|
|
 نرفع راية استقلالنا
|
مع مرور الذكرى الثامنة والأربعين للاستقلال ، التهنئة لكم جميعا بهذه المناسبة التي نتنسم فيها ذكرى انعتاق الوطن من قبضة الاستعمار وظلمه ،، لم يدخل المستعمر بلدا إلا وأذاق أهلها أصناف الاضطهاد والتفرقة والاستغلال ،،، جاءنا الاستعمار من البوابة الشمالية بآلة عسكرية لا قبل لنا بها ،، لم نمد للمستعمر رقابنا ليعمل فيها سكاكينه ، لكن أجدادنا واجهوه بما أعدوا من قوة ومن رباط الخيل ،، انتصرت القوة العسكرية على الضعف ، لكن الإرادة ظلت متقدة وقوية ،، لم ينهزم شعبنا ولم ينكسر ، ،، صحيح بقي الاستعمار في بلادنا ما يزيد عن نصف قرن ،، لكن الشعب لم يستكن ولم ينحني ، انطلقت ثوراته ، وتعددت مواقع تمرده ، وانطلق مثقفوه ينشئون الجمعيات ، والمنتديات ، وكان ميلاد مؤتمر الخريجين ، وكان مفتاح النجاح الذي نظم صفوف الشعب ووحد كلمته وقاده نحو الفجر المبين ،،
وارتفع علم السودان ثلاثي الألوان فوق سارية القصر ، وخرج المستعمر يجرجر أذيال خيبته ويحمل عاره معه ، ،،،
وحكمنا أنفسنا بأنفسنا :
خرجنا بتجربة هشة ، قلنا أن إرث المستعمر هو الذي سيقودنا لبر الأمان ، اتفقنا على وحدتنا لكن اتفاقنا لم يخل من التآمر ، وسرعان ما وجدنا أنفسنا مواجهين بكم هائل من المشاكل ، والأحقاد ، والتنافس ، ومحاطين بمداخل الفرقة والتشتت ،، كنا كاليتيم الذي فقد كباره في زلزال ، ونجا هو وحده ، وعليه أن يتدبر أمره ،، الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية جهازين لا يقدمان كثير شئ ليتيم مثلنا ،، الاستعمار أغلق فما وفتح فما آخر ،، الامبريالية بدات تتغلغل في عالمنا كلما وجدت الفرصة ، اغراءاتها عديدة ، وحالنا يدفعنا للاستجابة لهذه الاغراءات ،،
وبدأت الدوامة :
الشعب يريد كل شئ ، ونحن لا نملك إلا القليل ، لم تكن لدى مثقفينا القدرة على إنجاز ثورة شاملة ، تنقذ الانسان بجعله منتجا ، عارفا لحقوقه مؤديا لواجباته ، ،، كانت السياسة بالنسبة لنا وجاهة ، وقصرا للحكم ، ومجلسا للوزراء ، واحتفالات بعيد الاستقلال ، قليلا من الخدمات أضفنا لما كان قد قدمه لنا المستعمر ،،، جنوبنا يتململ ويصعّد تململه ، والضغوط تعتصرنا من كل جانب ، البوابة الشمالية لم تغلق ، ومنها جاءت الأسباب المباشرة ، ،، وانطلقت المارشات العسكرية ، وتوالت البيانات المرقمة ،،، الشعب الذي لا يرضى بغير الحرية لا يطيق جبروتا ولا كتما للأنفاس ،، مرحلة جديدة من النضال بدأت ، اتصرفت طاقات الشعب عن التنمية ،، تململ مستمر ، مشانق ، وسجون ، وظلم ، وقهر، ونفي ،،، والمشكلة مستمرة ،، لم نحسم أمر الجنوب ، لا بل لم نتركه على حاله ولم نتمكن من السيطرة على حدوده ، تصاعد نضال الجنوب ضد التهميش بصورة متزايدة ، دخلنا في دوامة الاقتتال ، أبناء الوطن الواحد واجهوا بعضهم بالسلاح ،،
أكتوبر جاءتنا كنسمة خريفية ، أثلجت صدورنا ، وعمنا الفرح ، فلا السجن ولا السجان باق ،، لكن فجر أكتوبر أصابته ظلمة غيمة ، وغشيته لعنة قصورنا ، وهزمه فشلنا في أن نعمم الثورة ، راحت سلطة القهر وجاءت سلطة التسيب ، المثقفون اكتفوا بالممارسات البيروقراطية واستسلموا لها ،، ترددوا كثيرا في وضع الحل الناجز لمشكلة الجنوب ،، الحرب تتمدد كل يوم ، ويضيق بنا الحال ،، المائدة المستديرة لم تصل إلى نتيجة ، والصراع مستمر ، وبرلماننا يدخل في متاهات لا تجدي نفعا ، والعسكر يقفزون فوق كل آمالنا ليأتونا من جديد ويثوب جديد ، ، ستة عشر عاما كلها عجاف ، صراع مستمر بين قوى الخير وقوى الشر ، الشعب مرة أخرى يرفض الطغيان ، ويرغب في الانعتاق ،، كثيرين من المثقفين تساقطوا واستسلموا ،، أساتذة جامعات ، ومحامون ، وأطباء ، واقتصاديون ، كلهم أدخلوا أيديهم في جراب مايو ،، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر جرابا عسكريا جديدا ،،، بدأت آليات الانهيار تتزايد ، وبدأت آليات الفرقة تتزايد ،، مايو أتت بحل لمشكلة الجنوب ، لكنها فتحت البوابة الشمالية على مصراعيها لكل طامع ،، ثم تراجعت مايو عن كل عهودها ونكصت وألغت وحلت ،، غيرت وجهتها ، وأعادت إلينا الخلافة الإسلامية في صورة بشعة ،، بترت الأيدي ، وقطعت الأطراف ، وقتلت الناس ظلما ،، لكن الشعب لم يدعها تنعم بطغيانها ، ولم يمنحها الفرصة لتأخذ راحتها على سرير الديكتاتورية ،، اقتلعها ورمى بها إلى مزبلة التاريخ ،، وحتى هذه اللحظة نكون قد ملأنا هذه المزبلة وأخذنا منها نصيبنا واعتدينا على نصيب آخرين ،،
غباء التلميذ وعدم هضم الدرس :
قلنا أن أحزابنا قد وعت الدرس وأنها قد أخذت العبرة ،، انتخبنا من نريد ، وقلنا له ماذا نريد ، وألزمناه أن يأتينا بما نريد ،، قلنا له أننا تريد السلام ، نريد إنهاء الفرقة ، نريد أن نشرع في بناء الوطن ، قلنا أننا شبعنا كلاما ، وشبعنا حربا ، ولم نشبع من قوت ، ولم نشبع من سلم ، ولم نشبع من خدمات ، ولم نشبع من تطوير أنفسنا ،،،
اتضح لنا أن فهم الدرس كان عصيا علينا ، وأن عقولنا ما تزال ضيقة ، وما زلنا ننظر للسياسة أنها قصر ورئاسة ووزارة وكلام في أجهزة الإعلام ،، تحالفات هشة قامت ، ولهشاشتها تداعت ، وفي كل مرة نصلح إحدى أرجل طاولتنا نجد أن رجلا أخرى بدأت تتآكل ،، لم نتمكن من إنجاز السلام ،، ونحن نعرف أنه مفتاح كل شئ ، ولما أتانا السلام مهرولا إلينا ، رددناه بترددنا ، وبأنانيتنا ، وبخطل حساباتنا ، تلكأنا حتى هجم علينا من ظنناه حليفنا وغدر بنا وغدر بالسلام ،،،
الحرب استعرت من جديد ، واتجهت نحو التدويل ، ونقلناها نقلة نوعية ،، اعتبرناها حربا مقدسة ، واعتبرنا موتانا في الحنة وموتاهم في النار ، ونسينا أنهم أبناء وطن واحد ، وأننا بهذا ندفع كل واحد منهم إلى التربص بالآخر ،، وبعد أن طحنتنا طاحونة الحرب وطاحونة التآمر وطاحونة الديكتاتورية ،، بدأنا نبحث عن السلام ، تراجعنا عن أقوالنا وأنكرنا أفعالنا وأدنا أنفسنا لكننا ما زلنا نمسك بزمام الأمور ونقول بملء الفم أننا نفعل الخير للسودان وأن كل ما بدا من سوءاتنا لهو فقط أخطاء المرحلة ،، بأخطاء المرحلة فقدنا السنين وفقدنا الأجيال ، وفقدنا خيرة الشباب ، وتشردنا وأدمنّا المنافي ، وفقدنا الأمل في الخلاص ،،
أتتنا ذكرى استقلالنا ونحن نلهث وراء السلام ، السلام بأي ثمن ، السلام على كل حال ،،
آمنا واقتنعنا أنه فعلا مفتاح كل شئ ، مفتاح التنمية ومفتاح البناء ومفتاح الطموح ومفتاح إنجاز الوطن ،،،
السلام آت ، وهو سلام مر الطعم ، سلام تحيط به الأشواك ، سلام يمشي على عجلات قابلة للانفجار في كل لحظة ،، سلام حذر ... حذر ،،،، وكل عاقل يمكن أن يقدر ذلك ويحسب حسابه ، لكن غير العقلاء يمكن أن يفعلوا بنا الإثم كله ، وأن يعيدونا إلى نقطة ما تحت الصفر ، وساعتها سنقول أن الاستعمار كان أفضل ...
|
|
 
|
|
|
|
ودقاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست