دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
سعاد إبراهيم القيادية في الحزب الشيوعي السوداني لـ الخليج: قرنق مناضل حقيقي ولم يكن شيوعياً
|
اعترفت سعاد إبراهيم احمد القيادية البارزة في الحزب الشيوعي السوداني المعارض بانسلاخ عدد من كوادر الحزب من الشماليين والجنوبيين الذين انضموا للحركة الشعبية ولكنها أكدت ان الحزب لم ينتقد تلك الكوادر باعتبار أن لكل شخص الحرية في أن ينضم إلى التنظيم أو الحزب الذي يرغب فيه.
وأوضحت في حوار مع “الخليج” أن الشيوعي يحتفظ بعلاقة حميمة مع تلك الكوادر التي من بينها ياسر عرمان، ودعت القوى السياسية الى عدم الضغط والتركيز على الحركة الشعبية خلال المرحلة المقبلة من أجل المطالبة بالمزيد من المشاركة في المفاوضات المختلفة من بينها مفوضية الدستور والسلطة لأن الحركة مثلها مثل القوى الأخرى التي لا تملك القوة التي تتمتع بها السلطة الحاكمة.
ودعت المعارضة إلى تفعيل العمل الجماهيري من أجل الحصول على التنازلات المطلوبة من جانب الحكومة خلال الفترة المقبلة وأوضحت أن لا غضاضة في أن تخرج القوى السياسية إلى الشارع زرافات ووحدانا لأن الجماهير لا تتوحد إلا من خلال النضال، واوضحت أن العالم يمكن أن يساند المعارضة ولكنه لن يمثل لها سندا جماهيريا أبدا.. وتاليا الحوار:
حاورها في الخرطوم الحاج الموز
* لماذا تعثرت حتى الآن على الأقل تشكيل المفوضية العامة للدستور التي من المفترض أن تضم الحكومة والحركة وبقية القوى السياسية من بينها المعارضة؟
- موضوع الدستور من المواضيع المهمة لأن الدستور في العالم يسمونه أبو القوانين، وهو الذي يحكم الشعب والحكومات في السودان كله وليس في منطقة محددة منه، وبالتالي فان قضية من يضع الدستور تهم كل الناس وما خرجت به الحكومة الحالية من اتفاقية السلام جعلها تتمتع بنسبة 53% من السلطة إضافة إلى احتفاظها بكل القوانين المقيدة للحريات مثل قانون الأمن الوطني والنظام العام والطوارئ والأحزاب والصحافة والشرطة الشعبية أي أن كل ما يمكن الحكومة من قهر للشعب ما زال باقيا بيدها.
إذاً القضية التي تهم بقية الشعب السوداني تتمثل في الحقوق والحريات الأساسية ،والحقوق يجب أن تتوفر لكل القطاعات والأفراد الذين يهمهم الدستور الذي يتحكم في حياتهم ومشاركتهم السياسية بل حتى في أحوالهم المعيشية ،وتمسك الحكومة بالنسب المذكورة في لجنة الدستور كان من الطبيعي أن ترفضها أطراف المعارضة في التجمع الوطني الديمقراطي وحزب الأمة القومي والشباب والطلاب والنساء، الآن النسب المذكورة “بالبلدي” نسميها القسمة “الضيزي” التي تتيح للحكومة مع الأحزاب والقوى السياسية الموالية لها التي تتمتع أيضا بنسبة محددة وفق اتفاقية السلام أن تفرض رؤاها في ما ينبغي أن يكون عليه الدستور.
نحن في الحزب الشيوعي السوداني نرى أن صناعة الدستور أو صياغته لابد أن يكون قومياً وأن تشارك فيه كل القطاعات والاتجاهات لكي لا تنفرد فئة أو فئتان بكتابته ووضعه واتخاذ القرار داخل لجنة الدستور، ثانيا لا توجد لجنة للدستور يتم اتخاذ القرار بداخلها بالأغلبية ولكن الدستور يتم النقاش في كل ما يختلف حوله حتى يحدث توافق في الآراء ويتم التراضي حوله، وهذا غير متاح في اللجنة الحالية المعروضة على الناس، ومن الطبيعي أن يتحدث الناس ويعترضون بمختلف اتجاهاتهم السياسية على التركيبة الحالية للدستور ونريد أن نعطي مثلا ان اللجنة اجتمعت في نيروبي أخيراً وضمت منظمات المجتمع المدني وغيرها، المهم اتفق الجميع في تلك اللجنة على أن الشكل الحالي الذي يطرح للمشاركة في صياغة الدستور بغرض دفع الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة لا يمثل الأسلوب الصحيح لصياغة الدستور القومي، إذ إن صياغة الدستور يجب أن يشارك فيها الحاكم والمستقل والمنظم وغيرهم، ونرى أن ما يطرحه الدكتور مجذوب الخليفة وزير الزراعة عضو اللجنة السداسية عن استعداد كل من الحكومة والحركة الشعبية للتنازل عن جزء من نصيبه في اللجنة لمصلحة المعارضة من 14% إلى أكثر، كلام غير مقنع لأن تركيب اللجنة يجب أن تكون قومية بحيث تضم المفوضية الحكومة والحركة والآخرين بأعداد تأخذ في الحسبان أن الحكومة لا تمثل أغلبية الشعب. ونحن في الحزب الشيوعي السوداني مع تكوين لجنة قومية وأن تؤطر المحصلة النهائية لعمل هذه اللجنة في مؤتمر قومي جامع يشمل كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لكي يتناقشوا في مسودة الدستور قبل أن تتحول إلى قانون.
الخروج للشارع
* تفعيل العمل الجماهيري وتصعيده يحتاج إلى تنسيق في المواقف بين كل القوى السياسية. هل تعتقدين أن القوى السياسية المعارضة مستعدة لتنسيق المواقف في ما بينها؟
- هذه ليست قضية، بإمكان كل طرف معارض تحريك قواعده وإخراجها للشارع ،فإذا خرجت اليوم جماهير المؤتمر الشعبي ومن بعدها جماهير الشيوعي وبعدها الأمة وغيرها فإنه لا ضير من ذلك لأن وحدة الجماهير تتم من خلال النضال وطالما أن هناك اتفاقا في الأساسيات بين المعارضة فإن عليها ألا تنزعج إذا خرجت جماهير كل حزب لوحدها لأن الجميع سيتحدون في الشارع.
والمهم ألا نترك الحكم لجهة محددة وألا نجعلها ترتاح يوما واحدا، والنضال في الشارع لا يلغي ما يدور في الصالونات المغلقة، المهم أن يمسك الشعب بالقضية وأن يجعل النظام يعلم أن هناك قوى معارضة له في الشارع وليس في الصالونات المغلقة.
التمسك بالسلطة
* أريد أن أذكر سعاد إبراهيم احمد أن مؤتمر البجا المعارض حاول تنظيم مسيرة جماهيرية سلمية بمدينة بورتسودان، ولكنها وجدت التصدي بعنف وقوة زائدين من جانب الحكومة، ما هو رأيك بذلك؟
- هذا صحيح لأن الحكومة مصممة على التمسك بعنف بمفاصل السلطة وفي يديها جميع القوانين المقيدة للحريات لذلك حتى الحديث عن الدستور في ظل هذه القوانين المقيدة للحريات مجرد حديث للاستهلاك لا قيمة له لأنه من دون حرية لا تستطيع صياغة دستور لأنك الآن لا تملك حقوق التنظيم والتعبير وحتى العمل الذي تقوم السلطة بتمييز الموالين لها عن غيرهم فيه. إذاً الأسبقية يجب أن نمنحها للحريات الديمقراطية لأنه من دون حريات نجد أن صنع الدستور يكون في مصلحة القوى الحاكمة وليس في مصلحة الشعب.
جدول أعمال الأحزاب
* هل تعتقدين أن الأحزاب المعارضة قادرة على تحريك الشارع أو الجماهير الموالية لها على الأقل في الفترة الحالية وفي ظل هذه الظروف؟
- لابد أن نجيب على سؤال آخر مهم :هل عزمت القوى السياسية على ذلك أم لا؟ فإذا ما صممت على دفع الناس للخروج للشارع فإن القوة والعزيمة موجودة والدعوة لتفعيل العمل الجماهيري لابد أن تأخذ أسبقية في جدول أعمال كل الأحزاب، ولدي ثقة كبيرة في أن الأيام القادمة ستشهد تصاعد العمل الجماهيري لأن ما تقوم به الحكومة الحالية من محاولة للاستناد الى القوى الإقليمية ممثلة في الدول العربية كانت أو الافريقية لكي تفلت من المحاكمات أو العقوبات أو الحصار لن تجدي فتيلا.
*فن الممكن
لكن هذه المرة نجد أن الحكومة لا تقف وحدها في خندق الرفض والتمسك بالنسب الواردة في اتفاقية السلام وضرورة تعميمها حتى على عمل اللجان والمفوضيات وإنما نجد أن الطرف الآخر ممثلا في الحركة الشعبية يساند الحكومة في هذا الموقف؟
- لا أندهش لموقف الحركة الشعبية لأن السياسة هي فن الممكن واعتقد أن الحركة الشعبية لم تتنازل عن برنامجها أو تتخلى عن موقفها الوحدوي، بل قاتلت ضد الانفصاليين داخلها، لكنها تعرضت إلى ضغوط وفرض عليها الاتفاق الثنائي لكن بالرغم من كل ذلك ما تم تحقيقه يفيد كل الوطن الموحد، واعتقد أن الضغوط المفروضة على الحركة وتصاعد الصراعات الجنوبية - الجنوبية يمكن أن تجعل الحركة تتمسك بما تم إنجازه لصالح الجنوب. وتصريحات صديقنا ياسر عرمان الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية أحيانا يمكن أن تحبط أصدقاء التنظيم، قمت شخصيا بإرسال وصية له بضرورة تخفيف ضغوط وسائل الإعلام عليه، ولو قلل عرمان بالرغم من أنه قيادي كبير بالحركة من تلك التصريحات لكان أفضل له حتى لا يثير المزيد من الغبار حوله، لكن موقفي من الحركة الشعبية مبدئي بمعنى أن الحركة هي التنظيم الذي أعلن أنه مع وحدة السودان ومازالت لذلك إذا ما قمنا نحن في الحزب الشيوعي بانتقاد الحركة في موقف أو أن يفعلوا هم الأمر نفسه فلا ضير في ذلك، وأرى شخصيا أن وحدة السودان مرتبطة بنجاح الحركة الشعبية في تذليل مصاعب الصراعات الجنوبية- الجنوبية والصراعات بين جنوبيي الإنقاذ والآخرين “أي الصراعات الداخلية التي تزخر بها الحركة السياسية الجنوبية” لو جاز لي أن استخدم هذا التعبير الجزئي، واعتقد أن الحركة هي جزء من الآمال المعقودة للحفاظ على وحدة السودان، ولا شك لدي أنها قدر هذه المسؤولية لأن وحدة السودان تقاس بالجنوب الذي يساوي مساحة أوروبا.
علاقات حميمة
*هل صحيح أن لدى الحزب الشيوعي نفوذا داخل الحركة الشعبية بحيث يدفع ذلك إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين في معظم القضايا لاحقا؟
- هناك أعداد من الشيوعيين الشماليين والجنوبيين الذين تخلوا عن انتمائهم للحزب وذهبوا وانضموا للحركة الشعبية من بينهم ياسر عرمان والكثيرين غيرهم لكن ليس لدينا أي إشكال معهم لأن من حق أي شخص أن يختار الحزب أو التنظيم الذي يرغب في الانضمام إليه ولم ننتقدهم في هذا الموقف وإنما قلنا لهم بالتوفيق لذلك نتمتع بعلاقة حميمة مع تلك الكوادر التي انضمت إلى الحركة الشعبية، لكن أريد أن أقول من جديد إن الدكتور جون قرنق مناضل حقيقي لكنه لم يكن عضوا في الحزب الشيوعي.
قرار الحكومة
* هل صحيح أن اتفاقية السلام تمنح الحكومة والحركة الشعبية التمسك بتنفيذ كل البنود الواردة فيها؟
- لا.. التمسك بالنسب الواردة في اتفاقية السلام قرار اتخذته السلطة الحاكمة وحدها لأن الحكومة بأجهزتها الحالية تستطيع تهديد الشعب السوداني وحتى الحركة الشعبية نفسها لأنها تتمتع بالأغلبية والحكومة تحمل العصا من الطرفين معا لأنها صاحبة السلطة وعندما يتحدث أحد قيادييها عن أي شيء فإنه ينطلق من موقع السلطة الحقيقية التي يتمتع بها، وعلى المعارضة ألا تركز في الوقت الحالي على الحركة الشعبية لأنها لا تملك السلطة.
تنظيمات طلابية
* لكن أي خروج للجماهير يمكن أن يخلق إشكالا للحركة الشعبية باعتبار أن ذلك يؤثر على تنفيذ اتفاقية السلام.
- خروج الجماهير لا يؤثر على الحركة في الخرطوم لأن الخرطوم تابعة للحكومة وأن المظاهرات التي تخرج هنا في الخرطوم وهي طلابية حتى الآن تشارك فيها التنظيمات الشمالية والجنوبية على حد سواء لأننا هنا في الخرطوم وبقية الشمال محكومون بالإنقاذ.
جمهرة الباحثين
*هناك ندوات عقدت خارج السودان شاركت فيها قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني سواء كانت في أوكسفورد بإنجلترا أو أخيراً بنيروبي لإعداد مسودة رئيسية لصياغة الدستور ،ما هو الهدف من كل هذه الندوات طالما أن الحكومة والحركة تتحدثان الآن عن إعدادهما لمسودة دستور أخرى؟
- هناك نوعان من الندوات التي تعقد في الخارج إحداها معارض للحكومة وبالتالي نجد أن القوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني تشارك فيها وآخر موالٍ جزئيا للإنقاذ ويحاولون معارضة الحركة في الوقت نفسه لكن ما يهم أن جمهرة الباحثين والمستقلين المشاركين في الندوات ترى أن تفكيك الإنقاذ “الحكومة” يتطلب إلغاء القوانين المقيدة للحريات وأن يتم مناقشة مقترحات الدستور في المؤتمر الجامع بمشاركة كل القوى السياسية. وأجزم أن الحكومة تشكل أغلبية محدودة وسط الشعب السوداني لأن التأييد الجماهيري لها يتمثل فقط في قمم الوظائف في الخدمة المدنية كانت أو غيرها لكن على المستوى الجماهيري فهي لا تملك شيئا يذكر، لكنهم في نهاية الأمر يشكلون أقلية بالنسبة للشعب السوداني، وأن النضال من أجل الحريات الجماهيرية سينتصر وقد يكون له “ثمن غالٍ” لأن الحكومة “مكنكشة” في السلطة ويمكن أن تستخدم القوة، لكن المثابرة لا مناص منها.
عزل المعارضة
*هل ستقبل الدول التي شاركت في إعداد وصياغة اتفاق السلام ودفع الحكومة والحركة لتوقيع الاتفاقية بإجراء أية تعديلات على بعض البنود خاصة تلك المتعلقة بتكوين المفوضيات مثل لجنة الدستور؟
- صحيح أن العالم شارك في عزل معظم أطراف المعارضة من اتفاقية السلام وجعلها حكرا على الحكومة والحركة الشعبية فقط ولكن بمرور الوقت ادرك الجميع أن التحول الديمقراطي الذي ينشده الجميع لن يتم من دون مشاركة كل أطراف المعارضة والمجتمع المدني لذلك بدأت الدول الكبرى التي ساهمت في صياغة اتفاقية السلام مثل الولايات المتحدة بعقد اجتماعات مع أطراف المعارضة لخلق التوازن المطلوب والمهم هو كيف يمكن إعادة التوازن بعد أن منحت الاتفاقية الحكومة نسبة 53% لكن يجب أن نضع في الحسبان أن العالم لن يساند القوى المعارضة جماهيريا لكن يمكن أن يساندها فحسب أو أن يؤيدها عن طريق محاسبة منتهكي حقوق الإنسان سواء في دارفور أو في الشرق لاحقا، لذلك فإنهم لن يغضوا الطرف عن تنفيذ الاتفاق ولكنهم سيقومون بمحاولة تكملته بالمطالبة بحقوق القوى السياسية المعزولة عن مواقف اتخاذ القرار والمشاركة في صنع الدستور الذي يحكم به كل السودان.
نداء البشير
* لكن ألا تعتقدين أن حصر الأزمة السودانية في الحكومة والحركة الشعبية دفع بأطراف أخرى في دارفور وشرق السودان لحمل السلاح وإشعال حروب جديدة في الأطراف من أجل المطالبة بالمزيد من الحقوق أسوة بالجنوبيين؟
- هذا ما أدركه الجميع لاحقا لكن حمل السلاح لانتزاع الحقوق والمكاسب هو ما نادى به رئيس الجمهورية، لذلك هذا النداء شجع الآخرين على حمل السلاح الذي يعتبر وسيلة إذا أجبرت على ذلك لكن الحركات المسلحة في دارفور وشرق السودان تتحدث عن كل السودان وليس عن مناطقها وهي ليست قوى انفصالية تريد تمزيق السودان بما فيها الحركة الشعبية لكن من يقوم بتمزيق السودان هو الجبهة القومية الإسلامية التي لا يهمها إذا ما حدث ذلك على ان تبقى فقط “الجزيرة والخرطوم” وقالوا ذلك أكثر من مرة ونجد أن الطيب مصطفى قريب رئيس الجمهورية طالب بفصل الجنوب لكن هذا سيدفع بآخرين للانفصال عن السودان.
اعتقد أن الحفاظ على وحدة السودان مرهون بما يحدث خلال العام ونصف العام القادمين لكن أريد أن أحذر في الوقت نفسه من أن عزل القوى السياسية عن المشاركة في صنع الدستور والقرار والاستمرار في عزل الحركات المسلحة في غرب وشرق السودان يمكن أن يكرس الاتجاهات الانفصالية.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سعاد إبراهيم القيادية في الحزب الشيوعي السوداني لـ الخليج: قرنق مناضل حقيقي ولم يكن شيوعياً (Re: الرفاعي عبدالعاطي حجر)
|
الف شكر للاخوة
صلاح محمد صالح عثمان
الرفاعي عبدالعاطي حجر
Quote: الأخوة الزملاء فى المنبر ، أعتقد أن طرح الأستاذة سعاد مقروء مع آراء الأستاذ نقد فى اللقاء الثانى فى جريدة الأيام يستحق الوقوف عنده كثيرا لما فيه من طرح واقعى وموضوعى ، فالسودان فى مفترق الطريق !!!
صلاح |
حوارات / الأربعاء – الأيام 11 مايو 2005
الاستاذ محمد ابراهيم نقد في حديث شامل مع الايام
دعم وحدة السودان.. هو اكبر تحدي ينتظرنا
ندعو للعودة لنظام الست مديريات .. وقيام حكومة للشمال
مصطلح (جاذبة) الذي اخترعه الغربيون.. ليس جميلا .. واقرب للغة التجارة!
شراكة اشبه بسباق الثلاثة ارجل.. اذا سقط طرف او تعثر سقط الاخر معه اوتعثر!!
المشكلة للشريكين: توسيع مواعين السلطة والتفسير الباطني للاتفاق
الاتفاق سيعدل ونسب السلطة ستتغير .. بلا شك
تعدد المنابر اضعف المعارضة من قبل وعاد ليؤثر سلبا على الحكومة
الحركة ستحافظ على حلفها القديم (التجمع) وتحالفها الجديد .. وكذلك الانقاذ
على القوى السياسية ان لا تكتفي بالرفض، وعليها ان تطرح البدائل .
الاتفاق واضح.. فلماذا يصرون على النسب ؟!
الحكومة والحركة اختارا التحالف بارادة حرة.. وكان من الممكن ان يرفضا
الغربيون يتحركون في العالم دون خوف او حساب.. لحرب هناك وسلام هنا!
افريقيا على رأس الاجندة .. صراع المصالح واقع.. وتسابق الاجندة حقيقة
الصراع الامريكي حاضر وموجود .. ويؤثر بشدة على دارفور!
الغريب ان المستعمرين استوعبوا تركيبة السودان القبلية اكثر من ابنائه!
ما قاله دانفورث يوضح: لماذا ظلت الاتفاقية ثنائية.. ولمصلحة من !
نيفاشا خليط من اتفاق سياسي وخارطة طريق
ويد ابيل الير (الخفية) تبدو واضحة في كل البنود
السودان صار اشبه بحاملة الجيوش البرية!
ماذا يفعل قرنق لوحده (الفيه مكفيه) .. وسؤال (وبعدين؟!) ما زال ينتظر الحركة!!
على مدى سنوات كانت اطياف الاستاذ محمد ابراهيم نقد تدنو وتنأى تقترب وتبتعد، وعلى طولها كان هاجس الحوار الصحفى ملازماً لنا ولسوانا من الصحفيين، وكان يتأبى، ويصر على ان مجرد الحوار معه كاف لبعث المتاعب فيمن يحاورونه، فظفرت به الصحافة الخارجية، لغير ما مرة، وقبلنا وجهات نظره ولعل المميزات الشخصية للسكرتير العام للحزب الشيوعى كانت وراء اصرار الصحافة على مطاردته حتى في حالة اختفائه، فالرجل الذى يدقق في قراءته للصحافة المحلية والاجنبية، يمتاز بقدرة عالية على التحليل والتربيط بين قطع الزجاج المبعثرة، ولعله قد استمد قدرته تلك من الحالة الموسوعية التى وسمت حياته وجعلت منه قارئاً من طراز فريد للكتب، ومحققاً بارعاً في المراجع التاريخية، وكاتباً صبوراً وطويل البال على ضجر الكتابة وأرقها المستديم.
وارتبط اسم نقد في الخيال الشعبى بحالة المراوغة، كما تلاقح في الذاكرة الشعبية مع الحالة الاسطورية .. هذه الحالة التى تبعثها فكرة الاختباء والتخفى وهى تبعث من التصورات ما تبعث من قدرات شخصية حقيقية ومتوهمة ينسجها العقل الجمعى وكثيراً ما يصدقها !
وقد تقلد نقد منصبه السياسى الراهن في اعقاب دحر حركة 19 يوليو عام 1971 والتى عصفت بالقيادات الرئيسية للحزب الشيوعى السودانى بعدما عاد الرئيس نميرى للسلطة وقد تولى مسئولية جسيمة وقتها في اعادة تنظيم وتجميع الحزب الذى تفرقت السبل بعضويته ما بين سجين وملاحق ومطارد ومختف ، وقبل المسئولية بعدما اختفى عن الانظار ، وظل يواصل عمله السياسى من تحت الارض لحين قيام الانتفاضة الشعبية التى اطاحت بنظام مايو واستعادت الديمقراطية (1985) وقد خاص الانتخابات البرلمانية وفاز عن دائرة الديوم والعمارات، ليدخل البرلمان (للمرة الثانية كانت الأولى عقب ثورة أكتوبر - العام 1965) مع اثنين من اعضاء حزبه (عزالدين على عامر وجوزيف موديستو) وواصل عمله السياسى كنائب برلمانى الى حين قيام انقلاب الانقاذ الذى ساندته ورعته الجبهة الاسلامية القومية في العام 1989 وقد اقتيد للسجن فور وقوع الانقلاب ضمن مجموعة من قادة الاحزاب والعمل النقابى، وسرعان ما اطلق سراحه بعد استتباب الامر للانقاذ، وبقى في منزله قيد الاقامة الجبرية الى ان غافل حراسه مختاراً هو وحزبه العمل من تحت الارض منذ العام 1994 وقد ظل لسنوات يمارس نشاطه السياسى من داخل السودان مختفياً فيما اطلقت السلطة السياسية له عدة نداءات تطالبه بالخروج وممارسة نشاطه السياسى العلنى غير انه لم يستجب لها ..
وفي يوم الخميس الموافق السابع من ابريل وفي تمام الساعة الخامسة والنصف مساء ضجت الخرطوم بخبر زيارة اللواء صلاح عبدالله مدير جهاز الامن ونائبه اللواء محمد عطا لنقد في مخبئه بحى الفردوس جنوب الخرطوم، وكانت هذه الزيارة هى بمثابة اسدال الستار لحالة اختفاء استمرت لما يزيد عن العشر سنوات .. عاد بعدها الاستاذ محمد ابراهيم نقد لمنزله .. وبدأ في الاستعداد لجولة اخرى من العمل السياسى المكشوف هذه المرة ..
(الايام) اتصلت بالاستاذ نقد اكثر من مرة لترتيب حوار صحفى مطول معه حول كافة احداث الساعة ، وطلب منا الانتظار اكثر من مرة حتى يكمل بعض الترتيبات الخاصة، واخيراً وافق على هذا الحوار، وقد جلست اليه الصحيفة لاكثر من 8 ساعات متواصلة في حوار نتوقع ان يضفى على الساحة السياسية مزيداً من الحيوية لا سيما و ان الرجل عليم بما يدور في دهاليز المطبخ السياسى بعد ان ظل لسنوات احد الطهاة الحاذقين، كما انه ـ وكما وضح من الحوار ـ لا يكتفى فقط بالنقد، بل يطرح مقترحات ومبادرات للحوار ..
حوار : وائل محجوب ـ محمد موسى حريكة
* اذن العوامل المحيطة بالجميع قاسية والظروف الذاتية والموضوعية تبدو في غاية الصعوبة ماذا عن مترتبات نيفاشا وما ستفرزه من حراك سياسى كبير، كيف ستواجهونها باعتباركم جزءاً من الحركة السياسية، وكيف بمنظورك يمكن مواجهتها ؟
بعد نيفاشا تواجه الحركة السياسية كما ذكرنا تحديات عديدة وعلى رأسها ان لا تكتفى القوى المعارضة بالرفض بل المطلوب منها مناقشة الصحيح، وطرح بدائل ويتم ذلك بشكل يومى ، ويتناول مختلف المسائل وحتى نصل بعد وقت لتحديد البديل في الزراعة والصناعة وشكل الحكم وغيرها، نعم المطوب ان تحال هذه المسائل لاهل التخصصات ولكن المطلوب ان تعبر الاجيال الجديدة كذلك عن رؤاها، انت يمكن ان تستفيد من آراء طالب في السنة الاولى اقتصاد ناهيك عن ان لدينا الاف الخريجين من مختلف التخصصات واعتقد ان ظروف (العلنية) القادمة ستساعدنا على تجميع هذا الكم المهمل والمكبوت واعتقد اننا حينما نطرح هذه المسائل على عضوية الحزب في مختلف التخصصات ستكون لدينا بدائل حية تخاطب جميع القضايا.
* اذا اردنا ان نسقط هذا المنهج على القضايا الماثلة التى تواجه الحركة السياسية ، ماهى البدائل المتاحة امامها لمسألة المؤتمر الجامع، او حتى فيما يتعلق بالخلاف على لجنة الدستور ؟
فيما يتعلق بموضوع الدستور ولجنته مثلا، فاعتقد ان المشكلة ليست في (النسب) فالاتفاق كان واضحاً حينما تحدث عن تشكيل (لجنة) ولم يتحدث عن نسب المشاركة فيها بناءاً على نسب السلطة، والسؤال : لماذا يصرون على مسألة النسب؟
طيب .. اذا كانوا لا يريدون منا ان نشارك في اللجنة، او اذا رفضنا نحن المشاركة علينا ان نجلس ونعد دستوراً بديلاً للمستقبل كعمل ايجابى بدلاً عن اجترار الحديث حول المشاركة وعدمها ..
كذلك الامر فيما يتعلق بالمؤتمر الجامع : اذا رفض الطرفان هذه الفكرة او حتى طرف منهما، لماذا لا تنظمه تلك القوى الراغبة في قيامه، وليقولوا آرائهم بايجابية عن الاتفاقية ويحددوا الاشياء السلبية والايجابية فيها ويطرحوا آراءهم حول مستقبل السودان، وسيصبح ذلك جزءاً من رصيد الحركة السياسية المستقبلى ..
اعتقد ان اكبر عمل ينتظرنا الان هو كيفية تكثيف كل الجهود لينتصر خيار الوحدة على خيار الانفصال، واعتقد ان الوحدة لابد ان تنتصر ولكن تحقيق ذلك يتم بمعركة كبيرة، وما اقصده بالمعركة ليست تلك التى يثيرها الطيب مصطفى هنا في الخرطوم، هى معركة ميدانها الحقيقى هناك في الجنوب، ووسط ابناء الجنوب الذين يعيشون هنا في الخرطوم، وما اراه من احتفالات بوصول وفد الحركة والخطب التى تلقى والكلمات التى تقال ليست هى المعركة الرئيسية المعركة عمل يتم وجهاً لوجه، (Man to Man) لتوضيح ان خيار الوحدة هو الافضل، اقيم وافيد من الحديث عن الوحدة (الجاذبة) واعتقد ان من اهم اكتشافات كارل ماركس عن النظام الرأسمالى ان رأس المال يحول كل شئ لسلطة تباع وتشترى حتى الضمير، واعتقد ان مرجع كلمة (جاذبة) ومرجعيتها هم الغربيون الذين صاغوا الاتفاقيات، وهى اقرب لقانون العرض والطلب ولغة التجارة.
* نريد ان نربط ونحن ما زلنا في محطة نيفاشا بما انتهت اليه من صيغة للشراكة بين الحكومة والحركة، كيف تنظرون لها وبرأيكم ماهى ملامح التحالف القادم بين الطرفين ؟
لقد افرز واقع مابعد الاتفاقية شراكة بين الانقاذ والحركة، وهى (الشراكة) شكل من اشكال التحالف وهو تحالف دخل فيه الطرفان بارادة حرة ـ فقد كان من الممكن ان يرفضا ذلك ـ تحت رعاية وحماية وتوسط المجتمع الدولى والاقليمى المتمثل في الايقاد وشركائها هذه الشراكة تحالف سياسى يذكرنى بسباق الثلاثة ارجل الذى كان جزءاً من الالعاب المدرسية ويشرح (هى لعبة يربط اللاعبين فيها- بعد ان يتماسكوا ـ ارجلهم مع بعضهم البعض ويقفزون اعتماداً على رجلين بدلا عن اربعة) واذا تعثر او سقط لاعب تعثر او سقط اللاعب الآخر).
* وهى تقتضى بالضرورة ان يصلا لخط النهاية سويا ؟
انا لم اقل ذلك .. قلت اذا تعثر او سقط لاعب تبعه الآخر ..! ضاحكاً
* تبدو الحركة كحليف او شريك في موقف صعب، فمن ناحية لديها حزمة تحالفات تاريخية معكم وقوى المعارضة الاخرى، ومن ناحية اخرى لديها (طارئ) يتمثل في تحالفها القادم ؟
اعتقد ان الحركة ستحافظ على تحالفها مع التجمع اتفاقها القديم مع الميرغنى (198 كما ستحافظ على تحالفها الجديد مع الانقاذ .. والمهم ان تدرك فصائل التجمع ان الحركة دخلت للسلطة ليس لتنفيذ برامج التجمع، وانما لتنفيذ اتفاق نيفاشا .. وهذا الامر مهم للعمل السياسى ومريح للطرفين : الحركة وفصائل التجمع ..
واعتقد كذلك ان الانقاذ ستحافظ على تحالفاتها مع المتوالين والاحزاب السياسية، ومع مليشيات دفاع السودان الجنوبية، واعتقد ان اول مشكلة ستواجه التحالف الحاكم تتكون من شقين :
الشق الاول : توسيع مواعين السلطة في حال نجاح المفاوضات في دارفور والشرق، وهنا يبرز التحدى الحقيقى فجماعات دارفور اذا وصلت لاتفاق لن تقبل ان تكون جزءا من نسبة الاحزاب .. وسيطالبون بنسبة اكبر وهذا هو المحك فالاتفاقية ستتغير والنسب بغير شك ستتغير كذلك وكذا الامر بالنسبة للشرق لابد ان يأخذ وزنا اكبر فهو قد صار حركة مستقلة والحكومة اعترفت بذلك، وافردت منبراً مستقلاً للتفاوض معهم . .
* لعل هذا يعيد لتجزئة حل المشكل السودانى ؟
نعم .. فتعدد المنابر الذى استفادت منه الحكومة في البداية باضعاف المعارضة عاد ليفرز آثاراً سلبية عليها، وهذا هو الشق الاول من المشكلة الذى سيواجه حكومة الشراكة المقبلة لا سيما وان حركات دارفور والشرق يتحدثون عن تمثيلهم في رأس الدولة والسلطة المركزية فالاحزاب طمعت في ان يكون لها تمثيل في الحكومة وفي البرلمان الانتقالى اما هذه الحركات فهى قد رفعت سقف مطالبها، وهذه هى معضلة السلطة المركزية مع الاطراف، وا ذا لم تمثل في قمة السلطة تحس بان تمثيلها منقوص، وابناء هذه الولايات شاركوا في الحكومات المختلفة وكانوا اعضاء في البرلمانات المتعاقبة ولكنهم لم يكونوا في قمة السلطة بمعناها السيادى الذى يعطيهم الثقل المعنوى وهؤلاء الذين حملوا السلاح لن يتراجعوا عن مطالبهم هذه المرة، وهم ليسوا افراداً من الادارة الاهلية .. ولاهم من السلاطين والشيوخ، بل هم شباب من القوى الحديثة وقد ساهموا من قبل في اكتوبر والانتفاضة وجزء منهم كانوا اعضاء في الحركة الاسلامية نفسها، وهم يعبرون عن جزء من مطامح شعبهم وقبائلهم، اذن هى قوى لديها رأى وافق وتجربة ولا يمكن التعامل معها بطريقة الاستعلاء القديم ..
* وماذا عن الشق الثانى من المشاكل التى ستواجه حكومة الشراكة المقبلة ؟
اما عن الشق الثانى فهو التوسع في اجهزة الدولة الادارية هناك حكومة للجنوب، وعشر ولايات لها حكومات ولائية، بعض هذه الولايات كانت مجرد مراكز في المديريات الثلاث القديمة، فتصور هذا الحجم من الوزراء والمنصرفات الادارية من مكاتب واثاثات وعربات والمرتبات والامتيازات والسؤال هو : ماهو عائد البترول اصلا ليوازى مثل هذا الصرف ؟
هذه المسائل ستواجه الحكم الجديد ولا يمكن التراجع عنها ..
* لعل ما تطرحه من مشاكل ستواجه الشراكة المقبلة يستوجب منا التوقف عند مشكلة الحكم، فاطروحات الحركات المسلحة ليست بمعزل عن اطروحات عديدة حاولت الاجابة على سؤال شكل الحكم ومسألة السلطات السيادية .. فما هى رؤيتكم ؟
لقد طرحنا من قبل اقتراحات شأننا شأن غيرنا من القوى السياسية منبر السودان اولاً ـ وكان طرحنا يتركز على ان بالشمال ست مديريات، ورأينا هذا لم يكن انطلاقاً من تعصب او علاقة عاطفية مع هذه الست مديريات ولكننا ندرك انها تشكلت عبر تاريخ طويل وممتد منذ حقبة التركية والتي لم تلغ الحدود بين القبائل حينما جاءت وعند تراجع ذلك التاريخ ستجد ان المناطق كانت تعرف باسماء قبائلها مثل دار حمر، دار كبابيش، دار مساليت، دار تاما، دار الشكرية، وهذه اراض ومساحات تعيش فيها هذه القبائل لسنوات طويلة جدا، وقد عاشت وتعايشت مع بعضها البعض لذلك كان من المهم احترامها وقد كان محمد على باشا في عهد التركية اول من اعاد التوزيع الادارى في السودان على أساس الدولة فهو لم يسم مديرية قبيلة الفور، او مديرية قبيلة الانقسنا، بل حدد دارفور كمديرية وجنوب الفونج كمديرية وسنار وحلفا (الشمالية).
وفي التاريخ السياسى والاجتماعى للدول كان التقسيم الادارى يتم اما على اساس الادارات او الاقطاعيات في الدولة مع وجود الملك، ومع التطور الحديث صار التقسيم يتم على اساس الاقليم وعلى أسس الوحدة الادارية، وهذا ما فعله الاتراك، وقد اخترق الامام المهدى كل هذا الترتيب وسيطر على مركز الدولة ولكن احتفظ بامارات وتوزيع الجيوش بشكل او بآخر حسب ذات الاتجاهات وبمراعاة التوازنات.
وحينما جاء الانجليز استمروا في تطوير ذات الانساق الادارية واستقر الامر في خاتمة المطاف على الست مديريات بعد تمحيص ومراجعات كثيرة جداً.
وحينما جاء نظام نميرى بانتهازيته المعروفة .. (وهو من اجيال حنتوب .. مش كده قالها ثم اطلق ضحكة ... وواصل حديثه) ... بانتهازيته وضيق أفقه وفي اعقاب اتفاق اديس ابابا الذى اعطى الجنوب الحكم الاقليمى حاول ان يسوق فكرة ان جميع انحاء السودان تحكم بالحكم الاقليمى، وهناك فرق .. فهناك توجد عادات وتقاليد مختلفة واعراق متباينة، فكون الاقليمين الشمالى والشرقى، وحينما اراد ان يفعل ذات الشئ ويسمى الاقليم الغربى حدثت الانتفاضة بعد ان رفض اهالى دارفور ذلك التقسيم الادارى، فعدل عن الفكرة وترك دارفور منفردة عن كردفان.
* انت تتحدث عن تقسيم ادارى مختصر ويقل عدداً عن عدد ولايات الجنوب لوحده بحسب التقسيم الادارى الراهن وما سيترتب عن نيفاشا من ابقاء عليها ؟
مهما كان .. وبغض النظر عن التسميات (اقليم، مديرية، ولاية .. الخ) ستبقى هذه الست مديريات في الشمال هى الوحدات الادارية الاساسية، وبحكم نيفاشا هناك مجالس للولايات الجنوبية سواء كانت ثلاث او عشر ولايات ولديها حكومة لكامل الاقليم، طيب .. نحن نقترح قيام حكومة للشمال، ولدينا حجة اذ نعتقد ان واحدة من مشاكل اديس ابابا من وجهة نظرنا انها كانت فيدرالية (بساق واحدة) فقد كانت هناك حكومة للاقليم الجنوبى ولم تكن هناك حكومة للاقليم الشمالى، هذه المرة سنقول لا .. وبوضوح .. لابد من وجود حكومة للشمال، لابد ان تكون لهذه الست مديريات برلمان خاص وان تكون هناك حكومة خاصة بالشمال ومن ثم تكون هناك حكومة لعموم السودان او .. رأس للدولة .. واذا كان لكل ولاية مجلس تشريعى ولائي فلنخفض الجزء الاعلى واعتقد ان هذا التقسيم هو الاسلم للسودان ..
* تبدو اطروحتك هذه معقدة بالنظر للظروف السياسية الماثلة فبخلاف ما قادت اليه مسألة التقسيمات الادارية التى اتبعت لسنوات والتى صنعت ولايات واكدت على وضعية اخرى، فان عقابيل الصراع السياسى تبدو شديدة الخطر اذ انتهت مآلا تها الى افراز اوضاع استثنائية لبعض مناطق وجهات السودان في ظل احساس بان ذلك يتم على حساب مناطق اخرى ؟
نحن ندرك ان تحقق بعض المكاسب لبعض المناطق بالتأكيد سيثير مناطق اخرى تحس بانها لم يتحقق لها شئ .. وعلى رأسها المديرية الشمالية والتى يقل عدد سكانها عن سكان مدينة امبدة بحسب الاحصائيات ولكن ليس هذا كل شئ فابناء هذه المنطقة مثلا ينتشرون على مستوى العالم، ويتعاطون مع وسائل الاخبار من انترنت وصحف كما ان بعضهم على صلة بالمنظمات الدولية، وسيفرضون و جهة نظرهم وتظلماتهم، دعنى اضرب مثلا بمنطقة محددة وانا اسميها منطقة (رباطا بستان المنسية) وهى منطقة لم يحدث فيها شئ على الاطلاق بخلاف ان احد ابناءها (الاستاذ محمد احمد كرار) قد امتلك صحيفة في الخرطوم والآخر (صلاح كرار) قد صار عضوا في مجلس الثورة .. هل قابلت شخصاً من ابى حمد في اي موقع ؟!
* لا اذكر ذلك ..
هذه المنطقة لم يحدث فيها اي شئ على الاطلاق مرت اكتوبر وبعدها ابريل ولم يحدث فيها شئ وما عرفت بشئ خلاف التمور فقد كان فيها مصنع تمور .. واعتقد ان هناك مناطق اخرى مثلها ستطرح قضاياها ..
* نحن ندخل من دغل لغابة هاهنا .. وفي ظل هذه الاشتباكات المعقدة وتلال المشاكل تبدو الاتفاقية نفسها مجلبة للقراءات المتعددة، وقد كان من اول من نبه فيه لمواطن الزلل فيها الدكتور غازى صلاح الدين قائد التفاوض السابق والذى قاد هذا العمل حتى توقيع بروتوكول مشاكوس، فهل تمهد الاتفاقية الارض للاستقرار، ام ستتحول بنفسها لعنصر جالب للمتاعب ؟
لعل من اخطر المشاكل التى ستواجهنا هى التفسير الباطنى لنصوص الاتفاقية، وعلى سبيل المثال تقول الاتفاقية في البند (2-1-2-4-2) تنشأ لجنة قومية ذات صفة تمثيلية لمراجعة الدستور لم تقل الاتفاقية بنسب معينة، هم (الحكومة والحركة) اصروا على مسألة النسب، في وقت تجد ان الموضوع نفسه مقسم لقسمين، كما اوضح الاستاذ محجوب محمد صالح، جزء خاص ومتعلق بالثلاث سنوات الاولى، وجزء متعلق بالثلاث سنوات اللا حقة، ثم مابعد ست سنوات، الجانب المضحك .. ان الدستور الذى سيصاغ في حال بقاء الجنوب سيكون هو دستور السودان، اما اذا انفصل سيأخذ الجنوب حقوقه .. هذه الصورة لا تساعد على العمل السياسى المستقبلى، والطرفان هما اللذان وافقا على الاتفاقية ووقعاها، وهما يتحملان مسئولية المتاعب الراهنة التى نعانى منها ..
* اذن لاي مدى تعتبر ان طريق الثنائية سيعقد المسألة، وهل هناك ثمة افق لدور تلعبه القوى السياسية في استعدال هذا (الميلان) ؟
اعتقد ان مسألة الثنائية ابتداءاً من التفاوض قد قتلت بحثاً، ولكن لا ارد هذه المسألة للتفسير القائم على اعتبار ان الطرفين هما المتحاربان الرئيسيان، لقد اوضح مبعوث امريكا السابق جون دانفورث الكثير في هذا المضمار بعد عودته من جولته الاولى في جبال النوبة الى القاهرة ولقائه بقيادات التجمع في القاهرة حيث ذكر لهم ان ما يهمهم في امريكا والغرب هو سلام الجنوب وحقوق الجنوبيين بحيث لا تنسخها اي حكومة قادمة او تمسها، وحتى نحقق هذا اعطينا للانقاذ ـ ونحن نعرفها وقد كنا ضدها ـ الشرعية لاننا ندرك انها ستنفذ الاتفاقية، وبعد ان تنفذ الاتفاق يمكنكم التعامل معها !
اختيار دانفورث نفسه لم يتم لانه عضو في الكونغرس وقيادى في الحزب الجمهورى، بل لانه قسيس في المقام الاول، والكنيسة في الغرب هى التى حركت هذه الحملة، بعد ان استفزت باسلمة الحرب في الجنوب التى قامت بها الانقاذ .. وقد تحركوا بصورة مباشرة وسافرة عكس ما كان يحدث في الماضى (وفي السودان من يدعى ان العلمانية تطرد الدين من المجتمع) اما ما يتعلق بشركاء الايقاد فقد تعاظم دورهم في اعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى، ففى السابق كانوا يحسبون اي خطوة يريدون ان يخطوها تحسباً لرد فعل المعسكر الاشتراكى وبعد الانهيار صاروا يتحركون بحرية دون خوف من احد، يفرضون حربا في العراق واتفاقا للسلام في السودان.
* اذن بهذا الربط نطرق ابواب (نظرية المؤامرة) فالربط بين حرب العراق وسلام السودان يشير الى ان ثمة إستراتيجيات للتعامل مع كل حالة على حدة، ماهى أبعاد هذه الإستراتيجية بالنظر للحالة السودانية .. الافريقية ؟
بالنسبة لافريقيا يتم ترتيب اوضاعها بناءاً على اتفاقية (النيباد) وبالطبع ليس من قبيل الصدفة ان كلينتون قبل ان يودع فترته الرئاسية زار افريقيا، وبوش بادر في اول زياراته لزيارة افريقيا، اذن افريقيا على رأس الاجندة .. هم يريدون ويطحمون لوجود قيادات من داخل افريقيا تشاركهم تنفيذ السياسات او تشاركهم فيها، وقد عملوا لردح من الزمان عبر الانقلابات والاطاحات المتكررة بالانظمة ويريدون الان انتهاج سياسة مختلفة لان مصالحهم تتطلب ذلك، هم يريدون للاتحاد الافريقى ان يكون حليفاً لاجتماع السبعة الكبار (زائداً روسيا) وان يساهم في حل النزاعات ربما بتوفير القوى البشرية ويقومون هم (اللوجستيكس) وان يلعب دوراً قارياً في حل نزاعات افريقيا ..
الامر الثانى : هم يريدون حقاً تمهيد الارض للاستثمارات لذلك يريدون انظمة مستقرة، الولايات المتحدة لديها مشكلة فهى حاليا تستورد حوالى 16% من احتياجاتها للبترول من البترول الافريقى، وتحاول رفع هذه النسبة الى 25% بعد ان اتضح ان بترول جزر غينيا بيساو اتضح ان خامته اغنى من بقية بترول القارة ثم اذا اضفت الدول الاخرى نيجيريا واذا تذكرت ان تشاد اكتشف فيها البترول لعلمت انهم يريدون ان يوفروا احتياجاتهم من البترول الافريقى حتى يستطيعوا ان يبعدوا من منطقة الشرق العربى والصراع العربى الاسرائيلى، افريقيا تقدم للعالم نصف انتاج خام البوكسان والماس، وحاليا تطورت في اوروبا صناعة الماس الصناعى، فالماس يطلق عليه المأس الدموى باعتبار انه يستورد من النزاع الدموى في افريقيا، وكل قائد من قواد الحرب الاهلية تجد ان اول ما يفعله هو ان يضع يده على بعض مناجم المأس ثم يبدأ البيع والتهريب لتمويل مليشياته وحروباته .. انظر لتجربة سافيمبى في انقولا والذى لم يكن له حلفاء من الغرب، فقد قام باستنزاف المأس وبيعه، هذه الممارسات جلبت على نفسها سخط الضمير الانسانى هناك الذى رفضها وتحول مع مرور الايام لعنصر ضاغط لانهاء الحروبات الاهلية، فتطورت صناعة المأس الصناعى جراء ذلك ..
افريقيا هذه تنتج 50% من انتاج العالم من البلاتين والكاكاو و75% من انتاج العالم من الكوبالت، هم يريدون من (نيباد) ان تكون ذراعاً تنموياً للاتحاد الافريقى وبقيادته والذى يدعى خمسة من قادته سنوياً لاجتماع السبعة الكبار لمناقشة سير خطط الاستقرار والتنمية في افريقيا.
من الاجندة الهامة بالنسبة لهم تطويق ظاهرتى انتشار الارهاب وتدفق طالبى اللجوء السياسى للغرب الذين باتوا يشكلون مشكلة لها ابعاد اقتصادية واجتماعية بل وسياسية في بعض الاحيان .. ويعملون كذلك لتطوير علاقات السوق، فانت لا تستطيع ان تنشئ نظاماً رأسمالياً حديثاً دون علاقات السوق وهم يعملون لانشاء سوق للاوراق المالية على النطاق الافريقى، لتساعد في موضوع رأس المال واندياح حركة العولمة التى لا تلغى الحدود بين الدول فقط بل تساعد على اندياح حركة البضائع والسلع ورأس المال ..
* هذه صورة عامة .. طالما انت تحلل التوجه الغربى الرأسمالى تجاه افريقيا ماذا عن السودان ؟
دعنى اقول ان هناك جانب السودان طرفاً فيه، لن يكون هناك تنافس عنيف مع الصين وماليزيا في ما يتعلق بالبترول، وقد سارعت توتال (الفرنسية) لاحياء الاتفاقيات القديمة، والشركات الامريكية بدأت تدخل، هناك امكانيات بترول كثيرة لم تكتشف بعد، او اكتشف وجوده ولكنه لم يستغل، فالباب واسع في هذا الجانب، ولكن امريكا ترصد مبلغاً ضخماً (4 مليارات دولار) لمشروع قد يبدو خرافياً وهو ان ينقل كل بترول السعودية ودول الخليج عبر الانابيب الى ميناء ينبع في البحر الاحمر، ثم عبر الناقلات يصل الى شاطئ البحر الاحمر الغربى، وعبر خطين يلتقى مع اي بترول في الطريق حتى يصل لموانئ الكميرون كاقرب مسافة ويبدو لى ان السودان سيكون المرشح الاول لان شاطئ البحر الاحمر ليست فيه اي موانع من مرتفعات وغيرها مثل الصومال مثلا .. والخط سيأتى عبر السهول للسودان ومن ثم لتشاد ولجزء من افريقيا الوسطى ومن ثم لموانئ الكميرون حتى يصبح متاحاً للناقلات وعبر البحر ينقل للشاطئ الشرقى للولايات المتحدة ..
* هذه القراءة يبدو لى انها تركز على جانب واحد ـ وهو جانب امريكا ـ او على الاقل تفترض ان الجانب واحد ـ للغرب عموماً ـ مع النظر الى تسابق الاجندة وصراع المصالح، بالنظر للوجود الفرنسى والبريطانى ومصالحهما ؟
لو صبرت لظفرت .. ضاحكاً .. الصراع الفرنسى الامريكى موجود وحاضر ويؤثر على قضية دارفور بشدة، واذا اردنا ان تتبع هذه المسألة يمكننا الرجوع بالذاكرة لسنوات الحصار التى واجهتها الحكومة في عقد التسعينيات المنصرم من قبل الغرب، كانت امريكا متشددة بينما كان الاتحاد الاوروبى يطرح مبدأ الحصار والتفاوض وكان يرغب عبر ذلك الموقف في حماية مصا لحه لانه عملياً لا يستطيع ان يواجه امريكا او يهزمها عبر منافسة مباشرة، واهتمام فرنسا بالسودان نابع من كونه ملامس لتشاد وافريقيا الوسطى ..
ومن المعلوم ان حسين هبرى حينما استولى على السلطة في تشاد كان قد انطلق اليها من دارفور، واولئك الذين اطاحهم من السلطة لاذوا بدارفور، وفرنسا تدرك ان السودان اذا رغب في تغيير تركيبة الحكم هناك يستطيع فعل ذلك، وكذلك الحال في افريقيا الوسطى وهذا الصراع اذن موجود، ويمكن ان تعتبر ان الصراع البريطانى الامريكى خافت بعض الشئ في مناطق غرب افريقيا وهنالك نوع من التحالف بين البلدين، ولكن فرنسا اكثر وضوحاً وهى مستلمة للملعب في تشاد على صعيد البترول عبر الشركات الفرنسية، المشكلة ان امريكا متفوقة في تكنولوجيا البترول سواء استخراجاً او ما بعد ذلك ..
وعلى المستوى الداخلى فان المنافسة البترولية مع الصين وماليزيا لن تكون عنيفة، ومع استفادة البلدين من السودان، الا ان ذلك لا يرقى لاستعمال الفيتو في مجلس الامن لصالحه كما اتضح لاحقا، واذا اردت التدقيق فلدى احصائيات تقول ان الميزان التجارى بين امريكا والصين يميل لصالح الصين بحوالى 160 بليون دولار، وهذه الاموال الطائلة هى تمتلك بها سندات من الخزانة الامريكية وتستثمرها في سوق الاوراق المالية الامريكية.
الامر الثانى ان انتاج الصين وتجارتها مع العالم تعتمد على استثمارات امريكية داخل الصين، واغلب ابنائها المتعلمين يذهبون للولايات المتحدة حتى يكتسبوا التكنولوجيا الحديثة ، لكل ذلك ليس وارداً ان تتخذ الصين موقفاً ضد امريكا في السودان لتكسب بعض البترول .. هذا فيما يتعلق بالعلاقات الامريكية الاوروبية، الامريكية الصنية، الامريكية السودانية، وما يتعلق بالصراعات الدولية والاقليمية
* حسناً .. دعنا نعود لاتفاقية نيفاشا بعد هذه السياحة المطولة، كنت قد تحدثت عن مشاكل فنية مرتبطة بها، وابديت تخوفك من التفسير الباطنى للاتفاق، رغم ان الكثيرين يعتبرون ان الاتفاقية هذى قد وضعت النقاط على الحروف، ولم تترك امراً الا وعالجته ربما باطالة واستفاضة وانها واضحة بما يكفى ؟
لا .. اذا قرأت هذا الاتفاق بتمعن (وانا اجد صعوبة في قراءة الاتفاقيات والقوانين) ستجد ان تلك مهمة عسيرة فالاتفاق خليط بين اتفاقية سياسية وخارطة طريق، فهى ليست اتفاقية معها ملحق للتفاسير، وهذا ما يجعل بعض البنود متداخلة ولا ينفذ الى جوهرها الا شخص حاذق مثل الاستاذ محجوب محمد صالح ـ رئيس تحرير صحيفتكم ـ وبعض القانونيين، الى جانب ذلك نلمس فيها تحسباً مبطناً لضمان عدم تكرار ما حدث في اديس ابابا (1972) وتشعر كلما توغلت فيها بيد مولانا ابيل الير ! واذا كنت قد قرأت ما كتبه من قبل لاحسست فوراً باليد الخفية (دعنا نستعر من آدم سميث مقولته عن يد السوق الخفية في الاقتصاد) وهذا الامر حدث لاضفاء مزيد من (التكريب) وهو قد اضفى صعوبة على الاتفاقية ..
* رغم ما اثرته عن الضمانات الا اننا نلمس ان هناك اشكالات قد برزت في اعقاب الاتفاق، خذ مثلاً ما تردد عن شروع الحركة في الدخول في اتفاقيات في مجالات اقتصادية مختلفة ؟
من اول المشاكل التى تفجرت كانت في مسالة البترول، واذا عدت للاتفاقية ستجد ان الفقرة (4-2) تقول : لا تخضع العقود التى تمت لمفاوضات جديدة، والفقرة تقول ايضا : العقود التى وقعتها حكومة السودان قبل تاريخ توقيع الاتفاقية، لكن الحكومة لم تضع في اعتبارها ان الحركة ربما لديها اتفاقيات في المناطق التى تسيطر عليها، وحينما حدثت المشاكل مندوب الحركة كوستيلو قرنق قال ان الحكومة لم تسألنا من ذلك، وهذه هى التعقيدات الموجودة ..
واذا نظرت الى المادة (4-4) تقول ان عقود النفط الحالية تعنى عقود ما قبل تاريخ توقيع اتفاقية السلام الشاملة، وهى شرحت ولكن في تلك الاثناء كانت الحركة قد سجلت اصابة في الدقائق الاولى للمباراة، اذا كانت اصابة واحدة فقط ... صمت لبرهة ثم ضحك ضحكة قصيرة
وهذه جوانب للمشاكل فقط، هناك جوانب اخرى فالناس لم يفهموا اتفاق الترتيبات الامنية حتى كتب العميد اركان حرب (م) حيدر المشرف (سلسلة مقالات نشرت في الايام ـ المحرر) حيث قدم شرحاً عميقا للاتفاقيات وقدم بدائلاً لا يمكن ان يقدمها اي شخص الا شخص متمرس في هذا المجال ويعرف طبيعة الجيش السودانى، ويملك خلفية جيدة عن الجنوب (كتر خيرو على كل حال) ولكن المخاطر ما زالت موجودة ..
* ماهى المخاطر الماثلة بحسب وجهة نظرك ؟
مثلا .. نتيجة للرغبة في تفادى ما حدث في اديس ابابا (1972) كان مفهوماً اصرار الحركة على الاحتفاظ بقواتها حتى الاستفتاء لكن واقع الحال هذا سواء نتجت عنه او تبعته تداعيات وتعقيدات جعلت السودان اشبه بحاملة (الجيوش) البرية، الناس يعرفون حاملات الجنود البحرية، ولكن وطننا يبدو اقرب للحاملة البرية.
واذكر في نهاية الحرب العالمية الثانية تم تجميع جيوش الحلفاء في انكلترا ثم نقلت بالبواخر لنورماندى وشواطئ اوروبا وتم الانزال الشهير ثم تحركت جيوشهم الموجودة وقتها في ليبيا وشمال افريقيا ودخلت عن طريق البحر الابيض المتوسط وعن طريق مالطا وقامت بغزو ايطاليا، وانطلقت منه نحو عمق اوروبا والجيش الاحمر السوفيتى كان يتجه نحو برلين وقد صارت في لحظة من الزمان كل الجيوش التى تتحارب في الحرب العالمية الثانية داخل القارة الاوروبية .. وهذا كله يحدث للسودان مع الفارق من حيث تعدد الجيوش وتكاثرها .. نحن لدينا الجيش الرسمى، ثم جيش الحركة وقوة مدمجة ثالثة ستتخرج عن الطرفين (الحكومة والحركة) كما لديك قوات حفظ السلام الدولية (10 الف جندى و750 شرطى ) قابلة للزيادة ثم قوات الاتحاد الافريقى في دارفور وقوامها 3 الف جندى قابلة للارتفاع ـ بحسب حديث اهل الامم المتحدة ـ الى 12 الف جندى .. وبجانب ذلك فلديك القوات القادمة من شرق السودان وهى بقايا وخليط من قوات الحركة والتجمع والاسود الحرة والبجا، والفصائل السياسية.
ثم اذا اضفت لكل ذلك المليشيات الجنوبية التى لها تحالفات مع الحكومة (وهى موجودة في الجنوب مثل قوات فاولينو ماتيب) وتلك القوات والمليشيات الموجودة في دارفور (حركة تحرير دارفور، العدل والمساواة) لاتضح المشهد على ابعاده كافة .. واتصور هنا ان الوضع تعقد اكثر بسبب المنهج التجزيئي الذى اتبع وتصور الحكومة ان تعدد المنابر يكسبها قوة، واذا به ينعكس كعنصر مهدد للسلام ..
* لعلنا والحال هكذا نوجه سؤالاً حول اسباب اللامبالاة التى تسود حالياً في التعاطى مع الشأن السياسى، رأى عام في اضعف حالاته لم يستند من الاتفاق ولم يعبر عن دعم لما تم ولم يتفاعل وقوى سياسية معلقة في الهواء لكأنما اجتثت من جذورها، ويشعر الناس انها غير معنية بقضاياهم ؟
انا ارد كل ما تتحدث عنه الى استمرار حالة الطوارئ ومنهج التضييق والناس قد عانوا طويلا من قانون الطوارئ ، الجانب الآخر هناك مظاليم .. وهؤلاء مظالمهم لا تزول بالسلام .. وهم دفعوا اثمان السياسات الاقتصادية فصلا وتشريداً وعطالة لذلك فهم ينتظرون ان يجدوا حقهم، الى جانب مظاليم اخرين، ثم تجد ان الواقع الضاغط يحاصر الناس، الجبايات تتضاعف يومياً، والناس ينتظرون السلام باعتباره سيغير ظروف حياتهم ويقود للانفراج ، يا اخى لقد زارنى بعض الناس من مدينة القطينة في الايام الماضية وحكوا لى عن كمية الجبايات التى استقطعت منهم في الطريق الى الخرطوم .. والحكومة تعلم بذلك الواقع ولقد اصدر رئيس الجمهورية اكثر من توجيه لوقف هذه الجبايات والغائها ولكنها مستمرة وتحاصر الناس وقد اشتكى مؤخراً مدير الجمارك من تراكم الحاويات في بورتسودان نسبة لاحجام اصحاب الشاحنات عن نقلها بعدما حوصروا ولوحقوا على مسار الطريق بهذه الجبايات .. الترحيل بالسكة الحديد بالتأكيد ارخص، ولكن القطارات لا تستقطع منها الجبايات !! ولعل من الغرائب انك في بعض الاحيان تجد نفسك في طريق سفرى بعيد ومعزول وتفاجأ بهذه الرواكيب في قلب (الخلاء) الفسيح وليست هناك منازل او (حلال) بالقرب منها اذ بهم من يستقطعون الجبايات ..
الشئ المزعج بجانب ذلك هو التدنى المريع لمستوى الدخل في السودان، ولدى احصائية هنا توضح بعض الملامح : متوسط دخل الفرد سنوياً في السودان حتى العام الماضى والعام الذى سبقه (2003-2004م) كان 390 دولاراً في العام .. وهذا مستوى ضعيف جداً ..
واذا عدنا وربطنا ذلك بالبترول فسنجد مثلا ان البترول الذى قمنا بتصديره في العام 1999 اذا قمنا بتقسيمه على مجمل السكان سيكون نصيب الفرد 9.2 دولار (اعلى في متوسط الدخل) وما صدر في عام 2000 كان سينعكس على السكان 19.9 دولار، وما تم تصديره في عام 2001 اذا تم توزيعه على السكان كان سيكون نصيب الفرد 20.4 دولار، و في العام 2002 نصيب الفرد من البترول 21.3، اما العام 2003 فنصيب الفرد 27.7 دولار، والعام 2004 نصيب الفرد 40 دولاراً، اما العام 2005 (وهذا تقدير افتراضى من العائد) يكون نصيب الفرد 84 دولار، ولكن رغم كل ذلك ما زال نصيب الفرد في ذات المنطقة (التعبانة) وما اقوله لكم ربما لا يدركه رجل الشارع العادى بالارقام ولكن قطعاً هم يدركونها بالحس حينما يرون ان هناك اخرين اوضاعهم تسير نحو الاحسن وتو جد لديهم ضمانات كافية في الحياة، وهذه هى الاشياء التى تحدث احباطات.
ومن كل ذلك اعتقد ان الترحيب بالحركة وعودتها للسودان صادق ولا رياء فيه، ولكن الصورة الحقيقية ستتضح لاحقاً، وهذا السؤال (سؤال بعدين ؟!) يتزايد كل يوم، وينتظر الناس منهم اجابات تخاطب هذا الواقع، وانا لم اكن سعيداً بما قيل حول موضوع الدستور والنسب والشرح الذى حاولت بعض قيادات الحركة تقديمه ياسر عرمان رجل فصيح ومتمكن ولكن .. لكل مقام مقال .. (ما تحاول تقولى لى النسب وتفسرها لانه ليست هناك نسب من الاساس، وانا ادرك ذلك وانت تعلم اننى ادرك ذلك).
الناس- وانا كثيرا ما التقى اعداداً كبيرة منهم ـ لديهم احساس باننا اكتشفنا وصدرنا البترول ومنذ اليوم الاول ارتفعت اسعار المواد البترولية محليا، وهذه كلها اسباب للاحباط ..
هذه كلها مصاعب موضوعية تحاصر الناس فاذا طرحت القضايا بصورة موضوعية وتوفر الاستعداد لتبادل وجهات النظر حولها بدون حساسيات اعتقد ان كل هذه المسائل يمكن ان تحل ويعبر السودان لبر السلام وللوحدة خلال هذه الست سنوات .. لكن الخلافات الحالية التى بدأت حول الدستور ونسب التمثيل لا تبشر بخير ..
* البعض يعولون على د. جون قرنق باعتباره قائداً يمتلك كاريزما في احداث الربط المطلوب بين القوى السياسية لا سيما وان حركته تكاد تكون هى الوحيدة التى تحافظ على ابوابها مفتوحة مع جميع القوى السياسية من يمينها الى يسارها .. ما رأيكم ؟
خلال الايام الماضية وبعد تصعيد مسألة الدستور والتصريحات العنيفة من هذا الطرف اوذاك توجه قرنق لاسمرا والتقى اسياسى افورقى وقابل الميرغنى وحاول تقريب وجهات النظر ولكن ماذا سيفعل قرنق لوحده (ما ممكن نحمل على قرنق فالفيه مكفيه) .. واذا استطاع ان يحافظ على الوحدة الجنوبية ونتائج مؤتمر الحوار الجنوبى/الجنوبى فيكون ذلك امراً متقدماً وجيداً، لقد التقيت الاستاذ بونا ملوال وهو لديه حججه ومنطقه واسبابه ولا يمكن باي حال من الاحوال تجاهله او تجاهل الجنوبيين خارج الحركة، فهم لديهم رأى لا يمكن ان تتجاهل يوساب، والبعض يعتقدون ان حل هذه المشاكل يتم عبر توزيع انصبة ووزرات وهذا جانب شكلى ولا يحل المشاكل، وقرنق نفسه يحتاج الشمال وقد يحتاج من الشمال تفهم لحجم المشاكل التى تواجهه، واذا طرح القضايا في الشمال وانكسرت الدائرة الضيقة وساهم في الحوار الشمال والجنوب اعتقد سنصل لحلول مفيدة جدا، واقول ذلك وفي ذهنى مؤتمر المائدة المستديرة (1965) عقب اكتوبر والمناقشات الطويلة التى اجريناها مع الحركة طيلة مايو، ومناقشاتنا مع الحركة عقب الانتفاضة ومن داخل التجمع، او حتى تلك الحوارات التى تمت داخل السجن بكوبر مع القيادات الجنوبية بل حتى تلك التى اجريتها في فترة الاختفاء الاخير مع عدد من القيادات الجنوبية.
(نواصل غداً)
اقوال على هامش الحوار:
* كنا قد سألنا نقد في الجزء الاول من الحوار فجأة عن جيل (حنتوب) صمت عندها لثوان وضحك واجاب بأنه فهم سؤالنا حتى الجزء الذي لم نقله.. واثناء اجاباته على اسئلة هذا الجزء الثاني وفيما بدأ يتحدث عن مايو والرئيس نميري التفت الينا فجأة وقال: هو من حنتوب برضو.. مش كدا.. ثم ضحك الجميع بعدما التقطوا الربط!
* خلال حديثه اورد مجموعة من الاحصاءات والارقام، وخلال تحليله عن افريقيا بدأ مراجعا لكثير من التفاصيل.. واثناء الحوار سألناه عن سر هذه الارقام والتفاصيل.. فقال: ما زالت لدينا بقايا من روح الطلبة.. وانتبهنا اليه فقال: المذاكرة!
* حينما ضرب مثالا عن سباق الثلاثة ارجل استفسره اصغرنا سنا عما يقصده فقال هي ضرب من المسابقات كانت تنظم في المدارس في الماضي.. حينما كان هناك يوم للرياضة ثم التفت للسائل: متى ولدت فقال 1977، فضحك وقال: كنت مختفيا في ذلك الوقت.
* بعدما اطلق تعبير (انيميا التخصصات العلمية) عاد ليستن نقد مصطلحا اخر (رباطا بستان المنسية).
* اكتشفنا في حديثنا مع نقد في احدى الوقفات اهتمامه بكرة القدم ومتابعته للدوري الانجليزي وتحدث عنها حديث العارف، ثم استعان بادبياتها ليقارب بها احدى النقاط حينما قال ان الحركة سجلت اصابة في الدقائق الاولى للمباراة.
إحصائية على ذمة نقد
نصيب الفرد من عائدات البترول المصدرة (مفترض)
العام
9.2 دولار
1999
19.9 دولار
2000
20.4 دولار
2001
21.3 دولار
2002
27.3 دولار
2003
40 دولار
2004
84 دولار (تقدير افتراضي للعام الجاري)
2005
| |
|
|
|
|
|
|
|