الإنفاق في الخطاب القرآني (2ـ4) :د. محمد سعيد القدال

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 05:24 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-11-2004, 03:50 PM

merfi
<amerfi
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 685

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنفاق في الخطاب القرآني (2ـ4) :د. محمد سعيد القدال

    جاء ذكر الانفاق في القرآن في (54) اية ، وهو عدد يفوق كل الآيات التي جاء فيها ذكر الصلاة والزكاة والصوم والحج ، اما الاحكام التي جرى على تسميتها فقهاً فان آياتها، كما يقول الامام محمد عبده، فهي اقل ما ذكر في القرآن.. هذا الثقل العددي لآيات الانفاق هو الدلالة الاولى على مكانته في الخطاب القراني.
    واذا انتقلنا الى الترتيب الذي وردت فيه آيات الانفاق في المصحف، نجدها ترد في مطلعه في الآية الثالثة من سورة البقرة «الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون». وقد تناول الامام جلال الدين السيوطي ترتيب آيات القرآن في كتابه الذي نشر محققاً بعنوان «ترتيب آيات القرآن» وهذا موضوع سوف نتناوله في دراسة اخرى. الآن نحتاج ان نقف ملياً عند هذه الآية لنستبين مدلولها، اولاً الآية مرتبطة بالآية الأخيرة من سورة الفاتحة غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فمن هم الذين وصفوا بانهم غير مغضوب عليهم وغير ضالي السبيل؟ فتأتي الاجابة مباشرة بأنهم الذين يؤمنون بالغيب أي بالمطلق والصلاة والانفاق. وهذا تأكيد آخر على مكانة الإنفاق في الخطاب القرآني.
    لم تشر كتب التفسيرالى أهمية المكان المتقدم للانفاق في سياق القرآن ولا إلى ذكره في آية واحدة مع الغيب والصلاة. وعندما تناولوه ذهبوا مذاهب شتى. فقال الطبري ان الانفاق هو نفقة الرجل على اهل بيته وهذا قبل ان تنزل الزكاة. (الطبري، ج1، ص 243 - 244). ويذهب ابن كثير الى ان القرآن كثيرا ما يقرن بين الصلاة والانفاق من الاموال. فالصلاة حق وعبادة، والانفاق هو الاحسان الى المخلوقين بالنفع المتعدي اليهم. وينتهي الى ان كلا من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله «ومما رزقناهم ينفقون» (شرح ابن كثير، ج1 ص، 75). وراجع تفسير الآية في الزمخشري، الكشاف ـ سيد قطب، في ظلال القرآن ـ محمد عبد المنعم الجمال، التفسير الفريد للقرآن ـ محمد فريد وجدي ـ المصحف المفسر ـ الصابوني، صفوة التفاسير.
    ان ما ذهب اليه المفسرون من ان الانفاق هو الزكاة، قول لم تشر اليه الآية ولا الآيات الاخرى التي تناولت الانفاق. فالزكاة لها مقاديرها التي حددتها السنة النبوية، بينما الانفاق ليس له مقادير محددة. فهما مختلفان تماما.
    وقد ادرك الطبري هذا الفرق في معرض شرحه للآية 177 من سورة البقرة التي ورد فيها «وآتى المال على حبه». فقال ان الانفاق شيء واجب في المال سوى الذي عليه الزكاة. فهذا المال غير الزكاة التي ذكر انهم يأتونها، لان ذلك لو كان مالا واحدا لما كان لتكراره معنى مفهوما. فحكم المال الاول غير الزكاة. (الطبري. ج3، ص، 342).
    اما القول بان الانفاق هو المال الذي ينفقه الرجل على اهل بيته، فهو ما لم تقل به الآية. اما القول بان المقصود بالانفاق هو ما جاء قبل ان تنزل الزكاة، فلا يفسر تكرار ذكره في الآيات المدنية، كما لا يبرر ذكره في موقع متقدم من المصحف. ان الذين ذهبوا الى تلك الاقوال، حاولوا التبرير والالتفاف حول الآية لانها تعطي الخطاب القرآني بعدا غير ما ذهب اليه الخطاب الديني السائد الذين هم حملة لوائه.
    على ان الامام محمد عبده وقف عند مدلول لآية وقفة اوفتها بعض ابعادها، وهي وقفة نابعة من وعي عصره الذي يشق الامام بمنهجه سبلا ليستبين بها جوهر الخطاب القرآني وهديه. ولهذا سوف نعود كثيرا الى تفسير محمد عبده في هذا الجزء الخاص بالانفاق، لانه المفسر الوحيد، حسب علمنا، الذي ادرك بعده وأوفاه حقه. يقول في تفسيره ان وصف الانفاق من اقوى علامات الايمان بالغيب، لان كثيرا من الناس يأتون بضروب العبادات البدنية كالصلاة والصوم، ومتى ما عرض عليهم ما اقتضى بذل شيء من المال لله تعالى يمسكون ولا تسمح انفسهم بالبذل. وليس المقصود بالانفاق ما يكون على الاهل والولد، ولا ما يسمونه الجود والكرم، انما هو الانفاق الناشيء عن شعور بان الله تعالى هو الذي رزقه وأنعم عليه، وان الفقير المحروم عبد مثله. وقد اوجب الله على من أوتي المال ان ينفق منه في ذلك السبيل وهو افضل سبل الله. فمن في نفسه داعيا لبذل احب الاشياء اليه وهو ماله ابتغاء مرضاة الله ورحمة لأهل العوز، فهو بلاشك مستعد لقبول هداية الله. (محمد عبده. ج4، ص 63).
    ثم يتناول ربط الصلاة بالانفاق فيقول ان الذي يقيم الصلاة لا ينسى الله ولا يغفل عن فضله، ومن كان كذلك فهو جدير ببذل المال في سبيله مواساة للآخرين. ولكن النفوس، على حد قوله، تمرض فتغفل عن المصلحة في بذل المال مبالغة وغلوا في حب المال والانفاق في سبيل الخير علامة من علامات الايمان، وجعل البخل من آيات النفاق. (المصدر السابق ص، 163). لقد اعطى الامام محمد عبد للايمان وللزكاة بعدا ايمانيا عميقا، وفتح السبيل لامكانية فهم الآية الثالثة من سورة البقرة خارج اطار التبرير والاضطراب الذي صحب كثيرا مما جاء به المفسرون من قبله ومن بعده.
    ولكن حتى ما قدمه محمد عبده رغم اصالته، لا يبرز افق تلك الآية ابرازا كاملا. تحدد الآية ثلاث ركائز للتقوى. الركيزة الاساسية الايمان بالغيب، ثم الصلاة وهي التوجه الايماني نحو الغيب، والثالثة الانفاق وهو منهج اجتماعي يكتمل به مع الصلاة تقوى الانسان. والصلاة عبادة ليس فيها التزام مادي. والهدف من الانفاق اخراج الانسان من الانكفاء على الحياة وتحريره من اسار قبضتها، حتى ينفلت من هيمنة ذاته المفرطة التي هي بلوة البلاء بالنسبة للانسان. ويبين الربط بين الصلاة والانفاق رسالة القرآن لتغيير الواقع المرير عن طريق السلوك القويم الذي يهيئ له الانسان، وليس بالنظريات الاجتماعية والمذاهب السياسية والبرامج الاقتصادية. فالقرآن في الاساس كتاب هدية. والهدف من الهداية تقويم الانسان.
    لنأخذ هذه الآية مع الآيات الاخرى التي تناولت الانفاق. ونبدأ بسورة البقرة، وهي اطول سور القرآن وجامعة لأغلب تعاليمه الاساسية. جاء ذكر الانفاق فيها في 24 آية بينما جاء ذكر الصلاة في تسع آيات. وجاء ذكر الانفاق في 32 آية في السور الثلاث الاولى بينما جاء ذكر الصلاة في 16 آية. وليس هذا مجرد رصد حسابي جامد. ان التركيز على الانفاق في السور الثلاث الاولى له دلالات مهمة، وهي دلالات تندرج في سياق منهج الخطاب القرآني القائم على الهداية.
    جاء ذكر الانفاق بعد الآية الثالثة في الآية 177 من سورة البقرة بتفصيل. تقول الآية: «ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».
    تبدأ الآية بكلمة البر وتنتهي بكلمة التقوى. والبر والتقوى مرتكزان أساسيان في الخطاب القرآني القائم على الهداية. ولا نبحث عن معناهما لغويا، لان استعمالها جاء في صيغة مفهوم عام (concept). وهما يترددان سويا في عدد من الآيات: البقرة 44، 189، 224 ـ المائدة 2 ـ المجادلة، 9 ـ يقول الامام محمد عبده عن البر ان الانسان لا يعد بارا حتى يكون للناس في كسبه من نفسه نصيب. فلا يغتر اولئك الكسالى الخاملون الذين يظنون انهم يدركون مقام الابرار بركعات من الخشية خاليات، وتسبيحات وتحميدات ملفوظات غير مفعولات، وصيحات غير لائقات بأهل المروءة من المؤمنين والمؤمنات، ثم يصوم أياماً معدودات، لا يجتنب فيها ايذاء كثير من المخلوقات على حرصه وطمعه لما في ايدي الناس. ولا يكون الصدق ولا التقوى برا حتى يكون فيه حسن المعاملة وافراغ الوسع في ايصال الخير الى الناس. وغير ذلك ليس برا. فالبر اجمال بينه القرآن والسنة. (المصدر السابق. ج5، ص، 350).
    ويضيف الامام محمد عبده قائلا ان البر هو الايمان وما يتبعه من الاعمال، لان الايمان باعث على الاعمال. وليس المقصود بالكرم هو دعوة الاغنياء والاصدقاء الى طعامك، ولكنه اعطاء الفقراء والعاجزين عن الكسب وهذا هو البر. فالبر معنى شامل وجامع لسلوك الانسان القويم وعلاقته مع الآخرين. ويذهب ابن كثير الى ان البر هو جماع الخيرات وهو الجنة. (ج1، ص 174) ولكن ما ذهب اليه ابن كثير فيه تركيز ولكن فيه ايضا انفلات وتحميل المعاني أشياء غير واردة فيها.
    تقول الآية: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب». فتنتقل بالانسان من مجرد التوجه الجسدي نحو الله، الى التوجه اليه بقيم أعمق. فتحدد ستة مقومات للبر. اولها الايمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين. وهي تفصيل للغيب. والثاني الانفاق الذي سوف نفصله في الحلقة القادمة.








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de