ادونيس: أن أسئلة الحاضر تحتّم أجوبةً تنبثق من الحاضر نفسه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 04:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-09-2004, 08:29 AM

omar ali
<aomar ali
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 6733

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ادونيس: أن أسئلة الحاضر تحتّم أجوبةً تنبثق من الحاضر نفسه



    الجريمة, الأثَر, المعنى


    - 1 -

    تَقتضي نهاية صدّام حسين تأمُّلاً فكرياً, عميقاً وشاملاً, لا في الاستعمار وحده, ولا في الاحتلال وحده, ولا في الديكتاتورية وحدها, ولا في العنف والقتل والإرهاب وحدها, وإنما تقتضي الى ذلك, وربما قبل كلّ شيءٍ, التأمّل العميق الشامل في البنية التاريخية - السياسية - الاجتماعية التي أدّت الى الظاهرة الصدامية, ثقافةً وسلطةً وممارسةً.

    لم يهبط صدّام حسين على أرض العراق, من السماء, مصادفةً أو قَدَراً. وإنما خرجَ من هذه الأرض ومن بين أبنائِها. من تاريخٍ معيّن, ومن ثقافةٍ معيّنة. وما فعله لم يفعله بفكره وحده, أو بيديه وحدهما. كان حولَه "حشدُه" الخاصّ, و"جيشه" الطيّع.

    إنّه تأمّلٌ مفروضٌ على كلّ من يُعنى بواقع العرب ومصيرهم. وهو مفروضٌ, بخاصّةٍ, على "رفقائه" و"المتعاونين" معه, و"مادحيه". وعلى أولئك الذين كانوا يهلّلون له, ويتلقّفون أمواله من أقصى اليمين الى أقصى اليسار. من لبنان حتى الجزائر مروراً ببلدان العرب الأخرى. وبالأخصّ على الشعراء والكتّاب الذين كانوا يتقاطرون الى "مَرابدهِ", ويتغنّون بـ"بطولاته" و"أمجاده" و"منجزاته": "أمّ المعارك", و"قادسيّاته", و"حَلَبْجاتِه", ومختلف "معاركه" "الكبيرة" و"الصغيرة".

    وسواءٌ اعتقدَ هؤلاء أنّ نظام صدّام حسين أُقيمَ من أجلهم, أو من أجل فلسطين, أو من أجل "القوميّة" و"الوحدة" و"الاشتراكيّة" وما أشبه, فإنّ المسؤولية الفكريّة والإنسانيّة والتاريخية تفرض عليهم جميعاً أن يقولوا لنا, اليوم, في ضوء تجاربهم وعلاقاتهم وفي ضوء ما يكابده العراق, ما يرونه في التجربة الصَّدَّامية, فيما وراء الاحتلال, وفيما وراء "المقاومة".

    - 2 -

    مرّةً ثانيةً, ليس صدام حسين من أنشأ العراق, وإنما العراق هو الذي أنشأه. فما هذا العراق الذي يُتيح نشوء نظامٍ وحشيّ كمثل النظام الصّدّاميّ؟ ما دور التاريخ, والمذهبية الدينية, والفكر المتوارَث في هذا النشوء؟ وهل تمكن إقامة نظامٍ ديموقراطيّ حقاً يتساوى فيه العراقيون, حقوقاً وواجباتٍ, إذا استمرّ العراقيون والعرب "يَجهلون" أو "يتجاهلون" هذا الدور, أو استمروا في "تعليقه, وإرجاءِ النظر فيه, بحجة "الظروف والأوضاع", أو بحجج أخرى؟ عِلماً أنّ مِثْلَ هذه الحجج قائمٌ أبداً. كان قائماً في الماضي, وهو قائمٌ في الحاضر. ولعلّ بعضهم يسهر عليه ويكتنزه لكي يُلوّحَ به في المستقبل.

    إن بُنى هذا التاريخ وهذه المذهبية الدينية وهذا الفكر المتوارَث متأصِّلةٌ في العراق والبلدان العربيّة كلّها. وإذا كان العربُ عاجزين عن تَحْليلها وتفكيكها, من أجل الخلاص منها وتخطّيها نحو آفاقٍ إنسانيةٍ أخرى, فإنها ستظلّ العائق الأول في وجه حيويتهم وتقدمهم. ولن ينتجوا, في أفضل الحالات, إلا تنويعاتٍ على النظام الصدّامي. وسوف تظلّ الى ذلك, حاجزاً كثيفاً يفصل بين الإنسان ونفسه, وبينه وبين الحياة والواقع.

    وطبيعي أنّ ما يصحّ هنا في الكلام على العراق, يصحّ كذلك على البلدان العربية, بشكلٍ أو آخرَ, قليلاً أو كثيراً.

    - 3 -

    الثقافة "الثورية" التي تبنّت الأنظمة العربية (أو تبنَّتْها هذه الأنظمة), إنما هي وليدةٌ لتلك البُنى. كانت "فراغاً" آخر, و"اجتراراً" آخرَ, و"موتاً" آخر. وبهذا "الموت" و"جيوشه" المتنوّعة موّهتِ التشظيات الحية العميقة في الحياة العربية, وحاربت جميع أشكال الانشقاقات والانفجارات والانبثاقات في "مادة" الحياة العربية - لغةً, ولوناً, وصوتاً. أو لنقل: حاربَتِ الإبداعَ في مختلفِ اتجاهاته وتجلِياته وأشكاله. وهكذا رسَّخت سلطوية الثقافة, وثقافة السلطة, ودعمتِ الأنظمة في تجميد حركيّة المجتمع, وفي جعله يواصل عيشَه وفكره, لا في حاضر المستقبل, بل في حاضر الماضي - في القبيلة والعشيرة والولاء المذهبي الديني - الايديولوجي. وهي ظاهرةٌ يتيح الوضع العراقي, اليوم, أن نراها في أوضح صورها. إنها ظاهرةٌ تكشف عن أن الزمن, بوصفه ماضياً, هو الذي كيَّفَ العرب, مُلْتهماً حياتهم وحضورهم. وأنّهم كانوا مجرّد بُعْدٍ من أبعاد الزمن, خلافاً للمجتمعات الحية, الخلاّقة, التي تكيّف الزمن وتخلقه بحيث يُصبح بُعداً من أبعاد حركيتها الابداعية. ولن يكون استمرار هذه الظاهرة إلا نذيراً بأنه سيظل هناك دائماً "بربريٌّ" يقف على أبواب العرب, في انتظار اللحظة والإشارة.

    - 4 -

    على الرغم من أن "الثورات" العربية, منذ بدايات النصف الثاني من القرن المنصرم, قد حققت بعض الأعمال المهمة, داخلياً وخارجياً, فإن من الممكن القول إنها, في المنظور الثوري, منظور التغيير الجذري, قد آلت الى الفشل, على جميع الأصعدة. وهو فشَلٌ نتجَ عنه مزيدٌ من التراجع في ميادين المعرفة, ومزيدٌ من التخلّف والانهيار في ميادين الاجتماع والاقتصاد. ولا أظنُّ أنّ هذا المآل يمكن أن يُفَسَّر بالديكتاتورية وحدها, أو بالاستعمار وحده, وإنما يجب أن يُفسر كذلك بأسبابٍ أخرى تكمن في تلك البُنى, أو تكمن, على الأقل, في طُرق فهمها, وفي أشكال الارتباط بها, ومستويات الأخذِ بقيمها وتعاليمها. وتُوِّجَ هذا الفشَلُ, ثقافياً, بإلغاء "الذاتية" و"الموضوعية" معاً, وتِبْعاً لذلك, بإلغاء الأشياء, والمجتمع والعالم - بحيث تَنْصَهِرُ جميعاً في بوتَقةِ "القيادة" وسلطاتِها ومخططاتها. ولئن كان الإنسان لا يقدر أن يفكّر أو ينتج علماً وفلسفةً وفناً إلا بصدوره عن ذاتيّته, حرّةً مستقلةً, وإلا بارتباطه بالعالم, وبمجتمعه من حيث هو كلٌّ لا يتجزّأ, فإنّ مفكري الأنظمة وكتّابَها وشعراءها ورسّاميها عملوا على جعل الفكر والفن تابعين للقيادة وهذياناتها وجهلها, وعلى إعادة صياغة المجتمع والثقافة على صورة هذه "القيادة". ومن يُعيد الآن النظر في نتاج هؤلاء فكراً وشعراً وفناً, يدرك مدى انحطاط هذا النتاج, ومدى انحطاط الأفق الذي كان يسير فيه, والعالم الذي كان يبشِّر به.

    - 5 -

    غياب الحركيّة الإبداعية الحرّة في الشعب هو ما يجعل تاريخه نوعاً من المحاكاة لبداياته. فالتاريخ إبداعٌ لا محاكاةٌ. وهذا الغياب هو نفسه الذي أغرق العراق والبلدان العربية كلها في سراب النظر وضباب العمل, وخلق أوهاماً حجبت الواقع والحياة, وحجبت الإنسان نفسه, في تماهيه, على الأخصّ, مع "القائد", شأن التماهي, ماضياً, مع الخليفة, أو في تماهيه مع "مثال" الماضي. وقد عزّز هذا التماهي مفهوم "العودة" الى الجذور أو الأصول, وهو, كما مارسه مثقفو السلطة وحواريّوها, سَاذَجٌ وضربٌ من المُحال. إضافةً الى أنه يُضمر نفياً لتطوّر الحياة والفكر, وللممارسة التاريخية, ولا يرى فيهما إلا "انحرافاً", أو شكلاً من أشكال التشويه لما هو "نقيٌّ" و"كامل".

    - 6 -

    لا تمكن رؤية الماضي أو "الجذور" في معزلٍ عن الممارسة التاريخية. وتؤكد هذه الممارسة أن أسئلة الحاضر تحتّم أجوبةً تنبثق من الحاضر نفسه. والنصوص - الأصول مهما أُوِّلت, أو مهما اتّسعت للتأويل لا تستجيبُ لما تقتضيه الوقائع. وليس تأويلها, سياسياً واجتماعياً, إلا دليلاً يقدمه الحاضر على أنها أصبحت نصوصاً خارج الواقع. والحق أن التأويل السائد للنصوص ليس استقصاءً فكرياً بقدر ما هو اصطناعٌ إيديولوجيّ, لا يضيء الواقع وإنما على العكس يطمسه. وهو اصطناعٌ لا يفسد الفكر وحده, وإنما يفسد كذلك البعد الأخلاقيّ في العمل وفي الحياة, من حيث أنه يفصل الإنسانَ عن نفسه, ويغرّبه عن الحياة والواقع, وتبعاً لذلك, عن الحقيقة.

    لهذا كلّه, لا مفرّ من القطيعة مع هذا المفهوم "المثاليّ" للعودة الى "الجذور" - أي القطيعة مع "الماضي" - بوصفه مؤسسةً, أو بوصفه نُظُماً وأَنْساقاً. لا مفرَّ من ذلك, إن كنا نريد أن نبنيَ حياةً جديدةً, وأن نكوّن ثقافةً جديدة.

    والشرط الأول لقيام هذه القطيعة هو أن يمارسها الفَرْدُ, وأن تمارسها الجماعة, بحريةٍ ومسؤولية - بحيث يبطلُ النُّطْقُ باسم "الأمة" أو "الجماعة" أو "الطبقة", وبحيث ينطقُ كلّ فردٍ باسمه الخاصّ. وإذ تتحققُ هذه القطيعة, يبطل الإيمان بأن هناك حقيقة كاملة ومطلقة, أو بأنّ هناك مطلقاً نهائياً في الفكر.

    ألاّ نُصْغي الى الشخص الذي يتكلّم باسم "الأمة" أو "الشعب" أو "الوطن", تلك هي بداية هذه القطيعة, سياسياً.

    - 7 -

    يقول كورنيليوس كاستورياديس ما معناه "ان المجتمع يظلّ متماسكاً ما دام عالَمُ دلالاته متماسكاً". ولئن نظرنا الى عالمنا العربي في أفق هذه المقولة, فسوف نرى أنه يُوغِل في التفتّت على نحوٍ بائسٍ ومرعب. وفي يقيني أن الممارسة الثقافية السائدة التي تولّدت عن سياسة الأنظمة هي في أساس هذا التفتت.

    غير أن التفتت يمكن في الوقت نفسه أن يكون منطلقاً لبداياتٍ جديدة) الحياة








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de