نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 09:35 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-10-2004, 04:22 PM

شريف محمد ادوم

تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد

    نحو منهج إسلامي جديد للتأويل

    نصر حامد أبو زيد











    "أول التجديد قتل القديم بحثا" أمين الخولي



    منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات "الخطاب الديني"، ولا أقول أهم مشكلات "علم الكلام"، تلك هي إشكالية تعريف "الكلام الإلهي" وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة "خلق القرآن" وما ارتبط بها من "محنة" واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي على أساسه تم تحديد "العقائد الصحيحة" وتمييزها عن "العقائد الباطلة"؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت عقيدة "خلق القرآن"، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة؛ بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم" هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمى "إغلاق باب الاجتهاد"، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد. بالطبع لم يتوقف النقاش دفعة واحدة؛ فقد ظل الفكر الديني يمارس حيوية الاختلاف بعيدا عن بلاط الخليفة العباسي وخارج نطاق سلطته السياسية في أرض الإسلام الواسعة، لكن البداية كانت قد وجهت تلك الحيوية نحو نهايتها المحتومة، خاصة بعد سقوط بغداد، لا الخلافة وحدها، على أيدي المغول.




    لن نخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلى السقوط الثاني لبغداد في القرن الواحد والعشرين، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام على جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن. لم تتوقف محاولات "تجديد الخطاب الديني" منذ بدايات عصر النهضة العربي حتى الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. حاول الشيخ "محمد عبده" في "رسالة التوحيد" –المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري– أن يفتح النقاش حول قضية "الوحي" و"كلام الله"؛ فاختار في الطبعة الأولى للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية "العدل الإلهي وخلق الأفعال"، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك "رشيد رضا" رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين "الصفة القديمة الأزلية" للكلام الإلهي وبين "القرآن المتلو" المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.




    منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل "رشيد رضا" لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر على صفة واحدة بلا تمييز، هي أن "كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة". في هذا السياق يمكن أن نشير إلى بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.




    نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.




    قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب. في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ينطلق شحرور من دعوى عريضة فحواها عدم وجود ترادف في اللغة إطلاقا، وفي لغة القرآن تخصيصا. وهي دعوى عريضة؛ لأن شحرور لا يميز بين وجود الترادف على مستوى "المعجم" وبين اختفائه على مستوى التركيب اللغوي. بعبارة أخرى يميز علماء اللغة في دلالة المفردات اللغوية بين "الدلالة المعجمية"، حيث يوجد الترادف، وبين الدلالة التركيبية، حيث لا ترادف. انطلاقا من دعوى عدم وجود الترادف مطلقا يرى شحرور أن أسماء القرآن –القرآن، الكتاب، الذكر، البيان، السبع المثاني، الفرقان ... الخ- لا تشير إلى مدلول واحد. ما يهمنا هنا في هذا العرض السريع هو تمييزه بين "القرآن" و"الكتاب" من جهة، وتمييزه في شخصية "محمد" بين "النبوة" و"الرسالة"، من جهة أخرى، وهو التمييز الذي يجعل المقارنة بينه وبين "محمود طه" مشروعة. يكاد شحرور في التمييز بين الرسول والنبي يقارب تخوم اللاهوت الشيعي دون أن يبدو متأثرا به، ومع ذلك فإنه يجعل "النبوة" مصدر القرآن، في حين أن مصدر الكتاب هو "الرسالة". وهذا التمييز يجعله يرى الرسالة –المتجسدة في الكتاب- تاريخية مؤقتة قابلة للتطور، في حين أن النبوة –المتجسدة في القرآن- هي الجوهر الثابت. المعنى في حالة "الكتاب" محكم واضح لا يحتاج للتأويل، في حين أن المعنى في القرآن غامض متشابه يحتاج للراسخين في العلم لفهمه وتأويله (الآية السابعة من سورة آل عمران)، وهكذا يصبح المصحف قرآنا وكتابا، هما المتشابه والمحكم. ودون الدخول في تفاصيل لا يتسع لها هذا العرض الموجز فإننا نلاحظ نفس الملاحظات التي سبق أن أوردناها عن محاولة "محمد طه" يضاف إليها الوثبات اللغوية في الفراغ في قراءاته التفصيلية داخل كتابه، حيث اللغة كائن هلامي، بلا معجم ولا دلالة استعمالية. يكفي أن يقرأ الإنسان أن كلمة "شهر" قوله تعالى في سورة "القدر" "ليلة القدر خير من ألف شهر" معناها "الإشهار"، وذلك لتأكيد نظريته أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة إليكترونية، ولكنه حين نزل على محمد في القرن السابع كان ذلك "إشهارا" له باللغة العربية ليكون مفهوما. وهي قراءة –قراءة الشهر بمعنى الإشهار- تبدو جديدة، لكنها لا تستوعب أن المقارنة هنا هي مقارنة بين "ليلة" و"شهر" من حيث الخير الذي شهدته الليلة، خير نزول القرآن على محمد، وهي مقارنة واضحة. لكن هذا نموذج واحد دال على مستوى وإمكانيات القراءة المعاصرة التي يقدمها شحرور. إذا كان شحرور يتقبل مسألة القرآن المدون في اللوح المحفوظ هذا التقبل الحرفي، فما الداعي للتمييز بين التدوين الإلكتروني أو الرياضي وبين التدوين بحروف عربية كل حرف بقدر جبل "قاف" في الحجم؟ لماذا لا يتقبل شحرور هذا التصور الميثولوجي للوجود الأزلي القديم للقرآن والمبني على مبدأ "عدم الاستحالة" على الله؟ لأنه –أي شحرور- يريد أن يستنطق القرآن بمعان ودلالات محددة سلفا.




    ربما يجب الإشارة هنا أيضا إلى محاولات كل من "جمال البنا" و"خليل عبد الكريم" رغم اختلاف منطلقاتهما ظاهريا على الأقل. في محاولات "جمال البنا" نلمس تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، حيث الإسلام جوهر ثابت متعال يتمثل في "القرآن الكريم" و "السنة النبوية الصحيحة"، لكن هذه المصادر النقية الطاهرة قد لوثتها الأفهام حين انتشر الإسلام واختلط بالحضارات القديمة من فارسية وهندية ومصرية وبابلية وأشورية، هذا فضلا عن حركة الترجمة التي لوثت النبع النقي الصافي. ويزيد جمال البنا الأمر صعوبة حين يشير إلى مؤامرات اليهود والنصارى للتشويش على عقائد المسلمين، مدينا "علم الكلام" و"الفلسفة" و"التصوف" باعتبارها معارف غريبة مستوردة. وهكذا ينتهي جمال البنا بهذا التمييز الحاد بين المسلمين والإسلام إلى اعتبار الخصوبة الناتجة عن التلاقح الثقافي تلوثا يجب إزالته، مستعيدا بذلك دعوى أخيه "حسن البنا" وأطروحات كل من "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب". لكنه من جهة أخرى يتعامل مع القرآن والسنة –النصوص التأسيسية- على أساس أنها نصوص مفارقة للتاريخ وللثقافة، نصوص بلا أي سياق إنساني، سوى قراءته هو لهذه النصوص. من هنا تتميز قراءته الحسنة النية بالانتقائية إلى حد كبير، ويصبح هذا سهلا إلى حد كبير بعد نفي الثقافة الإسلامية بكاملها –بما فيها الفقه- من أفق منظوره التفسيري، وكأن النصوص بلا تاريخ سابق، وبلا تراث لاحق.



    تصبح "الحداثة" هي العدسة الوحيدة التي نرى النصوص من خلالها، لكنها الحداثة المفصلة تفصيلا على قدر منهج قراءة النصوص، بلا أي قدر من معاناة "النقد التاريخي".

    يبدو "خليل عبد الكريم" ظاهريا على العكس من ذلك، يبدو مشغولا بالنقد التاريخي، سواء في كتاباته الأولى "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" أو في كتابيه الأخيرين "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" و"النص المؤسس". لكن منهج النقد التاريخي عند خليل عبد الكريم لا يكاد يتجاوز منهج "نقد الرواية" في التراث النقدي لعلم الحديث. لكن لأن "خليل عبد الكريم" مشغول بمناهضة سلطة المؤسسة الدينية –سلطة التقديس كما يسميها أحيانا- فهو يوظف بعض إجراءات منهج النقد التاريخي لغايات براجماتية وأهداف إيديولوجية واضحة، مضحيا دون قصد بالغاية المعرفية. وبذلك يتحول النقد التاريخي عنده إلى الوقوع في انتقائية واضحة للنصوص التراثية التي تحقق غايته، متجاهلا، أو مهملا، التعامل مع النصوص التي تعارض أهدافه. بعبارة أخرى، تبدو النهايات محددة سلفا، فيصبح من السهل انتقاء الشواهد النصية التراثية التي تصل بالقارئ إلى تلك النهايات. في كتابيه الأخيرين يحاول "خليل عبد الكريم" أن يستعيد التاريخ من ركام الأسطورة، فيرى في أولهما "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" أن "خديجة" كانت هي المهندس، أو "الهندوز" بلغة المؤلف- الذي أعد الظروف وهيأ المناخ بالمشاركة مع "ورقة بن نوفل" وآخرين ليكون "محمد" هو النبي المنتظر. وهو في هذا يعتمد على قراءة تضخيمية لبعض الشذرات والأقوال الواردة هنا وهناك، دون أن يدرك أنه قد حول محمدا إلى مجرد ألعوبة، أو صفحة بيضاء كتب فيها آخرون ما يشاءون. ليس هذا هو قصد المؤلف بالطبع، لكن تلك كانت نتيجة قراءة المؤلف التضخيمية لبعض النصوص مع إهمال تلك التي قد تتناقض مع منظوره. في كتابه الأخير "النص المؤسس" ينطلق "خليل عبد الكريم" من التمييز بين "القرآن" و"المصحف" من أجل أن يستعيد السياق الحي لتكون القرآن. لكنه في هذه المحاولة الجريئة يعتمد اعتمادا أساسيا على "علم أسباب النزول" موردا مرويات أسباب النزول دون أي فحص نقدي، رغم أنها مرويات تتداخل فيها الحقائق والأوهام، ويمتزج فيها الصحيح والزائف، الأمر الذي دعا القدماء أنفسهم إلى القول أن ليس لها أصول، بمعنى أنها لم تخضع لمعايير النقد التي خضعت لها المرويات النبوية التي يستشهد بها في مجال الفقه.



    ومحاولة استعادة السياق القرآني لا يكفي فيها علم "أسباب النزول"، حتى مع افتراض صحة المرويات. إن أمر السياق الكامل هو سياق القرن السابع الميلادي كله بحسب ما أشار "محمد عبده" في مقدمة "تفسير المنار"، وبحسب "أمين الخولي" الذي زاد الأمر شرحا في كتابه عن "التجديد في اللغة والنحو والتفسير والبلاغة".

    في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء "حسن حنفي" الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المُدرَك والمتعالي ... الخ.



    وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني "فضل الرحمن" الذي أكد دور "محمد" الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من "حسن حنفي" أو "فضل الرحمن" لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة؛ فقد انشغل "حسن حنفي"، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تنفاعل مع إنجازات "محمد عابد الجابري" "طيب تيزيني" وغيرهما من الفلاسفة. أما "فضل الرحمن" فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس على المستوى التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال "كلام الله" ظل غائبا.




    ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية –القرآن والسنة- ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولا حظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة؛ لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ "أسلمة المعرفة" و"أسلمة العلوم" بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله. إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة على معانية كما يقرر الغزالي –الأشعري-في "جواهر القرآن"، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة؛ أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولأن كلام الله –القرآن- هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخرى ويحبسها في سجن "الهرطقة" و"الردة" و"الكفر" أو "الأصولية" و"التطرف" و"الإرهاب"؟ إن المعنى الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين. يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلى صراع معنى، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلى التجديد، نحتاج إلى "الحرية"؛ لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير.




    نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. من هنا توقفت عن الكتابة عن تجديد الخطاب الديني بعد أن نشرت مقالا في الأهرام كان مقدمة لسلسلة من المقالات عن الموضوع. توقفت؛ لأن السباحة في المياه العكرة ليست أمرا صحيا لا لبدني ولا لعقلي، ولأن هذا النمط من التجديد تحديدا هو الذي يسعى إليه الإمبراطور الجديد للعالم. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين العقائد وبين الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس "علم الأديان المقارن"، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح "اللا مفكر فيه"، بتعبير "محمد أركون" موضوعا للنقاش.




    في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدنى من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن "الخطاب" هو "الخطبة"، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.




    السؤال الأول والجوهري: ما معنى أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولى من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه "كلمة الله وروح منه" من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخرى. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم "كلمة الله المخلوقة" عن طريق تطبيقها على القرآن.



    سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هم الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن "طبيعة الوحي" وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن "الوحي" بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء". تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو "الإلهام"، كما في كلام الله لأم موسى، والنمط الثاني هو كلامه مع موسى من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسى، وهو تأويل قائم على محاولة حماية الوحدة الإلهية –التوحيد- من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط –جبريل- إلى محمد. وترى القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلى محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبى عليه الأية، التي تنص على أن الرسول "يوحي" إلى البشر بما يشاء الله؛ ومعنى ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.




    يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلى الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل "صلصلة الجرس" وأحيانا مثل "طنين النحل"، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا على تواصل لغوي بالمعنى المعتاد.




    يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معنى "التنجيم" ودلالته. ما معنى أن القرآن لم يوحي الله به إلى محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن "حكمة الترتيب" الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.




    والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد "رسم" في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلى أن استوى مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتى جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلى السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدى في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.




    في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخرى غير القراءات التي في المصحف الحالي.




    أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر على أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يرى تجلى الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله على لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوى كلام الله ودلالته، ونميز بين "التاريخي" و"الأزلي". سنكتشف مثلا أن كل "الحدود العقابية" من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة على القرآن.



    يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي. إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل –قتل المشركين وغير المشركين- هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها. إذا أدركنا ذلك سندرك معنى "تاريخية" النص بأنها لا تعني "الزمانية"، وسندرك معنى أنه "مُنْتَج ثقافي" في نشأته، لكنه صار "مُنْتِجا" لثقافة جديدة في التاريخ.



    لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك ستستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.




    في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

    متى نبدأ؟ ذلك هو السؤال.





    رجوع









                  

03-10-2004, 07:15 PM

doma
<adoma
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 15970

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: شريف محمد ادوم)

    شكرا استاذشريف محمد ادوم علي هذاالموضوع الدسم ارجو مزيدا من كتابات المفكر نصر حامد ابو زيد
                  

03-10-2004, 07:48 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: شريف محمد ادوم)

    Dear Sharief
    Salam
    Thank you for providing this article. Can you give the source where it is published?
    Yasir
                  

03-10-2004, 08:17 PM

شريف محمد ادوم

تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: Yasir Elsharif)

    شكرا يا خالة doma علي الطلة

    نحن الان اكثر حوجة الي التجديد والي القاء الضوء واعادة قراءة الكثير من الاشياء التي اصبحت تابوهات مقدسة مجرد النظر لها بعين نقدية ناهيكة عن محاولة اعادة قراؤتها تجعل الغربان تملا الدنيا ضجيجا وتكفيرا الي الاخر الذي يحاول ان يساعدنا في عبور هذا التخلف بي الامس القريب اقتالو الاستاذ محمود محمدطه وانطلت الخدعة علي الكثيرين خاصة البسطاء من اهلنا بل وصل الامر الي ان ثلاثة من اتباع الاستاذ الشهيد اعلن توبتهم وتراجعهم عن افكارهم الشيخ المفكر الامام طبري اقتيل في منزله بل ان بعض العامة كان يرمون يحصبون منزلة بي الحجارة هي قوي الظلام منذ القدم ترفض اي محاولة للتجديد قد تقود الي الخروج بنا من عنق الزجاجة من المبكي ان عالم مثل نصر حامد ابو زيد يشرد من وطنه بدعوي انه يروج للمذهب منافي للاسلام
    بي الامس القريب طردت عضوة من هذا البوارد بحجة انها اساءة الي الذات الالهية يا تري الي متي سوف ندوار في هذة الدائرة التي تجرم الاخر المختلف عنا حين تتخلف الاميم فان دينها ايضا يتخلف

    الاستاذ ياسر الشريف كل الود
    هذة المقالة منقولة من موقع الاستاذ الشهيد فرج فوادة http://www.sonsofi.org/hidden%20truth%20-%20index.html
                  

03-10-2004, 09:15 PM

Imad El amin

تاريخ التسجيل: 10-17-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: شريف محمد ادوم)

    العزيز/شريف

    شكرا علي المقال والموقع ايضا
                  

03-11-2004, 00:30 AM

Mandela

تاريخ التسجيل: 03-19-2002
مجموع المشاركات: 755

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: Imad El amin)

    up
                  

03-11-2004, 05:59 AM

zumrawi

تاريخ التسجيل: 08-31-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نحو منهج إسلامي جديد للتأويل نصر حامد أبو زيد (Re: شريف محمد ادوم)

    شكرا شريف محمد ادوم على المقالة الثرة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de