إبراهيم الكوني: "المبدع" يستمتع بالكتابة و"العبقري" يكتب ليتحرر

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 02:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-14-2005, 07:27 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إبراهيم الكوني: "المبدع" يستمتع بالكتابة و"العبقري" يكتب ليتحرر

    إبراهيم الكوني: "المبدع" يستمتع بالكتابة و"العبقري" يكتب ليتحرر

    نقلا عن مجلة "أوراق جديدة" – السودان – عدد يوليو 2005خالد عويس
    [email protected]
    عوالم إبراهيم الكوني الروائية مفخخة تماما بالأسئلة والقلق. فهي تنفتح عن آخرها مشرعة ذيول أسئلتها على ما يمكن وصفه نهايات الأسئلة الوجودية والفلسفية المتعلقة بالكون والانسان. أما اللقاء به – الكوني – فشأن مختلف. لا يقتصر الأمر فقط على ذلك الشعور الغامض بأنك في حضرة انسان منتم إلى تلك الأزمنة السحيقة المحيطة بالمعرفة والمتقدمة جدا على أزمنتنا، وإنما تدهشك أيضا بساطته، ومودته غير الخافية. أنت أمام "مثال" آخر تماما.
    هكذا انفتحت أمامي عوالم الروائي الليبي العالمي إبراهيم الكوني، وأنا أنزلق تدريجيا – إنما بارتباك بعض الشيء – في محاولة فهم "عوالمه الجوانية". حصيلة التجربة الحياتية الثرة التي مكنته من تأسيس مشروع روائي يلاحظه النقاد الغربيون بعناية فائقة واحترام شديد. لم أحمل معي آلة التسجيل - كعادتي - إلى مطعم لامودا في مدينة دبي للاعلام، فقد كانت رغبتي مركبة في أن ألاحظ وألتقط وأحاور كصحفي، وأن أختزن وأختزل - كروائي – تينك الساعتين اللتين جمعتاني بالكوني بوصفه متمكنا من أدواته الروائية و"رائيا" في عمله بشكل باهر.
    غواية الجلوس إلى الكوني من دون "مؤثرات" و"تقنية" قد تفسد تلقائية الكلام، وتنقل الموقف - الطبيعي - بأكمله إلى جو "مكهرب" بعض الشيء وشديد المحاذير، دفعتني للتخلي عن "الآلة الجهنمية" التي تمثل كابوسا لبعض المبدعين. حسنا، فلأتخل عن آلة التسجيل، ولأهرب من مهنتي قليلا، لأمارس تثاقفا محضا لا تشحنه دواعي الحوار أو التحقيق الصحفي. لكن، هذا سيأتي فيما بعد، ما أن يغيب الكوني وراء الأشجار وصفوف السيارات، ستتملكني رغبة الكتابة عنه. لم أرافق الكوني في دبي، لكن الساعتين أتاحتا حديثا معمقا عن أمور شتى، أهمها هو.
    حين دلفت إلى مطعم "لامودا"، كان الكوني جالسا حول طاولة تضم إلى جانبه، الزملاء عمر الأنصاري وأحمد علي الزين وعمار بكار. كان منهمكا في حديث مع الزين، وهب واقفا ليلقي التحية. طويل القامة على نحو لافت. سلمت عليه بطريقة تجمع بين "السودانية" و"الطارقية". كان يرفل في بذلة رمادية أنيقة وتتدلى من رقبته ربطة عنق من اللون ذاته مخططة.
    طلب حساء، وأكتفى منه بشيء يسير. ثم ترك طبق السلطة أمامه فترة طويلة دون أن يمسه. ربما، لهذا السبب هو نحيف. صوته خفيض، ويبدو في بعض الأحيان غير واضح إلا إذا ركزت بحواسك كلها. لابد أن تقترب منه جدا لتتمكن من متابعة ما يقول. على المقعد المجاور، وضع عصاه و"بيريه" ورواية لعلي الزين أظنها "معبر الندم".
    حين انضمت زميلة تدعى سهير للجلسة، لاحظ حذرها من مصافحته. ولم يغفل الاشارة إلى موقف تعرض له في بيروت قبل سنوات حين حاولت صحفية إجراء حوار معه، ولما قام ليصافحها، تراجعت معتذرة عن عدم مصافحة الرجال. قال ذلك وهو يغرق في الضحك، مؤكدا لسهير أنه لا يجد حرجا في المصافحة، بل أنه كان يخشى أنها هي التي لا تصافح !
    الكوني، رجل متأمل. عميق في تأملاته. لماح للغاية. وفوق ذلك كله، يمتلك خاصية التواصل مع الآخرين. لا يعوزه أبدا ذلك الحس الانساني الذي يتيح تآلفا سريعا يشدك إلى الجوانب الخفية في شخصيته الانسانية. ذلك ما تلحظه أثناء مخالطتك إياه. وغني عن القول إن الصفات نفسها تكاد تلمح في أعماله من خلال انحيازه للانسان والحياة بمختلف أشكالها، حتى في الجماد !!
    ومن تلك الطبيعة الصحراوية، انطلق الكوني ليؤسس تجربة روائية منتزعة من عالم متقشف ظاهريا، إنما تستبطن، وتفجر عالما مسكونا بالحياة. عالج الكوني في أعماله حيوات قائمة في كل شيء في الصحراء. المخلوقات ذاتها التي تستوطن الأمكنة كلها، تم إحياؤها بواسطته مؤسطرة تماما، ومحررة من قتامة الواقع. لكنه لا يقص عن شيء أسطوري بالكامل. المفارقة الحقيقة تكمن في أن تلك الأسطورة، إنما هي واقع الصحراء بالفعل.
    سأله عمار، إن كان حقق من خلال أعماله الروائية ما كان يرجوه للطوارق من ذيوع صيت ولفت لقضاياهم. قال إنه معني أكثر بالانسان، الانسان ذاته. والانسان الطارقي. لا يهتم بالسياسة. يرى أن للسياسة رجالها. وما يقوم به، إنما هو إحياء لتراث انساني ضخم. ربما، على آخرين يأتون من بعده، الاستمرار على هذا النحو.
    التفت نحو عمار وهو يضيف ببطء وحكمة بالغة "قد يحتاج الانسان لحياتين أو ثلاث ضعف حياته ليقف على أعتاب المعرفة". سألته، وكنت أقصد أن أجرجره لمنطقة الفلسفة الصوفية، المعرفة أو العرفان ؟ أم كلاهما شأن واحد ؟ صوب بصره باتجاهي على نحو خاطف قبل أن يوميء موافقا على ما قاله الزين "شأن واحد، لا اختلاف بينهما".
    استحوذ الحديث على اهتمام الكوني بالكامل. ولطالما شغلني دأبه على اجتراح أعمال تحفر في الصحراء، انسانها، نباتاتها، وحيواناتها. سألته عن ذلك، هل البطولة في أعماله ليست حصرا – كما بدا لي – على الانسان. وافق ذلك الرأي على الفور. أضاف بأن الجن، حتى الجن لهم حضور طاغ في رواياته. قال إن القدماء في تلك المنطقة "يعني حضارات الصحراء الكبرى ومصر" كانوا يسبغون الحياة على كل شيء، بما في ذلك الجمادات. وأعماله إنما تقوم على "الإحياء". إحياء الصحراء بكل ما فيها، الأشجار والنباتات والحيوانات والبشر والجمادات.
    عن ذلك، كتب الناقد إبراهيم عبدالمجيد: "المعنى العميق لرواية عشب الليل في أنها عن الإنسان في مواجهة الطبيعة ، الإنسان الغفل ، البدائي ، مخلوق الفطرة ، مع الطبيعة البكر العذراء ، التي لم يسبقها غير العدم ، ونحن هنا لا نجد لحظتين ، إنها لحظة واحدة اقرب إلى لحظة النزول من الفردوس وصرخة الإنسان الأول حين أحس بالضياع وسط طبيعة لا ترحم".
    كان سؤال عمر التالي باعثا على استغراق الكوني في حديث طويل ومعمق. "ملاحظ أنك استخدمت لغة ربما تكون أسطورية هي الأخرى". شرح كيف أنه تعلم اللغة العربية في سن العاشرة تقريبا، ثم سافر إلى موسكو في صباه لينقطع عنها. ولا زال متجولا إلى غاية الآن بعيدا عن البلدان العربية.
    قال، إنه يشعر بحنين شديد نحو اللغة العربية. لكن الأسطورة تحضه أيضا، من ناحية أخرى، على مقاربة لغوية باتجاهها. باتجاه الأسطورة. لغة تتموقع داخل الأسطورة وتعبر عنها.استطرد عن اعادة اكتشاف اللغة، وكيف أنه بالمقدور اعادة اكتشاف كل مفردة في اللغة.
    وكانت مجلة كولنر آنزايغر الألمانية نشرت سابقا عن لغته وأعماله: "في قلب رواياته المشحونة بفيض شعري غير مألوف ، تنهض تلك العلاقة العاطفية التي تتجاوز كل الحدود بين الإنسان والحيوان".
    سألته، هل يعتبر أعماله "واقعية سحرية" ؟ كان عمار يعتذر منه على اشغاله عن تناول الطعام. بدا مستمتعا بالأحاديث، ورفض على نحو قاطع أن يستزيد من الطعام. أجابني "لا أعرف، هل هي واقعية سحرية أم لا، لا أستطيع الحكم على ذلك".
    حين أستأذنت سهير تلاها عمار للانصراف لبعض الأعمال، وكان جالسا قربه، دعاني للجلوس إلى جانبه. قال لي أن غالبية أصدقائه سودانيون. ذكر أن الشاعر السوداني الراحل جيلي عبدالرحمن كان أول من أستقبله في موسكو مطلع السبعينات.
    كان قال لي قبلا عبر الهاتف أنه يواظب على الاستماع إلى أغان سودانية، ويتابع فضائية "النيل الأزرق" بحثا عن تلك الأغاني، مشيرا إلى أن نبع الأغاني السودانية والطارقية واحد. زاد بأن هناك ما يشير إلى تلاحم حضارات تلك المنطقة وأصولها المشتركة، يعني الصحراء الكبرى، مصر والسودان.
    ألتقى الطيب صالح أخيرا في القاهرة. صديقه. قلت له "الطيب صالح لمن يعرفه عن قرب، درويش متجول". أومأ برأسه علامة الموافقة، وكنت أعني القصيدة الرائعة الموسومة "معزوفة لدرويش متجول" لمحمد الفيتوري. فيها، يتغنى الفيتوري بالفضائل والعمق والمعرفة التي يتحلى بها هذا "الدرويش". لطالما بدا لي الطيب صالح صوفيا قانعا بسيطا.
    قال إنه يستغرب من هذا الطيب صالح، كيف أنه قضى خمسين عاما تقريبا في بريطانيا وبعد ذلك كله رفض الجنسية البريطانية وظل معتزا بجنسيته السودانية. كان يعني أن الفترة الطويلة التي قضاها صالح في الغرب، علاوة على الشتائم التي تعرض لها في السودان مطلع التسعنيات كانت لتحث أي واحد غير الطيب صالح على نيل جنسية أخرى، لكنه – أي الطيب صالح – "من طينة أخرى" !
    ناقشني أيضا عن عزوف الطيب صالح عن الكتابة الروائية. وسأل كلاهما – هو والزين – عن منسي، كتاب الطيب صالح الجديد. قلت إنه سيرة صديق عادي لصالح خلق منه أسطورة انسانية. قال الكوني إنه يعتقد أن صالحا يشعر بالضجر من الكتابة، وهي تلقي عليه عبئا نفسيا كبيرا.
    حين غادرنا مطعم لامودا، تناول "البيريه" من على المقعد ووضعه باحكام على رأسه، وأخذ العصا بيمينه فيما احتفظ بالكتاب في يسراه. كنا نمشي باتجاه مبنى قناة "العربية" حين سألته، ماذا تكتب الآن ؟ ابتسم، قبل أن يدعوني إلى عدم المجاهرة أبدا بمشاريعي الروائية. شرح ذلك بالقول " ربما غيرك يغضب من هذا، ويعتبر الأمر نوعا من التعالي مثلا".
    وربما يصعب شرح الذي قاله بعد ذلك لشدة عمقه الفلسفي واقتصاده في اللغة. قال، إن الوجود والكلام كلاهما طاقة. وأن الابداع بدوره طاقة. حين تخالجنا نزعة كتابة عمل ما، ويبدأ العمل في التبلور في داخلنا، فإن مجرد التحدث بهذا الشأن للآخرين يبدد الطاقة الحبيسة. يقصد طاقة الابداع.
    أضاف بأنه يرى أن "المبدع الحقيقي" يستمتع بالكتابة، أما "العبقري" فيتحرر بالكتابة، لأنه يحرر تلك الطاقة الكبيرة بداخله. تحدث عن الخطيب والمؤرخ الروماني كورنيليوس تاسيتوس (56 – 120 م) الذي حفظ أحد الكتاب الرومان جميع مأثوراته ما عدا خطابه الأخير الذي اكتفى بالقول إنه "محفوظ على كل الألسنة". كان هذا هو الخطأ الفادح الذي اقترفه ذلك الكتاب على حد تعبير الكوني، فقد ضاع أعظم أثر لتاسيتوس لأنه لم يدوّن، فـ"الكلام الذي تحفظه الألسنة ينتهي بانتهائها خلافا لذاك المدوّن".
    سألته "هل تستخدم التقنية الحديثة في الكتابة أستاذ إبراهيم، أعني الكمبيوتر.. ال.. يعني.." ؟ أغرق في الضحك، وتوقف عن المشي. توقفنا جميعا. حرك عصاه وهو يشرح لنا قسما من الثقافة الطارقية تتعلق بجانب المادة والروح.
    الطوارق، وربما من سبقوهم، يعتبرون أن وضع آلة كالسكين – كأول آلة مكتشفة – كفيل بطرد الأرواح عن المكان. وأردف ضاحكا، أنه قضى فترة يتدرب على استخدام الكمبيوتر إلى أن أجاده، إلا أنه فشل في استخدامه عوضا عن الورقة والقلم في كتابة الروايات. قال على نحو قاطع ونهائي إنه "انسان الأسطورة الذي يستحيل عليه أن يكتب عن الأسطورة باستخدام التقنية". أعقب ذلك بضحكة مجلجلة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de