|
|
 صاحب "مدينة من تراب"
|
وها أمدرمان وما وسعت
"وليلها وما وسق
وقمرها إذا اتسق
والنيل زرقة وابيضاضا
ونفرة وازورارا
ونون
والقلم وما يسطرون
وحنين الكمنجة، وصهيل الساكسفون
ونواح الناي في مساء أمد رماني حزين
والهلال والمريخ، ودراري الحقيبة
وذرى المنابر، والكاوبوي الأخير
والصوت الشجي المنطلق وعلا في البرية
كلهم يقرئون السلام، وترد التحية
فعليك السلام"
من كلمة اتحاد الكتاب السودانيين في حفل تأبين البروفيسور على المك رئيس الاتحاد
قاعة الصداقة - الخرطوم مارس 1993م
رسم بفرشاة أيام حياته كلها لوحة الثقافة في هذه البلاد حتى صار صنوا للثقافة ورصع جيد الأدب السوداني الشفيف بدرره الباهرة ودهبه المجمر ,هو وغيره من العمالقة الراحلين أوالذين ما زالوا يعطرون سماوات الإبداع.
ابن مدينة من تراب أهدى للمكتبة السودانية روائع من الإبداع الباذخ, ومن مؤلفاته "وهل ابصر أعمى المعرة مقالات 1974"- "مختارات من الادب السودانى 1974/1982/1990"-مدينة من تراب نثر شعرى 1974"-ديوان الشاعر عبدالله البنا {تحقيق} 1976"ديوان الشاعر خليل فرح {تحقيق} 1978" بالإضافة الى مجموعة من القصص القصيرة أبرزها " الصعود الى أسفل المدينة 1988" و قصته "الشرب في كوب خشبي".
هذا علاوة على المنشورات التي كتبها باللغة الإنجليزية وفاقت في مجملها الأربعة أعمال فضلا عن المؤلفات الأدبية العديدة التي قام بترجمتها الى العربية.
كان للراحل "علي المك" حضورا كثيفا وزاهيا في منتديات الثقافة السودانية, بل كان حاضرا في أذهان الكثيرين ودماء ذاكرتهم بثقافته العالية ومعرفته الأثيرة الى النفوس, كان أحد الظرفاء الذين أنتجتهم المدينة بغلوها وغلوائها, يصنع النكتة ويرتجل الدعابة في أحلك المواقف, أحب أمدرمان فكتب "مدينة من تراب 1974" وهو الكتاب الذي عبر فيه عن كل شجونه تجاه هذه المدينة الأنثى "أمدرمان" وقد بث من خلاله لهو الطفولة وسكب عبرسطوره عنفوان الشباب بطموحه الجارف وأمنياته الهادرة.
يعتبر علي المك أحد أبرز رواد الفن القصصي القصير, فهو متمكن من حيث الإختزال دون أن يؤثر ذلك الإختزال في المعاني التي يريدها "القاص", كما أن علي يتميز بمبان للتراكيب عالية البلاغة , فهو يبني لك من خلال التعابير نصا غاية في "الإدهاش" يسمو ويسمق بقارئه الى حيث رحابة الأخيلة, واتساع الأفكار, واللانهائية في بحار الإدراك.
من الكتب الناصعة التي خطها الراحل علي المك وظلت علامة فارقة في النقد الأدبي كتابه( وهل أبصر أعمى المعرة ؟ ) الذي جمع فيه عدة مقالات نقدية تناولت في سياق بلاغي ذي مضامين عالية عددا من الموضوعات, وفي احدى مقالات الكتاب ينتقد الذين كتبوا سيرة الشاعر و الاديب العربي الضخم ابي العلاء المعري بقوله: (أن الذين كتبوها إنما قصدوا إلى تصوير تلك العبقرية الأسطورية بما لا يقبله العقل في هذا الزمان الحديث ، وأنهم بذلك قد أساءوا إلى إفهامنا وأساءوا إلى سيرة الشاعر العربي من حيث قصدوا الإشادة به . وفي شعره ما يكفي لاقناعنا بموهبته . " تصور يقول النقاد القدماء إنه حفظ كذا وكذا ، وسرد على الناس حديثا باللغة الأورديـة أو بلغـة الطـير لا أدرى وهو لا يعرف تلك اللغة " . ويمضي المك ابن المك في نقده اللاذع الذي تميز بأسلوب السخرية العنيف فيقول: (ولكن بالرغم من ذلك هل أبصر أعمى المعرة ؟ كلا " ونحن لم نبصر أيضا فنعمة الأبصار – إن كانت هي حقا من النعم – درجات بعضها في العيون . وبعضها في القلوب التي في الصدر . ومن الناس من نال من هذه وتلك والمفروض أن يكون أحسن حالا وأريح بالا ، ولكن يبدو أن كثرة الأبصار التي في العيون ، وفي القلوب التي في الصدور ، تريك أكثر مما تود أن ترى ، فيسقمك النظر وكان الأجدر أن يسعدك).
عجبت لقومي في هذه البلدة أنهم لا يحتفون ولا يتهللون بمبدعيهم الكبار, كما يفعل كل الناس في بلاد الدنيا. إن قومي لا يحتفون بالمبدع وهو حي بين ظهرانينا, ويكتفون بذلك فقط في يوم شكره - الذي نتمنى أن لا يأتي لأنه يوم الوفاة - نتمني أن يكرم مبدعونا وهم أحياء, ونتمني أن يحتفي بهم الإعلام ولا نريد مطلقا أن يكرم مبدع في شخص حفيده أو وريثه الشرعي, إن التوثيق مهمة شاقة وشائكة, لا تزال تنتظر من هذا الجيل الكثير, هناك أعمال أدبية لكتاب ومبدعين سودانيين ناطحت الثريا وشقت طريقها الى العالمية, لكنها لاتزال تنتظر البحث والتنقيب من السودانيين, وهي مهمة هذا الجيل الذي ينتظر على شفير الريح.
إن المبدع الذي ينتقل الى الرفيق الأعلى, يكون تكريمه بإطلاق اسمه على احدي القاعات في الجامعات أو اطلاق اسمه على احد المنتديات النشطة التي لا ينفك عطاؤها ينفع الناس.
لكم تمنيت أن يتبنى أصدقاء المبدع الأديب الراحل على المك ومحبوه إطلاق اسمه على منتدى أمدرماني باهر النشاط , يتخير له من الكفاءات أندرها ومن الخبرات أمضاها, وأعلم تماما أن أبناء (مدينة من تراب) يسدون حزام الشمس وما لا شك فيه أننا سنجد من يتصدون للفكرة ومن يصبون عليها رحيق أفكارهم وعطائهم حتى ترى النور, عملا يرضي عليا في عليائه.
خلد علي المك في وجدان المتلقي السوداني, ووجد فيه جيلنا نموذجا باهرا للأديب الأريب الذي يجمع ورود الخمائل الناضرة ويضعها في باقة ورد فواحة ذات عبيروريحان, لقد ترك علي إرثا تليدا من الأدب العالي وتجربة ثرية من السخاء الجذل ودوحة أخذ منها كثيرون مفاتح الفكر والأدب واللطف والظرف والإخاء.
من أجمل ما كتب في تخليد الراحل علي المك قصيدة رثاء سامقة سموق روحه النقية خطها بمداد من الدم والدموع صديقه وخليله صلاح أحمد ابراهيم, الذي لم يعش كثيرا بعد المك, فقد فارق صلاح الدنيا وفي عينيه دموع لفراق صديقه , وبه الى لقياه شوق وآمال.
وفي القصيدة التي اسماها "على المك ومدينته" يقول صلاح:
جرت وهي حافية، في المصاب
تهيل الرماد على رأسها باليدين
تنادي على الناس: وآحسرتا ويب ويب
فقدنا الأديب،
فقدنا النجيب،
فقدنا اللبيب،
فقدنا "على"
فقدنا الذي كان زين المجالس، زين الصحاب
فقدنا شهامته، وفقدنا شجاعته، وفقدنا
شهادته، وفقدنا
كتابته، ودعابته،
والحديث الطلي
أنظر الى هذا النص الجامع! استطاع صلاح أن يجمع فيه كل أو جل صفات علي المك, بإيقاعه الشاعري العذب, وأسلوبه الادبي المتدافع, وفي ذات القصيدة يقول:
على، شريك النضال، على رفيقي
ويا خندقي في الحصار، يا فرجي وقت ضيقي
ويا صرة الزاد تمسكني في اغتماض الطريق
ويا ركوتي كعكعت في لهاتي وقد جف ريقي
على .. ذراعي اليمين، على خريفي
ونيلي، وجرفي، وبهجة ريفي
"على" تتمة كيفي، وسترى في أقرباي وضيفي
"على" إنطراحة وجهي في الاكتئاب
يتضح من قصيدة صلاح عمق العلاقة بينه وبين الراحل علي المك, فالمفردات واضحة وعميقة, وذات دلالات لايخطؤها المتأمل, وفي القصيدة تحتدم مشاعر صلاح أحمد ابراهيم وتختلط بمشاعر رفيق رحلته الراحل علي المك, لدرجة التشابك في الأفكار والتطابق في الإحساس حتى تصل الى ذروة الإتصال بالذكرى التي لا تغيب, و الطيف الذي لا ينقطع, وعندها يقول صلاح:
مضيت وخلفت لي ترحة
كأن للمنية عندي ثأر
وغورت في مهجتي قرحة
إذا ما ذكرتك ذات اعتصار
وهذي المرارات في شفتي
كهذي الدموع الغزار الحرار
وطيفك يخطر مقلتي
يحنظل حلواي ليل نهار
ويصل شاعرنا الرائع الراحل صلاح احمد ابراهيم الى قمة التصاقه بصنو روحه الهائمة, والباحثة عن رفيقها الذي غاب دون وداع, فيحدث نفسه باللقاء - واللقاء في هذه الحالة وكما أخبرنا أدبنا الاسلامي الموروث هو استقبال الموت ولقاء من نحب في الدار الآخرة - وهكذا أخبر صلاح نفسه عندما قال:
وشهيتني في المنية، سيفي يهفو إلى ضجعة في القراب
السلام عليك انتظرني، فما لي غير عصا وعليها جراب
السلام عليك، السلام عليك، على!
السلام عليك صديق الجميع
السلام عليك حبيب الجميع
السلام عليك أثير الجميع
السلام عليك إلى أبد الآبدين "على"
والحقيقة البائنة أن صلاح احمد ابراهيم لم يعش طويلا بعد علي المك إذ سرعان ما غاب ذلك الشهاب الذي طالما أضاء في دنيا الأدب والسياسة.
أوردت هذه القصيدة بهذا التفصيل, لأنها عبرت عن مشاعر كثيرين أحبوا الأديب الأريب علي المك, وجاءت القصيدة بصدق جارف لسمو العلاقة التي جمعت بين الكاتب والمكتوب عنه.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب "مدينة من تراب" (Re: فتحي البحيري)
|
المحب دوما
فتحي
تحيات زاكيات ,, لقد أصبح بالبورد لنا سلوى ومؤانسة مع أعزاء إفتقدناهم في هجير الحياة اللافح..لك المعزة برغم تقصيرنا تجاهكم.
الراحل المقيم علي المك له في قلبي وجود دائم , مثلما له نار مستعرة,, فهو يجري في مسام الذاكرة..وهذا المقال عن علي بالمناسبة تشرته في مجلة فضاءات عدد يوليو هذا,, رأيت أن أنشره بالبورد حتى يعينني الآخرون في تسجيل إقتراح قوي لأبناء أمدرمان"مدينة التراب" في تكوين منتدى أو رابطة أدبية تحمل إسم الراحل المقيم, وهذا ليس صعبا على أبناء أمدرمان..وهم كثير
هيا يافتحي ثني الإقتراح,,وسنجد المؤازرة.
ودمت
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب "مدينة من تراب" (Re: بخاري بشير)
|
الاقتراح يا بخاري مثنى دون شك
فماذا بعد
بخاري
الفي الصورة دي بتي الكبيرة
سلام فتحي
في سنة تانية أساس أسا
صحي بتشبهني؟؟؟
(ومعليش للتخريمة خارج الموضوع )
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب "مدينة من تراب" (Re: بخاري بشير)
|
| Quote: "عندك بت في ثانية أساس |
نعم يا صديق الصبا
تانية أساس {وإن كنت أنا ماكلة في سنة ونص لعب }
ومن ناحية أنه نحن كبرنا
... كبرنا فعلا
يا لمضي الوقت !
.. مودتي العامرة لك دائما
والكرة الآن في ملعب الآخرين
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صاحب "مدينة من تراب" (Re: بخاري بشير)
|
Quote: upوشهيتني في المنية، سيفي يهفو إلى ضجعة في القراب
السلام عليك انتظرني، فما لي غير عصا وعليها جراب |
انها شفافية الشاعر.. لك الشكر على هذا يا بخاري
| |
|
|
|
|
|
|
| |
بخاري بشير
فتحي البحيري
nashaat elemam
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست