الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 10:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-04-2004, 03:33 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى

    هذا الموضوع الجدير بالقراءة ابقانى ساهرة الى الآن واحببت ان اشرككم السياحة عبر سطوره
    محبتى
    لنا
    ************************************


    الإسلام المسيحي والمحمدي


    عمّار اليازجي



    إن جميع المقالات التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع



    أود التنويه أن السطور القادمة ستصدم الكثيرين، وخصوصا أولئك الذين يتاجرون بالدين والنصوص المقدسة، سيصدر بعضهم دعاوى تكفير وستهتز بعض اللحى غيرة على الدين وسيشهرون السيوف غيرة على رب العالمين.

    ما دفعني لهذا البحث الشائق هو أيماني العميق أن الدين عند الله واحد لكن الرسالات متعددة، وأعني بالرسالات العالمية منها وهذا يسقط اليهودية من بحثي هذا كون التقوقع والتعصب صفتان ملازمتان لها ما ينفي عنها صفة العالمية.

    اللافت للنظر في عالمنا اليوم وخصوصا في مجتمعاتنا جهل الشبيبة أمور دينها جهلا مطلقا، لا يهم أي الرسالات تتبع، فنجد الكثيرين من المسيحيين ينفون نبوة محمد و لا يذكرون سوى الآيات المتعلقة بالقتال وبأزواج النبي ومادية الفردوس والنكاح مما يتناقض مع تعاليم الانجيل الروحانية برأيهم، و نجد الكثيرين من المحمديين يؤولون آيات القرآن تأويلا يوافق أهواءهم وأهدافهم عن قصد أو عن جهل، ويرمون المسيحيين بالشرك وتحريف الانجيل الى آخر ذلك من الاتهامات المتراكمة الجاهزة والتي أصبحوا يرددونها كالببغاوات دونما فحص أو تمحيص ناسين قوله تعالى في القرآن الكريم آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحدٍ من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربَّنا وإليك المصير. سورة البقرة 136.

    لهذه الأسباب مجتمعة ولكي لا يزيد التشرذم والبغض والكراهية بين أبناء الشعب الواحد أبدأ هذا البحث راجيا من الله التوفيق.



    رحلة الى الجذور...
    ان ظروف نشأة الرسالتين المسيحية والمحمدية مختلفة تماما، فمن حيث البيئة نشأة المسيحية في مجتمع عمران وماء، وفي بيئة مشبعة بالمدنية والتحضر، ففي سوراقيا نشأت المدنية الأولى على الاطلاق وفيها ظهر القانون الانساني الأول( شريعة حمورابي) و الأبجدية الأولى (أبجدية أوغاريت)، وفي سوراقيا ظهرت الآرامية(السريانية) التي أصبحت لغة التجارة والبلاط ووصلت الى الهند والصين لتصبح أول لغة عالمية. فأتت المسيحية ابنة بيئتها. فلم تهتم بالتشريع في أرض الشرائع بل نادت بجعل العقل هو الشرع الأعلى، بعيدا عن جمود النصوص الدينية وتحجرها، كان المسيح اذا أردنا الكلام بلغة عصرنا هذه يدعو للأخذ بروح القانون والابتعاد عن التحجر مثال ذلك قالوا له يا معلّم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل . وموسى في الناموس اوصانا ان مثل هذه ترجم .فماذا تقول انت . قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه .واما يسوع فانحنى الى اسفل وكان يكتب باصبعه على الارض . ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها اولا بحجر . ثم انحنى ايضا الى اسفل وكان يكتب على الارض . واما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكّتهم خرجوا واحدا فواحدا مبتدئين من الشيوخ الى الآخرين .وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط . فلما انتصب يسوع ولم ينظر احدا سوى المرأة قال لها يا امرأة اين هم اولئك المشتكون عليك .أما دانك احد . فقالت لا احد يا سيد .فقال لها يسوع ولا انا ادينك .اذهبي ولا تخطئي ايضا (يوحنا 8:11،4).

    فحسب الشرع كان على المرأة أن ترجم، ففي هذا نص صريح، لكن المسيح أراد أن يعطي درسا لأتباعه بتحكيم العقل ليكون الحكم عادلا فيقول لا تحكموا بحسب الظاهر، لكن احكموا حكماً عادلاً(يوحنا 7 ـ 24)



    أما المحمدية فقد نشأت في مجتمع صحراوي يفتقد الحضارة والعمران، في مجتمع تسوده النزاعات والغزوات والسلب والنهب، في مجتمع بدائي لم يعرف العلم والشئ الوحيد الذي أبدع به العرب حتى ذلك الحين كان نظم الشعر فقط لا غير، اللهم الا اذا أردنا ذكر قوافل قريش التجارية. فأتت المحمدية ابنة بيئتها. فمحمدا أرسل الى قوم كانوا بحاجة الى الشرع الذي ينظم حياتهم ويضبط أمورهم بما في ذلك الحدود والجزاء بدلا من الثأر والسلب ووأد البنات والعصبية القبلية الى آخر ذلك من الممارسات والعادات التي كانت متفشية في شبه الجزيرة العربية التي لم يكن لديها شريعة من قبل... ومن الملاحظ مثلا تشايه الكثير من ابنصوص التشريعية المحمدية مع شريعة موسى، لتشابه بيئة العرب ببيئة العبرانيين وبما أن الشريعة ابنة البيئة ولتشابه البيئتين نجد الكثير من الآيات القرآنية وهي غالبا المدنية مشابهة لنصوص التوراة وهاكم بعض الأمثلة: اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام (ملاخي: 4 ـ 4).تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (النساء: 13).

    وأقترب إليكم للحكم وأكون شاهداً سريعاً على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زوراً وعلى السالبين أجرة الأجير والأرملة واليتيم ومن يصدّ الغريب ولا يخشاني قال رب الجنود (ملاخي: 3 ـ 5).إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً (النساء:10).

    هكذا قال رب الجنود اقضوا قضاء الحق واعملوا إحساناً ورحمة كل إنسان مع أخيه. ولا تظلموا الأرملة ولا اليتيم ولا الغريب ولا الفقير ولا يفكر أحد منكم شراً على أخيه في قلبكم. (زكريا:7ـ9و10) يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل وما تفعلوا من خير فإنّ الله به عليم (البقرة: 215).

    ملعون من يضطجع مع امرأة أبيه، لأنه يكشف ذيل أبيه (تثنية: 27 ـ 20).ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النّساء إلاّ ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا (النساء: 22)

    وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه. إنهما يُقتلان كلاهما. دمهما عليهما. وإذا اضطجع رجل مع كنته فإنهما يُقتلان كلاهما. قد فعلا فاحشة. دمهما عليهما. وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياها لكيلا يكون رذيلة بينكم. وإذا أخذ رجل أخته بنت أبيه أو بنت أمه ورأى عورتها ورأت هي عورته فذلك عار يقطعان أمام أعين بني شعبهما. قد كشف عورة أخته. يحمل ذنبه. وإذا اضطجع رجل مع امرأة طامث وكشف عورتها عرى ينبوعها وكشفت هي ينبوع دمها يقطعان كلاهما من شعبهما. عورة أخت أمك أو أخت أبيك لا تكشف. إنه قد عرى قريبته. يحملان ذنبهما. وإذا اضطجع رجل مع امرأة عمه فقد كشف عورة عمه. يحملان ذنبهما. يموتان عقيمين. وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة. قد كشف عورة أخيه. يكونان عقيمين (لاويين: 20) .حرّمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللاّتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللاّتي في حجوركم من نسائكم اللاّتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلاّ ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً (النساء: 23).

    ولكي لا يقول البعض أن تشبيه العرب في زمان النبي بالعبرانيين هو تشبيه اعتباطي لا دليل عليه فسأذكر أوجه الشبه ونقاط الالتقاء التي نتج عنها تشابه في الشريعة لتشابه الظروف.

    يجزم المستشرق غيتاني في كتابه (دراسة في تاريخ الشرق) بأن العبرانيين لم يكونوا قط في مصر، مستندا في أبحاثه على نتائج البحوث التاريخية والمكتشفات الأرخيولوجية ومقارنة جغرافيا العهد القديم بجغرافيا الشرق القديم. فيثبت أن العبرانيين كانوا قبائل بدوية بدائية تمركزت شمال شرق الهلال الخصيب في منطقة دعيت قديماً مصرو،لكن اليهود تعمدوا الخلط بين هذه المنطقة وبين مصر الفرعونية لتثبيت أقدامهم في تاريخ المنطقة وليتمكنوا من انتحال حكاية يوسف التي نقلوها مما بين النهرين وجعلوا حوادثها تجري بين سورية ومصر. ويؤيد هذه النظرية ما ورد في المراسلات المكتشفة في تل العمارنة في وفيها أخبار غزو قبائل الحبيرو لبعض القرى والمدن في الجنوب.



    وبخلاف الرأي الشائع القائل بيهودية المسيح، أستطيع أن أقول واجزم بعدم يهوديته، فقد تكلم السريانية وتوجه للجماهير بالسريانية، لكن وبما أن التقاليد اليهودية كانت تقول بأن المسيح المنتظر يجب أن يكون من نسل داوود فقد شاع هذا الرأي وانتشر، بالرغم أن الرد على ذلك موجود في الانجيل نفسه وقال لهم كيف يقولون ان المسيح ابن داود وداود نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك فاذا داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه ( لوقا 20:41،44). فهل يصح بعد ذلك القول بأن المسيح كان يهوديا؟

    قلت سابقا أن المسيح لم يأت لليهود وحدهم ولم يكن يهوديا بل كانت رسالته موجهة للانسانية أجمع، فلسان المسيح كان آراميا أو سريانيا اذ سماها المؤرخون الشرقيون تارة آرامية وطوراً سريانية. ، لأن الآرامية كانت لغة الحضارة والتجارة، كما أنها كانت لغة شعوب الشرق القديم يقول الباحث الأب هنري لامنس اليسوعي "ومن عجيب الأمور أن انتشار لغة الآراميين بلغت في عهد السلوقيين مبلغاً عظيماً فأصبحت اللغة السائدة في كل آسيا السامية أعني في سورية وما بين النهرين وبلاد الكلدان والعراق وجزيرة العرب.. ، فلا تظن أن لغة أخرى ولا اليونانية جارت السريانية في اتساعها اللهم ألا الإنكليزية في عهدنا".

    اللغة الدارجة اليوم والمسماة السريانية هي تطور للغة الأصلية التي كانت سائدة في كل بلاد الرافدين بلاد الشام (الهلال الخصيب، سوراقيا) بالإضافة الى تلاؤمها مع ظروف التطورات والتبدلات الجديدة التي سادت المنطقة ،فلم تكن اللغة السريانية بالقديم ألا اللغة الآرامية وهذا هو أسمها الحقيقي والقديم كما هو ظاهر،والسريان أيضا يسمون لغتهم بهذه التسمية ولقد دعيت اللغة سريوية باللهجة الغربية وسر يايا باللهجة الشرقية وهي سريانية حتى اليوم .

    ومع كل الظروف العصيبة التي تعرضت لها سوراقيا بسكانها وبلغتها بقيت اللغة محافظة على رونقها ومتانة قواعدها وغزارة ألفاظها وبقيت لغة العلم والأدب حتى نهاية العصر العباسي تقريبا، وبالرغم من أنها انقسمت الى عدة لهجات متباعدة على مر العصور ،فمنها ما أنقرض ومنها ما هو معروف ومنها ما يزال دارجا حتى الآن ومنها ما هو غير مكتوب .

    ـ فروع اللغة الآرامية :

    (لما كانت اللغة الآرامية السريانية لغة أمم عظيمة منذ القديم لم يكن كم الممكن حفظ هذه اللغة من التشعب ،الى لهجات شتى بحسب قابلية كل شعب من الشعوب المختلفة المتكلم بها ،لذلك نرى فروقا عظيمة بين لهجاتها حتى لا يستطيع المتكلم بلهجة نينوى مثلا أن يفهم المتكلم بلهجة الشام ،ولا هذان يستطيعان أن يفهمان المتكلم بلسان فلسطين ،الأمر الذي أثبته علماء هذه اللغة).

    ونرى أن بعض الأدباء و المؤرخين يصنفون ستة عشر فرعا للغة السريانية ألا أننا لم نرى ولا نعرف من هذه الفروع إلا عدة لهجات مكتوبة ،فبعضهم يقسمها الى ستة فروع وهي.

    أ‌- المانوية

    ب‌- الماندية

    ت‌- النبطية

    ث‌- اليهودية

    ج‌- السامرية

    ح‌- السريانية .

    وبعض هذه اللهجات أنقرض منذ أزمان سحيقة ولا يعرف لها أثر وبعض العلماء الآخرين يقسمها الى ثلاث لهجات رئيسية ويدمجون اللهجات المانوية الماندية والنبطية واليهودية تحت أسم اللهجة البابلية:



    -اللهجة البابلية : "أما لغة بابل فهي اللغة المستعملة يوما في بابل واعمالها أي في العراق وآشور وسائر بلاد المشرق في الدول النينوية البابلية المشهورة وهي التي تعلمها اليهود في السبي البابلي،وتسمى هذه اللغة في العهد القديم آرامية مجردة ،وعلماء اليهود يسمونها آرامية آو سريانية وتسمى في الانجيل بالعبرانية، والعرب يسمونها اللغة البابلية نبطية وهي تختلف قليلا عن السريانية الدارجة في زماننا". وهذه اللغة النبطية أي التي تسمى كلدانية عند الإفرنج بقي منها اثر في النواحي الجنوبية الشرقية من بلاد العراق عند المندائيين الصابئة ولغتهم محفوظة في كتبهم الدينية.



    -اللهجة السامرية: وهي لهجة سكان السامرة ،وهم فئة من اليهود قطنوا السامرة يعرفون بالسامريين وقد انقرضوا الآن تقريباً ،وهي مزيج من الآرامية والعبرية ومن آثارها الترجوم السامري.



    -اللهجة الفصحى الدارجة اليوم والتي تسمى السريانية: (اللغة العتيقة) وهي اللهجة التي تتلى بها طقوس الكنيسة وتعرف لدى طوائف السريان والموارنة عموماً باللغة السريانية ولدى الطوائف الشرقية باللغة العتيقة ،ويقال لها في بعض الأحيان تجاوزاً الآرامية ،وهي اللغة الوحيدة الباقية والمتطورة عن الآرامية التي يتكلم بها أحفاد الآراميين و الآشوريين و البابليين وهذه اللغة لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر منذ ما قبل الميلاد بقرنين وحتى الوقت الحاضر ،(ولكن متى حدث هذا الانقلاب في اللغة البابلية الى هذه اللغة المسماة الكتابية ومتى أخذ قرار بذلك وأين بدأ وفي أي مدينة كان قانون (قواعد)هذه اللغة المرجوع إليه ،كل ذلك لا نعلمه وإنما نعلم أمرا واحداً وهو أن هذه اللغة جعلت من ذلك العهد وهي وحدها اللغة السريانية الفصيحة و القانونية في كل بلاد الشرق إلا عند اليهود ،وأنها لأجل ذلك سميت السريانية أو الآرامية محضاً بلا قيد).

    (أما السريانية فهي لغة الرها الواقعة داخل منحى الفرات في منطقة حران و التي أصبحت أخر معقل للآشوريين بعد سقوط بابل وتشكيل مملكة عسرا يا /القواد العشر/ وكان أخر ملوكها أبجر الأسود الذي عاصر السيد المسيح ).

    "الآرامية ظلت محكية في سورية أزمانا مديدة جدا حتى القرن الثالث عشر الميلادي حيث هزمتها اللغة العربية لأنها صاحبة سلطة سياسية ،فاعتصمت اللغة السريانية في الجبال والأرياف والاديار والكنائس و أمست لغة الكنيسة السريانية الطقسية في جميع فروعها الأرثوذكسية والكلدان والنسطورية حتى يومنا هذا".

    وتنقسم اللغة الفصحى الى لهجتين رئيسيتين الأولى تسمى الشرقية والثانية تسمى الغربية ولا يوجد فرق كبير بين هاتين اللهجتين إلا في رسم بعض الحروف والحركات ولفظها،"فنقول ان اللغة السريانية الكتابية هي اليوم على نوعين أو لغتين إحداهما شرقية والأخرى غربية وتسمى اللغة الغربية أيضا رهاوية نسبة الى مدينة الرها التي كان أفصح كتاب السريانية الغربية فيها ،والشرقية نصيبينية نسبة الى نصيبين التي كان فيها مدرسة شائعة للنساطرة ،والفرق بين هاتين اللغتين ليس جوهريا بل هو في لفظ بعض الحركات والحروف وفي رسم الخط".

    واللهجة الشرقية هي لهجة الكلدان الكاثوليك والنساطرة حيثما كانوا، بينما اللهجة الغربية هي لهجة السريان اليعابقة والسريان الكاثوليك والموارنة ،واهم الاختلاف بينهما هو الحركة المسماة /زقفا/ أو فالشرقيون يلفظونها فتحا طويلا والغربيون ضما طويلا مثل كلمة/سورييا/ فباللهجة الغربية تنطق سريويه بينما باللهجة الشرقية تنطق سريا يا.



    المهم من كل ذلك هو أنه لو كان المسيح قد جاء لليهود وحدهم لحدثهم بلغتهم العبرانية وليس بلغة كنعان وسائر الشرق السوري القديم، مما يؤكد عالمية وانسانية رسالته. أما أسطورة يهوديته فلها أسباب أخرى سأذكرها فيما بعد.



    عروبة النبي محمد وعروبة رسالته:

    العرب:
    اصطلح المؤرخون على كون العرب جماعة تنتمي الى الجماعات السامية نسبة إلى سام بن نوح وهي واهم هذه الجماعات هي الأقوام البابلية والآشورية والفينيقية والآرامية والكنعانية و العبرانية). كان لهذه الجماعات في الأصل مهداَ واحداً نشأت فيه وتفرقت منه على شكل هجرات وتم ذلك على فترات تاريخية متباعدة. وتعيين هذا المهد لايزال موضع الخلاف بين الباحثين فيقول بعضهم إنه وادي الرافدين، وبعضهم الآخر يرجح اليمن، وآخرون يزعمون أنه الحبشةلكن يكن الخلاف على مهد الأقوام والجماعات السامية فالثابت أنهم نزحوا عنه، فسكن البابليون و الأشوريونوادي الرافدين،والكنعانيون بلاد الشام والفينيقيون سواحل الشام، والعبرانيون فلسطين .

    أما العرب فقد استوطنوا شبه الجزيرة.( وهي واقعة إلى طرف الجنوب الغربي من آسيا. ويحدها من الشمال الهلال الخصيب، ومن الشرق الفرات وجهة من المحيط الهندي أيضاً، ومن الغرب البحر الأحمر. ثم يقسمها جبل السراة الممتد من اليمن إلى أطراف بادية الشام قسمين:غربياً وشرقياَ؛ فالغربي يهبط من سفح ذلك الجبل إلى شاطئ البحر الأحمر فيسمى الغور لانخفاضه أو تهامة لحره والشرقي يصعد إلى أطراف وادي الرافدين و السماوة فيسمى نجداَ لارتفاعه، وما فصل بين الغور ونجد يدعونه الحجاز لفصله بينهما . أما ما ينتهي به نجد في الشرق حتى يصل إلى الخليج العربي من بلاد اليمامة الكويت والبحرين وعمان فيسمى بالعروض لاعتراضه بين اليمن ونجد؛ وما يمتد وراء الحجاز إلى الجنوب يسمى اليمن إما لوقوعه يمين الكعبة، وإما ليمنه .)

    وفي هذه الأقسام توزعت سلالتان : القحطانيون والعدنانيون.

    أما القحطانيون فسكنوا اليمن وكانت لهم فيه عمارة عظيمة وحضارة زاهرة وتجارة مزدهرة وكلنت لهم علاقات قوية مع معظم حضارات الشرق القديم، لكن ومع انهيار حضارتهم تركت الأقوام القحطانية اليمن وهاجروا، فذهب من كهلان ثعلبة بن عمرو نحو الحجاز فغلب اليهود على يثرب، وكان من أعقابه الأوس والخزرج. ثم احتل حارثة بن عمرو وهو خزاعة، الحرم . ومال عمران بن عمرو نحو عمان، فبنوه أزد عمان . واستوطنت قبائل نصر بن الأزد تهامة وهم أزد شنوءة؛ ووقف زواد جفنة بن عمرو بالشام فأقام بها هو وبنوه فكان منهم الغساسنة. ونزل بنو لخم بالحيرة ومنهم نصر بن ربيعة أبو المناذرة. وأما العدنانيون فسكنوا الحجاز وما ياسره إلى ريف العراق، فأقامت بطون قريش في مكة وضواحيها، وبطون كنانة في تهامة، واحتلت ذبيان ما بين تيماء و حوران .وسكنت ثقيف الطائف، و هوازن شرقي مكة، ونزل بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، وبنو تميم بادية البصرة. واستوطنت قبائل تغلب الجزيرة الفراتية. وحلت سائر بكر بن وائل طول الأرض من اليمامة إلى البحر.

    و يقسم الباحثون العرب الجماعات العربية الى ثلاث
    -العرب البائدة:
    وهم الذين اندثرت أخبارهم وطمست آثارهم.
    -العرب العاربة:
    وهم المنتمون إلى يعرب بن قحطان المذكور في التوراة باسم يارح بن قحطان.ويزعم العرب أن أصل لسانهم، ومصدر.ومنهم بطون حمير-وأشهرهم زَيد الجمهور وقضاعة والسكاسك. وبطون كهلان-وأشهرهم همدان وطيء ومذحجُ وكندة ولخْم. ومن لخم بنو المنذر في الحيرة والأْزْد . ومن الأزد الأوس والخزرج في المدينة والغساسنة في الشام. وكانت لحمير السيادة على اليمن فمنهم الملوك والأقيال.
    -العرب المستعربة:
    ويزعم أنهم أولاد إسماعيل فبقولون أنه نزل بالحجاز حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد، ثم صاهر ملوك جُرهم فكان له بنون وأعقاب ضلوا في مجاهل الزمن فلم يعرف التاريخ منهم على التحقيق إلا عدنان، وإليه ينتهي عمود النسب العربي الصحيح.
    وأشهر قبائل هذه الطبقة: ربيعة ومُضر و أنمار وأياد. فمن ربيعة عبد القيس،ومنها بكر وتغلب ابنا وائل ومن مضر انشعبت قيس عيلان وبطون اليأس بن مضر.فأما قيس بن عيلان فأشهر بطونها هوازن و غطفان؛ ومن غطفان عبس وذبيان ابنا بغيض. وأما أولاد الياس فافترقوا، فمنهم بطون تميم بن مر، وهذيل بن مدركة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة قريش: ثم انقسمت إلى بطون شتى. فمنهم جُمح ُوسهم ومخزوم وعبد الدار وعبد مناف ثم كان من عبد مناف عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم. ومن هاشم عبد المطلب وبنوه عشرة منهم ((عبد الله أبو النبي محمد وأبو طالب والد علي ثم العباس.
    نسب النبي:
    عمود نسب النبي محمد على ما ذكره ابن إسحاق في السيرة وتبعه عليه ابن هشام : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.



    لمحة عن عبادات شبه الجزيرة قبل الرسالة المحمدية:

    كانت عبادة أجرام السماء وعبادة الأحجار والصخور منتشرة في شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى ديانات بدائية كالفيتشية والطوطمية ، وعبادة الأوثان وعبادة الأسلاف .

    أما الفيتشية فقد كانت أكثر ديانات الجزيرة انتشارا بين أهلها، وارتكزت على تقديس الأشياء المادية كالأحجار، للاعتقاد بوجود قوى سحرية خفية بداخلها، أو لأنها قادمة من عالم الآلهة في السماء أو من باطن الارض حيث عالم الموتى، وقد ظلت تلك العقائد قائمة حتى ظهور الإسلام .



    اما الطوطمية فارتكزت على الاعتقاد بوجود صلة بين أفراد القبيلة بحيوان ما مقدس ، ويظهر ذلك في تسميات قبائل العرب ، مثل (أسد، فهد، يربوع ، ضبة ، كلب ، ظبيان ... الخ ). لذلك كانوا يحرمون لمس الطوطم أو حتى التلفظ باسمه ، لذلك كانوا يكنون عنه ، فالملدوغ يقولون عنه السليم ، والنعامة يكني عنها المحلى ، والأسد أبي حارث ، والثعلب ابن آوى، والضبع أم عامر، وهلم جرا. هذا إضافة إلى تقديس الأشجار، مثل ذات أنواط التي كانوا يعظمونها، ويأتونها كل سنة فيذبحون عندها ويعلقون عليها أسلحتهم وأرديتهم.



    واعتقد العرب بوجود الجن وعبدوها دفعا لأذاها، وظنوا أنها تقطن الأماكن الموحشة والمواضع المقفرة والمقابر، فكان العربي إذا دخل إلى موطن قفر حيا سكانه من الجن بقوله : عموا أطلاها، ويقف قائد الجماعة ينادي : إنا عائذون بسيد هذا الوادي.

    وكان للعرب تصور عن الجن يقول أن حالها كحالهم، فهم قبائل وعشائر تربط بينهم صلات الرحم ، يتقاتلون ويفزر بعضهم بعضا، ولهم سادة وشيوخ وعصبيات ، ولهم من صفات احر بان كثير، فهم يرعون حرمة الجوار ويحفظون الذمم ويعقدون الأحلاف .. وقد يتقاتلون فيثيرون العواصف ، ويصيبون البشر بالأوبئة والجنون . وقد نسبوا الى الجن الهتف قبل الدعوة مباشرة ، حيث كثر الهواتف اي الاصوات التي تنادي بأمور وتنبىء بأخرى بصوت مسموع وجسم غير مرئي.. وقد اعتمد الكهان على تلك الاعتقادات فزعموا أنهم يتلقون وحيهم عن الجن ، وان الجن بإمكانها الصعود الى السماء والتصنت على مصائر البشر في حكايات الأعالي، وادعى الكهنة أن بامكانهم معرفة مصائر البشر عن طريق مصادقة أو مؤاخاة الجان .



    عبادة الاسلاف



    أما أشد العبادات انتشارا واقربها الى الظروف المكانية والاجتماعية فكانت عبادة السلف، كانت تلك العبادة قد وصلت الى درجة عالية من التطور في العصر الجاهلي ماقبل الأخير.اذ فرضت الظروف المعاشية على القبيلة التماسك وعدم السماح بأي نظرا لحركة الترحال المستمرة سعيا للكلأ ، فكان لابد من رابط يجمع أفراد القبيلة فأصبح سلف القبيلة وسيدها الراحل ربا معبودا، ومصدرا لحماية القبيلة وتماسك أفرادها وتوحيد كلمتهم ، بوصف القبيلة جماعة مقاتلة دائمة الترحال، فتشأ مفهوم الحمىالذي يشرف عليه أباهم وربهم.وهكذا أصبح الرب سيد القبيلة الراحل القديم وأعطي صفات البطولة و الشجاعة والحكمة والقوة لا يضارعه رب آخر في هذه الصفات. ، وبتعدد القبائل تعددت الأرباب،وكان البدو لا يعبدون سوى رب قبيلتهم و رمز عزتها ، ولم يعترفوا بأرباب القبائل الأخرى المنافسة، وكان هذا مشابها تماما لحال العبرانيين الذين عاشوا ظروف قبلية شبيهة ففي سفر الخروج(15:11) : من مثلك بين الآلهة يا رب . من مثلك معتزّا في القداسة . مخوفا بالتسابيح . صانعا عجائب.

    فكانت القبائل تعلم بوجود أربابا أخرى لقبائل أخري، لكن ربهم كان أعظم الأرباب. وكان البدوي يأنف أن يحكم ممن خارج نسبه، فنسبه هو ربه و سلفه هو ذاته و كرامته وعزته وبذلك كان كان لعبادة الأسلاف الأثر الكبير في التفريق بين قبائل العرب وتمزق كلمتها .

    لكن ومع حلول العصر الجاهلي الأخير و تمركز بعض القبائل في تجمعات على طريق القوافل التجارية بين اليمن والشام وتأسيس بعض التجمعات الحضرية كمكة والطائف و يثرب وانتقال تلك القبائل للتجارة، بدأت القبائل بالاعتراف بآلهه القبائل الأخرى التي ارتبطت معها بمصالح تجارية أو بعلاقات تصاهر فجرى آنذاك اعتراف، بيد أن العبرانيين لم يصلوا لهذه المرحلة وبقوا على عبادتهم لإلههم القبلي يهوه.



    عبادة الأوثان:



    كان للعرب آراء عدة في وثنيتهم فبعضهم كان يقول: ليس لنا أهلية لعبادة الله بلا واسطة لعظمته؟ فلذلك نعبدها - أي الأصنام - لتقربنا منه ؟ وقال آخرون: هي قبلة لنا مثل الكعبة وفرقة اعتقدت أن لكل صنم شيطاناً موكلاً بأمر الله؟ فمن عبد الله حق عبادته قضى له الشيطان حاجته ( راجع بلوغ الأرب للبغدادي - 2:197-19,

    وكان هبل هو أول الأ صنام التي وضعت حول الكعبة كما ذكر اليعقوبي، وكانت له صورة إنسان من عقيق أحمر مكسور الذراع وقد قام العرب بعد ذلك بصناعة ذراع له من الذهب الخالص.

    يقول ابن هشام: إن عمرو بن لُحَى خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدِم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم أولاد عملاق، ويُقال: عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنماً يُقال له: هُبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه (ابن هشام ج 1 ص 75).

    للات: وهي صخرة بيضاء مربعة بنت ثقيف عليها بيتاً يحجّون له وكانت سِدانته لآل العاص ابن أبي يسار وكان جميع العرب تعظمه وتقدم له الهدايا والذبائح وكانت تحت الصخرة حفرة يُقال لها غبغب تحفظ فيها الهدايا والنذور والأموال التي كانت تقدم للصنم، فلما هدم المغيرة الصنم أخذ تلك الأموال وسلمها إلى أبي سفيان امتثالاً لأمر الرسول (المفصل في تاريخ العرب - جواد علي - ج 6 ص 22.

    أما العزى: فكانت نخلات في الطريق بين مكة والعراق وكانوا قد بنوا عليها بيتاً يطوفون حوله ويسمعون الصوت (هواتف الجان) وقد عبد العرب العزى وتسمّوا باسمها مثل عبد العزى بن عبد المطلب و أقسم العرب بالعزى ولها يقول درهم بن زيد الأوسي:

    إني ورب العزى السعيدة والله الذي دون بيته سرف

    وقد كانت قريش وبني كنانة أكثر العرب تعظيماً للعزى وكان سدنتها وحجابها من بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم (المفصل - جواد علي - ج 6 ص 242).



    وقد عبد العرب أيضاً مناة وتسموا بها ولكن الأخباريون اختلفوا في هيئة مناة وشكلها فمنهم من قال: إن مناة صخرة سُميت بذلك لأن دماء النساك كانت تمنى عندها (أي تراق)، ومنهم من يقول: إنها صنم كان منصوباً على ساحل البحر، وقد جعله بعض الرواة في الكعبة مع بقية الأصنام (المفصل - جواد علي - ج 6 ص 247).



    كان ماذكرته هي أهم أصنام العرب وأشهرها لكن هذا لا يعني اطلاقا بأنها كانت الوحيدة اذ يذكرابن هشام أن أصنام العرب بلغت 360 صنماً وكانوا لا يفعلون شيئاً قبل سؤال أصنامهم وكانوا يستسقون ويتشفعون ويقسمون بها، وكان من أصنام العرب حسب ما يذكر ابن هشام يغوت: عبده طئ وجرش من مذحج. ويعوق: عبده همدان. وود: عبده كلب بن وبرة من قضاعة. وسواع: عبده هُذيل. ونسر: عبده ذو الكلاع بحمير. وسعد: عبده بنو ملكان. وذو الخلصة: عبده دوس وخثعم وبجيلة (ابن هشام ج 1 ص 81).



    2. مكة والكعبة قبل الرسالة:



    كانت للكعبة في مكة مكانة خاصة لعوامل عدة أهمها:

    وقوع مكة في ملتقى القوافل التجارية.
    وجود معظم معبودات وآلهة العرب حولها.
    وجود بئر زمزم مع ما راج حوله من أساطير فيها.
    وجود أشخاص عملوا على إعطاء مكة وقريش مكانتها العظيمة مثل: كعب بن لؤى،قصي بن كلاب،وهاشم بن عبد مناف، وعبد المطلب بن هاشم.
    وجود الحُمس: وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النظر بن معاوية وكانوا المتشددون في الدين،فكانوا إذا أحرموا لا يلبسون الوبر ولا الشعر، ولا يستظلون به ما داموا حُرماً، ولا يغزلون الوبر ولا الشعر ولا ينسجونه، ولا يأكلون شيئاً من نبات الحرم، وكانوا يعظمون الأشهر الحرام ولا يظلمون فيها أحداً وكانوا يطوفون في ملابسهم ولا يخلعونها، وإذا أرادوا شيئاً من بيوتهم وهم محرمون دخلوا من الأَبواب.فكان العرب يرون للحُمس فضلاً ومكانة عظيمتين،فهم أهل الحرم والقائمون على أمر الدين.وقد بقيت هذه النظرة للحُمس الى ما بعد الإسلام، فيروي النيسابوري: أن الناس في الجاهلية وأول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج والعمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه. فإن كان من اهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج؟ أو يتخذ سلماً فيصعد منه. وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يُحل من إرحامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحُمس وهم: قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النظر بن معاوية سموا حُمساً لشدتهم في دينهم. فدخل رسول الله بيتاً لبعض الأنصار، فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم، فأنكروا عليه ذلك، فقال له رسول الله : لِمَ دخلت من الباب وأنت محرم؟ فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على أثرك، فقال رسول الله : إني أحمسي . قال الرجل: إن كنت أحمسياً فإني أحمسي، ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك، فأنزل الله وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها (أسباب النزول - النيسابوري - 2 40).
    كل هذه الأسباب جعل مكة أكثر استقراراً من غيرها من المناطق في شبه الجزيرة، وقريش أعز أقوامها، فرسخت مكانة مكة وقريش في العقل العربي إلى ما بعد الإسلام، مع ما كان لها من تأثير كبير في عدة أمور هامة كالخلافة. وكان لقدسية مكة وكعبتها أثرا هاما،فلم يضع العرب مواثيقهم وعهودهم إلا داخلها لقدسيتها ومكانتها عندهم.



    يتبع:









                  

03-04-2004, 03:39 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    الجماعات الدينية في شبه الجزيرة قبل وفي بدء الرسالة:
    اليهودية:

    لم يتفق أصحاب الأخبار على الزمن الذي بدأ اليهود يتوافدون فيه على شبه الجزيرة بأعداد كبيرة، ولم يتفقوا أيضاً على كون اليهود العرب يهوداً، أم عرباً متهودين، الا أنه من الثابت أنه مع قدوم اليهود إلى شبه الجزيرة العربية بدأوا السعي لتثبيت أقدامهم أرضهم الجديدة مما أدى الى قيام حروب وصراعات بين اليهود المهاجرين من جهة وبينالأقوام والقبائل العربية سكان الأرض الأصليين من جهة أخرى ثم انتهى تطاحنهم وقبلوا العيش معاً.

    ويرى د. طه حسين أن اليهود اعتمدوا على صلة قرابتهم البعيدة بالعرب ليتمكنوا من العيش معهم (الشعر الجاهلي ص 26 و27).

    استوطن اليهود يثرب موطن بني النجار أخوال النبي وعملوا بصناعة السيوف وتجارة الحُلي والكهانة والبيع بالرهن والزراعة،كما استوطن جزء كبير منهم في خيبر واليمن وحنين ونتيجة لوجودهم في وسط سكان الجزيرة اعتنقت بعض القبائل الديانة اليهودية ودانت بها مثل: بني كنانة وكندة وبني الحرث بن كعب وبعضاً من العرب المتفرقين في مكة واليمامة وحمير وحُنين (بلوغ الأرب – الجزء الثاني 2).

    وكانت لهم شعائرهم الخاصة المستمدة من الوصايا العشرة والتوراة وآراء الحاخامات، أما شريعتهم فسآتي على ذكرها في فصل قادم.



    المسيحية:

    كانت المسيحية تختلف عن اليهودية اختلافا جذريا كونها رسالة تبشيرية بعكس اليهودية المنغلقة على نفسها الرافضة للأغيار، وبالرغم من عدم وجود تاريخ محدد لانتشار المسيحية في وسط العرب الا أنه من المعتقد أنه وصلت في أواخر القرن الأول الميلادي الى الجزيرة، فالعرب احتكوا بالمسيحية منذ بدأها ولن آخذ الأناجيل كمرجع تاريخي لكن مجرد ذكر العرب فيه يدل على تواجدهم واحتكاكهم بالدعوة المسيحية منذ بداياتها ففي يوم العنصرة تواجد بعض العرب في القدس ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح ان ينطقوا وكان يهود رجال أتقياء من كل امة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيّروا لان كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته. فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين. فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها. فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس واسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء1 كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله. (أعمال الرسل 2، 1-11).بيد أن تغلغل المسيحية في شبه الجزيرة وانتشارها لم يتم قبل القرن الثالث بعد الميلاد.

    وعند الكلام عن المسيحية في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام فاننا لا نتكلم عن المسيحية المعروفة الآن ، اننا نتكلم عن جماعات ومذاهب مسيحية وليس عن مسيحية ذات موقف محدد ، فتلك الفترة شهدت صراعا وخلافا لاهوتيا بين الجماعات والمذاهب المسيحية، ولقد امتد تأثير هذه الخلافات اللاهوتية لتؤثرفي تكوين اللاهوت المحمدي. ومن أبرز الفرق المسيحية التي تواجدت في الجزيرة العربية:

    1. النساطرة

    وهم أتباع نسطوربطريرك القسطنطينية عام 428م، وكان يقول إن للمسيح طبيعتين أحدهما قبل التجسد؟ والأخرى بعده؟ وقد ربط بينهما اتحاد معنوي بسيط. ونتيجة لذلك تم طرده هو وأتباعه من الكنيسة مجمع أفسس 431 م فتقربوا من الكنيسة السورية في فارس والتي اعتمدت النسطورية رسمياً في سنودس سلوقية عام 485 م،و تم طردهم من الرها على يد الأمبراطور زينون عام 489 م فهاجروا إلى فارس وبلاد الرافدين وتم انفصالهم نهائيا الكنيسة البيزنطية ومقرها القسطنطينية (المسيحية والحضارة العربية - جورج قنواتي، دار الثقافة ص 42).

    2 . الأريوسيين:

    وهم أتباع أريوس المصري في القرن الرابع الميلادي وتتلمذ على يد العالم اللاهوتي لوسيان الأنطاكي في أنطاكيةً وكان لوسيان يُعلّم إن الإله الواحد لا يمكن أن يظهر بالجسد على الأرض ولا يمكن أن يكون الله شخصاً في المسيح إنما الله ملأ المسيح بكلمته و بقوته والكلمة صار أقنوماً في المسيح والكلمة جوهر ثان من ذات الله خلقه قبل كل الدهور والكلمة نزل إلى الأرض وصار جسداً (ضحى المسيحية ، مكتبة المشعل بيروت ص 16). اعتنق اريوس فكر لوسيانوبدأ بالتبشير بها بعد أن رسم كاهنا وتلخصت دعوته(ضحى المسيحية ، مكتبة المشعل بيروت-ص1. بما يلي:

    · كان زمن لم يكن فيه للابن وجود؟ أو قبل أن يُولد لم يكن,

    · خُلق من جوهر لم يكن موجوداً من قبل؟ أو صنع من مادة لا وجود لها

    · خُلق من جوهر يتميز عن جوهر الله

    · ولأنه خُلق ولم يُولد؟ فإنه يشارك المخلوق في صفاته,

    · ولأنه مخلوق لا مولود؟ فإنه قابل للتغير والاستحالة.

    تم طرد أريوس وأتباعه من الكنيسة عام 325م في مجمع نيقية وهي مدينة نيس الفرنسية اليوم بحضور 318 راهب من أنحاء العالم المسيحي.

    3. الغنوصيين:

    من الخطأ القول أن الغنوصيين هم أتباع المسيحية، فللغنوصيين قلسفة خاصة بهم هي عبارة عن مزيج من ديانات فارس وفكر الرافدين وفلسفة الاغريق، بالاضافة الى تأثيرات مصرية. لكن وجدت جماعات مسيحية ممن تأثرت بالفكر الغنوصي، وتأثر الغنوصيين كذلك بالمسيحية، فنشأعن ذلك تبادل وتفاعل، لكنهم اعتبروا هراطقة بالنسبة للكنيسة الرسمية. وكانت تعاليمه متقول باختصار إن مُبدع هذا العالم الغارق في الشرور لا بد وأن يكون هو نفسه شريراً، وأن السبيل الوحيد للخلاص من شرور التواجد الجسدي وعالم المادة هو المعرفة الباطنية. وكانت تعاليم الغنوصية تقول بوجود نوعين من الألوهية

    · الإله السامي العظيم و يرأس آلهة متميزين عن بعضهم في الدرجة والسلطان قد انبثعوا من الإله الأعظم أو انبثق الواحد من الآخر وهذه الكائنات سواء كانت منفردة منعزلة أو كانت أزواجاً فإنها كوّنت معاً المجموعة الإلهية.و نتيجة لسقوط أحدها حدث خلل في هذه الجماعة غير أن الكائن الإلهي الذي سقط سيرد إلى رتبته وطهارته بحدوث عملية الفداء.

    · أما النوع الثاني فهو يشبه النوع الأول من حيث النظام والتكوين ولكنه يختلف من حيث النوع،فالذي يرأس هذه الجماعةإله شرير الإله الذي خلق المادة نصف الإله وقد ساعد الإله وتعاون معه الآلهة الأشرار والمخربون، والصراع بين إله الشر وأعوانه وإله الخير وأعوانه مستمر. (تاريخ الفكر المسيحي لحنا الخضري اصدار دار الثقافة - ص 476).

    4. الأيبيونيين:

    وهم اليهود المتنصرين و يعني اسمهم بالعبرانية الفقراء، وكيفية نشأتهم غير معروفة وكانت عقيدتهم من اليهودية والمسيحية فقد اعتقدوا بوجود إله واحد خالق الكون وعظموا السبت وقالوا أن المسيح إنسان امتاز عن غيره بالنبوة رسول الله أرسله للناس أجمعين وأنكروا الصلب فذهبوا إلى أن الذي صُلب شخص آخر غير المسيح وقد شُبه على من صلبه فاعتقد أنه المسيح (المفصل 6:635).

    5. المريميون:

    و كانوا في الأصل يعبدون الزهرة دعوها ملكة السماءوقالوا إن الشمس تزوجت القمر فأنجبا الزهرة. وقد بالغوا في عبادة مريم العذراء فألهوها، وكانوا يقدمون لها نوعاً من القرابين عبارة عن أقراص العجين والفطار ونادوا بثالوث مقدس مكون من الله والمسيح ومريم.



    كان هناك ثلاثة مراكز نصرانية مجاورة لبلاد العرب ، هي : سورية في الشمال الغربي ، والعراق في الشمال الشرقي ، والحبشة في الغرب والجنوب . فمن بيت المقدس ودمشق وانطاكية انطلق المبشرون إلى العرب ، فكان هناك أساقفة بصرى وتدمر ، وذلك قبل نهاية القرن الثالث الميلادي . وانتشرت المسيحية بين العرب الغساسنة المقيمين في بلاد الشام .

    أما في الشمال الشرقي من الجزيرة العربية فقد كانت المسيحية متأصلة في الرها ونصيبين وإربل وجنديسابور وسلوقية طيسفون التي أصبحت مركزاً لبطاركة النساطرة. ومن هناك انتشرت في بلاد البحرين وعمان، وتحول الكثير من عرب الحيرة إلى المسيحية وعُرفوا بالعبّاد وقد دان بالنصرانية بعض قبائل العرب النازلة بجوار الحيرة وبلاد الشام ؛ منهم : غسان وتغلب وتنوخ ولخم وجذام وسليح وعاملة .

    وكانت الجماعات النصرانية الهاربة من الاضطهاد البيزنطي بسبب تهمة الهرطقة دور كبير في نشر المسيحية في الجزيرة وامتدت في القرنين الرابع والخامس للميلاد إلى اليمن فقد تنصر الحميريون على الطريقة الآريوسية.

    واستطاع بعض النساك ساكنو القفار والرهبان تنصير بعض القبائل العربية البدوية فأفتيموس البار استطاع في مطلع القرن الخامس الميلادي تنصير قائد إحدى القبائل العربية وقام بسيامته أسقفاً تحت اسم بطرس للكنائس الحربية وهي القبائل الغازية وغير المستقرة .

    وبعد وصول المسيحية الى الحبشة جارة الجزيرة العربية من الغرب ولها صلات قديمة بها، فانتقلت المسيحية للجزيرة منها كم جاء بعض المبشرين من الشمال كفيمون الراهب الذي نصّرأهل نجران وأسس بها كنيسة يعقوبية . و تركزت المسيحية في نجران وصنعاء وخاصة عند الغزو الحبشي الثاني لليمن ( عام 525م.) . و أراد أبرهة الحبشي أن يجعل من كنيسة نجران كعبة يحج إليها العرب بدل كعبة مكة . وقد يكون السبب أو الذريعة لمجئ أبرهة إلى اليمن هو قتل أهل نجران النصارى الذين بشرهم فيمون، على يد ذي نواس الحميري اليهودي المتعصب صاحب الأخدود، الذي ذكره القرآن.



    ووجد في مكة نصارى غرباء دخلوا المدينة تجاراً ومبشرين وحرفيين ومنهم من كانواً أرقاء. وكان بعضهم يعرف القراءة والكتابة ولا يستبعد أن يكونوا قد أثروا في محيطهم ونصروا البعض من أهل مكة . فقد كان الناس يختلفون إلى مجالسهم ومساكنهم لسماع قصص الأقدمين من الأنبياء ومن المرجح أن الرسول محمد كان يعرج على منازل بعضهم كما يروي ابن هشام : "وكان رسول الله – فيما بلغني – كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر عبد لبني الحضرمي ، فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمداً كثيراً مما يأتي به إلا جبر النصراني.( السيرة النبوية لابن هشام ، 1،33 وما بعدها) وقد اتهم من أهل مكة إنما يتلقى رسالته من جبر هذا الذي سماه بعضهم سلمان ويسار و رد القرآن على القرشيين بقوله ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي.

    وتؤكد دلائل عديدة على مدى تأثير النصرانية بقريش فيقول الأزرقي :جعلوا في دعائمها صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة . فكان فيها صورة إبراهيم الخليل شيخ يستقسم بالأ زلام وصورة عيسى ابن مريم أمه وصور الملائكة . ولما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله البيت وأرسل الفضل بن العباس بن عبد المطلب فجاء بماء زمزم ثم أمر بثوب فبل بالماء و أمر بطمس تلك الصور . فطمست وقال ووضع كفيه على صورة عيس ابن مريم و أمه عليهما السلام وقال : أمحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن صورة بن مريم وأمه ( أخبار مكة وما جاء فيها من آثار للأزرقي 1- 165 )

    وشهد التاريخ الإسلامي على تنصر أحياء كثيرة من العرب ودل خاصة على دخول النصرانية بعض قبائل مكة والحجاز. وأشار بوضوح الى اعتناق بعض بطون قريش لها . و أخصها فرع عبد العزي بن قصي . قال اليعقوبي في تاريخه : و أما من تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزي . منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزي و ورقة بن نوفل بن أسد ... ( تاريخ اليعقوبي 1- 157 )

    ويشهد الجاحظ بقوله : كانت النصرانية قد وجدت سبيلها بين تغلب وشيبان وعبد القيس وقضاعة وسليخ والعباد وتنوخ ولخم وعاملة وجزام وكثير بن بلحارث بن كعب ( كتاب الحيوان للجاحظ 7- 216 )





    دين واحد برسالتين



    كان ما كتبته سابقا تمهيد للبحث الأصلي ألا وهو الاسلام المحمدي و الاسلام المسيحي. وسيستغرب الكثرون تسمية الاسلام المسيحي، فلي تجارب عديدة مع أصدقاء مسيحيين ومحمديين، بالاضافة الى زملائي الألمان في جامعة كولن في قسم العلوم الاسلامية Islamwissenschaft، ومرد ذلك الجهل و الفقر اللغوي، اضافة الى قرون طويلة من الصراع ومخزون هائل من الرفض للآخر الذب أصبح جزءا من الذاكرة الجماعية لدى كلا الفريقين، و كان لضحالة الوعي الديني لدى شرائح واسعة من الطرفين، واحتكار المؤسسة الدينية للنصوص المقدسة الدور الأكبر في رفد مخزون الرفض الجماعي بسلسلة لا تنتهي من الاتهامات ومفردات التكفير.

    فما هو الاسلام؟

    ويشتمل هذا السؤال شقين، معنى الاسلام لغة، ومعناه شرعا.

    الاسلام لغة: هوالطاعة والانقياد والتسليم.
    أُسْلمَ أَمْرَهُ إلى اللهِ: فوضه أمره

    أَسْلَمَ الروح: مات

    أَسْلَمَ الشئ اليه: أعطاه اساه.

    الاسلام شرعا: هو الخضوع لأوامر الآمر ونواهيه بدون اعتراض .
    أسْلَمَ يُسْلِمُ إسْلاماً للهِ: أخلص الذِّينَ له. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (الغافر 66). ومعنى أَنْ أُسْلِمَ أن أنقَادَ أو أُخلِصَ دِينى .

    شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18} إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَاب{19}. يقول الزمخشري الإسلام هنا بمعنى العدل والتوحيد ، وقال إن جملة إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ هي جملة مستأنفة وجاءت على سبيل شهادة الله المذكورة في الآية 18 ، أي أن الذي يشهد أن لا إله إلا الله ، فقد أقام العل والتوحيد الذي هو الإسلام (الكشاف للزمخشري ج1 ص334) .وفي تفسير الجلالين إنَّ الدِّين الْمَرَضِيّ عِنْد اللَّه" هُوَ "الْإِسْلام أَيْ الشَّرْع الْمَبْعُوث بِهِ الرُّسُل الْمَبْنِيّ عَلَى التَّوْحِيد .



    لكن ما سبب هذا الفهم الضيق اليوم لكلمة الاسلام سواء من المسيحيين أو المحمديين؟ ولماذا يتم الحاقه بمجموع الطقوس والشعائر التي تمارسها الجماعات والطوائف المحمدية؟

    في القرآن أمثلة عديدة على اسلام الأنبياء الذين سبقوا الرسالة المحمدية بقرون وسأذكر هنا بعض الأمثلة:

    فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {يونس72} والحديث هنا عن نوح و قوله: «و أمرت أن أكون من المسلمين» أي الذين يسلمون الأمر لله فيما أراده لهم و عليهم، و لا يستكبرون عن أمره بالتسليم لسائر الأسباب الظاهرة حتى يخضعوا لها و يتوقعوا به إيصال نفع أو دفع شر.

    إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {البقرة131،133} والحديث هنا عن ابراهيم، الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ لَهُ رَبّه أَسْلِمْ } إذْ قَالَ لَهُ رَبّه : أَخْلِصْ لِي الْعِبَادَة. وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { قَالَ أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } : قَالَ إبْرَاهِيم مُجِيبًا لِرَبِّهِ : خَضَعْت بِالطَّاعَةِ , وَأَخْلَصْت بِالْعِبَادَةِ لِمَالِك جَمِيع الْخَلَائِق وَمُدَبِّرهَا دُون غَيْره.

    الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أَيْ فَلَا تُفَارِقُوا هَذَا الدِّين وَهُوَ الْإِسْلَام أَيَّام حَيَاتكُمْ ;

    الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُد إلَهك وَإِلَه آبَاءَك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إذْ قَالَ لِبَنِيهِ } إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ . و " إذْ " هَذِهِ مُكَرَّرَة إبْدَالًا مِنْ " إذْ " الْأُولَى بِمَعْنَى : أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء يَعْقُوب إذْ قَالَ يَعْقُوب لِبَنِيهِ حِين حُضُور مَوْته . وَمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي } أَيْ شَيْء تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي , أَيْ مِنْ بَعْد وَفَاتِي . { قَالُوا نَعْبُد إلَهك } يَعْنِي بِهِ : قَالَ بَنُوهُ لَهُ : نَعْبُد مَعْبُودك الَّذِي تَعْبُدهُ , وَمَعْبُود آبَائِك إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إلَهًا وَاحِدًا , أَيْ نُخْلِص لَهُ الْعِبَادَة وَنُوَحِّد لَهُ الرُّبُوبِيَّة فَلَا نُشْرِك بِهِ شَيْئًا وَلَا نَتَّخِذ دُونه رَبًّا .. ( تفسير الطبري).



    وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {العنكبوت 46} وَقَوْله : { وَقُولُوا آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهنَا وَإِلَهكُمْ وَاحِد وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يُجَادِلُوا أَهْل الْكِتَاب إِلَّا بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَن : إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب أَيّهَا الْقَوْم عَنْ كُتُبهمْ , وَأَخْبَرُوكُمْ عَنْهَا بِمَا يُمْكِن وَيَجُوز أَنْ يَكُونُوا فِيهِ صَادِقِينَ , وَأَنْ يَكُونُوا فِيهِ كَاذِبِينَ , وَلَمْ تَعْلَمُوا أَمْرهمْ وَحَالهمْ فِي ذَلِكَ فَقُولُوا لَهُمْ { آمَنَّا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَإِلَيْكُمْ } مِمَّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل { وَإِلَهنَا وَإِلَهكُمْ وَاحِد } يَقُول : وَمَعْبُودنَا وَمَعْبُودكُمْ وَاحِد { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } يَقُول : وَنَحْنُ لَهُ خَاضِعُونَ مُتَذَلِّلُونَ بِالطَّاعَةِ فِيمَا أَمَرَنَا وَنَهَانَا . (تفسير الطبري)



    فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {ال عمران52} يَقُول تَعَالَى " فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى " أَيْ اِسْتَشْعَرَ مِنْهُمْ التَّصْمِيم عَلَى الْكُفْر وَالِاسْتِمْرَار عَلَى الضَّلَال قَالَ : " مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه " قَالَ مُجَاهِد : أَيْ مَنْ يَتْبَعنِي إِلَى اللَّه وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْره : أَيْ مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّه وَقَوْل مُجَاهِد أَقْرَب . وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ أَنْصَارِي فِي الدَّعْوَة إِلَى اللَّه كَمَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول فِي مَوَاسِم الْحَجّ قَبْل أَنْ يُهَاجِر " مَنْ رَجُل يُؤْوِينِي حَتَّى أُبَلِّغ كَلَام رَبِّي فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغ كَلَام رَبِّي " حَتَّى وَجَدَ الْأَنْصَار فَأَوَوْهُ وَنَصَرُوهُ وَهَاجَرَ إِلَيْهِمْ فَوَاسُوهُ وَمَنَعُوهُ مِنْ الْأَسْوَد وَالْأَحْمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ . وَهَكَذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام اِنْتَدَبَ لَهُ طَائِفَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَآمَنُوا بِهِ وَوَازَرُوه وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ " قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَار اللَّه آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْت وَاتَّبَعْنَا الرَّسُول فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (تفسير ابن كثير)
    يتبع

                  

03-04-2004, 03:44 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ {المائدة 111} الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ أَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَلْهَمْتهمْ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : وَإِذْ أَلْقَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ صَدِّقُوا بِي وَبِرَسُولِي عِيسَى . فَقَالُوا : آمَنَّا : أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا أَمَرْتنَا أَنْ نُؤْمِن يَا رَبّنَا . { وَاشْهَدْ } عَلَيْنَا { بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } يَقُول : وَاشْهَدْ عَلَيْنَا بِأَنَّنَا خَاضِعُونَ لَك بِالذِّلَّةِ سَامِعُونَ , مُطِيعُونَ لِأَمْرِك .(تفسير الطبري).



    نستنتج مما سبق أن الدين عند الله الاسلام أي الأيمان بالله الواحد و الاستسلام لمشيئته لا خلاف بين المسيحية والمحمدية في حقيقة الدين أو على غاية الدين قد ذكرت شواهد كثيرة،على أن القرآن يقرُّ أن الدين واحدٌ في المسيحية والمحمدية، فلا خلاف بينهما في الإقرار بإله واحد خالق السموات والأرض وكلِّ كائن حيٍّ أو جماد، وبالبعث والعقاب والثواب والفردوس وجهنم. لكن الأختلافات الناجمة عن طبيعة البيئة التي نزلت كل رسالة فيها أدت الى قيام علاقات وقواعد اجتماعية وروحية مستقلة عن الآخر ويظهر هذا الاختلاف في التفاصيل والأشكال أي في الفروع التي لا أهمية كبيرة لها بالنسبة للفكرة الدينية الأساسية.

    فالاختلاف هو في الشكل لا في الجوهراذ أن كلا الرسالتين تريدان إقامة الخير وإفناء الشر، ولله يقبل الخير ويرفض الشر خير كلِّ محمديِّ ومسيحيّ وشرَّ كلٍّ منهما، من غير تفريقٍ بين خير الواحد وخير الآخر وبين شر الواحد وشر الآخر، لأن الله، حسب فلسفة العقيدة الدينية، لا يهتم بالأشكال، بل بالأساس، هذا إذا حسبنا الله واحداً لجميع الأديان الإلهية. ولكن الذي لا يقبلُ كلَّ خير ولا يرفضُ كلَّ شرّ هو الإنسان وليس الله. الله يقبل خير المسلم المسيحيّ في صلاته وبرِّه من غير وضوءٍ ومن غير حسبانٍ لمس النساء تنجُّساً، وفي الاكتفاء بزوجة واحدةٍ، وبمعموديته من غير ختان، وفي عدم تحجيب النساء، وبترك الحرية للشرع ليتطور حسب تطور الإنسانية وحاجاتها. والله يقبل خير المسلم المحمديِّ في صلاته وبرِّه ووضوئه وتجنُّبه التنجس بلمس النساء قبل الصلاة وبغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والرجلين والتقيُّد بالشرع الثابت الجامد وبالتزوج مثنى وثلاث ورباع مع العدل بين النساء وتحجيبهن من أجل الخير.

    الخير مقبول من الله بغض النظر عن فاعله و كيفية الفعل، ولكلِّ بيئة خيرُها: ففي الصحراء، حيثُ الماء قليلٌ، لا يُسمح بالاستحمام كلَّ يوم، ويكون الوضوء وغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرجلين من الخير. وفي المعمور والأرض الخصبة حيث الصابون والماء غزير يصحُّ استعماله بكثرة فالاستحمام كلَّ يوم أو مرتين في الأسبوع مع غسل الوجه والأطراف وكلِّ جزءٍ من الجسم نضح منه عرق أو أصابه شيء من القذارة في كل يوم يغني عن الوضوء ويكون من الخير. ومن يتفقُ أن يلمس امرأة قبل الصلاة وله من تربيته ما يصرف نفسه عن الشهوات الجامحة لا حاجة به للتطهُّر بالوضوء لأنه لم يداخل نفسه شيءٌ من الدنس حين الاقتراب إلى الله. ومن كان في الصحراء عازماً على الصلاة ولمس امرأة بعد الوضوء فثارت شهوته فصلاته في هذه الحالة لا تفيدُه لأن شعورَه قد زاغ. ومنعاً لهذا الضرر يتوجب على كل من لمس امرأة بعد وضوئه للصلاة أن يعيد وضوءه من قبيل الاحتياط لسلامة شعوره، وهذا من الخير. ولكي نفهم نفسية لعربي التي أوجبت هذا الاحتياط نُورد ما ذكره قتادة، وهو: "كان الرجل يعتكف فيخرج إلى امرأته فيباشرها ثم يرجع" وفي ذلك استنزل محمد القول ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد، تلك حدود الله فلا تقربوها (البقرة، 187) فهذه حالة استعداد روحي لا تطيق قول المسيح "إن كل من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى: 5 ـ 2 فإن هذا التعليم المسيحي لا يمكنه أن يلاقي قبولاً في بيئة كالعربة، لأنه يطلب من أهلها ما هو مخالف لاستعدادهم الروحي. والله يقبل هذا الخير وذاك، لأنه خير. ولكنَّ الإنسان لا يقبل الخيرَ كلَّه لأنه لا يدرك أو لم يدرك الخير كله. فالخير للإنسان هو ما تعوَّده وتربَّى عليه وتكوّنت منه نظرته إلى الحياة. فالختانُ للمتمدن المسيحيّ ليس من الخير، وعدمُ الختان للبدوي المحمدي أو اليهودي الذي كان بدوياً ليس من الخير. وجميع ذلك من الأمور الملازمة لفلسفة الحياة وليس لعقيدة الدين، أي للإيمان بالله الخالق الذي إليه ترجع النفوس والأمور. وحيثما انتشر دينٌ في مجتمع مخالفٍ في الاجتماع والثقافة الروحية للمجتمع الذي خرج منه الدين لا بُدَّ أن يطرأ على النظرة إلى الحياة التي يحمِلُها هذا الدين تعديلٌ أو تغييرٌ يوافق استعداد المجتمع الروحي. والمحمدية قد مرت في هذا الاختبار، فحيث انتشرت في بيئات راقية في التمدن كالهلال الخصيب أخذت نظرتُها إلى الحياة تتخذ شكلاً غيرَ الشكل المعروف في الصحراء، فارتقت من البسائط إلى المركَّبات. واليومَ تقولُ العربةُ بمذهبٍ جديد في الإسلام يرمي إلى جعل الدين عبارة عن عبادة بسيطةٍ توافق النفسية العربية: الوهّابية. والمسيحية حين دخلت الصحراء اتخذت أشكالاً بسيطة على قدْر استعداد البيئة فصارت شرْبَ خمر وصارت رموزُ ولادة المسيح عبارةً عن زواج بسيط جرى بين الله ومريم، (سآتي على ذكر ذلك في المستقبل القريب)هذه هي النظرة التي جعلتنا نجزم بأن الدين كلَّه للّه بدون أيِّ تصادُم في الإسلام بين المسيحية والمحمدية وبانتشار كلٍّ من هذين المذهبين في البيئات الأكثر موافقة وقبولاً لتعاليمه. ولكن الصعوبة لقبول هذا المبدأ تنشأ من الاعتقاد بكلية المذهب الديني. فكلُّ دينٍ أو مذهب دينّي يدَّعي أنه هو الدين كلُّه لجميع البشر، استناداً إلى كلية فكرة الله.





    مواضع الخلاف في الرسالتين



    ذكرت سابقا أن الخلاف الذي نشأ بين المسيحية والاسلام مرده عوامل عدة، منها اختلاف بيئة النشوء، بالاضافة الى مزج الديني بالسياسي، وأخيرا احتكار رجال الدين للنصوص المقدسة و تفاسيرها، ولقد كان للطرفين دور كبير في اشعال وتوسيع هوّة الخلاف، فمقولات أن المسيحيين كفار والتي يرددها الكثير من المحمديين الذين لم يقرأوا حتى القرآن ستؤدي حتما الى تقوقع المسيحيين وزيادة رفضهم للمحمديين.

    علينا أن نذكر أولا نقاط الخلاف بين الطرفين...

    بماذا يخالف الاسلام المحمدي الاسلام المسيحي؟
    يستند الكثير من الفقهاء المحمديين على الآيات القرآنية لاثبات شرك أو كفر أو خطأ المعتقدات المسيحية. ونستطيع تلخيص الخلاف من وجهة نظر المحمدية بأربع نقاط:

    اتهام المسيحيين بتحريف الانجيل: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {61/6} فاتخذ المحمديون عدم اشارة الانجيل عن نبي بعد المسيح دليل على التحريف.
    رفض ألوهية السيد المسيح: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { المائدة17}.
    رفض فكرة التثليث: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { المائدة73}
    نفي صلب المسيح وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا {النساء157}


    ان رفض المسيحيين للاسلام المحمدي لا ينبع من الانجيل، فالانجيل لم يذكر ولم ينفي قدوم نبي بعد المسيح، وأريد أن أنوه هنا أنني أتكلم عن المسيحيين الشرقيين لا عن مسيحية الغرب، وعلى هذا سأعالج نقاط الخلاف والرفض من وجهة نظر مسيحيي الشرق عموما والهلال الخصيب خصوصا.

    · كان رد فعلهم اتجاه اتهامهم بالكفر والشرك والتحريف هو رفض النبوة المحمدية.

    · رفضهم لمفهوم أهل الذمة الذي حولهم الى مواطنين من الدرجة الثالثة وهم أهل البلاد الأصليين

    نقمتهم على مصادرة كنائسهم وأديرتهم في موجة الفتح الأولى،كنيسة ماريوحنا في دمشق صارت الجامع الأموي



    هذه هي باختصار نقاط الخلاف والافتراق الرئيسية بين الفريقين، بالضافة الى تفاصيل أصغر كشرب الخمر و الحجاب و تعدد الزوجات والتي فتحت مجال الهجوم والهجوم المضاد، فاطلقت الاتهامات الجزافية من كلا الفريقين، وممازاد الطين بلة هو جهل السواد الأعظم من المحمديين و المسيحيين أصول دينهم وترديدهم مايقال كالببغاوات حتى أصبحت الاشاعات حقائق لا تقبل الجدل، وأريد أن أذكر مثالا بسيطا .

    جميعنا يعرف أسامة بن لادن ذلك الوهّابي الذي احترف الجهاد فلم يعد يستطيع العيش دونه، ساعده على ذلك ملايين أباه التي فتحت الطريق أمامه في البداية لجمع المتطوعين المحمديين لقتال الروس في أفغانستان. والجميع يعلم أن وكالات الاستخبارات الغربية وبالاخص الامريكية هي من وقفت وراءه ودربته ومدته بالسلاح و الأموال لقتال الروس، وباسم الجهاد تجند آلاف الشبان العرب لتحرير أفغانستان، وهنا يحضرني سؤال صغير، هل أن افغانستان وكابول أهم من القدس أولى القبلتين؟ ألم تكن فلسطين أقرب؟ لماذا لم يجاهدوا في فلسطين؟ غير مهم سأتابع مثالي البسيط.

    خرج الروس من أفغانستان ودعم بن لادن طالبان بأمواله فسيطروا عليها وأعادوها الى العصر الماقبل الحجري، منعوا تعليم الفتيات و..و..و.. ثم بدأ يتحدث عن الهجمة الصليبية الصهيونية على بلاد المسلمين بعد أن أصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم، صار بن لادن اماما فقيها يطلق الفتاوى على عناته ، فتبعته قطاعات واسعة من الشبيبة المحمدية الجاهلة بأمور دينها تارة أو الوهابية المعتقد.

    وكفّر بن لادن المسيحيين وحلل دمهم وأملاكهم وأرزاقهم و أعراضهم، وأطلق فتاوى التكفير. والآن سؤالي المهم: ماذا سيكون رد فعل مسيحيي الهلال الخصيب وهم يرون شعبية بن لادن وآراؤه في ازدياد؟ وهم يسمعون كل يوم أنهم كفرة دمهم حلال و..و.. مما يقوله شيوخ الضلال؟





    نقاط الخلاف من وجهة النظر الرسالة المحمدية: عودة الى البدء...



    قبل البدء بمناقشة نقاط الخلاف من وجهة نظر الرسالة المحمدية ومراجعة الأسباب و الدوافع و مدى صحة الاتهامات، لا بد أن أنوه أن التعامل مع الموضوع يكون بالعقل لا بالعواطف، فذلك هو السبيل الوحيد للوصول الى نتائج توضح ما خفي وتمسح الغبار عن قرون من اتشويه المتعمد و الغير المتعمد لنظرة القرآن الى أتباع الديانات الأخرى بشكل عام و علاقته مع المسيحية بشكل خاص.

    ان الأسلوب المعتمد في ذلك هو الحياد فالحياد كفيل بتقديم قراءة جديدة للتاريخ. وعلّة التاريخ الحيادية، فالتاريخ يكتب من المنتصر، والضحية الدائمة هي الحقيقة.

    لا نستطيع أخذ الرسالة المحمدية كوحدة متماسكة، و الرسالة المسيحية لا تختلف عنها في ذلك. ففي كلا الرسالتين مذاهب واتجاهات ومدارس فكرية مختلفة. ونحن لسنا بصدد تحديد أي المذاهب بمثل المحمدية وأي المذاهب يمثل المسيحية ولا أستطيع بهذا الصدد سوى ذكر الحديث النبوي: عن جبير بن نفير وراشد بن سعد وعمرو بن عوف بن زيد جميعاً عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار.



    تهمة نحريف الانجيل: ذكرت في البدء أن أول الاتهامات التي يكيلها المحمديون للمسيحيين هو تحريف كتابهم نظرا لعدم ورود ذكر لنبوة محمد في الانجيل، وعدم ورود الذكر لا يعني النفي اطلاقا. لكن هل هذا الاتهام صادر عن القرآن؟ وهل من آيات قرآنية تتهم المسيحيين بتحريف انجيلهم؟ الجواب بساطة هو لا! اذا لا توجد آية واحدة تتهم المسيحيين بتحريف كتابهم، وانما هناك تهمة موجهة ليهود المدينة بتحريف كلمات التوراة وليّ اللسان في تلاوة الكتاب وكتمان بعضا منه عن الناس.
    كتمان بعض الكتاب عن الناس:
    جاءت هذه التهمة في سورة البقرة أولى السور المدنية في خضم صراع النبي واليهود. يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {البقرة 40-44}. َقَوْله تَعَالَى " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا" يَقُول لَا تَعْتَاضُوا عَنْ الْإِيمَان بِآيَاتِي وَتَصْدِيق رَسُولِي بِالدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا فَإِنَّهَا قَلِيلَة فَانِيَة يَقُول تَعَالَى نَاهِيًا لِلْيَهُودِ عَمَّا كَانُوا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ تَلْبِيس الْحَقّ بِالْبَاطِلِ . تَمْوِيهه وَكِتْمَانهمْ الْحَقّ وَإِظْهَارهمْ الْبَاطِل (تفسير الجلالين). أي أن اليهود يقرأون الحق فيفسرونه على هواهم، والمسيحيين غير معنيين بهذا الأمر.

    الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة 146)لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ " أَيْ لَيَكْتُمُونَ النَّاس مَا فِي كُتُبهمْ مِنْ صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَهُمْ يَعْلَمُونَ( تفسير الجلالين) والكلام هنا عن اليهود والخلاف على تأويل النص بخصوص صفة النبي في التوراة ولا دخل للمسيحيين بذلك.

    ليّ اللسان:
    وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (آل عمران 7 مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (النساء 46).يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَصْدًا مِنْهُمْ وَافْتِرَاء " وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا " أَيْ سَمِعْنَا مَا قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا نُطِيعك فِيهِ هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَهُوَ الْمُرَاد وَهَذَا أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْ وَأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة وَقَوْلهمْ " وَاسْمَعْ غَيْر مُسْمَع " أَيْ اِسْمَعْ مَا نَقُول لَا سَمِعْت رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَ مُجَاهِد وَالْحَسَن : وَاسْمَعْ غَيْر مَقْبُول مِنْك قَالَ اِبْن جَرِير : وَالْأَوَّل أَصَحّ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا اِسْتِهْزَاء مِنْهُمْ وَاسْتِهْتَار عَلَيْهِمْ لَعْنَة اللَّه " وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين " أَيْ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ رَاعِنَا سَمْعك بِقَوْلِهِمْ " رَاعِنَا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الرُّعُونَة " بِسَبِّهِمْ النَّبِيّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى هَذَا عِنْد قَوْله " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا اُنْظُرْنَا " وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى عَنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ يُرِيدُونَ بِكَلَامِهِمْ خِلَاف مَا يُظْهِرُونَهُ لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّين يَعْنِي بِسَبِّهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَّه وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَم وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا " أَيْ قُلُوبهمْ مَطْرُودَة عَنْ الْخَيْر مُبْعَدَة مِنْهُ فَلَا يَدْخُلهَا مِنْ الْإِيمَان شَيْء نَافِع لَهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى قَوْله تَعَالَى " فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ " وَالْمَقْصُود أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِيمَانًا نَافِعًا .(تفسير الجلالين) .فيكون التحريف المقصود بالتهمة القرآنية هو القراءة المختلفة وليس تحريف النص والمقصود هنا هم يهود المدينة أيضا ولا دخل للمسيحيين بهذه التهمة.

    ذكر التحريف أربع مرات في القرآن ككلمة، أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة 75) مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً(النساء46) ولهذه الآية قصة فسرها الزمخشرى : روى ان شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم فى التوراة . فكرهو رجمهما لتشرفهما فبعثوا رهطا منهم الى بنى قريظة ليسألوا رسول الله عن ذلك وقالوا : ان امركم محمد بالجلد والتحميم اقبلوا , وان امركم بالرجم فلا تقبلوا . وارسلوا الزانيين معهم . فامرهم بالرجم , وآبوا ان يأخذوا به . فجعل بينه وبينهم حكما ابن صوريا من فدك فشهد بالرجم وقالوا فى ختام القصة ان النبى بعد شهادة الحبر اليهودى من فدك امر برجمهما . ورجموهما عند باب المسجد لاقامة حد التوراة عليهما . فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (المائدة 13) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(المائدة 46). فالخلاف بين محمد وفريق من اليهود فى تأويل التوراة لافى تحريف نصها _ كما تدل القرينة فى قوله يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ اى من بعد ما فهموه حق فهمه . يقول البيضاوى : يؤولونه ويفسرونه بما يشتهون وآنى لهم ان يغيروا من النص والفريق الاخر لهم بالمرصاد. ويذكر صحيح البخاري يحرفون الكلم عن مواضعه اى يزيلونه وليس احد يزيل لفظ كتاب من الله تعالى , ولكنهم يتأولونه على غير تأويله. وهكذا فان التحريف المذكور في آية البقرة هو تحريف للمعنى لا للنص والقرآن الكريم أعطى نصا قاطعا بهذا الخصوص أي بعدم تحريف النص الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (البقرة 121). وفي كل الأحوال فالمسيحيين خارج نطاق التهام في الآيلت المذكورة وبالتالي يسقط عنهم تهمة التحريف.


    يتبع
                  

03-04-2004, 03:53 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    رفض ألوهية المسيح: ان الوهية المسيح هو أحد نقاط الخلاف الكبرى بين المسيحية والمحمدية، لكن يجب أن أنوه أن طبيعة المسيح كانت نقطة الخلاف بين الطوائف المسيحية نفسها، والسبب يعود الى جذور المسيحية وتطورها وانتشارها، وسآتي على ذكر ذلك في المستقبل القريب. لهذا سيكون موضوع بحثي القرآن والانجيل كتابا المحمدية و المسيحية المقدسين.
    ان القرآن الكريم يدعو وبشدة الى التوحيد الخالص في كل سوره وآياته وسأذكر بعضا منها: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران 1 قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (سورة الاخلاص) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (مريم88-93).

    وأنا لا أريد التطرق الى موقف الكنيسة فذلك سأفعله لاحقا بل الى الانجيل نفسه. فهل يذكر الانجيل شيئا مخالفا لما يذكره القرآن؟

    فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى انه اجابهم حسنا سأله اية وصية هي اول الكل فاجابه يسوع ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد وتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الاولى وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك ليس وصية اخرى اعظم من هاتين فقال له الكاتب جيدا يا معلّم بالحق قلت لانه الله واحد وليس آخر سواه (12 / 28 ـ 32). ان المسيح يؤكد أن محبة الله هي أهم الوصايا في الناموس، ولم يذكر من قريب أو بعيد أن لله ابن.

    تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال ايها الآب قد أتت الساعة .مجد ابنك ليمجدك ابنك ايضا اذ اعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة ابدية لكل من اعطيته . وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي ارسلته . يوحنا (17 / 1ـ 3). كان المسيح يستخدم اسم الآب للتعبير عن الله أي بالمعنى المجازي، وهو يكلم الله في هذه الآية ذاكرا أنه هو الذي أرسله.

    و إذا واحد تقدم و قال: أيها المعلم الصالح أي صلاح أعمل لتكون لي الحيوة الأبدية؟ فقال (المسيح) له: و لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحد صالحا إلا واحد و هو الله. و لكن إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا متى (19 / 16 ـ 17). وهنا يتكلم المسيح عن الله كضمير غائب وحده له الصلاح الكمال المطلقين.

    ويقول المسيح مخاطبا تلاميذه و أما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح و أنتم جميعا أخوة، و لا تدعوا لكم أبـاً على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات متى(23 / 8 ـ 10) وكما ذكرت قبل قليل فان تعبير الآب يستخدم من قبل المسيح للدلالة على الله، وهويؤكد أن الله واحد وفي السماء. وفي هذا نفي لألوهية المسيح كونه موجودا لحظة القول على الأرض.

    لا أريد ذكر كل الآيات بل ذكرت بعضها للدلالة على أن لا خلاف بين الانجيل و القرآن في هذه النقطة، ولكني أود الاسترسال قليلا عن ماهية المسيح في القرآن والاجابة عن سؤال حول ما اذا كان انسانا عاديا.

    1. ولد المسيح من العذراء مريم التي اصطفاها الله على العالمين:

    قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (مريم 19-20).

    قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران 47).

    وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ(البقرة 87) قال البيضاوى في البقرة 87 لم تضمه الأصلاب ولا الأرحام الطوامث وهذا لم يجر لبشر .

    2. نطقه ونبوته منذ مولده:

    وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران46). وهي ميزة تميز بها المسيح.

    فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(مريم 29-30) فالمسيح تميز بالنبوة منذ صغره بعكس الأنبياء الآخرين الذين بداوا النبوة في سن الكهولة.

    3. معصوم السيرة والرسالة بعكس باقي الأنبياء:

    ان العصمة في الرسالة لا تعني بالضرورة العصمة في السيرة والا ماكان القرآن يذكر النبي محمد هكذا إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (الفتح 1-3)، فالنبي محمد لم يكن قبل النبوة معصوم عن الخطأ، أما المسيح فقد كان معصوم السيرة والرسالة منذ مولده قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (مريم19) والزكي هو الطاهر من الذنوب و الدنس.

    وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(مريم 31-33). فبركة الله الملازمة له هو دليل السيرة المعصومة والتي أدت الى استحقاق سلام الله في كل مراحل حياته.

    4. كان مؤيدا من الروح القدس باستمرار:

    إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (المائدة 110) يقول البيضاوى بروح القدس : بجبريل عليه السلام أو بالكلام الذي ُيحيي به الدين أو النفس بحياة أبدية وتطهيره من الآثام ويؤيده قوله تكلم الناس في المهد وكهلا أي كائنا معه في المهد وكهلا والمعني تكلمهم في الطفولة والكهولة على السواء والمعنى كمال العقل في حال الطفولة كما في الكهولة . ويضيف البيضاوي روح القدس هي روح عيسي والأسم الأعظم الذي كان يُحيى به الموتى. فيتوضح لنا أن الله تعالى أعطي عيسي في ذاته روحا قدسيا منه تعالى صادرة منه.

    5. المسيح علَم للساعة:

    وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(الزخرف 57-66) قَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " تَقَدَّمَ تَفْسِير اِبْن إِسْحَاق أَنَّ الْمُرَاد مِنْ ذَلِكَ مَا بُعِثَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْ إِحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَسْقَام وَفِي هَذَا نَظَر وَأَبْعَد مِنْهُ مَا حَكَاهُ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّ الضَّمِير فِي وَإِنَّهُ عَائِد عَلَى الْقُرْآن بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ عَائِد عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَإِنَّ السِّيَاق فِي ذِكْره ثُمَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ نُزُوله قَبْل يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْل مَوْته " أَيْ قَبْل مَوْت عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " ثُمَّ يَوْم الْقِيَامَة يَكُون عَلَيْهِمْ شَهِيدًا " وَيُؤَيِّد هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " أَيْ أَمَارَة وَدَلِيل عَلَى وُقُوع السَّاعَة قَالَ مُجَاهِد " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " أَيْ آيَة لِلسَّاعَةِ خُرُوج عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل يَوْم الْقِيَامَة وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَأَبِي مَالِك وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَبْل يَوْم الْقِيَامَة إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا . وَقَوْله تَعَالَى " فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا " أَيْ لَا تَشُكُّوا فِيهَا إِنَّهَا وَاقِعَة وَكَائِنَة لَا مَحَالَة " وَاتَّبِعُونِ " أَيْ فِيمَا أُخْبِركُمْ بِهِ .(تفسير الجلالين). ويزيد البيضاوي علىذلك بقوله وقد أشرك الله تعالي المسيح في غيبه وعلمه من دون المخلوقين والمسيح عَلمُ للساعة لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يُعلم به دنوها. يقول ابن العربي : ختم وختام النبوة ختم وختام الملك , ختم وختام الولاية والمسيح من الخواتم في اليوم الآخر. وهكذا نرى تفضيل الله المسيح على جميع المرسلين العلم و الختم.

    هذا غيض من فيض ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا فنرى القرآن يصف المسيح في مواضيع عدة أنه كلمة الله وروح منه. فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران39). وتفسير الرازى للآية يذهب الى أن المراد بكلمة من الله هو عيسي وسمي عيسي كلمة الله من وجوه عدة:

    1. أنه خلق بكلمة من الله وهو قوله : كن من غير واسطة الأب كما يسمي المخلوق خلقاً وهو باب مشهور في اللغة .

    2. أنه تكلم في الطفولة وآتاه الله الكتاب في زمن الطفولية ، وفي كونه متكلما كان بالغا مبلغا عظيما، فسمي كلمة كونه كاملا في الكلام.

    3. والكلمة تفيد المعاني والحقائق،وعيسي كان يرشد غلي الحقائق والأسرار الإلهية.

    4. يسمي الإنسان فضل الله ولطف الله، و هكذا عيسي عليه السلام، كان أسمه العلم كلمة الله وروح الله ... واعلم أن كلمة الله هي كلامه وكـــــلامه علي قول أهل السنة : صفة قديمة قائمة بذاته تعالي .



    إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (آل عمران 45).

    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (النساء171).

    يقول البيضاوى ألقاها إلي مريم: أوصلها إليها وحصلها فيها، وروح منه أي ذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له , وقيل سمى روحا لأنه كان يحيى الأموات والقلوب , والمسيح كلمة الله هو روح صدر منه تعالي ألقاه الله إلي مريم وبهذا الروح كان كلمة الله يحيى الأموات والقلوب : وعمله دليل ذاته وذات كلمة الله هو روح صادر من الله كنطق الله في ذاته وهو المعنى الذى ألجئ إليه الرازى بقوله : سمى كلمة الله كأنه صار عين كلمة الله وأعلم أن كلمة الله هى كلامه وكلامه علي قول أهل السنة صفة قديمة قائمة بذاته تعالى وهذا هو التفسير الصحيح وليس تفسير سواه . من ذات الله نزل كلمة الله إلي مريم وحل في عيسي ابن مريم روحـــــا منه تعــــالي، واللقبان : كلمة الله وروح الله يفسر بعضهما بعضا وهو روح منه تعالي لا روح الله علي النسبة فقط مثل الملائكة وهذا الروح منه تعالي هو أيضا كلمته أي نطقه الذاتي , صفة قديمة قائمة بذاته عيسي ابن مريم هو أيضا روح الله .



    وللروح في القرآن معان عديدة:

    1. فهي روح الانسان فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر 29)

    2. هي رحمة الله يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف87).فروح الله هنا تعني رحمته (تفسير الجلالين)

    3. بمعنى النور أو الملاك: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (المجادلة 22). بروح منه أي من عند الله وهو نور القلب أو القرآن أو النصر علي العدو(تفسير الجلالين)

    4. هو جبرائيل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (الشعراء 193) تفسير الجلالين

    5. هناك مجموعة من الآيات التي تدل على أن الروح هي واسطة بين الله والملائكة وهي أهم من الملائكة لكن لا يوجد ذكر لهويتها يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (النبأ3 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (القدر4). يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ(النحل2) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (المعارج4). يتبين من الآيات أن الروح المذكور مميز عن الملائكة وله سلطان عليهم.

    فالقرآن والانجيل يجتمعان في كون المسيح كلمة الله وروح منه ولا يتناقضان في تلك المسألة. فلا داعي لتهمة تحريف الانجيل التي تلقى على عناتها دون أي سبب، فالنصوص متطابقة غير متناقضة.



    التثليث



    ذكرت في الفصل السابق وجهات الخلاف بين الرسالتين من وجهة نظر المحمدية، وهي التحريف،إلوهية المسيح، التثليث، والصلب، وناقشت موضوع التحريف وإلوهية المسيح، وأناقش الآن موضوعي التثليث والصلب.

    ان مسألة التثليث هي من أعقد المسائل في الرسالة المسيحية وكانت سببا للكثير من الخلافات بين علماء اللاهوت من مختلف الطوائف منذ بداياتها.

    لذلك ولفهم الموضوع جيدا علينا العودة الى بدايات المسيحية الأولى لنجد الجواب على أسئلتنا.

    نشأت المسيحية كتجمعات متفرقة في أرجاء الامبراطورية الرومانية وفي الأرجاء الغربية من الإمبراطورية الفارسية، وكونت هذه التجمعات كنائس كانت أقرب الى الحجرات الصغيرة منها الى الكنائس المعروفة اليوم بسبب الاضطهاد الذي عانى منه المسيحيون الأوائل.

    أما سبب اضطهادهم فهو التقليد الذي جرت عليه روما بأن تقدم الشعوب الخاضعة لسيطرة الرومان الأضاحي لقيصر باعتباره الها وهذا ما رفضه المسيحيون بشدة بينما كان اليهود يقومون به.

    وعندما استلم قنسطنطين الحكم وأصدر قرارا سنة 313 م يتضمن حرية العبادة لكافة الأديان بعد أن كانت الإمبراطورية قد شبعت من دماء المسيحيين التي أريقت في شوارع و ساحات و سجون الإمبراطورية،فبدأت المسيحية عهدا جديدا، فبعد أن عانت الاضطهاد والرفض ، تبدل الموقف لتصبح هي ديانة الإمبراطورية ،بعد اعتناق قنسطنطين لها. لكن قبوله المسيحية جاء بعد تخطيط ودراسة ،فهو أدرك أن بطش القياصرة الذين سبقوه لم يؤدي الى القضاء على المسيحيين ، فقرراتخاذ موقفا معتدلا جاعلا المسيحيين الى صفه كقوة توقف الانحلال الأخلاقي في الإمبراطورية ، وأيضا كقوى فكرية تتبنى الحضارة الرومانية وتحفظها من الخطر الخارجي القادم من غزوات القبائل المجاورة لحدود الإمبراطورية. ولهذا كله صارت الإمبراطورية بحاجة الى كنيسة مركزية كمرجعية لباقي الكنائس، فيما يتعلق بمسائل لاعتقاد واللاهوت.

    وكانت هناك أسئلة مركزية تشغل الكنائس في الشرق والغرب قاطبة...

    1. من هو يسوع المسيح الناصري؟ هل هو ابن الله؟ فاذا كان الجواب نعم، كيف كان بالامكان لهذا أن يحدث؟كيف بالامكان أن يتحد اللاهوت بالناسوت؟

    2. كيف بالامكان التأكيد على الله الواحد دون الانقاص من قدر المسيح؟

    3. هل كان المسيح ممثلا للقدرة الالهية كما اعتقد البعض؟ أم أنه لم يكن منذ الأزل الها وانما قام الله بتبنيه كما اعتقد البعض الآخر؟ هل كان الله بذاته واتخذ له جسدا بحيث يستطاع القول أن الله(الأب) وليس الابن هو من صلب على الخشبة كما اعتقد آخرون؟

    4. هل أن آريوس الذي قال أن للمسيح طبيعة الهية لكنه مخلوق على حق؟ أم أن الحق الى جانب نسطور المنادي بأن لاهوت المسيح وناسوته منفصلان فأعمال المسيح الانسانية لا علاقة لها باللاهوت، الله يسكنه ويقوم بالمعجزات لكن ليس بالامكان قول مريم أم الله؟



    ويمكن تلخيص الخلافات بثلاث: فرق ترفض لاهوت المسيح، فرق ترفض لاهوت المسيح، وفرق تؤمن بلاهوته وناسوته من غير امتزاج.

    كل هذه الأسئلة كانت بحاجة الى اجابة فبدأ انعقاد المجامع المسكونية وهي عبارة جلسات كان الإمبراطور نفسه يطلب من الأساقفة أن تقام وذلك لحسم الخلافات الداخلية في الكنيسة والتي كان يتم حسمها لصالح أكثرية الأساقفة المجتمعين. وتمركز البحث في هذه المجامع عن طبيعة الله والعلاقة بين الأقانيم ، والبحث في طبيعة المسيح ما بين اللاهوت والناسوت ، وبهذا تكون المجامع الأساس الأولي لصياغة العقيدة المسيحية وتحليلها.

    جرى في هذه المجامع طرد الفرق المسيحية التي خالفت فكرة الثالوث المقدس ووحدة الأقانيم، والتي خالفت الاعتقاد باللاهوت والناسوت ووحدتهما.



    ان عقيدة الثالوث المقدس التي تعتنقها معظم الكنائس المسيحية اليوم هي الاعتقاد بوجود ثلاث أقانيم (الأب،الابن،الروح القدس) تشكل في جوهرها الله، فلا أحد من المسيحيين اليوم يؤمن بوجود آلهة ثلاث بل باله واحد خالق السماوات و الأرض، وهذا ما قررهمجمع نيقية عام 325 للميلاد. لكنه لم يعتمد رسميا الا سنة 451 للميلاد بعد أن اعتمد بابا روما. وكان بالامكان مثلا أن تعتمد وجهة نظر لكن لنفترض مثلا أن مجمع نيقية قرر اعتماد وجهة نظر اريوس القائلة بطبيعة الهية للمسيح وبكونه مخلوقا لما كان التثليث سائدا اليوم. ما أود قوله بسيط ومعقد للغاية، ان الفخ الذي يقع به أي دين هو الجمع بين الدين والدولة، لأن النصوص المقدسة وهي ذاتها التي تعتمدها جميع مذاهب ذاك الدين تصبح عرضة لتفسيرات الغرض منها دعم الحاكم وخدمة مصالحه، أي استخدام الدين لأغراض السياسة. ولا يختص الاسلام المسيحي بهذا بل ان الاسلام المحمدي وقع في نفس المطب، فكم من أحاديث تم التلاعب بها كي يبرر معاوية لنفسه حربه على خليفة المسلمين الشرعي علي بن أبي طالب ابن عن النبي وزوج ابنته وأحب الناس الى قلبه؟ ثم تم اختزال الرسالة المحمدية بالحدود الخمس وجرى الهاء الناس بالصلاة والصوم والحج ، وإلغاء الشورى وهو حق كفله الاسلام المحمدي لأتباعه فأصبحت الخلافة بالوراثة، وتم كذلك تهميش دور الجوامع اذ أصبحت دور عبادة فقط بعد أن كانت مراكز يجتمع الناس فيها لمناقشة قضايا الساعة أي أن الجوامع كانت نوع من البرلمانات المصغرة.

    هذا ما عنيته باستخدام المقدس لغرض السياسة، وهذا ما حصل لفكرة الثالوث اذ أيد قنسطنطين الرأي القائل بالثالوث ورفض بدأ أريوس.

    لكن هذا لا يعني على الاطلاق أن المسيحيين يؤمنون بآلهة ثلاث بل باله واحد ذو ثلاث أقانيم متحة في الجوهر، وأعترف أن شرح ذلك مسألة معقدة جدا، فهو من المسائل الكهنوتية المعقدة والمثية للنقاش و الخلاف حتى اليوم، لذلك سأحاول شرح الأمر باختصار:

    · الأب: وهي ذات الله

    · الابن: هو كلمته

    · الروح القدس: هو روحه.

    و محاولة لإيصال الفكرة أكثر، والتي لا يفهمها معظم المسيحيين أنفسهم، لصعوبة تخيل ثلاث أقانيم تتحد في جوهرها أي في الله. أعطيكم مثالا أعطيته لابنتي عندما سألتني عن الموضوع طالبة مني أن أشرحه لها. فقلت لها تخيلي مثلا المثلث، انه يتألف من أضلاع ثلاثة لكنه مثلث واحد فاذا انتفى أحد الأضلاع لم يعد مثلثا، وهكذا هو الله في المسيحية، ذات وكلمة وروح.



    موقف الرسالة المحمدية من عقيدة التثليث:

    كما ذكرت سابقا، علينا لفهم أي دين العودة لظروف النشأة وللبيئة التي ظهر فيها هذا الدين، وأوضحت أيضا وجود فرق مسيحية انتشرت في أرجاء شبه الجزيرة العربية، وعددت أيضا أهم هذه الفرق.

    كان للأيبيونيين (اليهود المتنصرين) مكانة رفيعة في قريش وكان القس ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة زوجة النبي الأولى رئيسهم الديني و أحد حنفاء قريش.

    وينتمي كل من السيدة خديجة بنت خويلد وورقة بن نوفل الى رهط أسد بن عبد العزى ( قريش) الذي انتشرت فيه النصرانية الأبيونية ووصل بعض بنيه إلى رتب رفيعة فيها فورقة بن نوفل كان قسا وعثمان بن الحويرث بطركا و فاطمة أخت ورقة بن نوفل كاهنة، وهي واحدة من المرأتين اللتين عرضتا على أبي محمد عبد الله بن عبد المطلب وهو في طريقه مع أبيه كي ينكح السيدة آمنة بنت وهب الزهرية بأن يفاخذ كلا منهما بعد أن رأتا نور النبوة بين عينيه وله مائة من الإبل ليس عن عهر بل عن عفة كي تفوز إحداهما بنور النبوة وتغدو أم القادم المنتظر.

    والأبيونيون كما ذكرت في فصل سابق هم اليهود المتنصرين وكان لديهم الانجيل بحسب العبرانيين المكتوب بالحرف السرياني، و اعتقدوا أن المسيح ليس مولودا من الله الأب بل مخلوقا منه وأنه رئيس الملائكة وسيدهم والقائم على كل أعمال الله القدير، وأنه نزل على يسوع يوم تعمد من يوحنا المعمدان في نهر الأردن وفارقه قبل استشهاده على الصليب، وعقيدتهم في ذلك هي أن يسوع هو الذي صلب بعد أن ارتفع المسيح عنه قبل استشهاده على الصليب. ولم يكن ليسوع المسيح بنظرهم صفة الفادي والمخلص.لذلك ليس على الإنسان أن يطلب شفاعته للخلاص، وكانوا يحفظون السبت وسائر الشعائر اليهودية من ختان وعدم أكل لحم الخنزير، ويشددون على إقامة أحكام التوراة بحكم أن المسيح لم يقم شريعة جديدة ويعتبرون أن الخلاص يقوم لا على الإيمان بالمسيح وحده بل على إقامة شريعة موسى أيضا. وكانوا يشددون العناية بالمساكين و الأيتام والفقراء. ولكونهم رفضوا مبدأ الأقانيم الثلاثة المتحدة في الجوهر، تم طردهم من الكنيسة الرسمية.

    فالمسيحية لم تكن واحدة في شبه الجزيرة العربية كما أوردت، فطائفة المريميين كانت منتشرة في الحجاز، وكانوا قبل اعتناقهم المسيحية يعبدون الزهرة ويقولون أنه نتيجة تزاوج الشمس و القمر وقدسوا هذا الثلاثي، وبعد اعتناقهم للمسيحية قاموا ببدعة تقول بألوهية المسيح وأمه مريم، وأن المسيح هو نتيجة الزواج بين الله ومريم العذراء. فحلّ بذلك هذا الثالوث الله المسيح مريم مكان الشمس القمر الزهرة. ولم ينتشر هذا المذهب الافي شبه الجزيرة العربية نتيجة عدم فهم العقل البدوي البسيط امكانية حمل العذراء مريم ليسوع المسيح دون حصول نكاح.



    والآن علينا البحث في القرآن عن الآيات التي تطرقت لموضوع التثليث لدى الفرق المسيحية النصرانية

    يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا{النساء 170-172}.
    لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ {المائدة 72-75}.
    وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 116-117}.


    فغرض الآية الأولى، هو حث أهل الكتاب على عدم الغلو بالدين، ويتم ذكر الثالوث دون شرح أي ثالوث هو المعني. أما الآية الثانية فلا ذكر للثالوث فيها صراحة وانما نفي لكون المسيح هو الله، لكن الآية الثالثة توضح كل شئ فالثالوث المعني هو ثالوث المريميين القائل بألوهية المسيح وأمه مريم العذراء، ولا تعني الأقانيم الثلاثة المتحدة بالجوهر.

    يقول الزمخشري بهذا الصدد : إن صحت الحكاية عن النصاري أنهم يقولون عن الله جوهر واحد بثلاثة أقانيم أقنوم الآب، وأقنوم الابن، وأقنوم روح القدس، وأنهم يريدون بأقنوم الآب الذات وبأقنوم الابن العلم وبأقنوم روح القدس الحياة ، فتقديره (الله ثلاثة)، وإلا فتقديره (الآلهة ثلاثة) والذي يدل عليه القرآن هو التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة وأن المسيح ولد الله من مريم وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ وحكاية الله أوثق من حكاية غيره. ولا أحد ينكر أن طائفة المريميين نادت بهذا الثالوث، والله عناهم بكلامه هذا.

    ويقول البيضاوي :أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم، ويشهد عليه قوله أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ أو الله ثلاثة، إن صح أنهم يقولون : الله ثلاثة أقانيم الآب والابن وروح القدس ويريدون بالآب الذات، وبالابن العلم وبروح القدس الحياة. فإن صح أن النصاري يعنون بالآب الذات وبالابن العلم وبروح القدس الحياة فذلك لا يدل علي تعدد الذات الإلهية، لأن العلم والحياة في الله هما ذات الله بعينها. وهكذا تختلف جوهرياً مقالة القرآن عن مقالة الإنجيل في التثليث. ولكن هذا لا يعني أن المسيحيين يقولون بوجود ثلاث آلهة بل هم يؤمنون باله واحد بثلاثة أقانيم كما شرحنا سابقا.



    ويقول الامام الرازي بهذا الصدد:في تفسير قول النصاري ثالث ثلاثة طريقان: الأول هو قول بعض المفسرين وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسي آلهة ثلاثة والذي يؤكد ذلك قوله أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ، والدليل أنه المراد، قوله في الرد عليهم وما من إله إلا واحد.

    والثاني إن المتكلمين حكوا عن النصاري أنهم يقولون جوهر واحد، ثلاثة أقانيم آب وابن وروح القدس، وهذه الثلاثة إله واحد، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة. وعنوا بالآب الذات وبالابن الكلمة وبالروح الحياة، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة، وقالوا أن الآب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد. إن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل فإن الثلاثة لا تكون واحداً والواحد لا يكون ثلاثة.

    فطريق المتكلمين هو الأقرب أو فلنقل يمثل اعتقاد المسيحيين، وهو لا يعني الشرك ولا يتنافى مع التوحيد.



    وفي المرة القادمة سأتطرق لموضوع الصلب. فللحديث بقية.



    الصلب



    ان قضية صلب المسيح من المواضيع الخلافية بين الرسالتين المسيحية والمحمدية، ويستند الخلاف بوجه عام على وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء157،158}.

    ويتمسك أغلب علماء ومفسري الرسالة المحمدية بهذه الآية لاثبات عدم وقوع حادثة الصلب التي أثبتها الانجيل، والمشكلة بين القرآن والانجيل تتلخص بهذه النقاط:

    لم ينكر القرآن قضية الصلب ولم ينفها، بل أقر بوجود صليب ومصلوب له صورة المسيح، لكن وجه الخلاف هو شخصية المصلوب.
    ثبوت موت المسيح في القرآن في آيات أخرى دون ذكر كيفية الموت
    إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران55}
    وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم 33}
    مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 117}
    اعتقاد عامة علماء المسلمين أن في صلب المسيح من قبل اليهود تحقير له وهو كلمة الله وروح منه.


    ولكي نناقش النقاط الثلاث علينا العودة الى المراجع الفقهية اللاهوتية والمراجع والوثائق التاريخية التي تتطرق الى موضوع الصلب.

    فالتاريخ نقل الينا حادثة الصلب وشهد بذلك التلاميذ والمسيحيون الأوائل واليهود ووثائق الامبراطورية الرومانية والمؤرخون كيوسيفوس، فصلب المسيح هو حدث منقول الينا بالتواتر وبشهادة الأناجيل والمؤرخين بل وبشهادة أعداء المسيحية من يهود ورومان. هذا من جهة شهادة التاريخ ولنعد الآن الى على وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء157،158}.وسأستعرض هنا تفاسير الآية:

    تفسير الجلالين: وَقَوْلهمْ" مُفْتَخِرِينَ "إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم رَسُول اللَّه" فِي زَعْمهمْ أَيْ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ عَذَّبْنَاهُمْ قَالَ . تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ فِي قَتْله "وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ" الْمَقْتُول وَالْمَصْلُوب وَهُوَ صَاحِبهمْ بِعِيسَى أَيْ أَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَهه فَظَنُّوهُ إيَّاهُ "وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" أَيْ فِي عِيسَى "لَفِي شَكّ مِنْهُ" مِنْ قَتْله حَيْثُ قَالَ بَعْضهمْ لَمَّا رَأَوْا الْمَقْتُول الْوَجْه وَجْه عِيسَى وَالْجَسَد لَيْسَ بِجَسَدِهِ فَلَيْسَ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ هُوَ "مَا لَهُمْ بِهِ" بِقَتْلِهِ "مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ" اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع أَيْ لَكِنْ يَتَّبِعُونَ فِيهِ الظَّنّ الَّذِي تَخَيَّلُوهُ "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا" حَال مُؤَكِّدَة لِنَفْيِ الْقَتْل. ولنسلم أن هذا التفسير صحيح لكن هذا يؤدي الى طرح أسئلة من الصعب الاجابة عليها، فاذا كان الله قد ألقى شبه المسيح على شخص آخر فماذا كان غرضه من ذلك؟ وهل يستحق هذا الشخص الموت؟ وعلى فرض أنه يهوذا الاسخريوطي أولم يكن في وسع المصلوب البديل أن يحتج ولو احتجاج الضعيف نافياً أنه المسيح أثناء المحاكمة؟ وهل يحتاج المسيح المؤيد من الروح القدس والذي أحيى الموتى الى من يحل محله على الصليب، ألم يكن باستطاعته الدفاع عن نفسه؟ ولنقل مثلا بأن يرفعه الله الى السماء ويحرره من بين أيديهم وعلى الملأ لاظهار عظمته؟
    · أما ابن كثير فهو يفصّل كيفية وقوع الصلب دون ذكر مصدر مقنع لقصته تلك يقول: وَقَوْلهمْ " إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيح عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَسُول اللَّه " أَيْ هَذَا الَّذِي يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَنْصِب قَتَلْنَاهُ وَهَذَا مِنْهُمْ مِنْ بَاب التَّهَكُّم وَالِاسْتِهْزَاء كَقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ " يَا أَيّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْر إِنَّك لَمَجْنُون " وَكَانَ مِنْ خَبَر الْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه وَسَخَطه وَغَضَبه وَعِقَابه أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى حَسَدُوهُ عَلَى مَا آتَاهُ اللَّه تَعَالَى مِنْ النُّبُوَّة وَالْمُعْجِزَات الْبَاهِرَات الَّتِي كَانَ يُبْرِئ بِهَا الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه وَيُصَوِّر مِنْ الطِّين طَائِرًا ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا يُشَاهِد طَيَرَانه بِإِذْنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُعْجِزَات الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّه بِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى يَدَيْهِ وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَسَعَوْا فِي أَذَاهُ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَهُمْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيّ اللَّه عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام لَا يُسَاكِنهُمْ فِي بَلْدَة بَلْ يُكْثِر السِّيَاحَة هُوَ وَأُمّه عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ لَمْ يُقْنِعهُمْ ذَلِكَ حَتَّى سَعَوْا إِلَى مَلِك دِمَشْق فِي ذَلِكَ الزَّمَان وَكَانَ رَجُلًا مُشْرِكًا مِنْ عَبَدَة الْكَوَاكِب وَكَانَ يُقَال لِأَهْلِ مِلَّته الْيُونَان وَأَنْهَوْا إِلَيْهِ أَنَّ فِي بَيْت الْمَقْدِس رَجُلًا يَفْتِن النَّاس وَيُضِلّهُمْ وَيُفْسِد عَلَى الْمَلِك رَعَايَاهُ فَغَضِبَ الْمَلِك مِنْ هَذَا وَكَتَبَ إِلَى نَائِبه بِالْقُدْسِ أَنْ يَحْتَاط عَلَى هَذَا الْمَذْكُور وَأَنْ يَصْلُبهُ وَيَضَع الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَيَكُفّ أَذَاهُ عَنْ النَّاس فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَاب اِمْتَثَلَ وَالِي بَيْت الْمَقْدِس ذَلِكَ وَذَهَبَ هُوَ وَطَائِفَة مِنْ الْيَهُود إِلَى الْمَنْزِل الَّذِي فِيهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابه اِثْنَيْ عَشَر أَوْ ثَلَاثَة عَشَر وَقَالَ سَبْعَة عَشَر نَفَرًا وَكَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمُعَة بَعْد الْعَصْر لَيْلَة السَّبْت فَحَصَرُوهُ هُنَالِكَ . فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ وَأَنَّهُ لَا مَحَالَة مِنْ دُخُولهمْ عَلَيْهِ أَوْ خُرُوجه إِلَيْهِمْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ أَيّكُمْ يُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي وَهُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّة ؟ فَانْتُدِبَ لِذَلِكَ شَابّ مِنْهُمْ فَكَأَنَّهُ اِسْتَصْغَرَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَعَادَهَا ثَانِيَة وَثَالِثَة وَكُلّ ذَلِكَ لَا يُنْتَدَب إِلَّا ذَلِكَ الشَّابّ فَقَالَ : أَنْتَ هُوَ وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ شَبَه عِيسَى حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ وَفُتِحَتْ رَوْزَنَة مِنْ سَقْف الْبَيْت وَأَخَذَتْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام سِنَة مِنْ النَّوْم فَرُفِعَ إِلَى السَّمَاء وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك وَرَافِعك إِلَيَّ " الْآيَة فَلَمَّا رُفِعَ خَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَر فَلَمَّا رَأَى أُولَئِكَ ذَلِكَ الشَّابّ ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى فَأَخَذُوهُ فِي اللَّيْل وَصَلَبُوهُ وَوَضَعُوا الشَّوْك عَلَى رَأْسه وَأَظْهَرَ الْيَهُود أَنَّهُمْ سَعَوْا فِي صَلْبه وَتَبَجَّحُوا بِذَلِكَ وَسَلَّمَ لَهُمْ طَوَائِف مِنْ النَّصَارَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّة عَقْلهمْ مَا عَدَا مَنْ كَانَ فِي الْبَيْت مَعَ الْمَسِيح فَإِنَّهُمْ شَاهَدُوا رَفْعه . وَأَمَّا الْبَاقُونَ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَّ الْيَهُود أَنَّ الْمَصْلُوب هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ مَرْيَم جَلَسَتْ تَحْت ذَلِكَ الْمَصْلُوب وَبَكَتْ وَيُقَال إِنَّهُ خَاطَبَهَا وَاَللَّه أَعْلَم وَهَذَا كُلّه مِنْ اِمْتِحَان اللَّه عِبَاده لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْحِكْمَة الْبَالِغَة وَقَدْ أَوْضَحَ اللَّه الْأَمْر وَجَلَّاهُ وَبَيَّنَهُ وَأَظْهَرَهُ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله الْكَرِيم الْمُؤَيَّد بِالْمُعْجِزَاتِ وَالْبَيِّنَات وَالدَّلَائِل الْوَاضِحَات فَقَالَ تَعَالَى وَهُوَ أَصْدَق الْقَائِلِينَ وَرَبّ الْعَالَمِينَ الْمُطَّلِع عَلَى السَّرَائِر وَالضَّمَائِر الَّذِي يَعْلَم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض الْعَالِم بِمَا كَانَ وَمَا يَكُون وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْف يَكُون وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ أَيْ رَأَوْا شَبَهه فَظَنُّوهُ إِيَّاهُ وَلِهَذَا قَالَ " وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلَّا اِتِّبَاع الظَّنّ " يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ مِنْ الْيَهُود وَمَنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ جُهَّال النَّصَارَى كُلّهمْ فِي شَكّ مِنْ ذَلِكَ وَحَيْرَة وَضَلَال وَسُعُر وَلِهَذَا قَالَ : وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا أَيْ وَمَا قَتَلُوهُ مُتَيَقِّنِينَ أَنَّهُ هُوَ بَلْ شَاكِّينَ مُتَوَهِّمِينَ . ولا نعلم من أين جاء ابن كثير بهذه القصة بعد أكثر من 600 عام بعد حدوثها، ألم يكن حريا به ذكر المصادر التي استند اليها في تلك الرواية؟ وعلى فرض صحة هذه الرواية فهل يعني هذا أن تلاميذ المسيح قد استشهدوا من أجل كذبة وهم يعلمون بذلك؟ فالثابت أن أحد عشر تلميذا من التلاميذ الاثني عشر تعرض للجلد والتعذيب والموتبوسائل ذاك الزمان من صلب وقطع رأس، منهم من صلب وهم بطرس، أندراوس، يعقوب بن حلفى، فيلبس، سمعان برثولماوس. أما متى فقتل بالسيف، و يعقوب أخو يسوع مات رجما، أما توما فقد مات بطعنة حربة ، ويعقوب بن زبدي قتل بالسيف،و تدّاوس قتل رمياً بالسهام . أما يوجنا فهو الوحيد الذي مات ميتة طبيعية. أويعقل أن يخدع الله والمسيح الحواريين؟ فاذا كان الجواب بالأيجاب فما الغرض من ذلك وهذا يعني انتهاء المسيحية وخروجها عن خطها قبل أن تبدأ . قد نسلم أن يكون اليهود قد خدعوا وشبه لهم لكن هل من المعقول أن بنخدع الحواريين؟ وبالأحرى أن تنخدع أم المسيح مريم التي اصطفاها الله وطهرها على العالمين؟ لقد كلمها المسيح وهو على الخشبة ألم تميز صوت ابنها؟ لقد شك توما مثلا بقيامة المسيح بعد ظهوره للتلاميذ فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب .فقال لهم ان لم أبصر في يديه اثر المسامير واضع اصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا أؤمن وبعد ثمانية ايام كان تلاميذه ايضا داخلا وتوما معهم .فجاء يسوع والابواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم . ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا .اجاب توما وقال له ربي والهي قال له يسوع لانك رأيتني يا توما آمنت .طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يوحنا20-24،29). وقتل توما بعد هذا بسنوات لأنه كان يكرز بملكوت الله، لقد كان يكرز ليقينه بقيامة المسيح ومات دفاعا عن ايمانه هذا وليس دفاعا عن كذبة، هكذا يقول المنطق والعقل.

    · يقول الطبري في تفسير { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } . أَوْ يَكُون الْأَمْر فِي ذَلِكَ كَانَ عَلَى نَحْو مَا رَوَى عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , أَنَّ الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى فِي الْبَيْت تَفَرَّقُوا عَنْهُ قَبْل أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ الْيَهُود , وَبَقِيَ عِيسَى , وَأُلْقِيَ شَبَهه عَلَى بَعْض أَصْحَابه الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْبَيْت بَعْد مَا تَفَرَّقَ الْقَوْم غَيْر عِيسَى وَغَيْر الَّذِي أُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهه , وَرُفِعَ عِيسَى , فَقُتِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ فِي صُورَة عِيسَى مِنْ أَصْحَابه , وَظَنَّ أَصْحَابه وَالْيَهُود أَنَّ الَّذِي قُتِلَ وَصُلِبَ هُوَ عِيسَى لِمَا رَأَوْا مِنْ شَبَهه بِهِ وَخَفَاء أَمْر عِيسَى عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ رَفْعه وَتَحَوُّل الْمَقْتُول فِي صُورَته كَانَ بَعْد تَفَرُّق أَصْحَابه عَنْهُ , وَقَدْ كَانُوا سَمِعُوا عِيسَى مِنْ اللَّيْل يَنْعَى نَفْسه وَيَحْزَن لِمَا قَدْ ظَنَّ أَنَّهُ نَازِل بِهِ مِنْ الْمَوْت , فَحَكَوْا مَا كَانَ عِنْدهمْ حَقًّا , وَالْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ مَا حَكَوْا , فَلَمْ يَسْتَحِقّ الَّذِينَ حَكَوْا ذَلِكَ مِنْ حَوَارِيِّيهِ أَنْ يَكُونُوا كَذَبَة , أَوْ حَكَوْا مَا كَانَ حَقًّا عِنْدهمْ فِي الظَّاهِر وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عِنْد اللَّه فِي الْحَقِيقَة بِخِلَافِ الَّذِي حَكَوْا . وهنا تختلف حكاية الطبري عن حكاية ابن كثير فالثاني قال أن من بالنزل كانوا يعلمون أن المصلوب هو شبيه للمسيح أما القرطبي فهو يذهب الى حد القول بأن الحواريين ظنوا فعلا بأن المسيح هو من صلب رغم أن الأمر ليس كذلك حسب تفسيره للآية وذلك لنفي تهمة الكذب على الحواريين، لكن هذا يعني بالضرورة أن الله خدع حواريي المسيح المسلمين لله تعالى، ويعني بالضرورة أن الله جلّ جلاله قد تركهم يموتون من أجل كذبة ، فهل يعقل هذا؟ هل يعقل أن يخدع الله الحوّاريين ومريم البتول؟ فاذا أجبنا بالايجاب نسأل ما الغرض من هذا؟

    لقد تحول التلاميذ أو الحواريين من أشخاص خائفين مذعورين بعد صلب المسيح الى أشخاص مملوئين نشاطا وحماسا وشجاعة لنشر كلمة الله بعد تيقنهم من قيامة المسيح في اليوم الثالث وبقائه معهم40 يوما قبل أن يرفعه الله اليه أمام أنظارهم، فتحملواالتشكيك والإستهزاء و الطرد والملاحقة والتعذيب والموت في سبيل نشر كلمة الله التي علمهم اياها المسيح. واجتمع جمهور المدن المحيطة الى اورشليم حاملين مرضى ومعذبين من ارواح نجسة وكانوا يبرأون جميعهم فقام رئيس الكهنة وجميع الذين معه الذين هم شيعة الصدوقيين وامتلأوا غيرة فالقوا ايديهم على الرسل ووضعوهم في حبس العامة. ولكن ملاك الرب في الليل فتح ابواب السجن واخرجهم وقال اذهبوا قفوا وكلموا الشعب في الهيكل بجميع كلام هذه الحياة. فلما سمعوا دخلوا الهيكل نحو الصبح وجعلوا يعلمون. ثم جاء رئيس الكهنة والذين معه ودعوا المجمع وكل مشيخة بني اسرائيل فارسلوا الى الحبس ليؤتى بهم. ولكن الخدام لما جاءوا لم يجدوهم في السجن فرجعوا واخبروا قائلين اننا وجدنا الحبس مغلقا بكل حرص والحراس واقفين خارجا امام الابواب ولكن لما فتحنا لم نجد في الداخل احدا فلما سمع الكاهن وقائد جند الهيكل ورؤساء الكهنة هذه الاقوال ارتابوا من جهتهم ما عسى ان يصير هذا. ثم جاء واحد واخبرهم قائلا هوذا الرجال الذين وضعتموهم في السجن هم في الهيكل واقفين يعلّمون الشعب. حينئذ مضى قائد الجند مع الخدام فاحضرهم لا بعنف لانهم كانوا يخافون الشعب لئلا يرجموا. فلما احضروهم اوقفوهم في المجمع. فسألهم رئيس الكهنة قائلا أما اوصيناكم وصية ان لا تعلّموا بهذا الاسم. وها انتم قد ملأتم اورشليم بتعليمكم وتريدون ان تجلبوا علينا دم هذا الانسان. فاجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي ان يطاع الله اكثر من الناس. اله آبائنا اقام يسوع الذي انتم قتلتموه معلقين اياه على خشبة. هذا رفعه الله بيمينه رئيسا ومخلّصا ليعطي اسرائيل التوبة وغفران الخطايا. ونحن شهود له بهذه الامور والروح القدس ايضا الذي اعطاه الله للذين يطيعونه فلما سمعوا حنقوا وجعلوا يتشاورون ان يقتلوهم. فقام في المجمع رجل فريسي اسمه غمالائيل معلّم للناموس مكرم عند جميع الشعب وامر ان يخرج الرسل قليلا. ثم قال لهم. ايها الرجال الاسرائيليون احترزوا لانفسكم من جهة هؤلاء الناس في ما انتم مزمعون ان تفعلوا. لانه قبل هذه الايام قام ثوداس قائلا عن نفسه انه شيء. الذي التصق به عدد من الرجال نحو اربع مئة. الذي قتل وجميع الذين انقادوا اليه تبددوا وصاروا لا شيء. بعد هذا قام يهوذا الجليلي في ايام الاكتتاب وازاغ وراءه شعبا غفيرا. فذاك ايضا هلك وجميع الذين انقادوا اليه تشتتوا. والآن اقول لكم تنحوا عن هؤلاء الناس واتركوهم. لانه ان كان هذا الرأي او هذا العمل من الناس فسوف ينتقض. وان كان من الله فلا تقدرون ان تنقضوه. لئلا توجدوا محاربين لله ايضا. فانقادوا اليه. ودعوا الرسل وجلدوهم واوصوهم ان لا يتكلموا باسم يسوع ثم اطلقوهم واما هم فذهبوا فرحين من امام المجمع لانهم حسبوا مستاهلين ان يهانوا من اجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلّمين ومبشرين بيسوع المسيح. { أعمال الرسل 5، 16-42 }.

    لا يمكن أن يكون القرآن متعارضا مع بعضه أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا {النساء82} ، والمسيح قد مات في مواضع أخرى من القرآن كما ذكرنا في بداية البحث إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران55} فالمسيح توفي قبل أن يرفعه الله الى السماء،وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {مريم 33} فالمسيح سيموت وسيبعث حيا وبما أنه مات قبل أن يرفع الى السماء فلقد بعث قبل أن يرفع كذلك،مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {المائدة 117} وتؤكد هذه الآية أن المسيح توفي بأمر الله، ويؤكد هذا حادثة الصلب والقيامة ولا يعني هذا أن هذه الآيات تناقض وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وانما التعارض هو في تفاسير المفسرين الذين اختلفوا في تفاسيرهم فالتعارض هو بين التفاسير وليس الآيات وسأطرح هنا رأي الامامين الرازي والزمخشري في آية الصلب

    الإمام الزمخشري: قال في تفسير الآية الكريمة ما معنى قول القرآن "شبِّه لهم؟ شبه مسند إلى ماذا؟

    إن جعلته مسند إلى المسيح؟ فالمسيح مشبه به وليس مشبه،
    وإن أسندته إلى المقتول: لقد زعموا أن اليهود قتلوا رجلا آخر شبيها بعيسى. فالمقتول لم يجر له ذكر.
    عبارة شبه مسند إلى الجار والمجرور أي مسند إلى لهم كقولك خيل لهم.


    الإمام الرازي: فقد علق على رأي المفسرين أصحاب الرأي أن شبه المسيح ألقي على شخص آخر فقال:

    في إلقاء شبه على الغير إشكالات:

    : أنه إن جاز أن يقال أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر، فهذا يفتح باب السفسطة، وأيضا يفضي إلى القدح في التواتر ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية.
    أن الله أيده بروح القدس، جبريل، فهل عجز هنا عن تأييده؟ وهو الذي كان قادرا على إحياء الموتى، فهل عجز عن حماية نفسه؟الإشكال
    أنه تعالى كان قادرا على تخليصه برفعه إلى السماء، فما الفائدة بإلقاء شبهه على غيره؟ وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟
    بإلقاء الشبه على غيره اعتقدوا أن هذا الغير هو عيسى، مع أنه ما كان عيسى، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس وهذا لا يليق بحكمة الله.
    أن النصارى واليهود على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم في أمره شاهدوه مقتولا ومصلوبا، فلو أنكرنا ذلك، كان طعنا فيما ثبت بالتواتر، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسى وسائر الأنبياء.والإشكال السادس: ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسى؟ ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلف هذا المعنى. فلما لم يوجد شيء من ذلك علمنا أن الأمر ليس على ما ذكر أولئك المفسرون.
    نستنتج من هذا أنه بمقارنة آية الصلب بآيات القرآن الأخرى أن الصلب قد وقع فعلا لكن خيل لليهود أن صلب المسيح أدى الى القضاء عليه وعلى رسالته لكن الله مكر بهم ورفعه الى السماء ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين يا عيسى ابن مريم إني متوفيك ورافعك إلي وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة (آل عمران 54،55).

    يذكرالقرآن الكريم أربع آيات عن موت المسيح منها آية واحدة يفسرها بعض المفسرين على أنها تنفي موت المسيح، ويلحقون الآيات الأخرى بهذه الآية، بالرغم من تأكيد الآيات الأخرى على موت المسيح ورفعه الى السماء، فالقرآن يرد على غرور اليهود قتلة الأنبياء بأنهم قضوا على المسيح ورسالته عندما صلبوه وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْه فمكر الله بهم برفعه المسيح الى السماء . وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {آل عمران55}.فالله مكر باليهود قتلة الأنبياء وليس بالحواريين بل جعلهم وهم أتباع المسيح والمؤمنين بدعوته فوق الذين كفروا به الى يوم القيامة. والذين كفروا هم اليهود الذين لم يؤمنوا أن يسوع هو المسيح الموعود، لأن تصورهم عن المسيح المنتظر كان مختلفا كليا عن شخص المسيح، اذ كانوا يتصورونه ملكا مؤيدا بسلطة الله يقاتل الرومان ويطردهم ويؤسس مملكة اسرائيل ويجعل بني اسرائيل أسيادا للبشرية.

    وقع الحواريين بهذا الاعتقاد الخاطئ، فلم يكن باستطاعتهم فهم أن يعلق مسيح الله على خشبة الصليب، واخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون الى اورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالانبياء عن ابن الانسان . لانه يسلم الى الامم ويستهزأ به ويشتم ويتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم . واما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر مخفى عنهم ولم يعلموا ما قيل(لوقا 31:18-34(. هذه النبوءة لم تجد لديهم آذانا صاغية، لذلك كانوا خائفين مبلبلين عند القاء القبض عليه ومحاكمته، بل وصل الأمر أن أنكره بطرس ثلاث مرات، لكن وبعد أن صلب المسيح وظهر لهم بعد قيلمتهم ثم ارتفاعه الى السماء أمام أنظارهم، فقد عادوا مملوئين بالقوة والنعمة الى القدس لنشر بشارة المسيح، غير آبهين بالصعاب ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك، وكانوا راضين بذلك، لايمانهم بما رأوا وما سمعوا.

    لا أختلاف في مسألة الصلب بين القرآن والانجيل، كل ماهنالك أن الانجيل فصل حادثة الصلب بينما لم يفعل القرآن ذلك لأن الكتاب عند الله واحد فالقرآن هو الكتاب ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {البقرة2}، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {آل عمران3}، والانجيل هو الكتاب يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {آل عمران65} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ {المائدة68}. فأهل الكتاب هم النصارى وهم المحمديون، ووعد الله للمؤمنين واحد كما في قوله إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {9/111}

    أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {البقرة85}. فمن يريد الاستزادة من حادثة الصلب فعليه بالانجيل لأنه كتاب الله كما هو القرآن كتاب الله ولا تناقض بينهما،اذ لا مبدل لكلماته وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {الانعام34}

                  

03-04-2004, 12:40 PM

Alsawi

تاريخ التسجيل: 08-06-2002
مجموع المشاركات: 845

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    بارك الله فيك يا لنا
    كلام جدير بالتامل والقراءة المنتبهة الواعية

    ولكن لماذا يسمي الرجل المسلمين بـ "المحمديين" وهو يعلم؟؟

    "أن الدين عند الله الاسلام" وفعلا الاسلام هنا لا تعني دين محمد صلي الله عليه وسلم وحده، بل تشمل ابراهيم ونوح وموسي وسليمان وغيرهم من انبياء الله عليهم السلام ممن قالوا: أسلمنا لرب العالمين.

    ولك الود والتحية
                  

03-04-2004, 03:50 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    اعتقد من خلال فهمى لما كتب انه يقصد: كما يسمى المسيحيون مسيحيين نسبة للمسيح عليه السلام فان الاسلام لا يخص المسلمين وحدهم وينبغى ان نطلق عليهم المحمديين نسبة الى محمد رسول الله [ص] تمييزا لهم عن المسلمين الآخرين اتباع المسيح عليه السلام
                  

03-04-2004, 08:58 PM

محمد عبد القادر سليمان

تاريخ التسجيل: 02-04-2004
مجموع المشاركات: 149

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    الحبيبة لن تحياتي ,,,,,,


    الموضوع عميق جدا وجدير بان يتأمله المرء قبك ابداء اي راي رقم انه غالبا ما تكون هناك سيوف مسلطة على الرقاب في انتظار مثل تلك الاراء شكرا لكي على ((المدد)) في لحظة المنبر هو في امس الحوجة له
                  

03-04-2004, 09:29 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    الحبيب محمد عبدالقادر سليمان
    شكرا على المرور و فعلا الموضوع عميق حد الارهاق و احتاج منى لزمن و لجهد كى اقراه مرتين الاولى قراءة للسطور و الاخرى لما بين السطور
    وفعلا هو من المواضيع التى تفكر عدة مرات قبل ان تتجرا و تضغط على الكيبورد للادلاء براى
    يلا تشجع و على الله
    محبتى لك
                  

03-04-2004, 10:52 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    الأستاذة لنا مهدي

    المقال يستحق القراءة .. و فيه معلومات جيدة رغم أني لم أقرأه كاملا إلى الآن فهو طويل جدا .. كما أن فيه - من ناحيتي - أخطاء تاريخية تؤثر على حجة الكاتب في بعض نواحيها

    أحد تلك الأخطاء هي محاولته إثبات أن السيد المسيح لم يكن يهوديا من بني إسرائيل .. فهذه تحتاج للكثير من التدقيق .. و أعظم حججه كانت من الإنجيل الذي يذكر العلاقة بين داود عليه السلام و ابن الإنسان .. و قد فهمها صاحب المقال فهما مغايرا جدا في نظري .. لأنه يتبع دوما الفهم الظاهر جدا الذي تعطيه اللغة في الكتب المقدسة.. و الإنجيل من أكثر الكتب التي تتحدث بالرمزية .. و معنى أن إبن الإنسان ليس إبن داود كما يفهمها معظم المسيحيين أنفسهم - و أنا أوافقهم علي ذلك الفهم - هو بسبيل إعلاء مقام المسيح على مقام داود أبيه الكبير .. و حتى إن لم بكن المسيح من صلب داود الحسي .. فهذا يؤكد ما ذهبت إليه أكثر

    و شريعة المسيح في حقيقتها إعتمدت في معظمها على شريعة اليهود .. فهي لم تنقضها أساسا و إنما جاءت لتكملها و ترتقي بها.. كما قال السيد المسيح (ما جئت لأنقض الناموس .. و إنما جئت لأكمل) .. و الشرع عند المسيحيين في حقيقته هو نفس شرع اليهود .. ما عدا التشاريع التي غيرها السيد المسيح نفسه فهي تعتبر تطويرا في حقهم .. و هذه لا نجد المسيحيين يعملون بها اليوم إلا لمما .. و معظمهم لا يرقون لهذا الفهم

    و السيد المسيح واجه الفريسيين أو رجال الدين اليهودي في عقيدتهم و في تعاليمهم و في مسؤوليتهم الدينية كما نجد في الكتاب المقدس .. و قد كانت مواجهته لهم هي أحد الأسباب الرئيسية التي أودت به إلى الصليب .. و عندما نراقب ما قاله السيد المسيح في الفريسيين و نقاشاته معهم نستنتج بسهولة و يسر أنه قد كانت بينهم أرضية مشتركة إستخدمها السيد المسيح نفسه في هجومه عليهم .. و ما يكون ذلك إلا لو كان السيد المسيح يهوديا بادئ ذي بدء .. و ما كان ليلقي له الفريسيون بالا لو لم يكن يهوديا .. و ما كان الذين إتبعوه من اليهود فعلوا و آمنوا بأنه المسيح المنتظر لو لم يكن يهوديا ... فهذه كانت من البديهيات العقائدية الصرفة عندهم .. و هي أن المسيح المنتظر لا بد و أن يكون يهوديا

    ثم إذا راجعنا نحن نسب السيدة مريم - و سأحاول العودة إليه قريبا إذا إستطعت - نجد أنها يهودية تماما .. فإذا كانت السيدة مريم يهودية إسرائيلية من آل عمران .. فماذا سيكون السيد المسيح؟

    هذا مع خالص ودي و شكري على هذا المقال الجميل
                  

03-05-2004, 02:09 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    اخى الحبيب ياهو ذاتو
    اسعدنى نقدك الموضوعى للكاتب و نقاطك الحيوية التى اثرت و فى انتظار المزيد
    محبتى لك
                  

03-05-2004, 08:57 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48789

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الاسلام المسيحى و الاسلام المحمدى (Re: lana mahdi)

    شكرا يا لنا
    بحث أكاديمي به كثير من النقاط الصحيحة وكثير من الأخطاء التاريخية والمعرفية.ولولا أنني أكتب هذه الأيام بالماوس لفصلت أكثر، وقد كفاني الأبن قصي بعضا ما خطر لي واردت أن أكتبه.
    هذه الأيام يدور جدل كبير حول فيلم آلام المسيح
    http://alfikra.org/forum/viewtopic.php?t=252&sid=b9be50...8ae3d17674b9a7adf0e5
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de