علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجمهوري

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 10:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-06-2004, 03:12 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجمهوري

    عن ذلك كتب الأستاذ محمود محمدطه فقال:
    الفرد والجماعة في التفكير الفلسفي

    أما الفلسفة الاجتماعية، عبر العصور والى أن انتهت بالشيوعية المعاصرة، فإنها قد فشلت في إدراك العلاقة بين الفرد والجماعة، فهي قد ظنت أن الفرد إذا وجد الفرصة لممارسة حريته فان نشاطه سيكون ضد مصلحة الجماعة، ولما كانت الجماعة أكثر من الفرد، فان مصلحتها أولى بالرعاية من مصلحته، ومن ثم أهدرت حرية الفرد، في سبيل مصلحة الجماعة، متى ظهر أنهما تتعارضان.

    ومتى نظرت إلى تاريخ المجتمع البشري، منذ نشأته وإلى يوم الناس هذا، ظهر لك جليا أن حرية الفرد كثيرا ما تتعارض مع مصلحة الجماعة، بل ظهر لك أن الجماعة لم يقم نظامها ولم تصن مصالحها إلا على حساب تقييد حرية الفرد، ذلك بأن الفرد البشري ارتفع من حيوانية متوحشة، لا هم لها غير تحصيل شهوة البطن والفرج، ولما كان المجتمع البشري في أولياته لم يكن لينشأ إلا إذا قيدت هاتان الشهوتان، فقد قام العرف الذي ينظم العلاقات الجنسية، فيحرم الأخت على الأخ، ويحرم البنت على الأب، ويحرم الأم على الإبن، ويحرم زوجة الإبن على الأب، ويحرم زوجة الأب على الإبن، قبل أن يقوم العرف الذي يحرم الزنا عموما، وقد أعان هذا العرف، أو سمه القانون الأول، على تهدئة الغيرة الجنسية التي كانت تفرق الأسرة البشرية، كلما بلغ الأبناء فيها مبلغ الرجال، فقد أصبح، بعد هذا العرف، من الممكن أن يتعايش، في منزل واحد، أو في منازل متجاورة، الأب والإبن البالغ والصهر والإبن المتزوج، وكل منهم آمن على زوجته من الآخرين. ولربما يكون العرف الذي ينظم احترام الملكية الفردية قد نشأ مع هذا العرف من الوهلة الأولى، فانه، في المجتمعات البدائية، ليس هناك كبير فرق بين ملكية الزوجة، وملكية الآلة أو الكهف، وإذا كان لا بد للمجتمعات الصغيرة أن تعيش في وئام، وفي مكان واحد، وفي أعداد تتزايد دائما، تصيد معا، وتحارب أعداءها معا، وتقابل صروف الأيام متحدة، فإنه لا بد من التواضع على هذين العرفين، اللذين ينظمان السلوك في الجماعة، ويصونان كيانها، ولا بد أن عقوبة القتل كانت تنفذ في الفرد لدى ثبوت تهمة الزنا، في هذه الدوائر، عليه، يستوي في ذلك الرجال والنساء. ولقد كانت عقوبة القتل توقع على الفرد أيضا لدى السرقة من عشيرته الأقربين، ثم عممت فأصبحت تطبق لدى السرقة من حيث هي، وذلك عندما اتسعت الجماعة، ثم خففت، فأصبحت تستأصل طرفا من السارق بدلا من استئصال حياته كلها، ذلك بأن الأفراد قد بلغوا من الرفعة والذكاء بحيث يرتدعون بعنف أخف من العنف الذي كان ضروريا لردع أسلافهم.

    وليس معنى هذا الحديث أن المجتمعات كلها نشأت بصورة واحدة في كل مكان، ولكنه مما لا شك فيه أن المجتمعات البشرية حيث نشأت فقد نشأت حول طائفة من العادات والأعراف، التي تمثل نشأة القانون، والتي يرجع إليها الفضل في نشأة المجتمع البشري. ولما كان الفرد البشري الأول غليظ الطبع، قاسي القلب، بليد الحس، حيواني النزعة فقد احتاج إلى عنف عنيف لترويضه، ولنقله من الاستيحاش إلى الاستيناس، وكذلك كان العرف الاجتماعي الأول، شديدا عنيفا، يفرض الموت عقوبة على أيسر المخالفات، بل انه يفرض على الأفراد الصالحين أن يضعوا حياتهم دائما في خدمة مجتمعهم، فقد كانت الضحية البشرية معروفة تذبح على مذابح معابد الجماعة، استجلابا لرضا الآلهة، أو دفعا لغضبها حين يظن بها الغضب، ولقد كانت هذه الشريعة العنيفة، في دحض حرية الفرد، في سبيل مصلحة الجماعة معروفة ومعمولا بها، إلى وقت قريب، ففي زمن أبي الأنبياء، إبراهيم الخليل وهو قد عاش قبل ميلاد المسيح بحوالي ألفي سنة، كانت هذه الشريعة لا تزال مقبولة دينا وعقلا، فإنه هو نفسه قد أمر بذبح ابنه إسماعيل، فأقبل على تنفيذ الأمر غير هياب ولا متردد، فتأذن الله يومئذ بنسخها فنسخت، وفدي البشر بحيوانية أغلظ من حيوانيته، وكان هذا إعلاما بأن ارتفاع البشر درجة فوق درجة الحيوان قد أشرف على غايته، ولقد قص الله علينا من أمر إبراهيم وإسماعيل فقال (( وقال إني ذاهب إلى ربي سيهديني * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أنى أذبحك، فانظر ماذا ترى، قال يا أبتي افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم.))

    (( وتركنا عليه في الآخرين)) تعني، فيما تعني، إبطال شريعة العنف بالفرد البشري، لأنها لبثت حقبا سحيقة، وقد تم انتفاعه بها، فارتفع من وهدة الحيوانية وأصبح خليقا أن يفدى بما هو دونه من بهيمة الأنعام.

    ولا عبرة ببعض صور العنف التي لا يزال يتعرض لها الأفراد في المجتمعات البشرية المعاصرة، فإنها آيلة إلى الزوال كلما أتيحت لها فرص الوعي والرشد. فان التضحية الحسية بالفرد البشري لم تنته بجرة قلم على عهد إبراهيم الخليل، والتاريخ يخبرنا أن المسلمين، لدى فتح مصر، قد وجدوها تمارس في صورة عروس النيل، فإنه قد قيل أن عمرو بن العاص، فاتح مصر وأميرها يومئذ، قد انتبه ذات يوم على جلبة عظيمة، فسأل عنها، فأخبر أن القوم قد جرى عرفهم بأن يتخيروا بنتا، من أجمل الفتيات، ومن أعرق الأسر، يزفونها كل عام إلى النيل، يلقونها في أحضانه فداء لقومها من القحط، لأنها تغري النيل بأن يفيض عليهم باليمن والبركات، فطلب إليهم عمرو بن العاص أن يستأنوا بها، حتى يستأمر عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إلى عمر، فرد عمر بجوابه المشهور الذي قال فيه:

    (( بسم الله الرحمن الرحيم))

    من عبد الله عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، إلى نيل مصر.

    السلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

    أما بعد، فإن كنت تفيض من عندك فلا تفض، وان كنت إنما تفيض من عند الله ففض.

    وأمر عمرو بن العاص أن يلقيه في النيل، ففعل، وفاض النيل، وأبطلت من يومئذ تلك العادة، وتم بالعلم فداء جديد للفرد البشري.

    وهذا العنف العنيف بالفرد البشري، الذي استمر منذ فجر المجتمع البشري، وهو قبل فجر التاريخ بآماد سحيقة، وظلت صوره إلى وقت قريب، كالذي سقنا عليه المثالين الماضيين، ضلل المفكرين الاجتماعيين، فظنوا أن حرية الفرد، قياسا إلى ما جرى به التاريخ، تتعارض دائما مع مصلحة الجماعة، وان الرشد إذن في أن يضحى بحرية الفرد في سبيل مصلحة الجماعة. وتورطت في هذا الوهم الشيوعية، وهي طليعة الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، وصاحبة الدور التقدمي الذكي في المدنية الغربية الآلية الحاضرة.




    الفرد والكون في التفكير الفلسفي

    وعجز الفلسفة الاجتماعية المعاصرة في إدراك العلاقة بين الإنسان والكون، أكبر من عجزها عن أدراك العلاقة بين الفرد والجماعة، ولكن أثره أقل ظهورا، ذلك بأن علاقة الفرد بالجماعة واجهت التطبيق العملي، في السياسة والتشريع والتنفيذ، بينما لا تزال العلاقة بين الفرد والكون في الحيز النظري، وما ذاك إلا لأننا لا نزال في قبضة غريزة القطيع، لم يقو بنا الفكر حتى نبرز إلى منازل الفرديات. ولكن، مما لا ريب فيه، أن عهد الجماعة أصبح يخلي مكانه لعهد الفرد الذي أخذت شمسه تؤذن بشروق، وسيحل يومه حين يتم نظريا، ثم عمليا، فض التعارض المتوهم بين الفرد والجماعة، وهو أمر سنتحدث عنه بالتفصيل بعد قليل، إن شاء الله.

    والفهم الدقيق للعلاقة بين الإنسان والكون ليس أمر فلسفة نظرية يمكن أن تلحق بالترف الذهني، وإنما هو أمر عملي، عليه يتوقف تحقيق الفردية، في مضمار المجهود الفردي، وفي مضمار تنظيم الجماعة لتكون والدا شرعيا للأفراد الذين يرجى لهم أن يحققوا فردياتهم.

    وضلال الفلسفة الاجتماعية عن فهم العلاقة بين الإنسان والكون فهما صحيحا إنما يلتمس سببه في استقراء التاريخ البشري منذ بداياته، ذلك بأن الإنسان الأول، عندما وقف على رجليه لأول مرة، واستقبل بعقله البيئة الطبيعية التي عاش فيها، وجدها تزخر بالقوى الهائلة التي، فيما يبدو له، تتركب بطريقة تختلف عن تركيبه، وتتصرف بأسلوب لا يستقيم مع تفكيره ومع رغباته، وهي بعد لا تبالي بحياته أو موته، بل إن كثيرا منها ليسعى في إهلاكه سعيا حثيثا، والذين يشاركونه الحياة، بين هذه القوى الصماء الهائلة، هم بين صيد وصياد - صيد يصيد ويصاد، وصياد يصيد ويصاد، فكأن البيئة كلها، أنياب زرق، ومخالب حمر، وأصبح عليه هو، إذا كان لا بد له أن يحفظ مهجته، أن يكيد أصناف الكيد، وأن يحتال لنفسه ألوان الحيل.

    ثم إن هذه القوى الصماء، منها الهائل الرهيب الذي يعجز حيلته، ويعيي عقله، ومنها ما يغلب منه الضرر، ومنها ما يغلب منه النفع، فهدته حيلته إلى التزلف إليها جميعا، بدوافع الخوف، أو بدوافع الحب، فتذلل، وتخشع، وقدم الهدايا، وقرب القرابين، ورسم مراسيم العبادات. ومن القوى التي تموج بها البيئة الطبيعية التي عاش فيها، قوى تنالها الحيلة، وتبلغ منها المناجزة، فاحتال أفانين الحيلة، فبنى البيوت فوق الأشجار، وعلى قمم الجبال، وعلى أعمدة اتخذها من سيقان الشجر وغرزها في أرض برك المياه، وفي الأماكن المحصنة الأخرى. ثم هو باتخاذ الآلة، من فروع الأشجار، ومن قطع الأحجار، قد مد في قدرته على المناجزة.

    والإنسان، بين العبادة والمناجزة، تغلب عليه الوحشة، ويساوره القلق بأنه وحيد من نوعه، يحتوشه الأعداء من جميع أقطاره، يتحينون منه الغرة، ويتربصون به الدوائر، ومن ههنا قام في خلد الإنسان أن مكانه من الكون مكان اللدد والخصومة.

    ولقد انتهت الفلسفة ببعض أبنائها الآن إلى أن يقرروا أن التدين، الذي دفع إليه الإنسان الأول، بالعوامل الطبيعية التي جرى ذكرها آنفا، إنما هو لازمة من لوازم الطفولة، وأن الدين، حيث وجد والى اليوم، إنما هو ظاهرة طفولة، إذ لجأ الإنسان الأول إلى إله تخيله ليسد به حاجة الطفل إلى أب يحميه. وأن الأصل في مواجهة البيئة هو المناجزة، لا التمليق، وما دفع الإنسان إلى التمليق إلا العجز عن المناجزة، والآن، وبتطويره لسلاحه الأول، من فروع الأشجار وقطع الأحجار، إلى أن بلغ به القنبلة الهيدروجينية، فإن مقدرته على المناجزة اكتملت، أو كادت، ويجب إذن أن يقلع عن التمليق، أو قل عن التدين، وعن الأديان، وعن الله.

    وإلى خروشيف ينسب قول، زعموا انه قاله، وهو أن قاقارين عندما دار في الفضاء الخارجي وكان ذلك لأول مرة في تاريخ تقدم العلم الحديث، لم يجد ذلك الكائن الذي يدعونه الله، فكأن خروشيف لا يتصور الله إلا من نوع المادة التي يزعم أنه يعرفها، وفي الحق، أن فلسفتهم، حين عجزت عن تصور شئ وراء المادة، اتخذت من عجزها فضيلة، فأنكرت وجود كل شئ وراء المادة، وذلك لكي يستقيم لها القول بأن الإنسان، أثناء مناجزته لبيئته المادية، يتطور في فهمه لها، ويحسن من وسائله في مناجزتها، حتى يتم له قهرها وتسخيرها، ويصبح بذلك سيد مصيره.

    إن الضلال في فهم علاقة الإنسان بالكون لم يبلغ، في أي وقت من الأوقات، هذا البعد الذي بلغه على عهد الشيوعية، وباسم العلم والفلسفة... والشيوعية هي طليعة الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، وهي صاحبة الدور التقدمي، الذكي، في المدنية الغربية الآلية الحاضرة.. على أيسر تقدير، هذا ما يبدو للشعوب الآن.

    أم تقولون أن الغرب المسيحي يختلف في مسألة الدين، وفي أمر الله، عن الشرق الشيوعي.

    قد يكون هذا حقا من الناحية التقليدية، ولكنه ليس بحق من الناحية العملية، وليس في فكرة الغرب عن الدين، وعن الله، ما يعصم الغرب من أن يصبح شيوعيا، ولقد كانت روسيا، قبل الثورة الشيوعية، مسيحية، وكانت أورثوذكسية في ذلك.

    وفي الحق، ان الدين، سواء كان مسيحية أو إسلاما، إن لم يستوعب كل نشاط المجتمع، ونشاط الأفراد، ويتولى تنظيم كل طاقات الحياة الفردية والجماعية، على رشد وعلى هدى، فإنه ينصل من حياة الناس، ويقل أثره، ويخلي مكانه لأية فلسفة أخرى، مهما كان مبلغها من الضلال، ما دامت هذه الفلسفة قادرة على تقديم الحلول العملية لمشاكل الناس اليومية، أو حتى ما دامت قادرة على تضليل الناس، إلى حين، باسم خدمة مصالحهم المعيشية، فإن الناس، ما داموا أصحاب معدات وأجساد، يجب ألا تهمل دعوتهم إلى الفضيلة حاجة معداتهم وأجسادهم، بل إن المعرفة بطبائع الأشياء تقضي بأن تكون دعوتهم إلى الفضيلة عن طريق معداتهم وأجسادهم.

    مهما يكن من الأمر بين الشرق الشيوعي، والغرب المسيحي، فان المدنية الغربية الآلية الحاضرة ليست مسيحية، وهي قد عجزت عن إدراك العلاقة بين الفرد والجماعة، كما عجزت عن إدراك العلاقة بين الفرد والكون، وهي من جراء هذا العجز قد منيت بالقصور العملي عن الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية وذلك أكبر مظاهر فشلها.

    ولسنا نحن الآن بصدد الزراية عليها، ولا بصدد التقليل من شأنها، وإنما نحن بصدد دراسة علمية لها، تضعها في موضعها، وتعرف لها حقها، وتدعو إلى سد النقص فيها لتغدو مدنية بعد أن أصبحت حضارة.










                  

02-06-2004, 03:21 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الفرد والجماعة في الإسلام

    أول ما تجب الإشارة إليه هو أن الفرد في الإسلام هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة القرآن، والإسلام، تستوي في ذلك المرأة مع الرجل مساواة تامة، وهذا يعني أن الفرد البشري - امرأة كان أو رجلا، عاقلا كان أو مختل العقل - يجب ألا يتخذ وسيلة إلى غاية وراءه، وإنما هو الغاية التي تؤدي إليها جميع الوسائل.

    وهذه الفردية هي جوهر الأمر كله، إذ عليها مدار التكليف، ومدار التشريف، وإذ لا تنصب موازين الحساب، يوم تنصب، إلا للأفراد - يتساوى في ذلك الرجال والنساء وهذه النقطة نحب لها أن تكون مركزة في الأذهان - فالله تعالى يقول (( ولا تزر وازرة وزر أخرى)) ويقول (( ونرثه ما يقول ويأتينا فردا)) ويقول (( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)) ويقول (( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)) وهذه المساواة بين الرجل والمرأة، هي أصل الإسلام وإنما ميزت بينها الشريعة لعوامل تلتمس في تطور المجتمع عبر التاريخ.

    ومما لا ريب فيه أن الفرد الذي يقام له وزن في الإسلام إنما هو الفرد العارف بالله، وإنما جعل الإسلام كل فرد غاية في ذاته، وإن كان أبله، لأنه جرثومة العارف بالله، وستحصل منه المعرفة، عاجلا أو آجلا، (( كان على ربك حتما مقضيا)) ولقد زعمنا في مستهل هذا السفر أن الإسلام قد استطاع أن يفض التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وأن ينسق هاتين الحاجتين في سمط واحد، تكون فيه حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، امتدادا لحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة. وبعبارة أخرى، استطاع أن يجعل تنظيم الجماعة وسيلة إلى الحرية، وهو بعد إنما استطاع هذا التنسيق بفضل التوحيد، الذي جعل شريعته تقع على مستويين.. مستوى الجماعة، ومستوى الفرد: فأما تشريعه في مستوى الجماعة فيعرف بتشريع المعاملات، وأما تشريعه في مستوى الفرد فيعرف بتشريع العبادات. والسمة الغالبة على تشريع المعاملات أنه تشريع ينسق العلاقة بين الفرد والفرد في المجتمع، والسمة الغالبة على تشريع العبادات أنه تشريع ينسق العلاقة بين الفرد والرب، وليس معنى هذا أن كلا من هذين التشريعين يقوم بمعزل عن الآخر، وإنما معناه أنهما شطرا شريعة واحدة، لا تقوم إلا بهما معا، وبينهما اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع. فتشريع المعاملات تشريع عبادات في مستوى غليظ، وتشريع العبادات تشريع معاملات في مستوى رفيع، وذلك لأن سمة الفردية في العبادات أظهر منها في المعاملات.. والمقرر أنه ليس للعبادة قيمة إن لم تنعكس في معاملتك الجماعة معاملة هي في حد ذاتها عبادة. ولقد جعل المعصوم الدين كله في هذا المجال فقال: (( الدين المعاملة)) فكأن العبادة في الخلوة مدرسة تعد الفرد الاعداد النظري، ثم هو لا يجد فرصة التطبيق العملي إلا في سلوكه في الجماعة، وتمرسه بمعاملة أفرادها.

    فالتوحيد يقرر أن الوجود كله مصدره واحد، وطريقه واحد، ومصيره واحد.. من الله صدر، وإلى الله يعود، وإنما يعود فرادى (( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة)). وليست العودة إلى الله بقطع المسافات، وإنما هي بتقريب الصفات من الصفات. بتقريب صفات المحدود، من صفات المطلق. وإنما تكون عودة الفرد إلى الله بوسائل العودة إليه، ومنها وسيلة الإسلام، ووسيلة القرآن، ووسيلة الجماعة.. والجماعة لها حرية، وهي بمثابة قاعدة الهرم حين تكون حرية الفرد هي قمته. أو قل أن حرية الجماعة هي الشجرة وحرية الفرد هي الثمرة، ومن ثم، ومن هذه النظرة الشاملة، لا يجد الإسلام تعارضا، ولا تناقضا، بين الفرد والجماعة.

    وحين وصل الإسلام بفضل التوحيد، إلى هذا التحقيق الدقيق، بين الفرد والجماعة، شرع كل تشريعاته بصورة تحقق في سياق واحد، حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. فلم يضح بالفرد في سبيل الجماعة، فيهزم الغاية بالوسيلة، ولم يضح بالجماعة، في سبيل الفرد، فيفرط في أهم وسائل تحقيق الفردية، وإنما جاء تشريعه، في جميع صوره، نسقا عاليا من المقدرة على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.


                  

02-06-2004, 03:27 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الحرية الفردية المطلقة

    كثير من الفلاسفة يرى أن الحديث عن الحرية الفردية المطلقة نافلة من القول، وإلا فحرية الفرد يجب أن تكون مقيدة، إن لم نرد لها أن تصبح فوضى.

    وأما الإسلام فهو يرى أن الأصل في الحرية الإطلاق، واننا حين نتحدث عن الحرية، من حيث هي، وفي أي مستوى كانت، إنما نتحدث عن الإطلاق، من حيث لا ندري، ذلك بأن الحرية المقيدة إنما هي نفحة من نفحات الإطلاق تضوعت على أهل الأرض بقدر طاقتهم على احتمالها، فكأن القيد ليس أصلا، وإنما الأصل الإطلاق، وما القيد إلا لازمة مرحلية تصاحب تطور الفرد من المحدود إلى المطلق.

    فالحرية في الإسلام مطلقة، وهي حق لكل فرد بشري، من حيث أنه بشري، بصرف النظر عن ملته أو عنصره، وهي حق يقابله واجب، فلا يؤخذ إلا به، وهذا الواجب هو حسن التصرف في الحرية. فلا تصبح الحرية محدودة إلا حين يصبح الحر عاجزا عن التزام واجبها، وحينئذ تصادر في الحدود التي عجز عنها، وتصادر بقوانين دستورية.. والقوانين الدستورية في الإسلام هي القوانين التي تملك القدرة على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، فهي لا تضحي بالفرد في سبيل الجماعة، ولا بالجماعة في سبيل الفرد، وإنما هي قسط موزون بين ذلك.. تحقق حين تطبق، بكل جزئية من جزئياتها، مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة في آن معا، وفي سياق واحد. وإنما كان الإطلاق في الإسلام أصلا لأنه لا يرى لترقي الفرد حدا يقف عنده، فهو عنده ساير من المحدود إلى المطلق، أو قل مسير من النقص إلى الكمال - والكمال المطلق. فنهاية العبد في الإسلام كمال الرب، وكمال الرب في الإطلاق، والله تبارك وتعالى يقول (( وأن ليس للانسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى)) يعني منتهى السير.. وليس السير إلى الله بقطع المسافات، كما قلنا آنفا، وإنما هو بتخلق العبد بأخلاق الرب، والله تعالى يقول (( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) أردت أو لم ترد لقاءه، وأين يكون لقاؤه؟ أفي أرضه أم سمائه؟ لقد قال جل من قائل (( ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن.)) فأنت إذن إنما تلقاه فيك، وبه لا بك.

    وفي ذلك قال المعصوم (( تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم))..

    والله تعالى يقول (( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون)).

    والذي يجعلنا عاجزين عن الوفاء بواجب الحرية الفردية المطلقة إنما هو الجهل، ونحن، لفرط جهلنا، نحب جهلنا، ونكره المعرفة، إلا إذا جاءت عن طريق يناسب هوانا. (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)) .. (( وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)) تشير إلى أنانيتنا.. فنحن نحب أنفسنا، ونحب كل ما يصدر عنها من حماقات. وكل فرد بشري هو، بالضرورة التكوينية، أناني.. وكماله إنما يكمن في هذه النشأة الأنانية..

    وأنانية كل أناني على مستويين.. مستوى الأنانية الضيقة، المتسفلة، الجاهلة، ومستوى الأنانية الواسعة، المتسامية، العاقلة.

    فالأناني الجاهل قد يرى مصلحته في أمور تخالف مصالح الجماعة، وإذا اقتضى الأمر فهو قد يضحي بمصلحة الجماعة ليصل إلى ما يظنه مصلحته هو.. والأناني العاقل لا يرى مصلحته الا في أمور تستقيم مع مصالح الآخرين، فهو يقول مع أبي العلاء المعري:ــ

    ولو أني حبيت الخلد فردا * لما أحببت بالخلد انفرادا

    فلا هطلت على ولا بأرضي * سحائب ليس تنتظم البلادا



    وملاك هذا الأمر التعليم الرشيد في عبارة المعصوم حين قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ومنذ هذه اللحظة وضع الإسلام نفسه ضد الأنانية الجاهلة، ومع الأنانية العاقلة (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)) هواه يعني أنانيته الجاهلة.. (( إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك)).(( نفسك التي بين جنبيك)) تعني نفسك السفلى، أو نفسك الدنيا، في مقابلة نفسك العليا، أو نفسك الأخرى، التي يرجع إليها كاف الخطاب في (( إن أعدى أعدائك)) فكأنه قال إن أعدى أعداء نفسك الأخرى نفسك الدنيا.. ولأمر ما كثر التعبير في القرآن بكلمتي الدنيا والأخرى.

    وكل ذلك يعني الأنانية الجاهلة في مقابلة الأنانية العاقلة.. وقول الله تعالى (( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)) يعني للنفس العليا، وكذلك قوله (( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها)).

    وما دمنا في منطقة الأنانية الجاهلة، فإن حريتنا لا بد تقيد، لمصلحة مجتمعنا، ولمصلحتنا نحن أيضا، ويجب أن يكون القيد وفق قانون دستوري.. ومن هذا يتضح أن الحرية في الإسلام على مستويين: مستوى الحرية المقيدة بقوانين دستورية، وقد تحدثنا عن القوانين الدستورية، ومستوى الحرية المطلقة. والحر في المستوى الأول، هو الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، على شرط ألا تتعدى ممارسته لحريته في القول، أو العمل، على حريات الآخرين، فإن تعدى تعرضت حريته للمصادرة وفق قوانين دستورية، جزاء وفاقا.

    والحر في المستوى الثاني هو الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة ممارسته لكل أولئك إلا خيرا، وبركة، وبرا بالناس، وأدنى مراتب الحرية الثانية العفو، وصاحب هذه لا ينطوي ضميره المحجب على ضغن على أحد، ذلك لأنه يعلم أن الجريمة إنما تبدأ في الضمير، ثم تبرز إلى حيز القول، ثم إلى حيز العمل. والله تعالى إنما يعني هؤلاء، ولا يعني أولئك، حين قال: (( وذروا ظاهر الإثم وباطنه، إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون)) وهو يعنيهم أيضا حين قال: (( قل إنما حرم ربي الفواحش، ما ظهر منها وما بطن)) وهو أيضا يعنيهم حين قال: (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه، يحاسبكم به الله))..

    وأما أصحاب مرتبة الحرية المقيدة فإن حديث المعصوم يعنيهم حين قال (( إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفوسهم، حتى يقولوا أو يعملوا))

    والحريتان متداخلتان، فالأولى منهما مرحلة اعداد للثانية، إذ لا يبلغ الفرد منازلها إلا بالتمرس بالمجهود الفردي في تربية النفس، بمراقبتها، ومحاسبتها، وترويضها لتصبح موكلة بالتجويد، كلفة بالإحسان. والمراقبة تعني الحضور مع الله دائما حتى لا تتصرف الجوارح فيما لا يرضيه، من فكر، أو قول، أو فعل، والمحاسبة تعني استدراك ما أفلت من ضبط المراقبة، ولما كانت الحرية الفردية المطلقة لا تنال إلا بثمنها، وثمنها، كما قررنا آنفا، هو حسن التصرف في حرية الضمير المغيب، وحرية القول، وحرية العمل، فقد طوع الإسلام عباداته، وتشاريعه، لتبلغ بالفرد هذا المبلغ.
                  

02-06-2004, 03:32 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الشريعة في خدمة الحرية الفردية المطلقة

    شريعة العبادات كلها شريعة فردية لأن مدارها على الضمير المغيب، ولا يطعن في هذا التقرير أن بعض العبادات تؤدى في جماعة، وفي الحق، أن كل أعمال الإسلام في العبادات، والمعاملات، تركز على الضمير تركيزا أساسيا، ومن ههنا جاء قول المعصوم: (( نية المرء خير من عمله)). فالنية تجري من العمل مجرى الروح من الجسد، فإذا خرجت الروح من الجسد فسد، وتحلل، وأصبح هباء منثورا، وإلى ذلك الإشارة الكريمة بقوله تعالى (( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)) ذلك لأنه عمل لا روح فيه، أو قل لا نية صالحة لوجه الله وراءه.

    والخطيئة إنما تبدأ في الخاطر، والخاطر هو حديث الضمير، فإذا كان الضمير المحجب ينطوي على إثم فان خواطره تكون شريرة، ثم لا تلبث هذه الخواطر أن تلح على صاحبها حتى ينطلق بها لسانه، فيكون كلامه شريرا، ثم لا يلبث هذا الكلام الشرير أن يلح على صاحبه حتى يبرز إلى حيز العمل، فيكون عمله شريرا أيضا، فإذا كان الفرد يفكر بالشر في ضميره المغيب، ويتحدث بالشر، وتتحرك أعضاؤه بعمل الشر، فقد وجب أن تسحب حريته، وأن تصادر، بيد أن هذه المصادرة يجب أن تكون لمصلحته هو أولا، ثم لمصلحة الجماعة في المكان الثاني، وهي إنما تكون لمصلحته إذا كان إنما يفيد منها تربية تجعله أهلا لاسترداد حريته من جديد، مع المقدرة على حسن التصرف فيها.

    ومما لا شك فيه ان التشريع، سواء كان تشريع عادة، أو تشريع عبادة، إنما هو منهاج تربوي يرتفع، بالمجتمعات وبالأفراد، من الغلظة، والجفوة إلى اللطف والإنسانية، وكلما كان الناس غلاظ الأكباد، بليدي الحس، كلما شدد عليهم في التشريع، وكبلوا بالقيود والأثقال. فلو أن الناس رعوا ما عليهم، حق رعايته، لما أعنتوا في أمر من أمور معاشهم، ولا أمور معادهم، والله تبارك وتعالى يقول (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم، وكان الله شاكرا عليما؟)) لكن حاجة الناس إلى التربية، والتأنيس، والترويض، هي التي حرمت المحرمات، وهي التي عزمت العزائم، وجاءت المحرمات والعزائم وفق الحاجة إليها. وقد تحدثنا عن التشديد على الفرد عند نشأة المجتمع البشري في سحيق الآماد بما يكفي، فإذا جئنا إلى العصور الحديثة، عصور الديانات الكتابية التي نعرفها، نجد أن القاعدة تطرد ولا تتخلف، فهذا القرآن يحدثنا عن اليهود فيقول (( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا، وأخذهم الربا، وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما)) ويقول أيضا عنهم، (( وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، فتوبوا إلى بارئكم، فاقتلوا أنفسكم، ذلكم خير لكم عند بارئكم، فتاب عليكم، إنه هو التواب الرحيم)).

    فلغظة أكبادهم، وبلادة حسهم، شدد عليهم، فحرمت عليهم الطيبات، وفرض عليهم، في التوبة، أن يقتلوا أنفسهم قتلا حسيا، وهو بسبيل مما تحدثنا عنه في أمر التضحية بالفرد البشري على مذابح العبادة في أول النشأة.

    ولما تقدم الفرد البشري هوناً ما، وأصبح لا يحتاج كل ذلك التشديد ليتربى، خفف عنه، فجاء التشريع في حق الأمة المحمدية يقول (( قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه، إلا أن يكون ميتة، أو دما مسفوحا، أو لحم خنزير، فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به، فمن اضطر غير باغ ولا عاد، فإن ربك غفور رحيم)) وقال في حقهم أيضا، (( يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، إلا أن تكون تجارة، عن تراض منكم، ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)).

    فضاقت دائرة المحرمات في التشريع الأخير، واختصرت إلى أربعة، كلها خبيث، ثم تجاوز حتى عن هذه الأربعة للمضطر، إذا لم يكن باغيا، ولا عاديا على أحد.

    ونهى عن قتل النفس، حين أصبحت تستجيب بأقل من هذا العنف فقال (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)) وهو إنما كان، في شريعته، بنا رحيما لأننا أصبحنا رحماء (( كما تدين تدان)).

    وتواصل القاعدة اطرادها في المزيد من التخفيف على الناس كلما أصبحوا من رهافة الحس بحيث لا يحتاجون الشدة ليتعلموا.. ويبلغ من أمر هذا التخفيف أن ينتقل التحريم من الأعيان الحسية إلى صور السلوك المعنوية، فاسمع القرآن الكريم يحدثنا فيقول: (( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا، ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ قل هي للذين آمنوا، في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون * قل إنما حرم ربي الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، والإثم، والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)) ويقول، (( وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وقد فصل لكم ما حرم عليكم، إلا ما اضطررتم إليه، وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم، إن ربك هو أعلم بالمعتدين * وذروا ظاهر الإثم وباطنه، إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون)).

    فإذا المحرم حقا، وفي آخر الأمر، هو عيب السلوك، ونقص الأخلاق، وإنما حرم المحسوس من الأعيان المحرمة كوسيلة لشفاء النفوس من عيوب السلوك، ومن نقص الأخلاق، وذلك على القاعدة الحكيمة التي تطالعنا بها هذه الآية الكريمة، (( سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)) وحين ينسحب التحريم من الصور الحسية الغليظة إلى الصور المعنوية الدقيقة في عيوب السيرة بين الناس، يواصل هذا الانسحاب حتى يصل خفايا السريرة، وما يحوك فيها من خواطر الإثم، وحين قال (( وذروا ظاهر الإثم وباطنه)) إنما جاء الأمر بترك ظاهر الإثم في مكان الوسيلة، وجاء الأمر بترك باطن الإثم في مكان الغاية. فكأنه قال: أتركوا ظاهر الإثم لتتمكنوا من ترك باطنه، لأنه هو مصدر كل الشرور.. ويصل القرآن بمطاردة الإثم إلى أغوار السريرة حين يقول (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه، يحاسبكم به الله)) وحين يقول (( وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاب من حمل ظلما)) والظلم هنا الشرك الخفي، وإليه يرجع كل الشر، في جميع صوره، وإنما يكون الشرك الخفي في سر السريرة، وأخفى منه ما يكون في سر السر، كما يقول أصحابنا الصوفية والقرآن في ذلك يقول (( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى)) أخفى من السر، وهو سر السر. فأسلوب القرآن في شفاء النفوس من الخطيئة أسلوب عكسي، يبدأ من الخارج، ويسير إلى الداخل. (( سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد؟)) قوله(( سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم)) يعني، في جملة ما يعني، أن السالك في طريق الله، يراقب نفسه، في أول أمره، ويحاسبها، لتترك عيوب العمل، في حين أنها متورطة، في هذه الأثناءة، في عيوب القول، ولكنه يسمح بذلك كنوع من التدريج للنفس، ثم هو، إن استقام له أمر نفسه في ترك عيوب العمل، وكان ذلك منها في سلاسة بينة وانقياد، زحف بها إلى تكليفها ترك عيوب القول، في حين أنها متورطة، في هذه الأثناءة، في عيوب الخواطر، فهي مشوشة الخواطر، كثيرة الثرثرة الباطنية، ولكنه يسمح لها بذلك سياسة لها وتدريجا، إذ كلفها أمرا شاقا في ترك ثرثرة اللسان، ثم هو، إن استقام له أمره على ما يحب في ضبط لسانه، بعد ضبط جوارحه، يكون كل أولئك قد ترك أثرا حميدا في تهذيب الخواطر فيصبح عليه أن يزحف نحوها في ثبات وثقة، يهذبها بعد تشويش، ويسكنها بعد جيشان، فإن هو استقام له أمره على خير ما يحب، وسلم صدره من الوساوس وتنقت السريرة، فقد يبدأ، بصورة جلية، الأسلوب الطردي، بعد أن وصل الأسلوب العكسي إلى هذه المرحلة المتقدمة، ويجئ دور قوله تعالى من الآية السالفة الذكر: (( أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد؟)) ويكون أغلب نظر الإنسان بعد ذلك إلى داخله بعد أن كان مشغولا ومهووسا بالخارج. وعند ذلك توشك المطابقة أن تتم بين السيرة والسريرة، فإن نقاء السريرة ينعكس في استقامة السيرة، ويبلغ صاحب هذه السيرة عتبة الحرية الفردية المطلقة. وكلما تنقت السريرة، كلما استقامت السيرة، فضاقت لذلك دائرة المحرمات، وانداحت دائرة المباحات، على قاعدة الآية الكريمة، (( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم، وكان الله شاكرا عليما؟)) فإذا استمر السير بالساير إلى نهايته المرجوة، وهي تمام نقاء السريرة، وكمال استقامة السيرة، عادت الأعيان المحسوسة إلى أصلها من الحل، وانطبقت الآية الكريمة، (( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا، إذا ما اتقوا، وآمنوا، وعملوا الصالحات، ثم اتقوا، وآمنوا، ثم اتقوا، وأحسنوا، والله يحب المحسنين)).

    وهذه مرتبة متقدمة من مراتب الحرية الفردية المطلقة، التي قد طوع كل تشريع الإسلام ليبلغها الأفراد، ومن أكبر آيات هذا التطويع أن التشريع كله، وفي كل صوره، مبني على المعاوضة، أو قل القصاص (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب، لعلكم تتقون)) والقرآن أيضا يقول، (( ليس بأمانيكم، ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجز به، ولا يجد له من دون الله وليا، ولا نصيرا)) ويقول (( ليجزي الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين، إن شاء، أو يتوب عليهم، إن الله كان غفورا رحيما)) ويقول (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) وهاتان الآيتان هما قوام الأمر كله، في مبنى الشريعة، وفي مبنى الحقيقة.. يعني في عقوبة الدنيا أو ثوابها، وفي عقوبة الآخرة أو ثوابها.

    والقرآن يقول (( ليسأل الصادقين عن صدقهم، وأعد للكافرين عذابا أليما)) فسئل عنه شيخ الطائفة الصوفية، أبو القاسم الجنيد فقال (( يسأل الصادقين، عند أنفسهم، عن صدقهم، عند الله.)) والصدق عند الله مطلق، والصدق عند الخلق نسبي، فيجزي كل صاحب صدق بما يبلغ صدقه بالقياس إلى الصدق المطلق، كما قال (( ليجزي الصادقين بصدقهم)) وهذا الجزاء قصاص في الشريعة، وقصاص في الحقيقة أيضا، كما وردت إلى ذلك الإشارة (( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)) حياة هنا تعني زيادة معرفة. فحين تجازون بالخير على ما عملتم من خير، على قاعدة الحسنة بعشر أمثالها، أو تضاعف، وحين تعاقبون على السيئة بمثلها، أو يعفى عنها، تزيدون حياة على حياتكم السابقة، بارتفاع مدارككم، وصفاء عقولكم، وبسلامة قلوبكم.

    وهذه الزيادة في المدارك، لدى القصاص في الشريعة، لا تحتاج إلى عميق فكر، فهي ظاهرة، وذلك أن الفرد لا يتعدى على حريات الآخرين، أثناء ممارسته لحريته، إلا لجهل، وغباء، وقصور تخيل.. فمن قلع عين أحد، أثناء ثورة غضب، مثلا، لا يفعل ذلك وهو متخيل تماما لمبلغ الألم، وفداحة الضرر، الذي يلحقه بضحيته. فإذا ما اقتص منه، فوضع في موضع الضحية، وقلعت عينه معاوضة منه لفعله ذلك، فقد تحقق غرضان في آن معا، أولهما حفظ حق الجماعة، بردع المعتدي في نفسه، وبجعله نكالا لغيره، وثانيهما إحراز حاجة الفرد إلى سعة التخيل، حيث أعطي الفرصة ليعيش التجربة الأليمة التي فرضها على غيره لقصر في تخيله شدة الألم، وفداحة الخسارة، اللذين تسبب فيهما، وإنه لمما لا ريب فيه أن مثل هذه التجربة الأليمة تجعل من يتعرض لها أكثر إنسانية، في مقبل أيامه، منه في سابقتها، فهو لا يمكن أن يسقط من اعتباره نتائج تصرفه على الآخرين. وهو، على أيسر تقدير، سيكف أذاه عن الآخرين، وقد يحتمل أذاهم أيضا، وسيكون، على التحقيق، كثير الاعتبار لهم، حين يتصرف، وقد يقوده هذا الصنيع، معانا بالعبادة، إلى الكلف بتوصيل الخير اليهم، وهو خليق أن يجد في ذلك رضا نفسه، وطمأنينة قلبه. فإن هو بلغ ذلك فقد وقف على أعتاب الحرية الفردية المطلقة، بفضل ما أصاب من الوعي وسعة التخيل اللذين أفاده إياهما القصاص. وإن هو لم يبلغ هذا المبلغ فحسبه أن يكون واعيا لحدود حريته وحدود حريات الآخرين، وفي ذلك خير كثير. والمعاوضة في حد الزنا تقوم على الرجم، أو على الجلد، حسب مقتضى الحال، وذلك أن الزاني حين ذهب يبحث عن اللذة، حيث كانت، ومن غير اعتبار لشريعة، أذيق الألم ليرده لصوابه، فإن موقع الألم من وادي النفس يقوم على العدوة القصوى، حين تقوم اللذة على العدوة الدنيا، وفي شد النفس إلى الألم، حين تتهافت على اللذة المحرمة، إقامة للوزن بالقسط مما يعينها على الاعتدال، ويجعلها أبعد من الطيش والنزق.

    وحد الخمر يقوم على نفس الأصل، وذلك أن صاحب الخمر حين يسعى في إلغاء عقله، إنما يريد أن يهرب من واقعه ليعيش في دنيا من صنع أوهامه، وأخيلته المريضة، فأريد بألم الجلد أن يرده إلى واقعه المرير ليعمل عقله في تغييره، فإن الواقع لا يتغير بالهروب منه، وإنما يتغير بمواجهته، وإعمال الفكر في تغييره، والله تعالى يقول (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).

    ثم إن العقل، وبه وحده استحق الإنسان الكرامة على الحيوان، هو الإبن الشرعي للقاح اللذة بالألم، منذ سحيق الآماد، وعبر رحلة الحياة الشاقة، فإذا حاف عليه صاحبه، في لحظة من لحظات الضعف، فإن في لدغ الألم لما يعينه على استعادة مكانه من قيادة السفينة في خضم الحياة الصخاب، حتى يبلغ بها بر السلامة.

    وقانون المعاوضة - القصاص - قانون ينبع من أصل في الحياة أصيل، فهو ليس قانون دين بالمعنى المألوف في الأديان، ونحن حين نقرر أن تشاريع الإسلام مبنية على القصاص، إنما نعني الإسلام في حقيقته، لا في عقيدته، والإسلام في حقيقته ليس دينا بما ألف الناس عن الأديان، وإنما هو علم، وما مرحلة العقيدة فيه إلا مرحلة انتقال إلى المرحلة العلمية منه.. مرحلة الشريعة فيه مرحلة انتقال إلى مرتبة الحقيقة حيث يرتفع الأفراد، من الشريعة الجماعية، إلى الشرائع الفردية، التي هي طرف من حقيقة كل صاحب حقيقة.

    (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟، * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا)).. (( هل)) تعني هنا قد و (( الإنسان)) تعني جنس الإنسان. (( لم يكن شيئا مذكورا)) تعني أنه كان يتقلب في المستويات الدنيا من الحياة، لم يظهر فيه العقل، الذي انبنى عليه التكليف، وبه رفع الذكر. و(( نطفة أمشاج)) تعني الماء الصافي المخلوط بالطين، ومنه نشأت الحياة في ظلمات الدهر. وأما قوله (( نبتليه)) فهو روح الآية، لأنه يشير إلى الصراع في البيئة الطبيعية، بين الحي والقوى الصماء، وبينه وبين إخوانه في الحياة، وهو ما سبقت الإشارة الى جانب منه، حين تحدثنا عن نشأة المجتمع البشري، وهذا الصراع، قبل، وبعد نشأة المجتمع البشري، كان ولا يزال، قانونه المعاوضة (( القصاص)).

    قوله (( فجعلناه سميعا بصيرا)) إشارة إلى العقل، والى كون العقل وليد الصراع الذي يهتدي بقانون المعاوضة (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) ووردت بعد الآيتين السالفتين من سورة الدهر الآية (( إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا)).. (( إما شاكرا)) تعني مصيبا، (( وإما كفورا)) تعني مخطئا، وهكذا يرتجح العقل في أرجوحة الخطأ والصواب. وفي ذلك كماله (( إن لم تخطئوا وتستغفروا، فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)) كما قال المعصوم.

    وقانون المعاوضة على مستويين: مستوى الحقيقة، ومستوى الشريعة، وبينهما اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع.. فقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة قوامه قوله تعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة قوامه قوله تعالى (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)).

    وقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة هو الإرادة التي بها قهر الله العوالم فأبرزها إلى الوجود وسيرها إلى الكمال، وهو الحق الذي ورد كثيرا في القرآن (( ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون)) وهو يقول أيضا، (( خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون)) ويقول (( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون)) فالحق هو هذا القصاص الذي تحكيه أحكم حكاية الآيتان، (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) وعبارة (( لاعبين)) في الآية السابقة تشير إلى ما تشير إليه الآيتان من قوله تعالى، (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق، لا إله إلا هو رب العرش الكريم)) وتعني أن العوالم لا بد راجعة إلى الله بفعل قانون المعاوضة هذا (( ليس بأمانيكم، ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجز به، ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا.))

    وقانون المعاوضة في مستوى الشريعة محاكاة محكمة لقانون المعاوضة في مستوى الحقيقة، وهو يسير معه سيرا مصاقبا ولكنه، في سبحاته العليا، أكمل منه وأدق، وهو يقع على ثلاث مستويات، ويحكيه قوله تعالى (( إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى)) والعدل هو القصاص في مستوى (( العين بالعين، والسن بالسن))، (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)). والإحسان هو العفو عن المسئ، (( فمن تصدق به فهو كفارة له)) كما ورد في آية القصاص، (( وإيتاء ذي القربى)) تعني صلة الرحم في معناها الواسع، وهو رحم الحياة. وهذه المستويات الثلاث تحكيها هذه الآية (( وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين)) قوله (( وجزاء سيئة سيئة مثلها)) مستوى العدل من درجة التناصف، وإنما سماها سيئة ليرغب عنها، حيث أمكن ذلك (( ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن عزم الأمور)) وأما قوله (( فمن عفا)) فهو مستوى الإحسان بترك المسئ، والتعطف عليه، والتلطف به، والمحبة له، وذلك قمة الصلاح والإصلاح، وهو أعلى مستويات قانون المعاوضة في الشريعة.

    ولما كان قانون المعاوضة، في مستوى الحقيقة، مرادا به تسيير العوالم إلى الله عن طريق الجسد - عن طريق القهر، فإن قانون المعاوضة، في مستوى الشريعة، مراد به تسيير البشر إلى الله عن طريق العقل - عن طريق الحرية، وفي ذلك الكرامة، كل الكرامة، للإنسان. وفي هذا المقام يجئ حديثنا عن العلاقة بين الإنسان والكون.

    ا
                  

02-06-2004, 03:38 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الفرد والكون في الإسلام

    والعلاقة بين الإنسان والكون ظلت مادة التعليم والتعلم، من لدن فجر الحياة البشرية وإلى يوم الناس هذا، ولقد استعان الإنسان على استجلاء حقيقة هذه العلاقة بالدين، وبالعلم المادي، منذ النشأة، فالدين والعلم المادي تومأن، ولدا في وقت واحد، ودرجا معا، وظلا يتعاونان في مدارج النمو. ولقد كان ميدان العلم المادي لدى الإنسان الأول ضيق جدا، وميدان الدين واسعا، فهو قد اعتنق جميع مظاهر الحياة المادية في البيئة الطبيعية، وفيما وراء المادة بالقدر الذي تعطيه الأحلام في النوم، وتوحيه الأوهام في اليقظة، وهو لم يترك في حيز العلم المادي إلا أشياء قليلة أوحى طول الألفة بأنها لا تحتاج إلى كثير احتفاء. كان الإنسان يشعر أن لكل شئ في الوجود روحا، ورسخت الأحلام فيه هذا الشعور، حتى لقد أصبح يصلي لكل شئ.. يصلي للصيد، ويصلي للزراعة، ويصلي للحصاد، ويصلي لتناول الطعام، ويصلي للسلاح. ثم أخذت الألفة والعادة تعمل عملها، في رفع الرهبة والقداسة عن الأشياء التي اعتادها وقدر عليها، فدخلت منطقة علمه التجريبي، وأخذت بذلك دائرة العلم تزيد ودائرة الدين تضيق، حتى جاء الوقت الحاضر، حيث يزعم بعض المغرورين بالعلم الحديث أن الدين لم تعد له مكانة في حياة الإنسان المتحضر، وما كفر العلم، ولكن بعض العلماء كفروا، برسالة العلم، وبرسالة الدين معا. ذلك بأن العلم لم يدع أنه يبحث عن جوهر الأشياء وحقائقها، وإنما هو يبحث عن ظواهرها وقوانين سلوكها، فهو يعرف خصائص الكهرباء ولا يعرف كنه الكهرباء. بل إن العلم نفسه قد قرر أن المادة، كما نعرفها، إنما هي مظهر لأمر وراءها لا نعرف حقيقته. فقد قال اينشتاين أن المادة والقوى شئ واحد، وجاءت التجارب في انفلاق الذرة بتأييد هذا القول، فالقوى غير معروفة الكنه، وإن كانت بعض القوانين التي توجه سلوكها معروفة.

    وفي الحق ان العلم الحديث داع إلى الله بلسان بليغ، فهو يرينا كل يوم، كيف أن العالم المحسوس، إذا أحسن استقصاؤه، يسوقنا إلى عتبة عالم وراءه، غير محسوس، أو قل لا تدركه الحواس على النحو المألوف، ثم يتركنا هناك وقوفا، في خشوع وإجلال، نلتمس وسائل غير وسائل العلم التجريبي المادي، بها نهتدي في مجاهيل الوادي المقدس، الذي يقع وراء عالم المادة التي نعرفها.

    إن أرباب القلوب قد سمعوا أن الظواهر المادية تنادي إلى الله بصوت عال يقول: إنما نحن فتنة فلا تكفروا! وإن مطلوبكم أمامكم فلا تقفوا معنا!

    قد أنى للانسان أن يعلم أن البيئة التي يعيش فيها إنما هي بيئة روحية ذات مظهر مادي، وهذا اكتشاف جديد أفاده تقدم العلم المادي الأخير، وهو اكتشاف يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم، ذلك بأن عليه أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة، إن كان لا بد له أن يستمر حيا.

    لقد كان الإنسان الأول أحكم منا، في موقفنا الحاضر، حين ظن، أو قل علم، أن لكل شئ في الوجود روحا، والآن، وقد استدار الوجود دورة تامة، فإن التاريخ سيعيد نفسه في الأيام القليلة المقبلة، وهو، كما قرننا في مستهل هذا السفر، لن يعيد نفسه بصورة واحدة، وإنما يعيدها بصورة تشبه من بعض الوجوه، وتختلف من بعضها، عما كان عليه الأمر في سابقه، وسيكون وجه الشبه، في الدورة الجديدة، علمنا أن بيئتنا روحية الجوهر، مادية المظهر. وسيكون وجه الاختلاف أن إدراكنا هذا لن يكون إدراكا ساذجا، جاهلا، وإنما هو أدراك حاذق، عالم، به يعود الدين ليعتنق كل نشاطنا، في كل صغيرة وكبيرة.. يعود علما يتقدم بمنهاج للحياة متكامل، يخاطب العقل، ويحترمه، ويحاول إقناعه بجدوى ممارسة منهاجه في الحياة اليومية، في كل مضطربها، لأمر معاشها، وأمر معادها.

    لقد جاء الإنسان إلى هذه الحياة ولم يكن له في أمر مجيئه تدبير، ولا اختيار، وهو يغادر هذه الحياة، يوم يغادرها، وليس له في ذلك تدبير، ولا اختيار.. والله تعالى يحدثنا في ذلك فيقول، جل من قائل: (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون)) وهذه الصورة القرآنية المتكاملة تعطينا صورة لموضعنا من الكون، إذ نحن مسيرون فيه كالعناصر الصماء تماما، ولن يكون لنا فضل عليها إلا إذا استيقنت نفوسنا أمر هذا التسيير، ثم أذعنا له، عن رضا وعن استسلام، وعن علم ولقد خلقنا الله مستعدين لتحصيل هذا العلم، ولقد أشار إلى هذا الاستعداد بقوله تعالى (( ثم أنشأناه خلقا آخر)) من الآيات السابقة. وفي موضع آخر جاء البيان الواضح، حيث قال: (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)) فهذا الخلق الآخر إنما جاء من نفخ الروح الإلهي فيه.




    الإرادة

    والروح الإلهي المنفوخ في البشر هو الإرادة.. والإرادة صفة متوسطة بين صفتين.. من أعلاها العلم ومن أسفلها القدرة.. وبالعلم والإرادة والقدرة أبرز الله العوالم إلى حيز الوجود، وكذلك البشر إنما يعملون أعمالهم بالعلم والإرادة والقدرة، فوقع الشبه بين الخالق والمخلوق، والى ذلك الإشارة بقول المعصوم: (( إن الله خلق آدم على صورته)).

    والإرادة لله بالأصالة، وللإنسان بالإعارة، وهي هي الأمانة التي أشار إليها تعالى في قوله (( إنا عرضنا الأمانة على السموات، والأرض، والجبال، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا)).. (( ظلوما)) بادعائه لنفسه ما لغيره، و (( جهولا)) بقدر نفسه، حين ظن أنه صاحب إرادة، والذي ورطه في هذا الظلم، وهذا الجهل، خفاء الأمر، ودقة مأتاه، ذلك بأن الله، جلت حكمته، سير الغازات، والسوائل، والجمادات، تسييرا قاهرا ومباشرا، (( قل أانكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين، وتجعلون له أندادا، ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها، وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء، وهي دخان، فقال لها، وللأرض، إئتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين، فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها، وزينا السماء الدنيا بمصابيح، وحفظا، ذلك تقدير العزيز العليم)).

    وهذه هي بيئة الحياة، فلما تهيأ المكان في الأرض خلق فيها الحياة وأودع فيها (( إرادة الحياة)) وهي قوة تعمل، بدوافع حب البقاء، للاحتفاظ بالحياة.. وقانونها السعي وراء اللذة، والفرار من الألم، وأصبح تسيير الله للمخلوقات في هذا المستوى وهو مستوى النبات والحيوان، شبه مباشر، ومن وراء حجاب (( إرادة الحياة)) وهي إنما سميت بإرادة الحياة لأنها تتمتع بما يسمى الحركة التلقائية، وذلك لأن دوافع حركتها، وقوى حركتها، فيما يظهر، مودعة فيها. وهي حركة يستخدمها الحي في تحصيل قوته، وفي الاحتفاظ بحياته، والاحتفاظ بنوعه.

    ثم لما ارتقى الله تعالى بالحياة إلى مرتبة الإنسان، زاد على (( إرادة الحياة)) عنصرا جديدا هو (( إرادة الحرية))، وهي إنما تختلف عن إرادة الحياة اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع. ثم سير الله تعالى البشر من وراء إرادة الحياة، ثم من وراء إرادة الحرية، وأصبح بذلك تسييره إيانا غير مباشر، وتدخله في أمرنا هو من اللطف والدقة، بحيث تورطنا في الوهم الأكبر.. فاعتقدنا أننا نملك إرادة حرة بالترك أو بالعمل.. واليكم آيات هن آية في الدلالة على لطف تدخل إرادة الله في توجيه إرادتنا (( إذ أنتم بالعدوة الدنيا، وهم بالعدوة القصوى، والركب أسفل منكم، ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة، وإن الله لسميع عليم * إذ يريكهم الله في منامك قليلا، ولو أراكهم كثيرا لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر، ولكن الله سلم، إنه عليم بذات الصدور * وإذ يريكموهم، إذا التقيتم، في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا، والى الله ترجع الأمور)).. فانظروا إلى هذا اللطف اللطيف، من جانب الإرادة الإلهية القديمة، إذ تتدخل في تسيير الإرادة البشرية المحدثة!!

    فالنبي يرى أعداءه في منامه قليلين فيصمم على مقاتلتهم، ولو رآهم غير ذلك ما قاتلهم، ثم عند اللقاء، يرى المؤمنون المشركين قليلين فيصمموا على قتالهم. والله هو الذي يري كل فريق من الفريقين أعداءه قليلين، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. كل ذلك من غير أن تنزعج (( إرادة الحرية)) ومن غير أن تشعر بتدخل خارجي في أمر من أمورها، يملي عليها، أو يسلبها حريتها.

    خلق الله الإنسان ضعيف البنية، وبغير مخالب ولا أنياب، ليكون اعتماده على الحيلة أكثر من اعتماده على القوى الجسدية. وجعل طفولته طويلة ليكون اعتماده على الآخرين أكثر من استقلاله بأمر نفسه. وضعف بنيته، وطول طفولته ألجآه ليعيش في جماعات، ولقد تحدثنا عن نشأة الجماعة، وكيف أنها أقامت العرف الذي يقيد نزوات الأفراد، ولقد كان القتل الذريع جزاء وفاقا لكل فرد يتورط في مخالفة العرف الذي ارتضته الجماعة، وقد يكون غضب الآلهة في انتظار هذا الفرد بعد موته، ليذيقه من ألوان العذاب فوق ما أذاقته الجماعة، ولقد كان الخوف من غضب الجماعة، ومن غضب الآلهة يؤرق الفرد، وهو لا يزال يعمل عمله في حمل الأفراد على ترك مخالفات القوانين.

    وبنشأة المجتمع البشري البدائي دخل صراع في البنية البشرية بين قوتين.. بين الحيوان القديم الذي يعمل (( بإرادة الحياة))، وقانونها السعي في تحصيل اللذة بكل سبيل، وبين الإنسان الحديث الذي يعمل (( بإرادة الحرية))، وقانونها تحصيل اللذة التي لا تتورط في غضب الجماعة، ولا غضب الآلهة، بمخالفة العرف المرعي، مما تكون عاقبته ألما باقيا في الحياة وبعد الممات.

    فإذا كانت اللذة المبتغاة لا تنال إلا عن طريق مخالفة أمر الجماعة، وهو دائما أمر الآلهة، فإن اتجاه إرادة الحرية التخلي عن ابتغاء تلك اللذة، رجاء الحصول على لذة أكبر منها، من ثواب الجماعة، ومن ثواب الآلهة، وذلك خير وأبقى. وبهذا دخلت في الحياة القيم التي تجعل الفرد البشري يضحي باللذة الحاضرة في سبيل لذة مرتقبة، أو يضحي باللذة الحسية العاجلة في سبيل لذة معنوية عاجلة أو مؤجلة، كرضا المجتمع عنه، وثقته به، وثنائه عليه، أو كرضا الآلهة عنه، ومجازاتها إياه، في هذه الحياة، أو في الحياة المقبلة.

    واستمر المجتمع البشري ينمو ومعه ينمو عرفه وعاداته، ويتجدد هذا العرف، ويتخذ صورا دقيقة، وحاسمة، ويجئ أنبياء الحقيقة، ويدخل تشريع الحرام والحلال، واعتبارات الجنة والنار، وأوصاف الإله. فان أنبياء الحقيقة، ورسل الإنسانية لم يجيئوا ليقولوا للناس أن لهم خالقا، فإن ذلك قد سبقتهم إليه رسل العقول. ولكنهم جاءوا ليعينوا العقول على معرفة الخالق بتعليمها أسماءه وصفاته وأفعاله.

    وأما أنوار العقول فإنها قد نشأت من نار الاحتكاك الذي ظل جاريا بين (( إرادة الحياة)) و (( إرادة الحرية)) بفعل الخوف القديم، الذي دفعته في قلب الإنسان الأول القوى الصماء، التي زخرت بها بيئته الطبيعية التي عاش فيها.

    ولقد قلنا أن إرادة الحرية لا تختلف عن إرادة الحياة اختلاف نوع، وإنما تختلف اختلاف مقدار، ونعني أن إرادة الحرية هي الطرف الرفيع، الشفاف، من إرادة الحياة.. أو قل هي الروح، حين تكون إرادة الحياة بمثابة النفس.. فإرادة الحياة حواء البنية البشرية، وإرادة الحرية آدمها، والعقل هو نتيجة اللقاء الجنسي بين آدمها وحوائها هذين. وفي مرتبة اللقاء الجنسي الذي ينتج العقل فإن لإرادة الحياة اسما آخر، هو الذاكرة، وإرادة الحرية هي الخيال. والذاكرة هي حصيلة التجارب السوالف جميعها، ومن ثم فقد أسميناها النفس، في موضع آخر، وقد ورد أن القصاص المراد به تقوية التخيل عند من يحتاج أن يوضع بالقصاص في موضع ضحيته. والتخيل هو إسم آخر للذكاء، وهو القدرة الدراكة، والإرادة الكابتة لرغايب النفس التي لا يرضى عنها القانون. والذكاء يعمل في توجيه رغايب النفس بفعل الخوف فيه - أو قل بفعل الرغبة والرهبة فيه - وهو، كلما أحسن السيطرة على رغائبها، كلما زاد قوة ومقدرة على التمييز. وهي قد تزداد مطاوعة، أو تزداد تمردا، تبعا لمقدرته هو على العدل، أو عجزه عنه، وركوبه مركب العنف والشطط.

    وإذ ولد العقل في بيت منقسم، من أبوين متشاكسين.. أم شهوانية، جامحة، شديدة النزوات، كثيرة الرغايب، وأب ضعيف، جبان يسوقه الخوف إلى العنف، فيرد مطالبها في شدة وصرامة، قد تبلغ به أن يحيف عليها ويكبتها في غير موجب للكبت، فإن طفولته لم تكن سعيدة، بل كانت طفولة مشردة، حانقة، كثيرة الجنوح والانحراف، وقد ظهرت عليه خصائص أبويه، وأثر فيه جو البيت الذي ولد فيه، فجاء منقسما على نفسه أيضا، بعضه يقف في مناهضة بعضه الآخر، وقديما قيل (( البيت المنقسم لا يقوم)).

    ولقد ترسب الخوف في أغوار النفس منذ نشأة الحياة، وقبل ظهور البشر على مسرحها، ثم نشب الصراع الطويل بين (( إرادة الحياة)) و (( إرادة الحرية)) الذي صحب ظهور البشر على مسرح الحياة، والذي لا يزال يتسعر ضرامه إلى اليوم، ولقد نتج عن هذا الصراع أن بعض الرغائب المحرمة، والتي كانت تتحرك طليقة قبلا، قد كبلت بالأغلال، وكبتت، وأصبحت حبيسة في سراديب مظلمة من حواشي النفس. وكل هذه الرغائب أصيلة، وكثير منها، لطول ما حبس في الظلام، فقد البصر، وفقد القدرة على الحركة، ولكنه لم يمت، وهو ينتظر أن يفرج عنه، من هذا المحبس يوما من الأيام.

    فالنفس البشرية اليوم معرضة لآفات كثيرة.. خوف ترسب فيها قبل أن تصبح بشرية، وذلك بين فجر الحياة البدائية الأولية، وعهد ظهور البشر على المسرح، وكبت موروث منذ ظهور المجتمع البشري، وإلى أن يولد أحدنا، ثم كبت مكتسب في حياة الفرد، بين ميلاده ووفاته، حيث يتسلط القانون، والعرف، والرأي العام على تكبيل رغائبه التي لا تجد الموافقة على تحركاتها، وتعبيراتها في حرية وطلاقة.

    وكل الكبت بفعل الخوف، فالخوف، سواء كان الخوف البدائي، الساذج، الذي لا مبرر له، أو كان الخوف العاقل، الموزون، المعروف الأسباب، المعقولها، قد ترك طابعه على النفس البشرية بصورة مزمنة.

    والخوف، من حيث هو، هو الأب الشرعي لكل آفات الأخلاق ومعايب السلوك، ولن تتم كمالات الرجولة للرجل وهو خائف، ولا تتم كمالات الأنوثة للأنثى وهي خائفة، في أي مستوى من الخوف، وفي أي لون من ألوا نه، فالكمال في السلامة من الخوف.

    ولن يتم تحرير الفرد من جميع صور الخوف الموروث إلا بالعلم.. العلم بدقائق حقيقة البيئة الطبيعية التي عاش، ويعيش فيها، والتي كانت سببا مباشرا لترسيب الخوف في أغوار نفسه، فإن الخوف جهل والجهل لا يحارب إلا بالعلم.. ومن أجل ذلك وجب الاهتمام بإعطاء الفرد صورة كاملة، وصحيحة، عن علاقته بالمجتمع، وعن علاقته بالكون، وهو ما نحن بصدده منذ حين.

    ا
                  

02-06-2004, 03:47 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الجبر والاختيار

    ومسألة الجبر والاختيار، أو التسيير والتخيير، تمثل جماع العلاقة بين الفرد والكون، وهي مشكلة أعيت دقائقها الفكر البشري في جميع عصوره، وقد أنى لها أن تبرز من جديد، وأن تستحوذ على كل اهتمام المفكرين، ذلك بأن ضرورة فهمها، فهما دقيقا، لا تجئي من قبيل الترف الذهني، كما قد يتبادر إلى بعض العقول، ولا هي مسألة لا تعنينا في أمر معيشتنا اليومية، أثناء الكسب والصرف، كما قد يتبادر إلى بعض العقول الأخرى، وإنما ضرورة فهمها تجيء من الحاجة إلى المنهاج العملي لتحقيق الحرية الفردية المطلقة، والحرية الفردية المطلقة هي منذ اليوم المركز الذي منه تتفرع، وتشع الحرية الجماعية، بجميع صورها، وفي كافة مستوياتها، تدخل في ذلك معيشتنا اليومية، أثناء الكسب وأثناء الصرف.

    والسؤال المزمن هو، هل الإنسان مسير إلى مصير مبرم؟ أم هل هو مفوض إليه ليختار في أمر مستأنف؟

    لقد قرر المعصوم في هذا تقريرا فيه لحاجة المؤمن غناء، كل الغناء، وذلك حين قال: (( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)) ولما قال بعض الأصحاب (( ففيم التعب إذن يا رسول الله؟)) قال (( أعملوا فكل ميسر لما خلق له!)) فانصرف الأصحاب لعملهم، واعتصموا بإيمانهم، فعصمهم ووسعهم. (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم، تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم)).

    فحاجة المؤمن مكفية بالإيمان نفسه، ولكن حاجة المسلم هي التي تحتاج إلى مزيد من العلم يدخل بها مداخل اليقين، ويحرز لها طمأنينة القلب. ألم تر إلى إبراهيم الخليل (( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن؟ قال بلى! ولكن ليطمئن قلبي! قال فخذ أربعة من الطير، فصرهن اليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزء، ثم ادعهن، يأتينك سعيا، واعلم أن الله عزيز حكيم.))

    ولقد خلف من بعد الأصحاب، خلف لم يسعهم في هذا الأمر ما وسع الأصحاب، فبدا لبعضهم، وهم أصحاب الرأي، أن التسيير المطلق مع العقاب على الخطيئة يشبه قول من قال:

    ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

    وهذا ظلم، ولما كان الله تعالى منزها عن الظلم، ولما كان العقاب على الخطيئة ثابتا، في الشريعة وفي الدين، فلم يبق إلا أن يكون الإنسان متمتعا بشئ من الاختيار، به يستحق العقاب، حين يخطئ، ويستأهل الثواب، حين يصيب. وكذلك اعتقدوا، فتورطوا في الشرك من حيث أرادوا التنزيه.. ومد لهؤلاء في غيهم أمران: أولهما أن البداهة، وظاهر الأمر، توحي بأن للإنسان اختيارا يبدو في حركاته الاختيارية، فهو يستطيع أن يمشي، إن شاء، أو أن يجلس، أو أن يقف، هذا إلى جملة حركات أخرى، وسكنات، كلها تقع تحت اختياره وإرادته. وثانيهما أن ظواهر القرآن تقر الإنسان على ما أعطته إياه هذه البداهة المعاشة.

    وهناك أصحابنا الصوفية، وهم، في عمومهم، قد حاولوا أن يكتفوا، من هذا الأمر، بما اكتفى به الأصحاب، ولكن حكم الوقت، وإلحاح الفرق الأخرى، قد اضطر بعضهم أن يقرر أن الإنسان مسير، في كل صغيرة وكبيرة من أموره، وانه مع ذلك، معاقب بالإساءة، مجازى بالإحسان. وليس الله، في كل أولئك، بظالم، لأنه لم يتصرف في ملك غيره. واضطر البعض الآخر أن يقرر التسيير المطلق مع العقوبة، ثم خرج عن مسألة الظلم هذه بقول الله تعالى، (( لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.))

    وأجمع كبار عارفيهم على أن التوفيق بين التسيير المطلق، وهو أمر يوجبه التوحيد، والعقاب، والعدل الإلهي، إنما يلتمس في حكمة العقاب. وذهبوا في البيان مذاهب كانت وافية بحاجة عصرهم، والعصور التي تلته إلى يومنا هذا، ولكننا ما نرى أنها تكفي حاجة الفكر الحديث، منذ اليوم.

    القران والجبر والاختيار

    ولقد بنى أصحاب الرأي رأيهم على القرآن، وساقوا منه آيات بينات للتدليل على صدقهم، ولقد بنى الصوفية، وهم يقفون من أصحاب الرأي موقف النقيض من النقيض، مذهبهم على القرآن أيضا، وساقوا منه آيات بينات للتدليل على صدقهم. ولقد ورطت هذه الظاهرة الغريبة كثيرا من المستشرقين، ممن عنوا بدراسة القرآن، في خطأ جسيم، فظنوا أن بعض القرآن يناقض بعضا، وأسرفوا في ذلك على أنفسهم، وعلى مواطنيهم، والحق، في هذا الأمر، أن للقرآن ظاهرا وباطنا، فظاهره عني بظواهر الأشياء، وباطنه قام على الحقائق المركوزة وراء الظواهر، ثم اتخذ، في نهجه التعليمي، الظواهر مجازا يعبر منها العارف إلى البواطن، وهو في ذلك يقول (( سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟)) والظواهر هنا آيات الآفاق، والبواطن آيات النفوس. وأبواب العقل على آيات الآفاق هي الحواس، والحواس قد جاءت كلها مثاني، من يمين وشمال، على تفاوت في القوة بينهما، فينتج عن هذا أن ما تؤديه العين اليمنى، إلى العقل، من الشئ المرئي، يختلف عما تؤديه العين اليسرى منه إليه. وليست صحة الأمر بينهما. وهذا يعني أن تجري غربلة في العقل، بها يتخلص مما يسمى خداع الحواس، ويخلص إلى الأمر على ما هو عليه في الحق.

    وكثير من العقول الساذجة لا تملك القدرة على الإنعتاق من أسر الحواس، والعقول، على إطلاقها، شديدة الاعتماد على معطيات الحواس، ولما كان القرآن كتاب عقيدة، وشريعة، وحقيقة، ولما لم تكن إلى حقيقته من سبيل إلا عن طريق عقيدته، فشريعته، ولما لم يكن من مصلحة العقيدة أن تصادم دعوتها ما تعطيه البداهة المشاهدة بالعين، فإنه جاءنا بظاهر يجاري الوهم الذي أعطتنا إياه الحواس عن عالم الظاهر، وبباطن يرتكز على الحق الصراح. وهو، بمجاراتنا في وهمنا، إنما أراد أن يدفع عنا المشقة، حيث لم يكن موجب للمشقة،ريثما ينقلنا، على مكث، إلى الحق. ولنسق على ذلك مثلين: مثلا في مستوى مجاراة وهم الحواس، وهو وهم غليظ، ومثلا في مجاراة وهم العقل، وهو وهم دقيق: فأما المثل الأول، فإن القرآن عندما جاء يدعو إلى العقيدة قوما يرون بأعينهم أن الأرض مسطحة، لم يشأ أن يجمع عليهم، إلى مشقة الدعوة إلى عقيدة في الإله جديدة، مشقة الدعوة إلى فكرة جديدة، عن الأرض، تناقض البديهة المرئية بالعين، فجاء في سياقه بآيات عن الأرض لم تزعج المدعوين عما ألفوا من أمرها، فقال (( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون)) وقال (( ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا؟)) وقال (( والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها)) وقال (( والأرض مددناها، وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شئ موزون))، فإذا دخلوا في العقيدة، وعملوا بالشريعة، تبين لهم أن الأرض ليست مسطحة إلا فيما ترى العين، وليس إلى الحقيقة من سبيل إذا أسقطنا ما ترى العين، كل الإسقاط، من حسابنا، كما أنه ليس إلى الحقيقة وصول إذا ظللنا أسرى أوهام الحواس، وإنما الرشد أن نجعل ما ترى الأبصار مجازا إلى ما ترى العقول، وما ترى العقول مجازا إلى ما ترى القلوب، وهو الحق، ثم هو الحقيقة، في الفينة بعد الفينة.

    والمثل الذي يجاري وهم العقل تعطيه هاتان الآيتان، (( لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)) فإن السالك المجود، وهو في أول الطريق، إذا قرأهما فهم من أولاهما أن له مشيئة مستقلة تملك أن تستقيم، كما تملك أن تلتوي، ولم يفهم من ثانيتهما إلا ما تعطيه اللغة، فيجتهد في سبيل الاستقامة في تشمير وجد. حتى إذا نضجت تجربته بالمجاهدة، ومصابرة النفس، علم يقينا أنه لا يملك مع الله مشيئة، وأصبح الخطاب في حقه، ساعتئذ، قوله تعالى (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)) ويعرف أن قوله تعالى (( لمن شاء منكم أن يستقيم)) قد أصبح في حقه منسوخا، بعد أن تخلص من وهم عقله. هذا مع الفهم الأكيد للحكمة التي من أجلها جاءت هذه الآية الكريمة.

    فالقرآن ساق معانيه مثاني.. معنى قريبا في مستوى الظاهر، ومعنى بعيدا في دقائق الباطن، ولكن أصحاب الرأي لم يفطنوا إلى ذلك، فجعلوا الآيات التي تجاري أوهام الحواس، والتي تجاري أوهام العقول، سندهم، وبنوا عليها علمهم، فضلوا كثيرا وأضلوا.

    وأما الصوفية فقد تفطنوا إلى ذلك، وعلموا أن أوهام الحواس، وأوهام العقول، يجب التخلص منها بأساليب العبادة المجودة، التي تبلغ بهم منازل اليقين المحجبة بحجب الظلمات، وحجب الأنوار.

    القرآن والتسيير

    (( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)) ومن الظالمين من يعتمد على العقل، في فهم حقائق الدين، كل الاعتماد.

    والقرآن قد جعل وكده تركيز فهم التسيير في العقول، بالطائفة المستفيضة من آياته، فإذا استقرت مدركات العقول في طوايا الصدور، ظهر أن ليس في القرآن حرف لا يدعو إلى وحدة الفاعل.. فوحدة الفاعل هي أصل التوحيد، وقاعدته، وبتجويد وحدة الفاعل تتبع كل مستويات التوحيد الأخرى. وأمر التسيير هو وحدة الفاعل هذه. فلنستمع إلى طائفة من هذه الآيات (( هو الذي يسيركم في البر، والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة، وفرحوا بها، جاءتها ريح عاصف، وجاءهم الموت من كل مكان، وظنوا أنهم أحيط بهم، دعوا الله، مخلصين له الدين، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق، يأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم، متاع الحياة الدنيا، ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون.))

    هذا أوضح كلام في التسيير الإلهي للناس، وقد أشار إشارة لطيفة إلى علة الغفلة، وهي سعة الحيلة، فإننا إذا احتلنا في أمورنا، ونجعت حيلتنا في حل مشاكلنا، مد لنا هذا النجاح في أسباب الغفلة، فتوهمنا أنا أصحاب إرادة مختارة. والحيلة في البر أوسع منها في البحر، ولذلك قال (( هو الذي يسيركم في البر، والبحر)) ثم ذهب يفصل أهوال البحر التي تظهر أمامها قلة حيلتنا وعندها (( دعوا الله، مخلصين له الدين، لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين)) فلما جاءت دعوتهم بلسان حالهم أنجاهم، تبارك وتعالى، ثم قص علينا ما كان من أمرهم فقال (( فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق)) يعني لما خرجوا من أهوال البحر، ووطئوا البر، واستشعروا القدرة على الحيلة، رجعت إليهم غفلتهم، وادعوا إرادة واختيارا. وهو هنا يذكرنا بأن الذي يسيرنا في البر هو الذي يسيرنا في البحر، فيجب ألا نكون من الغافلين.

    وقوله تعالى (( إني توكلت على الله، ربي وربكم، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على سراط مستقيم)) وقوله تعالى (( أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض، طوعا وكرها، وإليه يرجعون؟)) وقوله تعالى (( أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم؟ قل الله خالق كل شئ، وهو الواحد القهار)) وقوله تعالى (( تسبح له السموات السبع، والأرض، ومن فيهن، وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا)) وقوله تعالى (( والله خلقكم وما تعملون)) أي خلقكم وخلق أعمالكم. وقوله تعالى (( ما أصاب من مصيبة في الأرض، ولا في أنفسكم، إلا في كتاب، من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور * الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد)) وفي جميع هذه الآيات حكمة تربوية بالغة، يستفيد منها من استيقن أمر التسيير.

    التسيير ما هو؟

    أول ما يجب توكيده هو أن الله لا يسير الناس إلى الخطيئة، وإنما يسيرهم إلى الصواب، قال تعالى عن لسان هود (( إني توكلت على الله، ربي وربكم، ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها، ان ربي على سراط مستقيم.)) ومعنى هذا أن الله مسير كل دابة على السراط المستقيم، وكل دابة مهتدية، حالا، ومآلا، ما دامت في طاعة الله، وليس من شئ في الوجود بمفلت عن هذه الطاعة، ولكن الله تبارك وتعالى يريد أن يكون المطيع مدركا لهذه الطاعة، وبهذا وضع خطا فاصلا بين الهدى والضلال، ما دونه ضال، ومن فوقه مهتد، وهنا دخل اعتبار الإيمان والكفر. وليس الاختلاف بين الإيمان والكفر اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار، فالمؤمن علمه أكثر من الكافر.. أو قل أن المؤمن يطيع الله وهو عالم بذلك، والكافر يطيع الله وهو جاهل بذلك، والله تعالى يقول (( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ، وهو العزيز الحكيم)) هو يعلم ذلك ولكنهم لا يعلمون، وهو يريد لهم أن يعلموا. و (( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟)).

    إن إرادة الله لا تعصى، ولكن الله يريد أن ينقل الخلائق من طاعة ما يريد، إلى طاعة ما يرضى، فإنه سبحانه وتعالى أراد شيئا لم يرضه. فهو تعالى يقول (( إن تكفروا فإن الله غني عنكم، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم.)) فكأنه يقول، إن تكفروا فإنكم لم تكفروا مغالبة لله، وإنما كفرتم بإرادته، ولكنه لا يرضى لكم ما أراده لكم. والرضا هو الطرف الرفيع من الإرادة. أو هو قمة هرم قاعدته الإرادة، فالإرادة في مرتبة (( الثنائية))، والرضا في مرتبة (( الفردانية))، ففي الإرادة يدخل الكفر والإيمان، ولكن بالرضا لا يدخل إلا الإيمان.

    والأمر التكويني أعلى من الإرادة. فقمته رضا وقاعدته إرادة فهو هرم مكتمل، وتفصيل ذلك يجئ في آخر يس حيث يقول جل من قائل (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)). والأمر التشريعي يمثل قمة هرم الأمر التكويني، حين تكون قاعدته إرادة، والله تعالى حين قال (( وإذا أردنا أن نهلك قرية، أمرنا مترفيها، ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)) إنما أراد بالأمر هنا الأمر التكويني في مستوى قاعدة هرمه، وهو إرادة. وحين قال (( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، قل إن الله لا يأمر بالفحشاء، أتقولون على الله ما لا تعلمون؟)) إنما أراد الأمر التشريعي ومعنى (( إن الله لا يأمر بالفحشاء)) إن الله لا يرسل رسلا، ويؤيدهم بالمعجزات، ثم تكون شرائعهم داعية إلى الفحشاء (( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم، والنبوة، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كمنتم تدرسون * ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون؟)).

    فالأمر التشريعي دعوة لإخراج الناس من إرادة الله إلى رضاه تعالى، ومن اجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقال فيها (( ان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون))..

    ومع أن الأمر التشريعي وحدة، إذا ما قورن بالإرادة، فإنه، لدى النظر الدقيق، ذو شكل هرمي أيضا، قاعدته الشريعة الجماعية، وقمته الشريعة الفردية، وقمة هرم الأمر التشريعي هذه، تكون لقمة هرم الأمر التكويني قاعدة، وهذا الأخير قمته عند الله، حيث لا حيث. وإلى هذه القمة الدقيقة، الممعنة في الدقة، الإشارة بقوله تعالى (( إنا كل شئ خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر)) وهكذا يظهر بوضوح هرم الكائنات، قمته التنزل الأول إلى مرتبة الاسم، وهو مرتبة الشريعة الفردية وقاعدته التنزل الأخير إلى مرتبة الفعل، وهو مرتبة التعدد، في الأحياء والعناصر، وأسفل السافلين فيها هو الدخان، وهو بخار الماء ومنه خلقت الأشياء، والأحياء. قال تعالى: (( ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها، وزينا السماء الدنيا بمصابيح، وحفظا، ذلك تقدير العزيز العليم)) وأدنى من ذلك إلى قاعدة هرم الخليقة قوله تعالى عن هذا الدخان (( أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون؟)) وحين كانت قمة هذا الهرم عند الله فقد كانت القاعدة بعيدة عنه، وليس البعد هنا بعد مسافة، وإنما هو بعد درجة. فقمة هرم الخليقة، وهي مرتبة الشريعة الفردية، في عالم الملكوت. وقاعدة الهرم في عالم الملك، وعالم الملكوت مهيمن على عالم الملك، حتى أن عالم الملك بمثابة الظلال لعالم الملكوت، فعالم الملك هو عالم الظاهر، وعالم الملكوت هو عالم الباطن، أو قل عالم الملك هو العالم المحسوس، حيث التعدد، وعالم الملكوت هو عالم المعاني، حيث الوحدة، وليس معنى هذا أن ليس في عالم الملكوت محسوس، ولكن معناه أن محسوسه هو من اللطف بحيث لا يحس إلا بالحاسة السابعة.. وسلطان العاشقين، ابن الفارض إنما عنى هذا اللطف اللطيف حين قال:

    ولطف الأواني في الحقيقة تابع للطف المعاني والمعاني بها تنمو



    ذلك بأن لكل معنى حسا، ولكل حقيقة شريعة، فكل معنى من المعاني، أو حقيقة من الحقائق هي ذات شكل هرمي، له قمة وله قاعدة، وكلما دقت القمة دقت القاعدة تبعا لذلك، أو قل، إن شئت، كلما دق المعنى دق الحس.

    قال تبارك وتعالى (( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ، وإليه ترجعون)) فملكوت كل شئ هو فرديته. وإليه ترجعون توكيد لهذا الفهم، لأن الرجوع إلى الله إنما يكون بتقريب صفات العبد من صفات الرب. فكأن الخلائق مسيرة إلى فردياتها بجمعيتها، من التعدد في الوحدة، بفضل التوحيد.

    قوله تعالى (( والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون * فما يكذبك بعد بالدين * أليس الله بأحكم الحاكمين)).. لقد ذكرنا أن ظاهر القرآن عنى بآيات الآفاق، وباطنه عنى بآيات النفس البشرية. والكرامة عند الله للبشر، وليست للسموات ولا للأرض، بل إن النملة عند الله أكرم من الشمس، لأن النملة دخلت في سلسلة من الحياة والموت، لم تتشرف بها الشمس، وهي تتطلع إليها، وترجوها بشق النفس. ومن أجل ذلك فإنا لن نتحدث عن تفسير الظاهر في هذه الآيات، ومن أراده فليلتمسه في أي من كتب التفاسير، فهو مبذول.

    أقسم الله بنفسه حين أقسم بقوى النفس البشرية (( يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به، والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا)) وهذه النفس الواحدة التي خلقنا منها إنما هي نفسه تبارك وتعالى. و (( التين)) النفس، و (( الزيتون)) الروح، و (( طور سينين)) العقل، و (( هذا البلد الأمين)) القلب،. وقد أسلفنا القول بأن العقل هو نتيجة لقاح النفس والروح، ونقول هنا أن العقل هو طليعة القلب، ورائده إلى المعرفة، وهو له بمثابة عكاز الأعمى، يتحسس به الطريق، أو قل، إن شئت، أن العقل يقوم من القلب مقام الحواس منه هو. وهو حين يقوى، ويستحصد، ويصبح يتلقى مداركه عن الحواس جميعها في كل لحظة، يصير الحاسة السادسة المرتقبة، ذلك بأن الحياة إنما بدأت بحاسة واحدة ثم تقدمت، في سحيق الآماد، إلى الحاسة الثانية، فالثالثة، فالرابعة، فالخامسة، وهي منطلقة في طريقها إلى الحاسة السادسة، ثم الحاسة السابعة، وتلك نهاية المطاف. ولا يكون الترقي بعدها إلا بتطوير هذه الحواس السبع نفسها، لا بزيادة في العدد عليها. فالحاسة السادسة إذن هي العقل، حين يستحصد، ويصبح قادرا على أن يذوق،ويشم، ويلمس، ويرى، ويسمع، كل شئ، وفي لحظة واحدة. فإذا بلغ العقل هذا المبلغ، فإنه يعرف قدر نفسه، ويعلم أن مكانه خلف القلب لا أمامه، ويسمع، ويحاول أن يطيع، قول العارف الجنيد: (( وقدم إماما كنت أنت أمامه)). ولكن طاعة هذا الأمر هي أشق الأشياء عليه، وهي لا تتحقق إلا الفينة بعد الفينة، وفي قمة السلوك المجود. ولا يطول المكث فيها، إذ يرد الخطاب من خضر القلب، على موسى العقل (( إنك لن تستطيع معي صبرا)) ولكن هذه اللحظة القصيرة، التي يطيقها موسى كل فرد مع خضره هي زنة الدهر الدهير، لأنها خارج الدهر.. وهي مقام (( ما زاغ البصر، وما طغى)) وعندها يشاهد السالك من ليس يحويه الدهر.. هذا مقام الشهود الذاتي بسقوط كل الوسائط، في تلك اللحظة يبلغ القلب مبلغ الحاسة السابعة وفيها يكون السالك وترا.

    ثم لن يلبث العقل أن يدركه ضعفه، فيجهل قدر نفسه، ويتقدم على القلب، وعندها يصبح العابد شفعا، ويحجب بأنوار العقل عن شهود الذات، ولا يشهد إلا تجلياتها في مرتبة الاسم، أو في مرتبة الصفة، أو في مرتبة الفعل، وأدناها مرتبة وحدة الفاعل، والسالك في مراتب حجب النور صاحب شرك خفي، وهو صاحب شريعة فردية، ومن ثم فهو في ملكوته.

    قوله تعالى في الآيات السوالف (( لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويم)) إشارة إلى خلقه في عالم الملكوت، وهو قمة هرم الخليقة، وذلك في عالم الأمر، وقوله (( ثم رددناه أسفل سافلين)) إشارة إلى خلقه في عالم الملك، وهو قاعدة هرم الخليقة، وذلك عالم الخلق (( ألا له الخلق والأمر)) وعالم الخلق هو أيضا الذي أشار إليه بقوله (( إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر)) وقصة الخلق في أحسن تقويم، ثم الرد إلى أسفل سافلين، تحكيها هذه الآيات (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، انك انت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال، ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات، والأرض وأعلم ما تبدون، وما كنتم تكتمون؟ * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس، أبى واستكبر، وكان من الكافرين * وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة، فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا، بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر، ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما يأتينكم مني هدى، فمن تبع هداي، فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون * والذين كفروا، وكذبوا بآياتنا، أولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون)).

    خلق آدم في عالم الأمر كاملا، وعالما، وحرا، وكانت حريته منحة لم يدفع ثمنها، فامتحنه الله ليرى كيف يصنع فيها، فقال (( يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة، فتكونا من الظالمين)) وكانت الشجرة التي نهي عنها هي نفسه، في الباطن، وزوجه في الظاهر، فلم يحسن التصرف في حريته فيؤثر أمر الله على أمر نفسه، وإنما اختار نفسه عن ربه، وفسق عن أمره، واتصل بزوجه، فصودرت حريته، إذ عجز عن حسن التصرف فيها، وهبط إلى حيث يلقى عقوبة المخالفة، وحيث يبدأ باسترداد حريته بدفع ثمنها، حتى تكون عزيزة عنده، فلا يفرط فيها مرة أخرى، لأن الحرية التي لا يدفع ثمنها لا تعرف قيمتها، ولا يدافع عنها. قال تبارك وتعالى يحذر حبيبه محمدا من حالة آدم (( فتعالى الله الملك الحق، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه، وقل رب زدني علما * ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي، ولم نجد له عزما)).. (( ولقد عهدنا إلى آدم)) يعني أخذنا عليه عهداً بأن يحسن التصرف في حريته فيختار الله دائما. (( فنسي ولم نجد له عزما)) نسي عهدنا، وضعف عزمه عن التزام واجب الحرية، فتهالك أمام إغراء زوجه، ورغبة نفسه، فأساء استعمال حريته فصادرناها. و (( كذلك نفعل بالمجرمين)).

    وحين عصى آدم ربه عن نسيان، وعن ضعف عن مراغمة النفس، عصاه إبليس عن قصد مبيت، وعن استكبار، ولقد قص الله علينا من خبره فقال (( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم، أجمعون * إلا إبليس، استكبر، وكان من الكافرين * قال يا إبليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من العالين؟ قال أنا خير منه، خلقتني من نار، وخلقته من طين! * قال فاخرج منها، فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك، وممن تبعك منهم أجمعين)) وقد كان إبليس عابدا، ولكنه كان متكبرا، فحجب بنفسه، عن ربه، ولم تنفعه عبادته، وكان إبليس عالما، ولكن علمه كان علم ظاهر، ولم يصحب بعلم باطن، ولذلك لم يكن تقيا، ولا كان ذكيا، فهو يقسم بعزة الله، (( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين)) والآية الأخيرة من دلائل علمه، إذ علم أن عباد الله المخلصين لا طاقة له بهم، ولكن علمه كما قلنا علم ظاهر بلا تقوى في الباطن. وأما آدم وحواء فقد قالا (( ربنا ظلما أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)).

    ومهما يكن من الأمر فإنهم جميعا قد عصوا أمر ربهم، وصاروا بالمعصية غلاظا، كثافا غير منسجمين مع تلك البيئة اللطيفة، فهبط بهم وزنهم الكثيف، من سلم الترقي إلى الدرك، وهو ما سمي في آيات (( والتين)) أسفل سافلين، وكان ترتيبهم في الهبوط إبليس أولا، متبوعا بحواء، ثم آدم، وفي بيئتهم الجديدة احتوشتهم الشرور، من كل جانب، ولكنهم ما لبثوا أن تأقلموا، ونسوا ما كانوا فيه من كمال إلا قليلا، واستجاب الله دعاء إبليس، فأنظره إلى يوم يبعثون، فلبث في أسفل سافلين، من غير ترق منه، لأنه لم يطلب الترقي، وإنما طلب الإنظار. واستجاب الله دعاء آدم وحواء، فلم يلبثا في أسفل سافلين إلا ريثما أدركتهما المغفرة التي طلباها في ساعة مخالفتهما أمر ربهما (( إن رحمة الله قريب من المحسنين.))

    وقد يظن ظان حين يقرأ في الآيات السوالف من سورة (( والتين)) قوله تعالى (( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون)) أن الاستثناء هنا يعني أنهم لم يردوا إلى أسفل سافلين، وهذا خطأ. والحق أن هذه الآية وسابقتها تؤديان المعنى المؤدى بقوله تعالى (( وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا * ثم ننجي الذين اتقوا، ونذر الظالمين فيها جثيا)) فنجي، من أسفل سافلين، آدم وحواء وبدأ ترقيهما، بفعل المغفرة والرحمة، وترك إبليس، حيث لم يفكر في التغيير.

    قوله (( فما يكذبك بعد بالدين؟)) الدين الجزاء، وهو المعاوضة، وهو القصاص، وفيه إشارة إلى قانون القصاص، الذي قلنا أن الإسلام بني على حقيقته، وشريعته، والإشارة ترمي إلى إرشادنا إلى أن الإنسان، إنما رد من مقام أحسن تقويم، إلى درك أسفل سافلين، بحكم قانون المعاوضة، جزاء وفاقا.

    قوله (( أليس الله بأحكم الحاكمين)) تزكية لقانون المعاوضة، وتذكير لنا بالحكمة المودعة فيه.

    (عدل بواسطة منصوري on 02-06-2004, 06:03 PM)

                  

02-06-2004, 03:54 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    المغفرة لآدم وحواء

    كيف غفر لآدم؟ إن الله أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فأطاعوا، وأمر إبليس أن يسجد لآدم فعصا، فأما الملائكة فقد أطاعوا الأمر التشريعي، وهم (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)) وأما إبليس فقد عصا الأمر التشريعي، ولكنه بالمعصية، أطاع الأمر التكويني، وليس له من ذلك بد. والسجود يعني تسخير الملائكة لآدم، وتسخير إبليس، على تفاوت في التسخيرين. فتسخير الملائكة إعانة على الخير، وهداية إلى الحق، وتسخير إبليس دلالة على الشر، وإضلال عن الحق، وآدم متنازع بين الخير من أعلى، والشر من أسفل، وهو في الحالتين ساير إلى الله. (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة)) فالنعم الظاهرة هي العوافي، والنعم الباطنة هي المصائب.. وكلها رحمة، وإن كانت النفوس تنفر من المصائب، وترتاح إلى العوافي، ولكن الله تبارك وتعالى يقول (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم، وأنتم لا تعلمون))، وكل المصيبة في نقص العلم.

    فإذا تصورت أول مخلوق بشري قائم على الخط الفاصل بين الحيوانية والإنسانية، وتصورته رأس سهم التطور، فقد تصورت آدم الخليفة في الأرض، وهو في مرحلة من مراحل تطوره من بدايات سحيقة، ولكنها مرحلة تحولية، دخلها بقفزة فريدة، نتجت عن استجماع فضائل شتى، اختزنها أثناء تطوره الطويل، المرير، من تلك البدايات السحيقة، وتلك القفزة هي المعبر عنها بقوله تعالى (( ثم أنشأناه خلقا آخر)) من الآيات الكريمات (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين)).

    وهي بعينها المعبر عنها بقوله تعالى (( ونفخت فيه من روحي)) من الآيتين الكريمتين (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته، ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين)). (( فإذا سويته)) هذه، تشير، بإجمال معجز، إلى سلسلة التطور التي بدأت من بخار الماء، حيث كانت السموات والأرض سحابة واحدة، والى أن استعد المكان لنفخ الروح الإلهي فيه. ولقد قلنا أن الروح الإلهي هو (( إرادة الحرية)) التي توجت (( إرادة الحياة)) فارتفع بها الإنسان فجأة فوق الحيوانات العليا. ولم توجد إرادة الحرية فجأة بعد عدم، وإنما برزت بعد كمون طويل فهي بمثابة الزبدة التي مخضها العراك من لبن الحياة، ولقد تحدثنا عنها آنفا وقلنا أنها دخلت في عراك مع إرادة الحياة، وأن العقل نتيجة هذا اللقاء.

    وإرادة الحياة نبتت من الأرض، وعوامل السماء فيها موجودة، ولكنها أضعف من عوامل الأرض. وإرادة الحرية نشـأت من الأرض، ولكن عوامل السماء فيها قوية، فبها القامة البشرية قامت على الرجلين، وخصصتهما للمشي، وفرغت بذلك اليدين لمزاولة أعمال ذات صلة بالعقل أكبر، وكذلك استطاعت أن تدير رأسها، بسهولة، ويسر، على ما حولها، وما فوقها، فترى الشمس والقمر والنجوم، وأن تمشي سوية، تهتدي في مسالك الأرض، وفي طرائق السماء (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى، أم من يمشي سويا على سراط مستقيم؟))

    وآدم، في الوجود، متنازع بين الملائكة من أعلى، والأبالسة من أسفل، فهو برزخ الوجود كله، وهو في ذلك عقل الوجود أيضا، والله تبارك وتعالى يعنيه حين قال، جل من قائل (( مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان)) والبحران هنا هما: بحر الأرواح العلوية، التي أشرقت بالطاعة، وبحر الأرواح السفلية التي انكدرت بالمعصية.

    وعقل آدم، في آدم، متنازع بين (( إرادة الحياة)) وهي النفس، من أسفل، و (( إرادة الحرية))، وهي الروح، من أعلى، وهو أيضا برزخ، والله تعالى يعنيه، في الآيتين الكريمتين السالفتين، وهو معناهما الباطن، وآدم معناهما الظاهر.

    والنفس قانونها ابتغاء اللذة بكل سبيل، واجتناب الألم بكل سبيل أيضا. ولذلك فهي تطيع الأمر التكويني، وتثقل عليها طاعة الأمر التشريعي، لأنه يضع لها الحدود، وهي في ذلك أشبهت إبليس.

    والروح قانونها الحرام والحلال، وهي تبتغي من النفس أن تستعصم عن اللذة العاجلة إذا كانت حراما، وذلك ابتغاء اللذة الآجلة الحلال، وفرارا من الألم المترتب على تعاطي اللذة الحرام، سواء كان هذا الألم معجلا أو مؤجلا. ولذلك فهي ترتفع من طاعة الأمر التكويني، إلى طاعة الأمر التشريعي. وهي في ذلك أشبهت الملائكة.

    وآدم، في هذه المرحلة البدائية من تطوره، قيل له كل من هذا، ولا تأكل من هذا.. أي قيل له هذا حرام وهذا حلال، فإن هو قوي على مراغمة النفس، وعصا أمرها بالسوء، واجتنب الحرام، فقد أحسن التصرف في حريته، واستحق أن يزاد له فيها، والله تعالى يقول (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟)) وجزاء الإحسان مضاعف، وذلك محض فضل. اسمعه يقول، (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، وهم لا يظلمون)). وقد تضاعف أضعافا كثيرة، وقد تضاعف بغير حساب.. اسمعه تبارك وتعالى يقول (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم)) فههنا الحبة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، فذلك سبعمائة ضعف، ثم قال، فوق ذلك، ((والله يضاعف لمن يشاء)) كأن يكون سبعة آلاف ضعف، أو سبعين ألف ضعف، فإذا قال (( والله واسع عليم)) فقد خرج عن العدد، إلى السعة المطلقة.

    وإن هو لم يقو على مراغمتها، وضعف أمام إغرائها، واسترسل في تحصيل شهوتها الحرام، فقد أساء التصرف في حريته، وعرضها، من ثم، للمصادرة. فإن كان سوء تصرفه هذا فيه اعتداء على حق من حقوق الجماعة، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الشريعة، وآيته من كتاب الله قوله تبارك وتعالى: (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)).

    وإن كان سوء تصرفه إنما يقع وباله على نفسه وحدها، دون غيرها من الأنفس، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الحقيقة، وآيتاه من كتاب الله قوله تبارك وتعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)). هذا ولا يظنن أحد ان قانون المعاوضة في الشريعة، دائما، كان في هذا الإحكام الذي وردت به التوراة، ثم أقره الإنجيل من بعدها، ثم جاء القرآن بتأييده وإقراره. ذلك بأنه قانون يتطور مع تطور المجتمع البشري، ويتأثر بمستوى دقة العقل البشري ومقدرته على مضاهاة قانون الحقيقة الذي هو أصله، والذي كان، ولا يزال، في منتهى الإحكام، وهو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها.

    والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب. وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحدود، وهي أربعة.. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق.. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض، وحفظ المال، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا. ويلي هذه الحدود حد السكر، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس، والعين بالعين.

    ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل، ولا تحيف، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير.
                  

02-06-2004, 04:00 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    B]
    كيف غفر لآدم؟

    الجواب غفر له بإعطائه حق الخطأ. وهذا يعني أن حريته لم تصادر مصادرة أبدية فيقام عليه وصي إلى نهاية ذلك الأبد، كما فعل بإبليس، وإنما أذن له في استردادها، وبدأ بممارسة ما يطيق منها، فهو يعمل في ذلك بين الخطأ والصواب، فكلما أحسن التصرف في الحرية التي لديه أوتي مزيدا منها، وإن بدرت منه إساءة في التصرف تحمل نتيجة سوء تصرفه بعقوبة معاوضة، ومقابلة للخطيئة، يراد بها إلى شحذ قوى نفسه، حتى تتأهل، أكثر من ذي قبل، لتحمل واجب الحرية في ذلك المستوى الذي بدر منها العجز عنه.. ثم إن هذه العقوبة يتجلى فيها اللطف الإلهي كما يليق به، فهو يجازي بالحسنة عشر أمثالها، وقد يضاعفها حتى تخرج عن الحصر، وهو لا يجازي بالسيئة إلا مثلها، وقد يعفو عنها، وقد يبدلها حسنة، وقد يضاعفها، بعد ذلك، أضعافا لا حد لها، فهو تبارك وتعالى يقول (( والذين لا يدعون مع الله الها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق آثاما، يضاعف له العذاب، يوم القيامة، ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب، وآمن، وعمل عملا صالحا، فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما)) ولقد ألهم آدم كلمات فتلهمها، فكانت سببا إلى التوبة، فالمغفرة، (( فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم)) ولقد كانت تلك الكلمات هي (( ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)).

    هذه هي المغفرة لآدم بعد أن أصبح بشرا عاقلا، ولقد أنفق آدم دهرا دهيرا قبل أن يبلغ هذه المرتبة الرفيعة.. قال تعالى في ذلك، (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا)) يعني قد أتى على آدم عهد سحيق، لم يكن فيه مكلفا، ولا مسئولا، لأنه لم يبلغ مبلغ العقل، ولقد تحدثنا عن هذا آنفا، وقلنا أن الله سير الحياة، من لدن ظهورها بين الماء والطين، والى أن بلغت مبلغ العقل، تسييرا شبه مباشر، وقانونها يومئذ هو قانون المعاوضة في الحقيقة، وآيتاه من كتاب الله، كما سبق بذلك التقرير، هما الآيتان الكريمتان (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)) وهو قانون يعمل دائما على تنمية الخير، ومحو الشر، وذلك بسوق الحياة إلى كنف الله الرحيم.

    هذا التسيير في مراقي القرب هو المغفرة لآدم، من لدن النطفة الأمشاج، وإلى أن أصبح بشرا مكلفا، فماذا كان آدم قبل هذا؟ وكيف غفر له؟ اسمع (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين)) فقبل أن يصبح آدم نطفة مختلطة بالطين - نطفة أمشاجا - قد كان ذرة من بخار الماء، الذي هو أصل الحياة، كما يخبرنا تبارك وتعالى (( أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شئ حي، أفلا يؤمنون؟)) وهذه الذرة هي أصل سلالة الطين. وإنما غفر له في هذه المرحلة بهذا التسيير المباشر، بالقهر الإرادي، الذي حفز الحياة إلى الله وأزعجها إلى قربه، فارتقت المراقي، وبلغت المبالغ. وقانون هذه الإرادة الإلهية، هو قانون المعاوضة في الحقيقة أيضا.

    وهذه المغفرة لآدم في مستوياتها المختلفة هي بعينها التسيير، فالناس مسيرون، من مرتبة العناصر إلى مرتبة الحياة ومن مرتبة الحياة البدائية إلى مرتبة الحياة المتقدمة الراقية المعقدة، ومن هذه إلى مرتبة الحرية الجماعية بدخول العقل في المسرح، ومن مرتبة الحرية الجماعية، إلى مرتبة الحرية الفردية المطلقة، والتسيير يطرد في هذه إلى غير نهاية، لأنه سير إلى الله في إطلاقه.

    التسيير خير مطلق

    بدخول العقل في المسرح نشأ قانون المعاوضة في الشريعة، وهو قانون فج، إذا ما قيس إلى قانون المعاوضة في الحقيقة، ولكنه يدق، وينضبط، كلما قوي العقل واستحصد. وهو القانون الحادث، ويحكي الإرادة البشرية، المحدثة. وهو إنما يستهدف إتمام الانطباق على القانون القديم، الذي يحكي الإرادة الإلهية القديمة.. وهيهات!!

    والإنسان مسير من البعد إلى القرب، ومن الجهل إلى المعرفة، ومن التعدد إلى الجمعية، ومن الشر إلى الخير، ومن المحدود إلى المطلق، ومن القيد إلى الحرية.

    والتسيير، من بدايته، هو رحمة في صورة عدل، وهو أكبر من العدل - (( فالرحمة فوق العدل))- وقد أسلفنا القول في ذلك.

    والتسيير حرية، لأنه يقوم على ممارسة العمل بحرية (( مدركة)) في مستوى معين، فإذا أحسن المتصرف التصرف زيد له في حريته، فارتفع مستواه بالتجربة والمرانة، وإن لم يحسن التصرف تحمل مسئوليته بقانون حكيم يستهدف زيادة مقدرته على حسن التصرف، وهكذا، فكأن الإنسان مسير من التسيير إلى التخيير، لأن الإنسان مخير فيما يحسن التصرف فيه، مسير فيما لا يحسن التصرف فيه، من مستويات الفكر، والقول، والعمل.

    هناك حديث قدسي جرى من الله تعالى لنبيه داوود: (( يا داؤود! إنك تريد، وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد)) ولقد قرر الأمر من الوهلة الأولى حين قال، في صدر الحديث، (( وإنما يكون ما أريد،)) فدل بذلك على أن إرادة الله هي النافذة.

    وحين قال (( فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد)) دل على أن إرادة الإنسان تكون نافذة المفعول إن هو أراد الله. فإن قلت فهل هو يملك أن يريد الله؟ قلنا هو لا يملك من تلك الإرادة إلا ما ملكه الله تعالى إياه، فانه سبحانه وتعالى يقول (( ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء)) وهو يشاء لنا في كل لحظة أن نحيط بشئ من علمه، وإلى ذلك الإشارة بقوله (( كل يوم هو في شأن)) وشأنه هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه، وليس يومه أربعا وعشرين ساعة، وإنما يومه وحدة زمنية التجلي، وقد تنقسم فيه الثانية إلى جزء من بليون جزء، حتى ليكاد الزمن أن يخرج عن الزمن، كل ذلك وفق ما أودع الله في المكان من قابلية التلقي، ولما كان القيد على قابلية التلقي لا يخضع إلا لحكمة المطلق، فهو قيد في حرية، وضيق في سعة، ومن أجل هذه الرحمة المطلقة فإننا أصبحنا نشعر بأننا نملك إرادة حرة، وهذا الشعور أوجب علينا أن نحسن التصرف في حرية إرادتنا هذه. وحسن التصرف في حرية الإرادة إنما يكون بأن نريد الله، ولا نريد سواه، فان نحن قمنا بذلك عن يقين مكتمل.. فكرا، وقولا، وعملا، فإنه يمدنا بمزيد من حرية الإرادة، وإن نحن أسأنا التصرف في حرية الإرادة، فأردنا سواه، صادر حريتنا بما يعلمنا كيف نحسن التصرف في مستأنف أمرنا، وحسن تصرفنا منه منة، وسوء تصرفنا منه حكمة، وهدف الحكمة أن يستعد المكان لتلقي المنة، وكل ذلك إنما يجري في لطف تأت، لا ينزعج معه لنا خاطر، ولا يمحى معه لنا وجود.

    ونحن لا نختار أنفسنا عن الله إلا لجهلنا، وليس الجهل ضربة لازب علينا، وإنما نحن نخرج عنه إلى العلم كل لحظة. فإن قلت فلماذا لم نخلق علماء، فنكفى بذلك شر الجهل، وسوء التصرف في الحرية، وما يترتب على سوء التصرف من عقوبة؟. قلنا أن العقوبة هي ثمن الحرية، لأن الحرية مسئولية، والمسئولية التزام شخصي في تحمل نتيجة العمل، بين الخطأ والصواب. ولقد خلق الله خلقا علماء لا يخطئون، ولكنهم ليسوا أحراراً، ولقد نتج عن عدم حريتهم نقص كمالهم... أولئك هم الملائكة، فإن الله فضل عليهم البشر، وذلك لمكان خطئهم وصوابهم، أو قل لمكان طاقتهم على التعلم بعد جهل، وإلى ذلك الإشارة بحديث المعصوم (( إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)) فكأن الخطائين المستغفرين هم موضع نظر الله من الوجود، لأنهم سيصيرون إلى الحرية، والحرية المطلقة، وهي حظ الله العظيم.. وكل مقيد مصيره إلى الحرية، والحرية المطلقة في ذلك، وكل جاهل مصيره إلى العلم، والعلم المطلق في ذلك أيضا. والله تبارك وتعالى يقول (( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) ويقول (( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا ترجعون؟)) وملاقاة الله، والرجوع إليه، لا يكون بقطع المسافات، وإنما يكون بتقريب الصفات، من الصفات. ومن أجل ذلك قررنا أن التسيير خير مطلق، وهو في حقيقة أمره خير، في الحال، وخير، في المآل.

    وسيجئ وقت ينتهي فيه الجهل بفضل الله في التسيير، وإلى ذلك أشار المعصوم حين قال (( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، ولعلمتم العلم الذي لا جهل بعده، وما علم ذلك أحد!! قالوا ولا أنت؟ قال ولا أنا!!)) قالوا ما كنا نظن الأنبياء تقصر عن شئ!! قال (( إن الله أجل وأعظم من أن ينال ما عنده أحد!!)) وكلما قل الجهل، وزاد العلم، قل الشر، ورفعت العقوبة، عن المعاقبين، في تلك المنطقة التي وقعت تحت علمهم.

    فالعقاب ليس أصلا في الدين، وإنما هو لازمة مرحلية، تصحب النشأة القاصرة، وتحفزها في مراقي التقدم، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب، فيوضع عنها إصره، وتبرز نفس إلى مقام عزها.

    وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار، وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس إلى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل إلى نفاد.

    والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقا، فجعل بذلك الشر أصلا من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمديا يصبح انتقام نفس حاقدة، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.

                  

02-06-2004, 04:06 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    القضاء والقدر

    هناك ما يسمى سر القدر، وهو الطرف الرفيع من القضاء، ولقد وردت الإشارة إليه في قوله تعالى (( إنا كل شئ خلقناه بقدر * وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر)) فالقضاء هو هذا الأمر الواحد الذي خرج عن الزمان والمكان، كما تفيد عبارة (( كلمح بالبصر)) والقدر هو تنفيذ القضاء، وإبرازه في حيز الزمان والمكان، على مكث، وتلبث، وتطوير.

    والقضاء والقدر وردت الإشارة اليهما أيضا في آية أخرى، وهي قوله تعالى (( يمحو الله ما يشاء، ويثبت، وعنده أم الكتاب)) فقوله تعالى (( يمحو الله ما يشاء،ويثبت)) إشارة إلى القدر، وهي في ذلك إشارة إلى التطور، بتعاقب صور الكائنات، فقد أسلفنا الإشارة إلى أن الحياة تتقلب في الصور، ابتغاء أن تكون ثابتة في الصور كما هي ثابتة في الجوهر، وهيهات!!.. وقوله (( وعنده أم الكتاب)) يعني القضاء، يعني سر القدر.

    واليهما أيضا الإشارة بقوله تعالى (( وإن من شئ إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم)) فقوله (( وما ننزله إلا بقدر معلوم)) تعني القدر، وقوله (( وإن من شئ إلا عندنا خزائنه)) تعني القضاء، تعني سر القدر أيضا.

    فالقدر منطقة ثنائية، حيث الخير والشر، والعلم والجهل، ولكن القضاء منطقة وحدة، حيث يختفي الشر، ولا يبقى إلا الخير المطلق، عند الله، حيث لا عند. وهذا ما يسمى عند أصحابنا بسر القدر، وهو أمر لم يكن عندهم مما يصح البوح به، وذلك مراعاة لحكم الوقت، وتأدبا بأدبه.

    وهناك سابقتان لكل مخلوق: سابقة في القضاء، وسابقة في القدر.. فأما السابقة في القضاء فهي خير مطلق لكل الخلائق، وأما السابقة في القدر فهي: إما خير، وإما شر، وأمرها مغطى على الناس، وقد تدل، على هذه السابقة، اللاحقة، وهي ما يكون عليه الإنسان في حياته اليومية من صلاح أو طلاح، وأمر اللاحقة غير مغطى على أصحاب البصائر، الذين يعرفون عيوب العمل بالشريعة، وإرسال الله الرسل، لكشف اللاحقة، بتفصيل الشريعة، وتغطيته تعالى السابقة في سر لوحه المحفوظ، ألزم عباده الحجة، وأوجب عليهم العمل بأوامر الشريعة، ونواهيها، (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)) ولقد قال، جل من قائل، في ذلك (( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم، ما لهم بذلك من علم، إن هم إلا يخرصون)).. ما لهم بمشيئة الرحمن من علم، لأنها مغطية عنهم، وإنما لهم علم بشريعة الرحمن، وقد أمرتهم ألا يعبدوا إلا إياه، وقوله (( إن هم إلا يخرصون)) تعني إلا يكذبون، وذلك لأنهم لا يردون الأمور كلها لله، في أمور معاشهم، وفي كسب أرزاقهم، وما ردوها إليه في أمر عبادتهم إلا لقلة يقينهم بالآخرة، إذا ما قيست إلى الدنيا.

    وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن أن الله خير محض، تسكن إليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك، ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيرا محضا، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار.

    ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيرا، وإنما هو مخير. ذلك بأن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيا حياة الله، وعالما علم الله، ومريدا إرادة الله، وقادرا قدرة الله، ويكون الله.

    وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقا بقوله تعالى عن نفسه، (( كل يوم هو في شأن)) والى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال (( تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم)) وقد قال تعالى (( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)).

    وفي حق هؤلاء قال تعالى (( لهم ما يشاءون عند ربهم، ذلك جزاء المحسنين)) فقوله (( لهم ما يشاءون)) يعني هم مخيرون وقوله (( عند ربهم)) يعني مقام العبودية، لأنه لا يكون عند الرب إلا العبد، وقوله (( ذلك جزاء المحسنين)) يعني بالمحسنين من أحسنوا التصرف في الحرية الفردية المطلقة، وذلك باستعمالها في تحقيق العبودية لله، فإنه تعالى قد قال (( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون)).

    ههنا منطقة فرديات، والشرائع فيها شرائع فردية، والداعية فيها إلى الله، الله نفسه.. يقوم فيها العبد في مواجهة الرب، وقد سقطت من بينهما الوسائط، ورفعت الحجب - حجب الظلمات وحجب الأنوار- العبادة فيها عبودية، والعمل فيها ملاحظة السابقة، وضبط اللاحقة عليها، حتى يستقيم الوزن بالقسط، إذ محاولة العبد هنا أن يكون لربه كما هو له، وهذا معنى أمر الرب سبحانه حين قال (( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)) فإذا كان حضور العبد مع الرب كحضور الرب مع العبد، تماما، فقد أقيم الوزن بالقسط.. وهيهات!! ولا بأس هنا من استطراد بسيط إلى القيمة العملية من العبادة، ذلك بأن قيام العبد في مواجهة الرب، وقد سقطت من بينهما الوسائط، تعني اللقاء بين الحادث والقديم، وقد رفعت من بينهما الحجب، والحادث هنا العقل والقديم القلب، وهو ما يعبر عنه أيضا بالعقل الباطن. وهذه الحجب هي جثث الرغبات المكبوتة على سطح العقل الباطن، بفعل الخوف الموروث، في سحيق الآماد، من لدن النشأة البشرية الأولى، وهي (( الرين)) الذي وردت الإشارة إليه في قوله تعالى (( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)).

    ولا يمكن أن يبلغ الفرد الحرية الفردية المطلقة وهو منقسم على نفسه، وبعضه حرب على بعض. بل لا بد له من اعادة الوحدة إلى بنيته، حتى يكون في سلام مع نفسه، قبل أن يحاول أن يكون في سلام مع الآخرين، فإن فاقد الشئ لا يعطيه. وهو إنما يكون في سلام مع نفسه حين لا يكون العقل الواعي في تضاد، وتعارض مع العقل الباطن، ويومئذ تتحقق سلامة القلب، وصفاء الفكر. وبعبارة أخرى، تتحقق حياة الفكر، وحياة الشعور، وتلك هي الحياة العليا.. وتوحيد القوى المودعة في البنية إنما يتم بأن يفكر الإنسان كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، وهذا هو مطلب القرآن إلينا جميعا، حين قال، عز من قائل، (( يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)).

    وإنما يفض التعارض القائم، بين العقل الواعي والعقل الباطن عن طريق فهم التعارض القائم بين الفرد والجماعة، وبين الفرد والكون وقد بينا فضل الإسلام في ذلك، وهكذا يتضح ان ضرورة فهم علاقة الفرد بالجماعة، والفرد بالكون، فهما دقيقا إنما تجئكن الحاجة العملية إلى المنهاج الذي به يتم تحقيق الحرية الفردية المطلقة، ولا يتم بمنهاج سواه.

    بقي شئ.. وهو أن هنالك خطأ يتورط فيه كثير من المفكرين، وذلك حين يظنون أن القول بالتسيير فيه سلبية والحق غير ذلك.. ذلك لأن تغطية ما سبق به القدر، وكشف ما جاءت به الشريعة، قد أوجبا على الإنسان العمل بأوامر الشريعة، ونواهيها، جهد الإتقان، والإحسان، ثم الرضا بعد ذلك بما عسى أن يكون مكتوبا عند الله ومقدرا، وذلك توكلا عليه، وثقة به - ولقد قال المعصوم (( إن الله كتب الإحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته.)) بل إني لا أعلم إيجابية تبلغ إيجابية من يعمل الواجب المباشر جهد الإتقان (( لأن الله قد كتب الإحسان على كل شئ)) ثم يرضى بالنتيجة مهما كانت من غير أن تذهب نفسه حسرات عند الخيبة، أو يستخفه الفرح عند النجاح، والله تبارك وتعالى يربينا، في ذلك ويؤدبنا، بقوله جل من قائل (( ما أصاب من مصيبة، في الأرض، ولا في أنفسكم، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور.))



    الخلاصة

    وخلاصة الأمر في علاقة الفرد بالكون هي أن موضعه منه ليس موضع اللدد والخصومة، ولا موضع المناجزة والمصاولة التي لا تهدأ حتى تبدأ من جديد، في صعيد جديد.

    إن الإنسان هو ثمرة الكون، وصفوته، وهو فيه ملك في مملكته، مكانه منها مكان السياسة الحكيمة، والإدارة القديرة والعدل الموزون. وقد تأذن رب الكون أن يجعل الإنسان خليفته عليه، فهو يعده لهذه الخلافة بالتربية والتعليم والإرشاد الحكيم. وقد خيل الجهل للإنسان أنه مقصود بالعداوة، في غير رحمة ولا هوادة، فأصبح يحارب في غير محترب، ويعادي في غير موجب للعداوة، وهو لن يبلغ مبلغ الخلافة إلا إذا شب عن العداوات، وعلم أنه أكبر من أن يعادي، ولم يصبح في قلبه مكان إلا للمحبة.. فإن الله يحب جميع الخلائق.. غازها، وسائلها، وحجرها، ومدرها، ونباتها، وحيوانها، وإنسانها، وملكها، وإبليسها.. فانه تبارك وتعالى إنما خلق الخلائق بالإرادة.. والإرادة (( ريدة)) وهي المحبة.. ولن يكون الإنسان خليفة الله على خليقته إلا إذا اتسع قلبه للحب المطلق لكل صورها وألوانها، وكان تصرفه فيها تصرف الحكيم، الذي يصلح ولا يفسد. ولا يعوق الحب في القلوب مثل الخوف. فالخوف هو الأب الشرعي لكل الآفات التي إيف بها السلوك البشري في جميع عصور التاريخ.. ولا يصلح الإنسان للخلافة على الأرض، ولا للتصرف السليم في مملكته وهو خائف.. وليس هناك أسلوب، ولا نهج للتربية يحرره من الخوف غير الإسلام.. فان بالإسلام يتم سلام الإنسان مع نفسه، ومع ربه، ومع جميع الأحياء، والأشياء.. قال تعالى (( يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين)) السلم يعني الإسلام، ويعني السلام.. وهما بمعنى واحد (( ولا تتبعوا خطوات الشيطان)) فيغري بينكم العداوة، والبغضاء.. والإشارة إلى العداوة وردت في قوله تعالى (( إنه لكم عدو مبين))..


    إنتهي...من كتاب( الرسالة الثانية من الإسلام) للأستاذمحمود محمدطه

    (عدل بواسطة منصوري on 02-06-2004, 04:11 PM)

                  

02-07-2004, 03:15 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    هي آية من آيات الفكرة الجمهورية...حكاية البحث في علاقة الفرد بالجماعة والفرد بالكون... ومعضلة فكرية كبيرة.أعيت الفلاسفة والمفكرين، على مر العصور..تحدث فيها هنا الأستاذ محمود بتفصيل وتبويب..
    ..........
    أظهر فيها الأستاذ محمود عظمة الإسلام ومقدرته على فك هذا التعارض، في اسلوب علمي دقيق..وعملي..
                  

02-08-2004, 06:20 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    بالسهر والعرق والدموع والدماء والخوف واخيراً العلم بنت البشرية هذا الصرح العظيم،(المجتمع)وثمرته( الإنسان الحر)
                  

02-09-2004, 10:14 PM

منصوري
<aمنصوري
تاريخ التسجيل: 09-28-2003
مجموع المشاركات: 2504

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: علاقة الفردبالجماعةوعلاقةالفرد بالكون في التفكير الفلسفي وفي الفكر الجم (Re: منصوري)

    الفرد البشري..مركز دائرة الوجود.. وموضع نظر الله، وسيد مملكة في مملكته، بغض النظر عن لونه وجنسه واعتقاده ولغته..هذا ما هو مدخر له..عند عناية الهية متفردة بالحكمة والرحمة..(منصوري)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de