بدأت منذ الامس عقب توقيع برتوكولات السلام الأخيرة تظاهر احتفائية تبثها شاشة تلفزيون السودان و الحركة الاسلامية التي يتربع جزء منها بإسم المؤتمر الوطني علي سدة السلطة، عودتنا منذ عهودها الاولي فى الحركة الطلابية علي اهتمامها الكبير بالشكل الطقوسي في عملها السياسي علي حساب الجوهر بصورة متعمدة يقصد منها ذر الرمان في العيون و تمويه المفارقة الصارخة بين الخطاب و الممارسة. اذا ركزنا النظر في المرحلة الراهنة المبتدأة بإنقلاب الحركة علي السلطة نجد انهم رفعوا شعار انقاذ البلاد من التردي الذي وصلت له في زعمهم من ممارسات الفترة الدموقراطية التي كانوا شريكاً كاملاً فيها و سموا انقلابهم بثورة الانقاذ الوطني و كان الخطاب يداعب رغبات الشعب في الامن و إقاف الحرب و تحسين المعيشة و الازدهار الاقتصادي و كانوا في اول عهدهم ينكرون أي علاقة لإنقلابهم بالجبهة الإسلامية. و الممارسة تذهب في الاتجاهات المعاكسة لكل ذلك تماماً بالتضيق علي من افترضوا فية خصومة سياسية و ذهبوا اكثر من ذلك بإتداع نظرية عدم الحماس لطروحات الإنقاذ كمبرر للفصل التعسفي و الملاحقة و الإداع في بيوت الأشباح التيأ نكروها لعهود ثم عادوا للإعتراف بها بعد الخصومة التي نشبت بين صفوفهم. و زادوا اوار الحرب اشتعالاً و تبنوا توجهاً اقتصادياً قاسي علي شرائح المجتمع الغير منتفعة من بيع الولاء مقابل العطايا و تحقيق الثراء الفاحش. بعد أعوام قليلة سألت أحد الإخوة بعد عودته من إجازة قضاها في الوطن عن الحال و المآل في ظل حكمة الإنقاذ فرد علي بسؤال (عن اين سودان تسأل، عن السودان الفي التلفزيون و الرادي او السودان الحقيقي الذي يعيش فيه اهلهنا؟) و كان سؤال يغني عن كل قول. اعتماد السلطة علي تزييف الواقع بممارسة نظرية إعلام الكذبة الكبري سيئة السمعة لإرتباطها تاريخياً بالأنظمة الفاشستية، امر يفسد فرحتنا بالتوصل الي اتفاقيية سلام _بمناقصها_ لأن الاعلام عندهم ليس مجرد وسيلة اتصال بل يعتمدون عليه لتفريغ القضايا المصيرية من محتواها و هو بذلك أحد أهم أدوات الحكم _التمكين و المشروع الحضاري_ بأن يراهنوا علي اقناع الجائع بالرفاهية التي وفرت له و الملاحق بلا وجه حق بحقهم الإلهي في إذائه و عليه أن يصبر و يحتسب. و قياساً علي ذلك نخشي أن يواصلوا ما بدءوه حديثاً مع كارثة اهلنا في دارفور بأن يمارسوا في حقهم ما يصل الي درجة جرائم الحرب و يملأون اجهزة الإعلام بألوان بديعة من إبداعات أهل دارفور لينفون تهم التهميش في حين أن الأمر قد فاق التهميش و المظالم الأقتصادية لزهق ارواح الأبرياء الذين انتجوا هذا الإبداع. كل هذا ليس دعوة لموقف رافض للسلام كيفما جاء بل دعوة لليغظة و تصعيد الأدوار حماية لما تحقق و عملاً علي توسيع مواعينه و للسلطة الخيار في أن تختار ما بين مصالحة الشعب السوداني و قواه الفاعلة لتجنيب البلاد مخاطر لا حد لها و لإهوالها إذا ما واصل في تنكبها للطريق و ممارساتها الإقصائية و التعالي و إدعاء الحق الإلهي في تسيير امور امة عريقة غنية بتبايناتها و إرثها الثقافي و الحضاري الضارب في عمق التاريخ. التحدي اصبح اعظم و أخطر أمام قوي المجتمع الحقيقية بأحذابها و تنظيماتها المدنية و الفئوية في كل الحقول و المناحي و التخصصات. الوطن ينتظر الأن كل ابنائه الذين دفعوا قهراً للجوء الي المنافي لأن يعجلوا عودتهم لساحة الكفاح بعزم لامحدود لترسيخ السلام الحقيقي و الدمقراطية و العداله و المساواة و الرفاهية و التنمية المتوازية و رغبات اهل السودان في عيش كريم و وطن شامخ موحد يعتزون به.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة