برنارد لويس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 10:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-15-2005, 07:49 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
برنارد لويس

    1-
    فورين آفيرز" – برنارد لويس*
    ترجمة حرفية: شيرين حامد فهمي**
    12/06/2005

    islamonline.net

    برنارد لويس:-

    "إن التحدث عن الديكتاتورية الشرق أوسطية على اعتبارها ظاهرة لها جذور وأصول تاريخية ليس إلا افتراء على الحقيقية، إذ هو يعكس مدى الجهل بتاريخ العرب، ومدى الازدراء بواقعهم، ومدى الاستهزاء بمستقبلهم. صحيح أن إيجاد نظام سياسي ديمقراطي في العراق أو في أي بقعة أخرى بالمنطقة ليس بالمهمة السهلة، إلا أنه ممكن وجائز، خاصة بعد ظهور علامات كثيرة تبشر بالأمل الموعود".

    تلك الكلمات أطلقها المستشرق البريطاني-الأمريكي "برنارد لويس" Bernard Lewis أثناء خطبته التي ألقاها بجامعة "جورج واشنطون" الأمريكية في إبريل 2004. وعلى قدر ما عكست تلك الخطبة من جوانب إيجابية عديدة في حق الإسلام والمسلمين -وهو أمر غير معهود في كتابات "لويس"- فإنها عكست أيضا انتماءاته وتحيزاته الصهيونية المعروفة، وهو ما سيلحظه القارئ في ثنايا النص الأصلي الذي تم نشره في صورة مقال بمجلة "فورين آفيرز" الأمريكية، في عددها الأخير (مايو/يونيو 2005)، تحت عنوان "الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط الحديث".

    ومن ضمن تحيزاته التي لحظناها تلك المقارنة الخاطئة التي عقدها بين مفهوم "المواطنة" من المنظور الإغريقي-الغربي وبين مفهوم "الولاء" للأمة من المنظور الإسلامي، وذلك الخلط أو اللبس الساذج الذي افتعله بين الحركة الوهابية وبين الحركة الأصولية السُنية، وأخيرا فهمه الناقص للإسلام حينما اتهمه باستثنائه المرأة والعبيد والكفار من مبدأ المساواة. هذا غير تشبيهه للتجربة الديمقراطية الأمريكية "الرائدة" في العراق -وما ستحدثه في المنطقة من تحولات إيجابية- بحملة "نابليون بونابرت" على مصر في عام 1798 وما خلفته على المصريين من عواقب "حميدة"، كما يرى "لويس"، مما يعكس تشبثه بذلك الافتراض القائل بأن المنطقة لن ينصلح حالها إلا عبر الدفعة الليبرالية الغربية من الخارج.

                  

06-15-2005, 07:50 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    2-
    تغيير المفاهيم:

    يحظى التاريخ على أهمية واضحة لدى المسلمين، كما يحظى لدى غيرهم، إلا أن اقتراب المسلمين نحو التاريخ يتسم بحساسية خاصة وبإدراك خاص. إن مسيرة الرسول محمد، وإيجاده لمجتمع إسلامي، وإقامته لدولة إسلامية مرتكزة على الشريعة الإسلامية... كلها أحداث شهدها التاريخ، وشهد عليها المؤرخون من واقع الذاكرة التاريخية، ومن واقع ما سُجل وما حُكي منذ أمد بعيد، بل وأيضا من واقع ما تم الجدل بشأنه والتعارك بصدده.

    فحتى هذه اللحظة، يمكن للمرء أن يلحظ سجالات طاحنة ومناقشات ساخنة -تُدار من قبل المؤرخين المسلمين- حول أحداث مر عليها أكثر من قرن، حيث ترتكز نقاط الجدل حول ماهية الحدث وأهميته، وعلاقته بالواقع المعيش الآن.

    ويمكننا القول: إن إدراك مسلمي اليوم للتاريخ -وخاصة مسلمي الشرق الأوسط- قد اكتسب أبعادا جديدة، ففي ظل الحقبة الحديثة الراهنة، خاض المسلمون -بل عانوا- من تجارب غريبة وجديدة عليهم كان لها الأثر العميق في تغيير نظرتهم لذاتهم وللعالم من حولهم، وبالطبع في إعادة تشكيل مفاهيمهم ومصطلحاتهم.

    في عام 1798 أتت الثورة الفرنسية إلى مصر؛ أتت في صورة حملة استكشافية صغيرة العدد، تحت ولاية جنرال صغير السن.. اسمه "نابليون بونابرت". قامت هذه الحملة باختراق مصر، ثم احتلالها، وأخيرا حكمها لسنوات طويلة... هكذا بمنتهى السهولة وبمنتهى البساطة. أما الجنرال "بونابرت"، فقد أعلن بفخر واعتزاز أنه لم يأت إلا تحت "اسم الجمهورية الفرنسية المتأسسة على قواعد الحرية والمساواة"؛ وهو ما تم نشره باللغتين، العربية والفرنسية، فلم ينس "بونابرت" أن يجلب معه طاقما من المترجمين المتقنين للعربية، وهو ما تغافل عنه الكثيرون من زائري المنطقة فيما بعد.

    وإذا تحدثنا عن مبدأ المساواة، فإنه يجوز القول بأنه قد لاقى ترحيبا واسعا لدى المصريين، مثلهم مثل جميع المسلمين. لقد اقتنع المسلمون المؤمنون بهذا المبدأ منذ لحظة ميلاد الإسلام في القرن السابع الميلادي؛ اقتنعوا به كمبدأ أساسي وأصيل في الإسلام.

    لقد أقر الإسلام به في وقت كان يعج بالظلم، سواء كان هذا الظلم متمثلا في نظام الطبقات بالهند caste system، أو متمثلا في نظام الأرستقراطيات والامتيازات بالعالم المسيحي آنذاك.

    لا شك في تشديد الإسلام على مبدأ المساواة؛ ولا ريب في قيام المسلمين بجهد كبير وبنجاح أكبر من أجل تمكين هذا المبدأ وإنزاله على أرض الواقع. صحيح أن وقائع الحياة الإسلامية قد أوجدت حالات كثيرة من الظلم وعدم المساواة -خاصة الحالات الاقتصادية والاجتماعية، يعقبها الحالات الإثنية والعرقية- إلا أنها كانت في تعارض تام وتناقض مطلق مع المبادئ الإسلامية؛ بالإضافة إلى كونها لم تتدن أبدا إلى مستوى الظلم الذي كان يشهده العالم الغربي حينذاك.

    صحيح أن الشريعة الإسلامية قد استثنت ثلاث فئات من قانون المساواة -العبيد والنساء والملحدين- إلا أن استثناءهم لم يكن ملحوظا بهذه الدرجة. وهذا على عكس ما كان يحدث في الولايات المتحدة -على مدار أعوام عديدة- حينما كان الرجال البيض البروتستانت يُنظر إليهم على اعتبارهم الفئة الوحيدة التي "ولدت بحرية ومساواة"؛ وهو أمر إن كان ضد المبادئ الأمريكية، فإن الممارسات قد صدقته وأثبتته.

    إن التاريخ يشهد بأنه حتى نهاية القرن التاسع العشر، بل حتى بداية القرن العشرين، لم يكن للرجل المسيحي الذي يعيش في العالم المسيحي -بما فيه فرنسا بعد الثورة والولايات المتحدة- من الفرص التي تمكنه من الوصول إلى السلطة مثلما كانت تلك الفرص متاحة للرجل المسلم الذي يعيش في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، إن الرجل المسلم الفقير ذا الأصول غير المعروفة كان لديه فرصة أكبر -للوصول إلى السلطة- من نظيره المسيحي الذي كان يعيش في أوربا والولايات المتحدة.

    لقد كانت المساواة إذن مبدأ مفهوما ومحترما إلى أقصى درجة في أوساط المسلمين، ولكن ماذا عن الكلمة الأخرى التي ذكرها "بونابرت".. "الحرية"؟ الحقيقة، إن هذا المصطلح قد تسبب في إحداث بعض التشتت لدى المصريين. فالاستخدام العربي للمصطلح في ذلك الوقت -وفيما بعد- لم يكن استخداما سياسيا، بل كان استخداما قانونيا شرعيا.

    وفي هذا الصدد، يصير المرء حرا إن لم يكن عبدا، ومن ثم فإن تحرير المرء يعني عتقه من العبودية. هذا بالإضافة إلى أن العالم الإسلامي -على عكس العالم الغربي- لم يجعل من "العبودية" دلالة على سوء الحكم وسلبيته، كما لم يجعل من "الحرية" دلالة على جدارة الحكم وإيجابيته.. اللهم إلا مؤخرا.
                  

06-15-2005, 07:50 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    3-
    استمر هذا التشتت فترة طويلة إلى أن طل علينا عالم مصري فذ، ليفك لغز ذلك التخبط، مُقدما الحل بعد طول انتظار. إنه الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" الذي كان يعمل أستاذا بجامعة الأزهر في أوائل القرن التاسع عشر. تلك الجامعة التي لم تنلها أيادي التحديث حتى يومنا هذا.

    فقد أرسله حاكم مصر في صحبة أول بعثة مصرية إلى باريس في عام 1826؛ وذلك في ضوء ما ارتآه الحاكم المصري حينذاك من ضرورة وحتمية اللحاق بالغرب. وفي تلك البعثة -التي اشتملت على 44 طالبا- كانت مهمة الشيخ تتمثل في القيادة الروحية والإيمانية للطلاب المصريين، حتى لا يزيغوا عن الصراط المستقيم؛ وهي لم تكن بالمهمة السهلة في ذلك الوقت.

    وفي خلال فترة مكوثه بالعاصمة الفرنسية -من 1826 حتى 1834- أظهر الشيخ ولعا غير عادي بالعلم ربما أكثر من الطلاب أنفسهم؛ فألف كتابا مبهرا، يتحدث في صفحاته عن انطباعاته حول فرنسا ما بعد الثورة. وقد تم نشره في القاهرة عام 1834، ثم ترجم إلى التركية في عام 1839.

    ظل كتاب "الطهطاوي" -على مدار عقود عديدة- النافذة الوحيدة التي يطل منها القارئ المسلم الشرق أوسطي على دولة أوربية حديثة (فرنسا)، فيتعرف عليها وعلى ملامحها دون مشقة لغوية. وقد أفرد الشيخ فصلا كاملا عن الحكومة الفرنسية، مشيرا فيه إلى مدى اهتمام الفرنسيين بمسألة الحرية، ومدى انكبابهم عليها.

    في البداية، تعرض "الطهطاوي" إلى نفس ذلك التشتت الفكري -الدائر حينذاك- حول العلاقة غير المفهومة بين وضع الحُر الذي لم يعد عبدا وبين السياسة. إلا أنه أدرك بعد ذلك حقيقة اللغز، فأوضح مُلخصا: "حينما يتناول الفرنسيون قضية الحرية، فهم يعنون ما يعنيه المسلمون حول قضية العدالة".

    والحقيقة أن الشيـخ قـد أصـاب بالفعل، حينما خرج بهذه الخلاصة. فكما يرى الفرنسيـون -والغربيون بصفة عامة- الحكومة الإيجابية في الحرية والحكومة السلبية في العبودية، فإن المسلمين يرون الحكومة الإيجابية في تمكين العدل والحكومة السلبية في تمكين الظلم.

    إن هذه الرؤى المتناقضة تسهم في تسليط الضوء على الجدل السياسي الذي دق باب المسلمين منذ الحملة الفرنسية في عام 1798.. ذلك الجدل الذي نراه مستمرا حتى هذه اللحظة، في صور مختلفة وأشكال متنوعة.
                  

06-15-2005, 07:51 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    4-
    العدل للجميع:


    (الإسلام والغرب) كتاب آخر من كتبه-

    إن المثل الأعلى للحكم الإيجابي المحمود يتحقق إسلاميا -كما يرى "الطهطاوي"- من خلال "العدل"؛ وهو مفهوم له دلالته في اللغة العربية، وله أيضا معان وتفسيرات مختلفة، إلا أن التفسير العربي الشائع للعدل هو "العدل التابع للشرع" (ويقصد هنا بالشرع شرع الله، أي الشريعة التي أوحى بها الله إلى رسوله محمد وإلى المجتمع المسلم).

    ولكن ما هو المعنى المناقض أو المعاكس للعدل؟ وما هـو النظام الذي لا يعمل بمبادئ العدل؟ إن الحاكم العادل -حسب المنظومة الإسلامية التقليدية- لا بد أن يكون قد حقق أمرين: أولا أن يكون قد وصل إلى السلطة بطريقة مشروعة صحيحة؛ وثانيا أن يكون ممارسا للسلطة بطريقة مشروعة صحيحة أيضا.

    بلغة أخرى، لكي يرقى الحاكم إلى مرتبة العدل في الإسلام، يجب ألا يكون معتديا على السلطة أو ديكتاتوريا في ممارستها. وإنه لمن الممكن طبعا، أن يحقق الحاكم صفة واحدة دون الأخرى، إلا أن التجربة قد أثبتت تحقيق الصفتين في نفس الوقت.

    إن الرؤية الإسلامية للعدل موثقة منذ وقت الرسول محمد، حيث كانت حياته -كما هو ظاهر في نص الكتاب والحديث- مقسمة إلى مرحلتين مهمتين. الأولى تمثلت في فترة مكوثه ببلدة مكة -موطنه الأصلي- إذ كان مسخرا كل جهوده لمعارضة النظام الحاكم حينذاك، وهو نظام الكفر والشرك الذي كان يقابله ويعارضه ذلك الدين الإسلامي الجديد.

    وقد عكست الآيات القرآنية -وبجانبها الأحاديث النبوية والقصص النبوي- تلك "المعارضة"... أو قل تلك المظاهرة، بل تلك الثورة التي كان يشنها الرسول محمد ضد النظام القائم في ذلك الحين.

    وأما المرحلة الثانية، فقد تمثلت في فترة مكوثه ببلدة المدينة، بعد هجرته المعروفة إليها. وهي مرحلة تحول فيها الرسول محمد من ضحية للسلطة إلى مستخدم وموجه للسلطة. ففي "المدينة"، صار محمد رئيسا للدولة؛ فبات يتصرف مثلما يتصرف رؤساء الدول، من تنفيذ القوانين إلى فرض الضرائب إلى القيام بالحروب. باختصار صار حاكما.

    ولذا، فإن الأفق السياسي لهذه المرحلة لم يكن متمثلا في كيفية معارضة النظام -كما كان الأمر في الحقبة المكية- وإنما كان متمثلا في كيفية إدارة الحكم. ومن ثم، فإنه يمكن القول: إن المسلمين -منذ بداية نزول الوحي- تشكل لديهم رؤيتان سياسيتان متناقضتان؛ الأولى هي ما نسميها بالرؤية السياسية "النشطة" التي تبلورت منذ المرحلة المكية، والثانية هي الرؤية السياسية "الهادئة" التي تبلورت منذ المرحلة "المدينية"... إن جاز القول.

    ينص القرآن -على سبيل المثال- ويشدد على واجب الطاعة.. "وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم"؛ وهو أمر قد تجلى وبرز في العديد من الأحاديث المنسوبة لمحمد؛ ولكن على الجانب الآخر نجد الأحاديث التي تحد من ذلك الواجب، مثل "لا طاعة في معصية" أو "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وهما حديثان منسوبان إلى الرسول، ومقبولان عالميا لصحة محتواهما ومصدرهما.

    فأما الحديث الأول، فهو لا يُسقط فقط واجب طاعة الحاكم الذي يخالف القانون الإلهي، بل يأمر بضرورة عدم طاعته، وواجب الثورة ضده، أو على الأقل معارضة السلطة الحاكمة؛ وهو أمر يتجاوز حق الثورة المنصوص عليه في الفكر السياسي الغربي. وأما الحديث الثاني، فهو يضع حدودا واضحة لسلطة الحاكم، بغض النظر عن ماهية تلك السلطة.

    إن هاتين الرؤيتين السياسيتين -الهادئة والنشطة- كانتا مشهودتين طوال التاريخ الإسلامي: تاريخ الدول الإسلامية، وتاريخ الفكر السياسي الإسلامي، وتاريخ الممارسة الإسلامية. فمنذ بداية الإسلام، والمسلمون مهتمون ومشغولون بإشكاليات السياسة وبإشكاليات الحكم: من الوصول إلى السلطة إلى ممارستها إلى تداولها إلى شرعيتها إلى حدودها، وهي ما تهمنا في هذا المجال.

    كل ذلك تم تسجيله وتدوينه في كم لا يحصى من الأدبيات الإسلامية الثرية والمتخصصة في تناول القضايا السياسية. فهناك الأدبيات الدينية، وهناك الأدبيات القانونية التي يمكن تسميتها بالقانون الدستوري للإسلام، وهناك الأدبيات التطبيقية -وهي عبارة عن كتيبات مكتوبة بأيدي الموظفين المدنيين عن كيفية إدارة الأعمال الحكومية اليومية- وأخيرا هناك الأدبيات الفلسفية التي ترتكز بثقلها على الأعمال الإغريقية القديمة والتي قامت بترجمتها وبالتقريب بينها وبين الأعمال الإسلامية؛ ما أدى في النهاية إلى إخراج كتابات إسلامية متميزة عن "جمهورية أفلاطون" و"سياسات أرسطو".

    وبمرور الوقت، قويت شوكة الاتجاه "الهادئ" -أو الاتجاه السلطوي- وازدادت ضراوته لدرجة أن بات من الصعب الحفاظ على الحدود التي أمر بها النص المقدس والتي شدد عليها القانون الإلهي. ولذا، كانت الأدبيات الإسلامية تنادي دوما بالعودة إلى تلك الحدود التي تحد من سلطة الحاكم، وبإعادة الأمور إلى مجراها الإلهي. وكانت كلمة "الفتنة" من أكثر الكلمات شيوعا واستخداما في تلك الأدبيات؛ وهي تعني "إثارة" أو "استفزازا" أو "تشتتا"، أو حتى "فوضى" في بعض المضامين.

    بل إن بعض الكتاب يذهبون إلـى الافتراض القائل بأن ساعة -أو حتى لحظة- من الفوضى شر وأسوأ من مائة عام من الطغيان والديكتاتورية. وهو رأي من ضمن الآراء، وليس بالرأي الوحيد. وقد ساد في بعض الوقت في بعض البلدان الإسلامية، إلا أنه قوبل بالرفض التام في بلدان أخرى
                  

06-15-2005, 07:52 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    5-
    النظرية مقابل التاريخ:

    فيما يتعلق بإدارة الحكم من قبل الحاكم، تشدد الرؤية التقليدية الإسلامية على نقطتين في غاية الأهمية. الأولى هي الحاجة إلى الشورى، التي نصح بها القرآن فـي أكـثر مـن موضـع -وبوضوح كامل- بل نصحت بها أيضا أحاديث الرسول.

    والثانية هي عكس الأولى الاستبداد despotism، وهي كلمة تحمل معاني ومدلولات سلبية، ويُنظر إليها على اعتبارها شرا وخطيئة. ومن ثم، فإن وصف الحاكم بالاستبداد ليس إلا دعوة صريحة لخلعه من الحكم.

    وإذا سلمنا بمبدأ الشورى، فما هي الجهات التي ينبغي على الحاكم التشاور معها؟ إنه بعودتنا إلى الماضي سنكتشف أن الحاكم كان يلتمس المشورة أو الشورى عند زعماء القبائل الذين كانوا -وما زالوا- يمثلون بدورهم أهمية كبرى في بعض البلدان الإسلامية، مثل السعودية وبعض الأقاليم في العراق (وهم لا يمثلون هذه الأهمية في الدول الحضرية مثل مصر وسوريا).

    وكذلك تشاور الحكام المسلمون مع أعيان الأرياف الذين كانوا ينتمون إلى أسر وعائلات ذات مستوى عال، والذين كانوا يمثلون مركز ثقل في المجتمعات الإسلامية حينذاك. هذا بالإضافة إلى المجتمعات المدنية المختلفة، مثل تجار "البازار" والطبقات المتعلمة غير المتدينة (وأهمها الموظفون الحكوميون)، والمؤسسة العسكرية، والمؤسسة الدينية.

    وتكمن أهمية هذه الجماعات المختلفة -أولا- فيما لديها من قوة حقيقية؛ وثانيا في قدرتها على زعزعة الحاكم وسحب البساط من تحته. ومن ثم، فلا نتعجب حينما نعلم أن قادة هذه الجماعات -سواء زعماء القبائل أو النبلاء أو الشيوخ أو رؤساء النقابات أو قادة القوات المسلحة- لم يكن يتم ترشيحهم من قبل الحاكم وإنما كان يتم ترشيحهم من داخل الجماعات ذاتها.

    إن الشورى تمثل جزءا أصيلا من النظام التقليدي الإسلامي، إلا أنها لا تمثل العنصر الوحيد لمحاسبة الحاكم أو الحد من سلطته. فنظام الحكم في الإسلام هو نظام إجماعي تعاقدي؛ وقد أكد الدستور القرآني على أن الخليفة الجديد هو من "يتم اختياره". ولكن "الاختيار" هنا لا يحمل في طياته معنى "الانتخاب" العام الذي نعرفه، وإنما يحمل في طياته معنى "الاختيار" من قبل فئة صغيرة من البشر، المعروفين بقدراتهم وحنكتهم على اتخاذ الرأي الصائب الحكيم في ترشيح الخليفة الجديد.

    ومن ناحية المبدأ، فإن التداول الإرثي للسلطة مرفوض رفضا مطلقا من قبل الإسلام، إلا أن الأمر يختلف من ناحية الواقع. فقد كان التداول إرثيا على الدوام، باستثناء الأوقات التي شهدت هبات شعبية أو حروبا أهلية. باختصار، لقد دأب الحاكم المسلم -وما يزال حتى الآن- على ترشيح وتنصيب خليفته من بعده، سواء كان الحكم ملكيا أو غير ذلك.
                  

06-15-2005, 07:53 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    6-
    ونظريا، فإن عنصر "الرضا" -رضا المحكومين على الحاكم- يعتبر عنصرا مهما في الإسلام. فسلطة الحاكم -سواء التي قد حصل عليها أو التي يريد الإبقاء عليها- تعتمد في الأصل على رضا المحكومين.

    وفي النصوص الكلاسيكية العربية، نجد كلمة "البيعة" هي المسمى الأصلي الذي يعبر عن تلك الركيزة الأساسية للسلطة، وهو مسمى نطلق عليه بالإنجليزية لفظة homage، أي قيام الرعية بإظهار الولاء لراعيها. أما إذا أردنا تقديم ترجمة أكثر إيضاحا لكلمة "بيعة" -وهي التي تشتق من الفعل الذي يفيد "البيع والشراء"- فإنه بإمكاننا اعتبار "البيعة" صفقة أو عقدا يتم بين الحاكم والمحكوم، يلتزم فيه الطرفان بالتزامات مشتركة.

    يصب بعض الناقدين لعناتهم على الواقع الإسلامي -بغض النظر عن النظرية الإسلامية- معتبرين ذلك الواقع مثلا حيا عن نموذج حكومي متسلط استبدادي متحجر. بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيقولون التالي: "هذا هو حال المسلمين، وهكذا كان حالهم دائما، وليس بمقدور الغرب أن يفعل شيئا حيال ذلك". ولكن هذا ليس إلا قراءة خاطئة للتاريخ؛ إذ على المرء أن يعود قليلا إلى الوراء ليرى كيف وصلت حكومات الشرق الأوسط إلى تلك الحالة التي باتت عليها الآن.

    الحقيقة أن تلك الحالة قد حدثت على مرحلتين. الأولى بدأت مع هجمة "بونابرت" المفاجئة، واستمرت حتى القرن العشرين. كان اللاعبون الأساسيون -ساعتها- هم حكام الشرق الأوسط الذي شعروا بمدى حاجة بلدانهم إلى اللحاق بالركب الحديث، ومن ثم أتبَعوا ذلك الشعور المر بالتوجه سريعا نحو تحديث مجتمعاتهم، بدءا بالحكومات نفسها.

    هذه التحولات المجتمعية لم يقم بها الحكام الإمبرياليون -الذين كانوا يسعون دوما إلى التزين بالحشمة والوقار- وإنما قام بها الحكام المحليون، من سلاطين تركيا إلى بشوات مصر إلى شاهات إيران.. قاموا بها جميعا بنوايا طيبة حسنة ولكن بنتائج خطرة مفزعة.

    كان التحديث modernization حينذاك لا يعني فقط إدخال النظم الغربية في الحكم والحرب والاتصالات، وإنما كان يعني أيضا إدخال أدوات الهيمنة والقمع التي أدت إلى تنامي سلطة الدولة الإسلامية بشكل مهول، لدرجة أضحى فيها الحاكم المسلم في القرن العشرين -حتى ولو كان حاكما لبقعة صغيرة من الأرض أو لدولة لا تُسمى بدولة- يمتلك من أدوات القوة والهيمنة ما لم يتمتع به الخلفاء والسلاطين في الماضي.

    بل ما هو أسوأ من ذلك، أن تسبب التحديث في شل القوى المجتمعية الوسيطة -التجار وكبار الأعيان وزعماء القبائل- التي كانت تساهم بفاعلية في تقييد وتحديد سلطة الحاكم، والتي كانت تساعد على حفظ النظام المجتمعي التقليدي. فقد تم إضعافها تدريجيا، حتى أزيل معظمها؛ الأمر الذي أدى من ناحية إلى جعل الدولة أكثر قوة، والذي أدى من ناحية ثانية إلى تقليص الضوابط المفروضة عليها رويدا رويدا.

    ومن أبرع الذين وصفوا ذلك الوضع المتحول، هو الضابط البحري البريطاني "أدولفوس سلايد" Adolphus Slade الذي كان يعمل مستشارا بالأسطول التركي، حيث أمضى هناك معظم حياته المهنية. فقد عقد مقارنة بين النبلاء القدامى -وهم أعيان الأرياف والطبقة البرجوازية في الحضر- وبين النبلاء الجدد الذين باتوا يشكلون جزءا من الدولة، وباتوا يستمدون سلطتهم وقوتهم من الحاكم وليس من جماعاتهم التي ينبثقون منها. فوصف "سلايد" عملية ذلك التغير قائلا: "النبلاء القدامى عاشوا على ملكيتهم"، و"الدولة هي ملكية النبلاء الجدد". وهو وصف إنما ينم عن رؤية عميقة للحقيقة، واستشرافية لما سيكون.
                  

06-15-2005, 07:53 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    7-
    وأما المرحلة الثانية، فقد بدأت في عام 1940، حينما استسلمت الدولة الفرنسية إلى ألمانيا النازية، وهو العام الذي فتح على الشرق الأوسط كارثة سياسية بمعنى الكلمة. فبعد الاستسلام الفرنسي، تشكلت حكومة ائتلافية جديدة (حكومة ألمانية فرنسية) في منطقة فرنسية تسمى "فيشي"، والتي انتقل على أثرها المناضل الفرنسي الجنرال "شارل دي جول" إلى بريطانيا، مؤسسا "لجنة حرية فرنسا". فصار حكام المستعمرات الفرنسية مخيرين بين الانتماء إلى "فيشي" -الحكومة العميلة- أو التجمع حول "دي جول".

    وكانت النتيـجة أن تـوجه معظمهم -خاصة حكام الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان اللذين يقعان في قلب الشرق الأوسط- نحو خيار "فيشي"؛ الأمر الذي أدى إلى فتح سوريا ولبنان للإعلام النازي الذي دخل في تلك المنطقة بكامل قوته، ساحبا معه آلته الإعلامية إلى قلب المنطقة العربية. ومن ثم، صارت سوريا ولبنان ركيزة أو مصدر انطلاق "البروباجندا" النازية في المنطقة العربية.

    وكان هذا هو الوقت الذي ترعرعت فيه البذور الأولى للأيديولوجية البعثية التي تبلورت بعد ذلك لتشكل اللبنة الأولى من الحزب البعثي... الذي قام على أساس الرؤى النازية. صحيح أن أيديولوجية الحزب البعثي قد ارتكزت على أفكار القومية العربية والوطنية والاشتراكية، وصحيح أن الحزب لم يتأسس رسميا قبل عام 1947، إلا أن مذكرات ذلك الوقت -ومعها مصادر أخرى- تشهد على أن التدخل النازي كان هو البداية الحقيقة لنشوء الحزب.

    فانطلاقا من سوريا، قام الألمان والموالون للفكر البعثي بتشكيل نظام عراقي موال للنازية، يقوده العراقي المعروف "راشد علي الجيلاني" الذي قُلب نظامه على يد البريطانيين، وذلك بعد حملة عسكرية سريعة في مايو-يونيو 1941؛ الأمر الذي أسفر عن انتقاله إلى "برلين" ليمضي مما تبقى من الحرب العالمية الثانية في صحبة مضيفه "هتلر" وصديقه "الحاج أمين الحسيني" مفتي القدس آنذاك.

    بعدها دخلت القوات البريطانية والفرنسية سوريا، لتحولها من تحت هيمنة النازيين إلى هيمنة "دي جول". ولم يلبث أن انفك العقد البريطاني الفرنسي -بعد الحرب العالمية الثانية- ليأتي السوفييت ويحلوا محلهما في المنطقة.

    وبسهولة مفرطة، انتقل الحزب البعثي من النموذج النازي إلى النموذج الشيوعي؛ فلم يأخذ الأمر إلا تعديلات طفيفة. لم يسع الحزب البعثي إلى الفوز بالانتخابات والأصوات، كما هو الحال في المنظومة الغربية، وذلك لكونه عمودا أساسيا في الجهاز الحكومي الذي تنصب كل اهتماماته على الغزو الفكري وأعمال الاستخبارات وسياسات القمع، كما هو الحال في المنظومتين النازية والشيوعية. وقد سعى كل من الحزب البعثي في سوريا ونظيره المستقل في العراق على انتهاج ذلك المنوال.

    ومنذ عام 1940، ومنذ قدوم السوفييت إلى الشرق الأوسط، والمنطقة لا تكف عن استيراد النماذج الأوربية في إدارة الحكم: النماذج الفاشية والنازية والشيوعية. غير أن التحدث عن الديكتاتورية، باعتبارها ظاهرة لها جذورها وأصولها في ذلك الجزء من العالم، ليس حقيقيا بالمرة. بل إنه يُظهر كم الجهل بماضي العرب، وكم البغض لحاضرهم، وأخيرا كم اللامبالاة بمستقبلهم.

    فنظام مثل نظام "صدام حسين" البائد -والذي ما زال الكثير من الحكام المسلمين يتمسكون به- هو نظام حديث وجديد، ولكنه مناقض تماما لمبادئ الحضارة الإسلامية. ومن ثم، فإنه هناك من القوانين والتقاليد القديمة التي يمكن للشعوب العربية الاعتماد والارتكاز عليها.
                  

06-15-2005, 07:55 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8946

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: برنارد لويس (Re: محمود الدقم)

    8-
    (حبال وزحاليق):


    أحد كتب لويس/

    بالطبع توجد هناك الكثير من الموانع الواضحة التي تعيق التطور الحقيقي للمؤسسات الديمقراطية بالشرق الأوسط؛ وأهم هذه الموانع تتمثل في نموذج الحكم الاستبدادي التسلطي المشهود حاليا في المنطقة كلها. وهو حكم غريب على الماضي الكلاسيكي العربي، وغريب على التاريخ الإسلامي، إلا أن عمره قد وصل الآن إلى عدة قرون، فبات متجذرا في المنطقة، ومحميا بقوة ووضوح.

    مانع آخر -وهو مانع تقليدي إلى حد ما- يتمثل في غياب فكرة المواطنة عن الفكر السياسي الإسلامي وعن الممارسة السياسية الإسلامية. وهي فكرة تعني مشاركة الفرد بحرية في المجتمع المدني؛ وهي فكرة لها جذورها العميقة في الفكر الغربي، منذ الإغريق حتى يومنا هذا.

    إلا أنها على الوجه المناقض، لا تمثل عنصرا أصيلا في الرؤية الإسلامية التي لا تقر فقط بفكرة مشاركة الجماهير في اختيار حكامها، ولكنها لا تقر أيضا بفكرة مشاركتها في إدارة الحكم. ففي العصور الذهبية للخلافات الإسلامية، لم يكن للمدن أي وضع رسمي على الرغم من قوتها وازدهارها، ولم يكن من المقبول وجود حكومات مدنية. فالمدن كانت تتشكل من تجمعات بشرية، تتمحور حول الولاء والهوية. فكانت ترتكز إما على الولاءات الإثنية أو القبلية أو الدينية أو الطائفية أو حتى الوظيفية.

    وإلى يومنا هذا، لا توجد كلمة عربية واحدة تتعلق بمصطلح "المواطن" citizen. صحيح أنه يستخدم في جوازات السفر وفي الوثائق الأخرى، إلا أن معناه اللفظي لا يتعدى مفهوم الإنسان الذي ولد في نفس الدولة compatriot. وهكذا أدى غياب المواطنة إلى غياب التمثيل المدني؛ فبالرغم من قيام جماعات مجتمعية مختلفة باختيار قاداتها في الفترة الكلاسيكية العربية الإسلامية، فإن مفهوم اختيار الأفراد المخولين بتمثيل المواطنين في مجلس أو منظمة ما لم يكن معهودا به في الخبرة السياسية للمسلمين.

    وإذا فتشنا ونقبنا عن عناصر إيجابية في التاريخ الإسلامي، فسنجد بالتأكيد ما يعيننا ويساعدنا على تنمية الديمقراطية. ومما هو جدير بالملاحظة في يومنا هذا، هو عودة فكرة الحكومة التي تحترم مبادئ الإجماع والتعاقد والحدود. فالرفض التقليدي للاستبداد والظلم بات اليوم أمرا حتميا، مكتسبا زخما جديدا وقوة جديدة.

    لقد اكتسب "رفض الاستبداد" زخما هائلا في الكتابات التقليدية... والآن في الكتابات الحديثة. وصار المسلمون ينادون من جديد -إن لم يكونوا يطبقون- بفكرة الشورى. ويعتمد هذا النداء -بالنسبة للمسلمين الملتزمين- على ما نص به الكتاب المقدس وأحاديث الرسول، وكذلك على مجموعة كبيرة من الوقائع التي حدثت في التاريخ الإسلامي.

    ويمكن للمرء أن يلاحظ مثل هذا "الاستيقاظ" في أفغانستان على وجه الخصوص، حيث لم يتعرض شعبها إلى مثل هذا الكم الهائل من التحديث -كما تعرضت الشعوب الإسلامية الأخرى- ومن ثم يصير الأمر بالنسبة لها أكثر سهولة وأقل تعقيدا في إحياء التقاليد القديمة من جديد، خاصة تقليد الشورى الذي تقيمه الحكومة مع جماعات المصالح المختلفة؛ وهو ما يمثله "اللويا جرجا" (المجلس التشريعي الأفغاني) الذي يتكون من عدد هائل من الجماعات المختلفة... إثنية وقبلية ودينية وإقليمية ومهنية وأخرى.

    هناك أيضا مظاهر مبشرة تطل علينا في بعض الأحيان؛ ولعل أكثرها تأثيرا، ذلك التطور المروع في الاتصالات وانتهاج الشرق الأوسط لأحدث الوسائل الاتصالية، من دور النشر إلى الجرائد إلى التلفزة إلى الراديو؛ كلها أدوات أدت بدورها إلى إحداث تحول في المنطقة، مع العلم، أنها كانت تستهدف في البداية توصيل صوت الديكتاتورية، ليعطي الدولة سلاحا جديدا للبروباجندا والهيمنة.

    إلا أن هذا الهدف لم يكن باستطاعته الاستمرار إلى ما لا نهاية، خاصة مع ظهور الإنترنت والقنوات الفضائية والمحمول؛ فإذا بالهدف الديكتاتوري يتحول إلى هدف توعوي إصلاحي. وأكبر دليل على ذلك، ما حدث للاتحاد السوفيتي الذي يعتبر من أسباب سقوطه تلك الثورة التكنولوجية العارمة. فكما نعلم، كان الاتحاد السوفيتي يعتمد أساسا على قدر كبير من السيطرة على قنوات الإنتاج والتوزيع والمعلومات، إلا أنه بتطور الاتصالات لم يعد ذلك ممكنا.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de