|
دار أبوك..
|
البيان 14/1/2004
دار أبوك..
بقلم :د. حيدر ابراهيم
يتصدر هذا المقال مثل سوداني شهير يردده السودانيون كثيرا، يقول: «دار ابوك ان خربت اخد لك فيها شلَّية» ويفسر الشيخ بابكر بدري هذا المثل في كتابه الامثال السودانية، كما يلي: «دافع عن وطنك ما استطعت فان آل الى الخراب حقاً وحصل اليأس من سلامته فخذ نصيبك من غنيمته ـ يضرب للمبالغة في البحث عن المصلحة» (ص26 ويبدو ان هذا المثل شاع عندما ظهر انهيار الدولة المهدية امام التدخل الاجنبي. ويظهر ان اتفاقية السلام السودانية تعيد الى الذهن هذا المثل تماماً، خاصة فيما يتعلق بتقسيم الثروة والتي انتهى الطرفان من اقرار اتفاقها خلال الاسبوع الفائت.
لا يمكن لاي سوداني عاقل ووطني الا يفرح بقدوم السلام ولكن العاقل يتساءل ايضا: اي سلام نريد لهذا الوطن الجريح؟ هل السلام المرتبط عضوياً وحتمياً بالتحول الديمقراطي والتنمية المنتجة والوحدة الوطنية متعددة الثقافات ام سلام الغنائم والنسب المئوية والكيلو مترات؟ كما كنا نريده سلاماً سودانياً قومياً مجمعاً عليه بعيدا عن الضغوط والمراقبة الخارجية وعن ثنائية المشاركة. لان ما يعيب هذا السلام انه يجيء تحت ضغط خارجي صريح رغم نفي الطرفين، فخلال كتابة هذا المقال اسمع في لندن ـ صباح السبت ـ ان الطرفين يكثفان العمل ويسرعان في خطواتهم من اجل التوقيع خلال عشرة ايام وهو موعد القاء الرئيس بوش لخطابه عن حال الامة! (وسيكون الاخير قبل الانتخابات المقبلة). كما ان مشاهد مراسيم التوقيع تظهر جيدا مدى وجود الوجوه الاوروبية البيضاء داخل القاعة (ليسوا من الاعلاميين). ولم يكن الاجانب خلف الكواليس كما يفترض، بل القت هيلدا جونسون وزيرة التنمية والتعاون النرويجية كلمة واعربت عن سعادتها بأن تكون ضمن من عملوا على دعم المفاوضات بين الحكومة والحركة عبر منبر شركاء الايغاد. ومن الواضح انهم ـ أي الشركاء ـ يتدخلون في كل التفاصيل ويرابطون هناك لا يسمحون للمفاوضين السودانيين بالمماطلة والمناورة.
من الواضح ان عيب هذا الاتفاق يكمن في مدى الدور الخارجي فمن البديهي اننا نعيش في عالم صار قرية كونية كما ان المصالح صارت اكثر تشابكاً ولكن كل هذا لا يبرر غياب الارادة السياسية الوطنية. فالامر هنا معكوس، من المفروض ان يرتب السودانيون امورهم وبعد ذلك يقبلون من يريد ان يدعم او يتوسط، وهذا وضع عادي ومعروف. ففي هذه المفاوضات قد تتعقد مسألة معينة وتكاد تعصف بالجولة او توقفها. ثم فجأة يتم حلها ويجلس المفاوضون مبتسمين يوقعون على وثيقة ما.
يضاف الى عيب الضغوط الخارجية ان المفاوضات استمرت حتى النهاية ثنائية ولا يبدو في الافق ان الاطراف المختلفة حريصة على توسيع قاعدة المشاركة وضم القوى السياسية بهدف جعلها جزءا من الاتفاق حتى ولو جاءت في الآخر. ولكن وجودها كان يمكن ان يلزمها اخلاقياً بتأييد الاتفاق، هذا لا يهم الطرفين الباحثين عن مجد سياسي وضمانات حكم لسنوات مقبلة يخشون من انقاص حجم السلطة المتوقعة.
ان خطورة هذا السلام هي في الفراغ السياسي الشامل، اذ يجيء السلام والقوى السياسية تعاني من تلك الانيميا الفكرية والتنظيمية. فالجماهير ابتعدت عن الحزب الحاكم بسبب الاذلال والتجويع والافقار الذي مارسه النظام الذي يسنده حزب المؤتمر الحاكم. اما الاحزاب المعارضة فقد اكتفت بالادلاء بآرائها في الاستطلاعات الصحفية التي صارت بديلا عن اللقاءات الجماهيرية والحشد والمواكب حتى لو كانت سلمية تؤيد الاتفاق. ولان كل شيء يصنعه الان غير السودانيين، لذلك تجيء التحليلات سطحية والتوقعات خائبة ويتكرر الحديث لدرجة الضجر. رغم ان مثل هذه اللحظات التاريخية هي تحد كبير يحتاج الى قدر من الاستجابة في حجمه. ومن هنا يأتي خوف اخر ان نقابل الاحداث العظام بعقول العصافير وأفعال ميت ـ الاحياء.
تثير نقاط الاتفاق الخوف اكثر من الامل في المستقبل. فقد كان من المتوقع ان يكون الاتفاق عادلا ومتوازنا يتحدث عن تقسيم الثروة كحق وفي الوقت نفسه يؤكد صناعة وخلق الثروة كواجب. وان يركز الطرفان على الترتيبات الامنية وفي الوقت نفسه يقرران رفع حالة الطواريء لانها اصبحت نافلة مع وجود الامن. وقد لاحظت ان مفاهيم مثل الوحدة الوطنية غائبة في هذه الاحاديث التي يغلب عليها الجانب الفني على حساب الرؤية الفكرية. وهذا امر طبيعي بعد ان تنازل الطرفان عن مرتكزاتهما ومشاريعهما فالحركة الشعبية رمت بمقررات اسمرا 1995 بعيدا ولم تجلس مع حلفائها في التجمع الوطني. وحزب المؤتمر الوطني ـ الجبهة الاسلامية سابقاً ـ نسي مشروعه الاسلامي.
وهذه ملاحظة عابرة، فسيكون محافظ البنك صاحب المشروع الاسلامي المفترض، مسئولا عن بنوك ربوية في جنوب السودان. فقد تم الاتفاق على نظامين للتعامل المصرفي يشرف عليهما مركز من قبل «الدولة الاسلامية». كل هذا يظهر التهافت في انهاء الحرب. وستكون فترة ما بعد السلام هي فترة تقسيم شلَّية دار الاب التي خربت بسبب عقوق وتقاعس الابناء. http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?pagename=Bayan%...ge&cid=1051779713041
=====
السودان لكل السودانيين
|
|
|
|
|
|