل هذه المواقف، وهو عندما استأجرعند شيخ آخر، سمع أيضاً ذات ليلة، طرقا مفزعا على الباب، كان الشيخ يصرخ:

    ماذا تفعلان هنا؟ يجيب مهدي: إنها تلميذتي ونحن ندرس لم نرتكب منكرا ....

    يجيب الشيخ "تلميذتك ...هاها ...أنا لست غبيا وأعرف مثل هذه الخدائع كما أعرف هذا النوع من الطفلات .....بنات الشيطان أعوذ بالله"

    تغضب آسيا وهي تسمع افترائه فتصيح به: "انت حاج وتقول انك زرت الكعبة وبيت النبي ثم تكذب ألا تخجل؟ ...بعد ذلك أنتقل جوادا الى سكن آخر وأستاجر مكانه شاب فرنسي دفع بسخاء أكثر وعلق جواد بسخرية على الموقف وهو يقول "هذا الفرنسي لن يستقبل أحداً في بيت الحاج بل سيعلق على الجدار صورة الكعبة وآيات من القرآن الكريم "



    الزمان والمكان والتداخل:



    زمن من خراب، تتداخل الصور والذاكرة وتتقاطع الخرائب، منفاه في الجزائر وصورة الأهوار والقتل والرصاص الذي كان يحصد الناس والأحزاب المباحة.

    يتذكر مهدي أمه يوم كانت تقول له:" يا جمل يا حمّال ستموت في بلد ما ولن يمشي أحد في جنازتك بسبب أفكارك".فيجيب: " إلى الجحيم ..لا أريد كفنا أو مشيعين، أريد أن أموت عارياً تحت شمس أو في ظل غابة وهذا أفضل لنفسي من صلوات الدجالين....."ص77.



    يحتدم البؤس والعذاب في داخله لحد لا يطاق، يتكالب الشارع على سكانه، تبدأ حملات الأعتقالات الجديدة والتطهير من أنصار الشيوعية، يختفي صديقه مهيار الباهلي بلا أثر فينهار آخر جذع يربطه بالحياة.

    "اختلطت عليه الامور، رأى المدينة غول يتمدد من سالف الأزمان يبتلع الناس والبحر والأشجار مسكونا بخرابه الداخلي وخراب المدينة الذي يتمدد، راح يشتّم رائحة الموت والقتل وشوارع تعج بالملاريا والجوع والقتل الدوري ص377 "



    "رأى المدن خاضعة لسطوة الأبدية، لشروق وغروب شمس الراعي الصالح الذي يفتح المدينة لرعيته عند الصباح لترعى، ثم يغلقها في أول المساء"



    قطع مهدي المسافات باتجاه البحر وأطل على مقبرة الشهداء، قطف وردة حمراء وضعها على قبر الشهيد و"على الرمل تعرى ... تنفس بعمق الهواء الرطب وباندفاعة طائر القى جسده الى البحر" ص 378.



    رواية وليمة لأعشاب البحر، للكاتب السوري حيدر حيدر قديمة الجرح والوجع ومتجددة الجرح والوجع ...

    إنها الشارع والحاكم والخراب السياسي والأجتماعي والديني، إفلاس كبير وخيبة تمتد من المحيط إلى الخليج.
                  

07-19-2005, 06:55 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    ونواصل فيما يعتبره حاتم ادب واعتبره قلة ادب تنقل لسودانيسونلاين

    Quote: وفي مقطع آخر: "في حي غاردن سيتي في القاهرة، و في سنتي الجامعية الاولى وفي الشقة التي يسكن فيها اصدقائي الطلاب السودانيون، سألت المرأة التي قصدناها من شارع قصر العيني والتي كانت في منتصف العمر: خلاص؟ فأجابت: طبعا هي شغلانة. ارتدي ثيابي وكنت ما ازال مشغولا بالسؤال الابدي الذكوري: هل انا رجل بما فيه الكفاية؟ وما هو التكنيك الصحيح الذي يسعد المرأة؟ وهل للحجم علاقة بكل ذلك؟ اجلس في الصالة ادخن سيجارة بينما يلغط الآخرون ويضحكون بتوتر، اسير الى ميدان التحرير، استقل الباص الى شقتنا في الضاهر، اختي الكبرى تسألني مستريبة كنت فين، فأتلعثم، تقول دون ان تنظر اليّ، ريحتك غريبة اذهب الى الحمام".
                  

07-19-2005, 08:15 PM

Dr.Mohammed Ali Elmusharaf

تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 1992

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    Quote: العبث بالجسد... ممنوع
    في سيرته، "خارج المكان"، يقدم ادوارد سعيد نوازعه مع اهله وكيف اكتشف الجنس وهو في الخامسة عشرة. يقول: "لم تكن توجد مجلات جنسية او افلام فيديو اباحية متوافرة علنا بالنسبة لي، ثم ان المدارس التي ارتدتها في مصر والولايات المتحدة الى حين بلوغي السابعة عشرة والنصف كانت تولدن كل شيء وتنزع عنه كل صفة جنسية". كان الجنس ممنوعا لادوارد سعيد لكنه تمكن من قراءة وصف يتضمن التفاصيل الوافية عن العملية الجنسية في مذكرات ويلفرد ده سانت ماندي اذ صار ويلفرد واحدا من رفقاء مراهقته الصامتين السريين، لكن اهله كانوا قد ابعدوا عنه كل ما من شأنه اثارة الغريزة الجنسية لديه، الا أن حاجته العارمة الى المعرفة والاختبار هي التي خرقت قيود الاهل، الى ان حدثت مواجهة علنية.

    ففي اواخر تشرين الثاني عام ،1949 فتّش ابوه في ملابسه وقال: "انا وامك لاحظنا انك لم تستحلم وهذا يعني انك تعبث بجسدك". وكان الوالدان قد حدّثا ابنهما عن اخطار العبث بالجسد، رغم ان اباه لم يكلمه ابدا عن ممارسة الحب الذي هو الجنس، وكان ادوارد قد طرح سؤالا على ابيه عن كيفية ولادة الطفل، فكان الجواب غامضا، يقول سعيد: "ان حمل امي المتكرر وخصوصا انتفاخ بطنها بطريقة تنذر بالخطر خلاله، لم يساهم في الاجابة عن السؤال عن الحمل والوضع، كانت الاجابة كل مرة هي" كتبنا رسالة الى يسوع فبعث الينا بطفل"، اما ما قاله ابي بعد تحذيره الصارم من العبث بالجسد فكلمات شحيحة عن كيفية وضع الرجل "اعضاءه الحميمة" في "الاعضاء الحميمة الخاصة بالمرأة"، فلا شيء عن النشوة او القذف او عن موضع تلك الاعضاء الحميمة من الجسم".

    لم يتعرف سعيد الى الاستمناء بنفسه لكنه شاهده بالصورة عندما كان يتسكع في غرفة تبديل الثياب في المسبح. يعترف: "كنت بخجلي المعهود ادخل الغرفة لارتداء المايوه، اقتحمت الغرفة عصبة من الفتيان يكبرونني سنا، يرشحون ماء من السباحة، يتقدمهم ايهاب، كان ثريا مطمئنا ومستقرا في مكانه، طلب منه اصدقاؤه، قالوا له افعلها يا ايهاب، انزل الشاب سرواله واعتلى المقعد، وفيما هو يتلصص من فوق الجدار على منطقة التشمس حول حوض السباحة، بدأ يستمني، فالجميع كان يراقب ايهاب. كان مضحكا". يمكن القول ان الاعتراف عند ادوارد سعيد اقرب الى توجيهات اخلاقية.



    لا ادري لمصلحة من تنقل هذا الذي اعتبره قلة ادب مع عدم ايراد الربط الذي تقوم بالكوبي والبيست منه. استبعد ان تكون لك صله بلادب والادباء لانه لا يوجد اي تعليق منك شخصيا انماهي كوبي بيست فقط. احتمال طلب الشهرة وارد لان نقل مثل قلة الادب هذه من اقصر الطرق للشهره في المنابر ...او للتخريب....او هذا الادب الرخيص ما تستمتع بقرأته بدون خجل وتريد الدعوة له.....اذا لم تستحي فأفعل ما تشاء
    اتوقع رد علي شاكلة الادب الذي تروج له

                  

07-23-2005, 11:47 AM

Hatim Elhassan

تاريخ التسجيل: 05-11-2005
مجموع المشاركات: 576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اهل المدينة الفاضلة يمتنعون:الـجـنـس فـي الـســيـرة الـذاتــيـة الـعــربــيـة (Re: Hatim Elhassan)

    up
    untill I find time to continue
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de