كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 نريد للخرطوم أن تكون عاصمة قومية لكل السودانيين: محمد الفاتح سعيد
|
نريد للخرطوم أن تكون عاصمة قومية لكل السودانيين
فيها ملامح جوهانسبيرغ وخفة روح القاهرة
محمد الفاتح سعيد
استوقفني أخيراً حديث متفرد ساقه الكاتب علي العتباني معلقاً على أحداث سوبا المؤسفة والتي راح ضحيتها مجموعة من رجال الشرطة وهو امر مؤسف بكل المقاييس، ويخلص العتباني في حديثه المبني على تداعيات أحداث سوبا فيقول إنه لايريد فيه أن تكون الخرطوم مثل جوهانسبيرج التي وفق رؤيته أن الحضارة الغربية والكنيسة أورثتها ثقافة العنف والجريمة وكأن عواصم مثل لندن وباريس تقعان في قلب الجزيرة العربية والعالم الاسلامي لشدة أمنهم وأمانهما بينما يريد للخرطوم أن تكون عاصمة كالقاهرة التي يقول انها هدية الحضارة الاسلامية التي بدورها أورثتها الأمن والأمان وكأن المقوقس لم يكن زعيما للقبط قبل دخول الاسلام مصر وكنت أحسب أن مثل هذا الحديث قد ولى عهده مع تباشير السلام التي تلوح الآن في آفق الخرطوم ورومبيك ورغم اتفاقا معه حول أهمية الأمن في ظل السلام الا أننا نختلف معه وبصورة حادة في الرؤية والحقائق الغائبة في خطابه حيث أن لغة الخطاب ومضمون حديثه مبطن بالتهديد لمواطنين سودانيين يفترض أن يكونوا متساويين معه في كل صغيرة وكبيرة ولأن خطابه فيه استعلاء وتهديد لا نقبله نحن أهل الوسط وسكان الخرطوم ناهيك عن الآخرين الذين يعيشون في أحزمة الفقر والتهميش التي يعنيها والتي تحيط بالعاصمة القومية احاطة السوار بالمعصم، ونقول له وبكل وضوح ما هكذا تورد الأبل يا عتباني.
وأجد نفسي وعلى ما أظن حال أناس كثر متعجبا في كيف يتسنى لشخص في هذا الزمن أن يحط وبجرة قلم من قدر عاصمة تعتبر قلعة صمود ومعقل لأسود كاسرة مثل جوهانسبيرغ هزت تظاهراتهم ضمير العالم وأجبرته على أن يصحى ويشجب الظلم وحصرها فقط كمسرح للجريمة وبؤرة لانتشار مرض الأيدز وهي المدينة التي يكفيها فخرا أنها ومن أفقر أحيائها من أحياء المهمشين «حي سويتو» خرجت اسطورة لم ولن ينجب العالم مرة أخرى مثلها ألا وهو ماديبا العظيم نيلسون مانديلا ومنها تم كسر وانهيار أبغض نظام عنصري في التاريخ وهنا نحاول نذكر الأستاذ العتباني أن انجاز السلام الذي مجد فيه قيادات الشمال فقط وننتظر ثماره الآن شريكه في الصناعة وأعني الدكتور جون قرنق قد خرج من بطن حزام المهمشين من ضاحية الحاج يوسف قلعة عمال المصانع فكيف يستقيم أن يكون الحديث عن انفلات الأمن والخلل الاجتماعي في الخرطوم من دون الولوج في أسباب الفوضي واهتزاز التوازن الاجتماعي التي كانت احداث سوبا ومثيلاتها التي ذكرها في حديثه نتيجة حتمية لذلك الخلل منذ أن نشأت فكرة الكمبو والرديف ومآلاتها في أذهان أهل الشمال ونود أن ننبه الأستاذ العتباني بان جوهانسبيرغ أصبحت غير آمنة ليس بسبب حي سويتو وسكانه الأشاوس والذي خرج من رحمه كوكبة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بقيادة مانديلا وولتر سيسولو والأب ديزمند توتو وانما بسبب سياسة الأبرثايد التي مكنت السلطة والثروة في يد الأقلية البيضاء التي كانت تعيش في أحياء بريتوريا الراقية وتحكم البلاد بالحديد والنار وأصحاب البلاد يعيشون في حزام التهميش والفقر والأستاذ العتباني لا يريد للخرطوم أن تكون كلاغوس حاضرة نيجيريا الاقتصادية متناسيا أن جنرالات نيجيريا كانوا ومازالوا يعيشون في افخر احياء لاغوس «فكتوريا ايلاند» والسواد الأعظم يعيش الكفاف ولذا لاغوس خطرة ولا يريد الأستاذ العتباني أن تكون الخرطوم نيروبي أخرى ونسي ان الرئيس السابق موي وبطانته من قبيلة الكيوكيو كانوا وما زالو يعيشون في ارقى الفيلات في أحياء و ضواحي نيروبي بينما يعيش بقية الشعب خلف الأسلاك الشائكة والأطفال المشرديين يطويهم الجوع في وسط نيروبي ولذا نجد نيروبي أصبحت خطرة بعد أن كانت قبلة السواح من كل أنحاء العالم.
كما فات على الأستاذ العتباني أمر مهم وبديهي وهو أن أساس الأمن هو العدل الاجتماعي ولذا كان الخليفة عمر ينام تحت شجرة دون حراسة وليس الأمن والأمان يأتيان بقوات البوليس المدججة بالسلاح ولو كان الأمر كذلك لكانت مدن الولايات المتحدة أكثر المدن أماناً اليوم من حيث امكانات جهاز البوليس والمباحث الفدرالية.
ولأن افراد البوليس في العاصمة القومية أنفسهم عندما تنتهي وردياتهم يعودون الى سكنهم في حزام المهمشيين ويبحثون عن لقمة العيش ويشاطرون أسرهم الحاجة والفاقة ولذا فإن قضية السلام والأمن وجهان لعملة واحدة ولذا يجب معالجة قضايا الخلل الاجتماعي بالرجوع لأسباب المشكلة واعادة صياغة التجاوزات الاجتماعية التي كانت ولا تزال هي السبب وايجاد حلول ناجعة أولها مسائل ووسائل الضمان الاجتماعي ولا احسب أن هنالك أناساً تمكنوا من ايقاف نزيف حرب كانت مستعرة لأكثر من ربع قرن من عمر البلاد لم يضعوا في حساباتهم حتى ابسط الحلول لمثل هذه القضايا المهمة والأساسية والتي تعتبر سنام السلام والتعايش السلمي الذي ينشده الجميع، ونقول للعتباني إن الحلول لا تبدأ بتجييش قوات البوليس التي افاض في حديثه أنه ومنذ الصغر يقف الى جانبهم منذ أن تعلم و هو طفل «لعبة العسكر والحرامية» وكأن من هناك يعشق وهو طفل أن يكون لصاً! ونقول لأن وحشية رجال الأمن لها مردودها السلبي وخاصة هناك تجارب ماثلة في دول مثل الولايات المتحدة واميركا اللاتينية أثبتت أن عنف أجهزة البوليس تولد العنف المضاد وتكفي تجربة تعسف البوليس الأميركي في اخريات القرن الماضي ضد أحد المواطنين الأميركيين «رودني كنغ» المتحدر من الأصول الأفريقية في مدينة لوس انجلس أدت الى خراب ودمار للمدينة راح ضحيته العشرات وهلك فيه الحرث والضرع رغم اعلان حالة الطوارئ في المدينة ونزول قوات الحرس الوطني للمدينة وهذا لا يعني جعل قوات البوليس في السودان قوة دفاع مدني كما يدور الحديث في بعض دوائر لجنة الدستور هذه الأيام بل يجب دعمها وتدريبها على مكافحة الجريمة وحفظ الأمن وسيادة القانون والدستور الذي بصدد صياغته الآن.
ونؤكد مرة أخرى بأن التوازن الاجتماعي في سودان السلام أولى مراحله هي تقبل الآخريين وتطبيع ثقافة السلام لا التهديد وأسلوب قلب طاولات المفاوضات والاستعلاء الخطابي ونهج الصحافي فاليري بيمركي مذيع راديو ميلي كولينز الذي كان ينفث سمومه من أعالي هضاب كيغالي حيث كان يمطر نسيج راوندا الاجتماعي الهش بسموم الكراهية وبذور الخلاف فأجج ومهد الأرضية لفتنة ومجازر راوندا التي لا تخفى على أحد ولذا فخطاب العتباني مرفوض جملة و تفصيلاً.
وليس عيبا كما أورد الأستاذ العتباني أن يدخل الخرطوم يوميا ألف شخص من ابناء السودان ولا يخرجون ولكن العلة في أصل المشكلة والتي تحتم علينا طرح سؤال مهم نوجهه للأستاذ العتباني لم يأتي هؤلاء للخرطوم اذا كانت الأرياف فيها ما يسد الرمق؟!
نريد للخرطوم أن تكون عاصمة قومية وليس نحن بصدد من هم سكان الخرطوم الأصليين ومن هم أهلها كما أسهب الأستاذ العتباني في حديثه وعجبى للحديث الذي يمجد خورشيد باشا وبأنه هو الذي أنشأ ونظم الخرطوم وأقام بها الحدائق الغناء! وهو حديث يمجد المستعمر ويمقت أهالي البلد الأصليين فاذا كان هذا مقياس من هم أصحاب البلد فعلينا أن نصفق لبيض جنوب أفريقيا يومياً لأنهم خلقوا جنة الله في الأرض في مدينة كيب تاون وأستغرب لمثل هذا الحديث في هذه الأيام وكلنا حيرة و نطلق سؤالا آخر مؤداه ما هي المصلحة في اطلاق مثل هذه الأحاديث الفطيرة والخطيرة هذه الأيام والكل يحاول لملمة أطراف البلاد ولا أظن ان مثل هذا الطرح يفيد أهل الحكم في شئ سوى أنه يضاعف من محن البلد ويزيد أعباء القائمين على أمرها ويفتح أبواب جحيم جديدة الناس في غنى عنها أما عن من هم أهالي الخرطوم الذي وعد الكاتب بأنه سوف يفرد لها حديثاً خاصاً نقول له إن هذا الأمر شائك ومعقد وفي هذا المنحى نود أن نفيد القارئ بمعلومة مفادها أن كلمة «كرتون» في لغة الدينكا تعني ملتقى النهريين ولذا نود أن نوصد هذا الباب و بهدوء بأن تكون الخرطوم هي عاصمة الجميع وعاصمة لكل السودانيين ولا يحتاج المواطن السوداني أن يأخذ تأشيرة لدخولها وبقدر ما تحتفل الخرطوم هذه الأيام كعاصمة للثقافة العربية نريد لها أيضا أن تكون عاصمة للثقافة الأفريقية ونريد لها أن تحتفل ببشائر السلام ونستمع منها مرة أخرى لأنغام فرقة جاز الديوم صادحة بـ «والله كولن كولن والله يخلي بنية» ونرى حفلات لفرق الكمبلا وربابات أهل الجنوب وايقاعات الوازا من ابناء الأنقسنا كما نتطلع لحفلات كثر يحييها أهل الفن والطرب من قلب افريقيا وشرقها وغربها حتى تكون الخرطوم عاصمة قومية حقيقية فيها ملامح وهمة سكان جوهانسبيرغ بمختلف أعراقهم وبها روح وخفة القاهرة ونحب أن نرى في شوارع الخرطوم أحفاد أقباط الخرطوم الذين هاجروا وتركوا البلاد كما نتشوق لنرى مرة اخرى أحفاد مرهج وكونت موخليس وعزيز كافوري يديرون أعمالهم من الخرطوم ونتسوق مرة أخرى من بقالات أقاريق الخرطوم وبابا كوستا وأقال الله عثار الخرطوم حتى تكون عاصمة الجميع القومية.
_
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: نريد للخرطوم أن تكون عاصمة قومية لكل السودانيين: محمد الفاتح سعيد (Re: merfi)
|
العزيز/ MERFI
تحية طيبة
لعلك تتفق معي في انه العتباني كثقافة و لغة و منهج حياة يحط صاحبه من قدر الاخرين/ات سيظل موجودا في السودان الي اجل لا اريد ان اقول غير مسمي ... و لن تنفع الان نيفاشا و لا غيرها الناس في شيء ... فالعملية معقدة و عويصة لدرجة كبيرة ... لان مرجعيات الافتراء و انتهاك حرمات الانسان كثيرة في السودان ... و كان يمكن لنيفاشا ان تفرض واقعا جديدا في السودان بمعني اخر انه واقع افضل من الواقع السابق لو انها لم تأت بصورة فوقية و عبر توازنات النسب المعروفة ... فمن يريد ان يغير واقعا عليه ان يفكك مخزون الثقافة التي لا يحترم صاحبها الاخر بسبب الدين او العرق ...الخ و هذا لا يحتاج الي العمل الرأسي السائد الان في السودان و انما يحتاج الي العمل الافقي ... و لك حبال الود الممدودة يا زول لفتح هذا البوست.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
merfi
برير اسماعيل يوسف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست