كلمة السر: النفط .. سحر بعاصيري

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 10:46 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة على الحلاوى(Ali Alhalawi)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-12-2005, 00:10 AM

Ali Alhalawi

تاريخ التسجيل: 02-10-2004
مجموع المشاركات: 1467

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كلمة السر: النفط .. سحر بعاصيري

    كلمة السر: النفط
    سحر بعاصيري
    نشر فى جريدة النهار (لبنان) الأحد، 4 آب / أغسطس 2002




    استقبل العالم بارتياح ولكن بكثير من علامات التعجب والاستفهام الاتفاق الذي رعته اميركا وعدد من الدول الافريقية لانهاء الحرب بين الحكومة السودانية و"الجيش الشعبي لتحرير السودان". فتاريخ الحرب، والى حد كبير حاضرها، لا يوحي بامكان اتفاق او على الاقل ليس بالسهولة التي اعلن فيها. ذلك ان الحرب التي بدأت عام 1983 ردا على نقض الرئيس آنذاك جعفر نميري اتفاق 1972 للحكم الذاتي في الجنوب، ثم فرضه احكام الشريعة في كل البلاد، لم تعد على مرّ السنين حربا بين الشمال والجنوب، بين المسلمين وغير المسلمين من ارواحيين ومسيحيين، بين السودانيين العرب والسودانيين غير العرب. صارت كل ذلك معا وتحولت نمط حياة، بل نمط موت في السودان: القتلى نحو مليوني شخص قضوا بالنار او نتيجة الجوع والجفاف والمرض لان المعارك حالت دون وصول المساعدات اليهم، والنازحون او المشردون نحو اربعة ملايين من اصل السكان البالغ عددهم 29 مليونا. ارقام خيالية لحرب واحدة، لكنها لم تغير في الواقع العسكري شيئا فعليا. واكثر من ذلك. فالحرب التي لم تفلح في اطفائها مبادرات للحل وخصوصا من المحيطين الافريقي والعربي تحولت منذ الاكتشافات النفطية المهمة في السودان قبل ثلاث سنوات ما يشبه مؤسسة تمول نفسها بنفسها قادرة على الاستمرار، خصوصا ان حقول النفط صارت خطوط الجبهات الجديدة وانحسرت آثار الحرب تدريجا عن الشمال

    عشرون سنة تقريبا من القتال وعشرون سنة تقريبا من التجاهل الدولي واحيانا التشجيع، ادخلت حرب السودان في قاموس الحروب المنسية. المهتمون بها وبنتائجها هم عمليا منظمات دولية انسانية ومنظمات غير حكومية تعمل في الجنوب من اجل انقاذ النازحين. اما الحلول السياسية، فغائبة في ظل سياسة اميركية تركز على معاقبة الخرطوم نتيجة ما تعتبره ممارسات تتبعها لدعم الارهاب.
    وفجأة تغيرت الامور، او بدا تغييرها مفاجئا. وكانت احداث 11 ايلول علامة فارقة. دخلت اميركا بقوة على خط السودان وحكومته واخذت تدفع في اتجاه حل.


    الإتفاق
    وفجأة ايضا وقع الطرفان في 20 تموز 2002 بروتوكول اتفاق كانت كل المؤشرات توحي حتى اللحظة الاخيرة بان المفاوضات في شأنه ستنتهي الى انهيار لا الى توافق واعلن الطرفان في ماشاكوس في كينيا انهما اتفقا على اصعب مشكلتين بينهما وهما حق تقرير المصير للجنوبيين، والدين والدولة، وانهما سيبدأان في 12 آب مفاوضات تفصيلية تشمل ايضا تقاسم السلطة والثروة وحقوق الانسان ووقف النار. وفي 27 تموز كان اللقاء التاريخي للرئيس عمر حسن احمد البشير والعقيد جون قرنق في اوغندا ومعه اشاعة التفاؤل بان نهاية الحرب قد تكون بدأت. فماذا حصل حتى وافق كل فريق على ما كان يرفضه وماذا حصل حتى بدلت اميركا سياستها وقررت التدخل؟ هل ايقظتها فجأة مآسي الحرب في السودان أم ان مصلحة كبرى تدفعها الى ذلك؟ هل حققت انجازا تاريخيا سينهي الحرب أم حققت انتصارا تحتاج اليه الان في سياستها الخارجية؟

    اذا كان من كلمة سر وراء اتفاق البشير وقرنق في رعاية اميركية، فهي النفط ولا شيء غيره. طبعا يمكن تعداد اسباب وتطورات كثيرة تبدأ بتعاون الخرطوم مع واشنطن في مكافحة الارهاب وتمر بضغوط داخلية كبيرة تعرضت لها ادارة الرئيس جورج بوش، لكن كل هذا يصب في مكان واحد هو النفط. وليس مبالغة القول ان هذه الثروة الجديدة الكامنة في السودان مضافة الى التوجه النفطي للادارة، بل الى هاجسها في البحث عن مصادر جديدة للطاقة، انتجت صيغة سحرية انقذت نظام البشير من "عقاب" اميركي وقلبت السياسة الاميركية في السودان.

    ويمكن اعتبار 30 آب 1999 تاريخا حاسما لبدايات التحول. يومذاك انضم السودان رسميا الى الدول المصدرة للنفط وارسل شحنة اولى من 600 الف برميل الى سنغافورة عبر انبوب يمتد 1600 كيلومتر تحت الارض من حقول نفط هجليج في الجنوب الى مرفأ البشاير الذي افتتحه البشير على البحر الاحمر على مسافة 400 كيلومتر شمال شرق الخرطوم. وكان الفضل في هذا التطور لكونسورسيوم تشكل في كانون الاول 1996 يضم شركة النفط الوطنية الصينية وشركة "بتروناس" الماليزية و"سودابت" السودانية و"اراكس" الكندية التي اضطرتها مشاكلها المالية وضغوط العقوبات الاميركية على السودان الى بيع حصتها عام 1998 من شركة كندية اخرى هي "تاليسمان". في اي حال، امن هذا الكونسورسيوم المال الكافي لتطوير الحقول ومد الانبوب وقد بدأ العمل فيه في حزيران 1999 بطاقة 150 الف برميل يوميا ارتفعت سريعا الى 200 الف برميل يوميا عام ،2000 ثم الى 230 الفا في 2001 وستصل قريبا الى 250 الفا.

    واصبح النفط عاملا جديدا وحاسما في الحرب السودانية وفي وضع البشير. اتضح ان الثروة كبيرة وان الشركات المهتمة باستخراجها تتزايد وثبت انها تتركز في الجنوب، وخصوصا في منطقة اعالي النيل حيث خطوط المواجهة او في مناطق موغلة اكثر جنوبا تخضع لسيطرة المقاتلين. وبدأت المعارك تتحول معارك على النفط. القوات الحكومية تحمي منشآت والمقاتلون الجنوبيون يهددون بتفجيرها وعنفت المواجهات للسيطرة على هذه المناطق. اشتدت الحرب لكن الانعكاسات النفطية على الشمال كانت سريعة. فالخرطوم التي كانت حتى 1999 تستورد كل حاجتها من الطاقة وتستورده عمليا من دول تعتبرها اميركا مثل السودان "راعية للارهاب" كايران والعراق وسوريا وليبيا، وجدت نفسها وقد امسكت برأس مال اقتصادي وسياسي. بدأت تشعر بالمردود المالي وقد بلغ دخلها من النفط عام 2001 نحو 500 مليون دولار وهو مرشح لان يتضاعف في سنوات قليلة. وبذلك بدأ الوضع الاقتصادي الداخلي يرتاح وارتاحت الحكومة في حربها على الجنوبيين وزادت انفاقها العسكري بين 1998 و.2002 ولاحظ الباحث راندولف مارتن في مقال نشرته مجلة "فورين افيرز" (آذار - نيسان 2002) ان اموال النفط جعلت حرب السودان "الحرب المثالية" اذ وفرت للخرطوم اكثر من مليون دولار يوميا "تكفي لدفع نفقات الحرب وشراء اصدقاء في الخارج".

    ثروة نفطية تتحدى العقوبات
    والواقع ان الثروة الجديدة بدأت تجذب شركات اضافية للتنقيب عن النفط من الخليج واسوج والنمسا وفرنسا وبريطانيا وغيرها واخيرا الهند. لكن اكثر ما فعلت كان مساهمتها الكبرى في فك العزلة السياسية التي فرضتها واشنطن على نظام البشير في التسعينات من القرن الماضي. ففي الثمانينات لم تكن لواشنطن سياسة واضحة حيال الحرب السودانية. وفي التسعينات حددت سياستها من ثلاثة منطلقات: ان البشير وصل الى السلطة عام 1989 بانقلاب اطاح حكومة منتخبة واقام نظاما اسلاميا اصوليا يطبق الشريعة، وان هذا النظام أيد العراق في اجتياحه الكويت، وان سودان البشير وفّر ملجأ آمنا لزعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن وعملياته. وهكذا بقيت سياسة ادارة كلينتون حيال السودان هي ابقاؤه على لائحة الدول الراعية للارهاب وفرض عقوبات عليه مباشرة وعبر الامم المتحدة والعمل على اسقاط نظام البشير. وفي المقابل توفير مساعدات انسانية للجنوب السوداني. وفي اطار هذه السياسة كانت الغارة الاميركية على مصنع الشفاء عام 1998 وتقديم دعم مالي للدول المجاورة للسودان التي كانت تدعم قوات قرنق مثل اثيوبيا واوغندا واريتريا وكينيا، كما كان تصويت الكونغرس عام 1998 على مشروع قرار لفصل الجنوب عن الشمال بدعوى ممارسة الشماليين الرق على الجنوبيين. ولم يتغير توجه سياسة ادارة كلينتون مع ان السودان كان طرد بن لادن من اراضيه بطلب اميركي عام 1996 وتردد انه حتى كان مستعدا لتسليمه الى واشنطن لكنها رفضت، ومع ان كلينتون عين موفدا خاصا لترتيب محادثات سلام للسودان هو هاري جونستون، وبدأ يخفف حدة مواقف اميركا من السودان.

    ديناميكية لتغيير السياسة الام
    لكن الديناميكية الفعلية لتغيير السياسة الاميركية حيال السودان بدأت تتشكل وتتحرك مع وصول بوش الى البيت الابيض على رأس ادارة نفطية بامتياز وتصاعد حملات مجموعات ضغط اميركية تعمل في اتجاهين معاكسين: مجموعة هي عمليا تحالف اليمين المسيحي الاميركي والسود وخصوصا في الكونغرس تدعو الى عزل الخرطوم لانقاذ المسيحيين في الجنوب، ومجموعة تمثل صناعة النفط تدعو الى علاقات طبيعية مع الخرطوم لفتح آبار النفط امام الشركات الاميركية. ولا شك في ان طبيعة ادارة بوش وتوجهاتها ساهمت في تزايد ضغوط هذه المجموعات وما لم يكن مؤثرا ايام كلينتون صار كذلك مع بوش.
    المجموعة التي تضغط لعزل الخرطوم تضم اساسا منظمات وجمعيات مسيحية تعمل في الجنوب السوداني وتنطلق في دعوتها، كما تقول، من جملة مواقف انسانية واخلاقية وقد عبرت عنها بتقارير سنوية تحدد رؤيتها للحرب وتروي قصصا عما تشاهده هناك.

    والبارز امران الاول اتهامات للخرطوم بخطف النساء والاطفال الجنوبيين واستعبادهم في الشمال وقد خصصت بعض المنظمات الاميركية اموالا طائلة لاعادة "شراء العبيد" وتحريرهم. والروايات من اكثر من مصدر تتحدث عن استخدام الخرطوم ميليشيات خاصة من "المرحلين"، رجال من قبائل شمالية بينها وبين قبائل جنوبية احقاد قديمة، يهاجمون الجنوب على احصنتهم وجمالهم ويخطفون النساء والاطفال ويعودون بهم في قطارات خاصة الى الشمال. وترفض الخرطوم الاتهامات بالرق لكنها تعترف بالخطف وقد سمحت لليونيسيف بتنفيذ برامج لمعالجة المشكلة وازالة آثارها.

    الامر الثاني والاهم، دور الشركات النفطية في استمرار الحرب. فتلك المنظمات تتهم الشركات العاملة في السودان بالتواطؤ مع الحكومة لاتباع سياسة الارض المحروقة حيث حقول النفط في الجنوب. وتقول ان القوات الحكومية تنفذ سياسة واضحة بمهاجمة هذه المناطق وخصوصا في اعالي النيل وبحر الغزال والاغارة عليها بالطائرات وقتل سكانها او تهجيرهم لضمان وصول شركات التنقيب عن النفط اليها. وقد نشرت صحف غربية عدة ايضا تحقيقات طويلة لمراسلين لها في الجنوب السوداني تتضمن وصفا لمشاهد حية عن نزوح وشهادات لسكان عن غارات كهذه صاروا يعرفون هدفها. وبالنسبة الى منتقدي الشركات النفطية، فان استمرار هذه الشركات في العمل مع الحكومة السودانية يمثل عمليا تمويلا لحربها على الجنوبيين وغطاء لهذه السياسات. ومع ان لا شركات اميركية تعمل في السودان والشركات الغربية محدودة ايضا، فان شركة "تاليسمان" الكندية باتت تمثل الشر كله. ومنطق هؤلاء ان على الادارة الاميركية ان تفرض عقوبات على "تاليسمان" (وغيرها اذا وجدت حالات مثلها) تتمثل في اخراجها من سوق الاسهم في نيويورك لان واجب الولايات المتحدة ان تمنع هذه الشركات من تحقيق ارباح في اسواقها.

    اما مجموعة الضغط التي تمثل مصالح شركات النفط الاميركية، فتدافع عن عمل زميلتها الكندية وغيرها من منطلق ان التنقيب عن النفط لم يغير مسار الحرب او الاسلوب الذي تتبعه الخرطوم فيها وانه اذا كان ادى الى شيء، فالى تحسين ظروف المعيشة في مناطق التنقيب والمساهمة في بناء عيادات ومراكز مساعدة اضافة طبعا الى مساعدة السودان في الاستفادة من ثرواته، وترى ان اخراج "تاليسمان" من بورصة نيويورك سيشكل سابقة تضر بهذه السوق. ومع تلاحق المعلومات عن حجم الثروة السودانية، لا ترى الشركات الاميركية سببا للبقاء خارج السوق الجديدة وتركها للصين وماليزيا وغيرها.

    عين بوش على افريقيا
    وبين هذا التوجه وذاك، يبقى العامل الحاسم توجه الادارة وفلسفتها في البحث عن مصادر جديدة للطاقة ووضع اليد عليها. فالوصول الى النفط كان ولا يزال يتصدر اولويات الامن القومي الاميركي ادارة تلو الاخرى، لكنه هاجس لدى ادارة بوش التي تنطلق مما تعتبره حقائق: الحاجة الى مزيد من مصادر الطاقة ماسة والرأي العام الاميركي يعارض مشروع الحفر في المحميات الطبيعية في الاسكا حيث وفرة نفطية، الشرق الاوسط حيث الخزان النفطي الاكبر منطقة مشتعلة سياسيا وغير مستقرة، آسيا الوسطى والجنوبية لا تزال منطقة مضطربة ولم تظهر بعد النتائج النفطية المرجوة من الحرب على الارهاب فيها، منطقة جنوب الصحراء الافريقية غنية بالنفط ولها ميزاتها. فقد تجاوز انتاج النفط الخام فيها اربعة ملايين برميل يوميا عام ،2000 اي اكثر من انتاج ايران وفنزويلا والمكسيك وتستورد منها اميركا اليوم نحو 16 في المئة من حاجاتها النفطية أي ما يعادل تقريبا الكمية التي تستوردها من السعودية ويتوقع خبراء اميركيون ان ترتفع النسبة الى 25 في المئة في 2015 أي اكثر من كل ما تستورده اميركا من دول الخليج. وتأتي النسبة الكبرى من هذا النفط الافريقي من الشاطىء الممتد بين نيجيريا وانغولا وخصوصا خليج غينيا. وتستثمر شركات نفط اميركية في افريقيا الغربية نحو عشرة مليارات دولار سنويا. ثم ان هذه المنطقة التي تشمل عملاق النفط نيجيريا وتاسع اكبر مزود نفط لاميركا انغولا والدول الصاعدة في التصدير مثل غينيا والغابون والكونغو والتشاد، بدأت تفتح اسواقها امام التكنولوجيا الحديثة في التنقيب، اضافة الى ان ميزتها الجغرافية تكمن في انها اقرب الى اميركا من الشرق الاوسط. وترى الادارة ان استقرار هذه الدول الافريقية يصعب ان يكون مهددا مرة واحدة كما في الشرق الاوسط والاهم ان لا رابط بينها قد يوحدها لتفرض حظرا نفطيا على اميركا. كما ترى ان وحده السودان من هذه الدول يعاني حربا اذا ما استطاعت وقفها يكتمل معها عقد النفط الافريقي.
    وعلى هذه الخلفية جاء تضارب مجموعات الضغط الاميركية لينعكس في المعركة على مشروع "قانون سلام السودان" في الكونغرس. فهذا المشروع الذي تبناه مجلس النواب في حزيران 2001 يدين الخرطوم ويخصص 10 ملايين دولار للمعارضة الجنوبية وينص على عقوبات على الشركات التي تستثمر في السودان، وتاليا اخراج "تاليسمان" الكندية من البورصة. ولكن يبدو انه قبل ان يصل المشروع الى مجلس الشيوخ ليقره فيصير قانونا او ينسفه، كانت ادارة بوش اتخذت قرارها بان التسوية الوحيدة بين وجهتي النظر الاميركيتين هي الضغط لوقف الحرب في السودان. وان مثل هذا الحل يسمح باستمرار التنقيب عن النفط ولاحقا بدور للشركات الاميركية ويوقف العمليات التي يسميها معارضو عمل الشركات، التنقيب عن النفط في دماء السودانيين.

    النفط يحسم "قانون سلام السودان"
    وهكذا جاء تصويت مجلس الشيوخ في آب 2001 على نسخة من مشروع "قانون سلام السودان" مختلفة عن نسخة مجلس النواب اذ لا تلحظ فرض أي عقوبات على الشركات. وكان ذلك ايذانا بان الادارة اختارت "الاقناع بدل العقاب" للخرطوم واتخذت في الوقت نفسه مجموعة اجراءات تفتح الطريق امام تقارب مع حكومة البشير التي ابدت كل تعاون في موضوع الارهاب حتى قبل احداث 11 ايلول. فقد بدأ ممثلو المنظمات الانسانية الاميركية وكذلك الوكالة الاميركية للتنمية الدولية بزيارات للسودان وارسلت الادارة 40 الف طن من المساعدات الغذائية الى الشمال السوداني وعينت قائما بالاعمال للسودان مقره نيروبي وفي السادس من ايلول عين بوش السناتور السابق جون دانفورث مبعوثا خاصا للسودان من اجل ايجاد الوسائل لوقف الحرب. وبعد 11 ايلول، تكثف الغزل السوداني - الاميركي، ففتحت الخرطوم كل ابواب التعاون مع اميركا في حربها على الارهاب وردت واشنطن بكل اشكال المديح لها.
    * واخذ ديبلوماسيون اميركيون يرددون في مجالسهم الخاصة ان بلادهم تعتقد ان حكومة الخرطرم توقفت عمليا عن دعم الارهاب، وتزايد الحديث في دوائر القرار وفي الامم المتحدة عن احتمال رفع العقوبات عن السودان، وبدأ صحافيون غربيون بزيارة الخرطوم ونشر تحقيقات عن احوال الشمال السوداني و"الاختفاء تقريبا لكل مظاهر تطبيق الشريعة". ثم كانت الاشارة الاقوى من البشير في شباط 2002 قراره اعتقال الزعيم الاسلامي حسن الترابي،
    ووسط هذه التطورات لم يكن مصادفة ان يقول مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون افريقيا والتي كانستايز قبل اشهر قليلة ان "النفط الافريقي هو مصلحة قومية استراتيجية لنا وسيزداد اهمية كلماّ مر الوقت". كما لم يكن مصادفة ان تقدم مجموعات ضغط نفطية في اميركا "الورقة البيضاء" الى بوش في 23 ايار تحض ادارته على تشجيع التنقيب عن النفط في افريقيا وتدفع في اتجاه وجوب وجود عسكري اميركي في المنطقة لحماية المصالح النفطية بل حتى انها تقترح اقامة مركز قيادة عسكري ثانوي في خليج غينيا. ولعلها لم تكن مصادفة ايضا ان يكتب دانفورث في تقريره الى بوش في ايار الماضي ان "شركات النفط العالمية والمستثمرين الاجانب القادرين على القيام بما هو مطلوب لتحقيق القدرات النفطية للسودان، هم اكثر استعدادا للعمل في السودان اذا كان هناك سلام واستقرار سياسي من العمل في الظروف الراهنة". ويرى البعض انه ليس مصادفة ايضا ان تعلن نيجيريا انها تتعرض لضغوط اميركية لتنسحب من منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبيك".

    قرار اميركي والباقي على السودانيين؟
    واختارت اميركا ان تبقي جهودها في السودان تحت مظلة مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف والتصحر في شرق افريقيا والقرن الافريقي "ايغاد" التي تضم كلا من اثيوبيا والسودان واريتريا واوغندا وكينيا وجيبوتي، والتي كانت وضعت اعلان مبادىء للتسوية في السودان وافق عليه طرفا النزاع ويقوم اساسا على احتمال تقرير المصير للجنوبيين وفصل الدين عن الدولة. ومع ان المقترحات التي وضعها دانفورث للحل اواخر العام الماضي لم تكن لترضي الخرطوم اذ تطلب منها تقديم تنازلات بلا مقابل من الجنوبيين، فان الجهود الاميركية حققت تقدما اولا في النوبة حيث توصلت الى وقف للنار بمراقبة اجنبية، ثم في التهدئة ولو لايام في مناطق جنوبية اخرى اتاحت دخول مساعدات انسانية وتنظيم حملات تلقيح للاولاد. ثم على رغم اشتداد المعارك منذ مطلع السنة والتي اعتبرت الاقسى منذ سنوات، كانت وساطة اميركا تتقدم مناقضة كل التوقعات لانهيار المفاوضات في اجتماع ماشاكوس الذي عقد في كينيا وانتهى في 20 تموز بتوقيع بروتوكول للسلام واعلان مشترك عن النقاط الرئيسية للاتفاق وتبعه لقاء البشير وقرنق في اوغندا.

    قيل كلام كثير عن ضغوط كبيرة جدا مارستها واشنطن على الطرفين للتوصل الى اتفاق وخصوصا في موضوع الدين والدولة وموضوع تقرير المصير في الجنوب بعد مرحلة انتقالية تمتد ست سنوات. لكن الاتفاق وضع الاساس لمكاسب كثيرة قد يحققها الاطراف الثلاثة: اميركا في النفط والنفوذ الافريقي الاوسع، والبشير في التقارب مع اميركا وضمان عمر جديد لنظامه لاعبا في عملية السلام وربما في وقت قريب رفع العقوبات عنه وعودة العلاقات مع اميركا وما يعنيه ذلك من هجمة مستثمرين على السودان، وقرنق في حق تقرير المصير وحق اقتسام الثروة. اتفق البشير وقرنق لان اميركا وجدت الان مصلحتها في وقف الحرب. بل ان ثمة من يعتبر في واشنطن ان وقف الحرب في السودان هو عمليا "اول انجاز في الحرب الاميركية على الارهاب". و،هذا تبسيط الى حد ما. ذلك ان الوضع اكثر تعقيدا وسيكون على طرفي النزاع في السودان وضع الصيغ التفصيلية لوقف النار واقتسام السلطة والثروة وكلها ملفات قديمة جديدة متفجرة تضاف الى الغام سودانية خاصة لا يكفي قرار اميركي وحده لتفكيكها كي يعم السلام السودان.

    أبرز نقاط الاتفاق
    * وحدة السودان هي الاولوية.
    * الاعتراف بالتعددية الثقافية والعرقية والاتنية والدينية واللغوية للسودان واحترام حق السودانيين في حرية المعتقد والممارسة الدينية.
    * يحق لشعب جنوب السودان تقرير مصيره في استفتاء يحدد وضعه مستقبلا.
    * تطبيق اتفاق السلام على مرحلتين:
    ما قبل الانتقالية وتمتد ستة اشهر يجري خلالها:
    - وقف كل الاعمال العدائية والاعداد لوقف شامل للنار في اقرب وقت.
    - اقامة المؤسسات والاليات المطلوبة، السعي الى مساعدة دولية.
    - تحديد الاطار الدستوري لاتفاق السلام.
    فترة انتقالية تمتد ست سنوات وتبدأ في نهاية الاشهر الستة للفترة السابقة ويجري خلالها:
    - بدء العمل بالمؤسسات والآليات التي انشئت وفي حال تأخرها يطبق وقف النار الشامل بآلية رقابة دولية.
    - عمل مشترك بين الطرفين ولجنة تقويم تطبيق الاتفاق من اجل جعل وحدة السودان جذابة للجنوبيين.
    - اجراء استفتاء في ظل رقابة دولية في الجنوب في نهاية السنوات الست لتأكيد وحدة السودان بالتصويت لتبني نظام الحكومة الذي انشىء بموجب اتفاق السلام او التصويت للانفصال.

    وعود النفط
    ينتج السودان نفطا وغازا منذ سنوات لكنه لا يزال يعتبر ثروة كامنة غير مستخرجة. فهو ينتج حاليا ما بين 230 الفا و250 الف برميل من النفط يوميا وتبلغ احتياطاته المعروفة في منطقة غربي اعالي النيل ما بين 600 مليون و1.2 مليار برميل والاحتياطات المقدرة في هذه المنطقة باكثر من 800 مليون برميل، لكن الثروة الكبرى تقبع في حقول كامنة في منطقة سُد الجنوبية الخاضعة كليا لسيطرة الفصائل الجنوبية حيث كمية النفط مقدرة بما بين 3 مليارات و4 مليارات برميل.
    والتنقيب عن النفط ليس جديدا في السودان، بل بدأ في نهاية الخمسينات في المياه الاقليمية بالبحر الاحمر وبين 1959 و1967 حصلت شركتا "اجيب" الايطالية و"ديغنا" السودانية على عقود في المنطقة وحفرتا سبع آبار، لكن النتائج جاءت مخيبة. وفي 1974 حصلت شركة "شيفرون" الاميركية على امتيازات في مناطق الجنوب والوسط في البحر الاحمر وعام 1976 اكتشفت حقل سواكين للغاز. ثم دخلت شركة "توتال" و"يونيون تكساس" على خط التنقيب فيما واصلت "شيفرون" حفرياتها في مناطق مختلفة وتوصلت الى اكتشافات صغيرة ومتوسطة في الجنوب قرب مدن بنتيو وملكال وموغلاد وكذلك حقول حجليج في النيل الاعلى وجنوب كردفان. لكن "شيفرون" تخلت عن مواقعها في 1985 و1990 بسبب الاوضاع الامنية وتعرض موظفيها لهجمات. وعمدت الحكومة السودانية الى تقسيم عقود "شيفرون" مساحات حفر اصغر واعطتها لشركة "اراكيس" الكندية التي لم تستطع العمل وحدها وخصوصا في هجليج متشكل الكونسورسيوم الذي ضم في كانون الاول 1996 شركات صينية وماليزية وسودانية الى "اراكس" التي باعت حصتها لاحقا من زميلتها الكندية "تاليسمان"، وانجز الحفر في هجليج وانبوب النفط الممتد 1600 كيلومتر حتى البحر الاحمر في 1998 وبدأ السودان بتصدير النفط في .1999
    والى الشركة الوطنية الصينية و"بتروناس" الماليزية و"تاليسمان" الكندية، تعمل في السودان حاليا ايضا شركة "لوندن اويل" الاسوجية و"او ام في" النمسوية و"توتال فينا الف" الفرنسية و"غلف بتروليوم كوربوريشن" القطرية، و"ثاني" الاماراتية. وثمة انباء عن وجود شركة "رولزرويس" البريطانية.

    خروج كندا ودخول الهند
    مع ان الادارة الاميركية لم تفرض أي عقوبات على الشركات الغربية التي تعمل في قطاع النفط في السودان، فان الضغوط على هذه الشركات من منظمات غير حكومية ادت الى اخراجها من السودان.

    ففي كانون الثاني 2002 مثلا اعلنت شركة "لوندن اويل" الاسوجية وقف اعمالها في السودان وقالت في اذار انها لن تعود اليه قبل ان يشهد فترة من الهدوء والسلام تسمح بالعودة. ومثلها فعلت "او ام في" النمسوية. وتمسكت الشركتان بهذا التبرير ونفتا ان تكون الانتقادات الموجهة الى دور المستثمرين النفطيين في السودان وراء تعليق العمليات. واكدت "لوندن" انها موجودة على الارض في السودان وانها لم تر أي تغييرات دراماتيكية في اسلوب ادارة السودانيين للحرب نتيجة وجود شركات النفط او معدات جديدة للقتال.

    لكن التأثيرات الفعلية للضغوط كانت على "تاليسمان" الكندية التي اتهمتها مجموعات حقوق انسان وكنسية بانتهاك حقوق الانسان في السودان وتمويل حرب الخرطوم على الجنوب. وشددت "تاليسمان" على ان وجودها في السودان حسّن الوضع بفضل بنائها مدارس ومستشفيات وتشجيعها حكومة الخرطوم على تحسين سجلها في مجال حقوق الانسان.
    وبعدما صمدت هذه الشركة في وجه الاتهامات طويلا، يبدو انها استسلمت في النهاية. فقد اعلنت الحكومة الهندية منتصف تموز انها وافقت على طلب الشركة الهندية للنفط والغاز شراء حصة "تاليسمان" في الكونسورسيوم السوداني البالغة 25 في المئة. وصرح وزير النفط الهندي ان الحرب في السودان والاحتجاجات المختلفة على دور الشركات لا يعنيه، "فالصينيون هناك والماليزيون هناك ونحن لنا علاقات جيدة مع السودان". وتوقع ان تحقق الشركة الهندية 750 مليون دولار هي قيمة الاستثمار الذي ستدخل فيه الان خلال ست سنوات على اساس سعر برميل النفط الخام 19 دولاراً.

    منقول عن
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de