دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
د. خالد المبارك: جون قرنق يتحدث .. في لندن
|
مفكرة سودانية - بريطانية بقلم د. خالد المبارك
بوسع المرء ان يتفق مع الحركة الشعبية او يختلف معها . لكن أحداً لا يستطيع ان يتجاهلها . لذا فقد حرصت على تلبية الدعوة - غير المتوقعة - التي وصلت من الاستاذ ستيفن ياك (ممثل الحركة في المملكة المتحدة وايرلندا) لحضور امسية سياسية عامة يتحدث فيها رئيس الحركة د. جون قرنق دي مبيور ، عصر يوم السبت 2 مارس 2002م بلندن.
اعجبت بحسن التنظيم والادارة وان فوجئت بالاجراءات الامنية التي جعلت مستقبلينا يفتشوننا وكأننا في بوابة قاعدة غوانتانامو !
تحدث جون قرنق باسهاب امام جمع غير غفير استجاب له بحماسة وتابعه بشغف وهو يتقيد بالنص المعد سلفاً حيناً ، ويستطرد مرتجلا حينا آخر . واجاد بوجه خاص توليف وتوقيت الانتقال - الذي بدا عفويا - من اللغة الانجليزية الى اللغة العربية مما اضفى طلاوة على الموضوع الجاف ووشاه بالفكاهة والسخرية اللاذعة .
يدخل في باب الايجابيات ايضاً ما اورده الخطيب من مؤشرات لا نختلف معه حولها مثل تراكم الاخطاء والتقصيرات في الماضي ومثل المناداة بالتعددية وبمراعاة خصائص السودان التي تجعل الدولة المدنية الديمقراطية - لا العسكرية الثيوقراطية - انجع الوسائل لحكمه وتوفير الاستقرار به .
بيد ان الاتفاق على «رؤوس مواضيع» كهذه لا يحرم المراقب من التماس ماوراء الشعارات او التدقيق في الزوايا القصية . يفضي ذلك الى ملاحظات يستبعد ان تسمعها الحركة من المئات الذين وقفوا يصفقون ويهللون وينظرون الى د. جون قرنق بطريقة اشبه ما تكون بنظرية المريدين الى شيخ الطريقة الذي لا يجادله الناس بل يستقون الحكمة الكاملة من لسانه الملهم.
الملاحظة الأولى المثيرة للجدل هي فصل الدين عن الدولة . كيف يستقيم لحركة تنادي بذلك وتعيب على بعض الاحزاب الشمالية انها طائفية او دينية ان تدعونا إلى لقاء سياسي في قاعة تابعة لاحدى الكنائس في واحد من اغلى احياء لندن ، على مرمى حجر من مجلس العموم البريطاني ؟ وليس هذا بالموقف المعزول . فسند الحركة الاساسي في الغرب وفي الولايات المتحدة بوجه خاص هو المنظمات المسيحية الاصولية . وبعض هذه يعتبر الحركة الشعبية فصيلا في حملة صليبية كما اورد د. اليكس دي وال في بحث «بالنيو ليفت ريفيو» (عدد يناير - فبراير 199 . أسجل هذا بقلم علماني صريح.
الملاحظة الثانية هي اختزال المسائل المعقدة بصورة مخلة تشوه الاستنتاج الذي يبنى عليها . وصف د. جون قرنق سودان ما بعد عام 1956م بأنه «عربي - اسلامي» وقال ان هذه الصفة وما يتبعها من هياكل ادارية اورثتنا ستة وثلاثين عاماً من الحروب ، لذا يجب تقويض هذه المعادلة المدمرة واستبدالها بالسودان الجديد. يتناسى هذا المنطق المتحامل بعض الحقائق الراسخة .
فقد مر السودان منذ الاستقلال بفترات ديمقراطية واخرى عسكرية . وليس من الانصاف او الموضوعية في شيء ان يجمع احد بينهما او يضعها كلها في سلة واحدة . حقق السودان في المراحل الديمقراطية انجازات اشاد بها الباحثون والمراقبون الاجانب : الانتخابات النزيهة تحت اشراف لجنة محايدة برئاسة قاضِ التعددية وحق التنظيم حزبيا - حرية تكوين النقابات المهنية والعمالية - حرية الصحافة والنشر - استقلال القضاء - الاجر المتساوي للعمل المتساوي للنساء والرجال وللشماليين والجنوبيين - حق التصويت الكامل للمرأة - استقلال الجامعات . لم تكن الفترات الديمقراطية كاملة او خالية من الاوشاب والشروخ .
لكن رصد نقائصها دون ذكر مزاياها يمثل خللا في المعيار المستخدم لا في الديمقراطية . ولعل هذه المعالجة المبتورة للتاريخ المعاصر هي التي دفعت الحركة الشعبية لخطأ قاتل جعلها تحارب الحكومة المنتخبة ديمقراطياً بضراوة اشد من تلك التي قاتلت بها حكم النميري . وقد اشار لهذه النقطة - صادقاً ومحقاً - الباحث الامريكي المتخصص في شؤون السودان د. جون فول . فضلاً عن ذلك فإن تعريف السودان بأنه عربي - إسلامي بحاجة إلى هامش تفسيري.. الواقع ان كل الحكومات الديمقراطية والعسكرية (التي كان للشماليين الصوت الاعلى فيها) لم تتصرف بانحياز عربي استراتيجي . فقد اوصدت الباب امام الهجرة المصرية (العربية) المباشرة وغير المباشرة وفتحت البوابة على مصراعيها للهجرة غير القانونية من غربي افريقيا . ويحق للسودانيين الشماليين في هذا السياق ان يفاخروا بأنهم لم يفكروا من منطلق ديمغرافي كما تفعل بعض دول الاتحاد الاوروبي وكما تفعل استراليا واسرائيل وكما بدأت الولايات المتحدة تفعل في حدودها مع المكسيك . هذه مسألة لا ينبغي اغفالها في اي عرض منصف لوشائج السودان العربية والافريقية . ويمكننا ان نقارن ذلك بسياسة «الطرد الجماعي» التي مارستها بعض الدول الافريقية (مثلا نيجيريا وغانا) بطريقة جعلت شعار الوحدة الافريقية يبدو حلما عسير التحقيق .
تتصل بهذا مسألة اخرى لا تثير الجدل بل تثير القلق . فالنقص الاخطر في اهتمامات الحركة وفكر زعيمها -- كما عبر عنه في قاعة الكنيسة وفي المطبوعات العديدة - هو ما يمكن ان نطلق عليه «عقلية البعد الواحد» . ثمة موضوع واحد يطرح بمعزل عن الاطار الاقليمي والدولي ، وكأن السودان قطعة ارض معزولة عن محيطها . هذه النزعة المحلية الضيقة لا يمكن مقارنتها إيجابيا بالحركة الوطنية ايام الدعوة للاستقلال او بالتوجهات المستنيرة في الفترات الديمقراطية اذ كانت الرؤية متعددة الزوايا متشابكة مع التيارات الاقليمية والدولية العارمة : كان هناك انفعال بما يحدث في جنوب افريقيا وتضامن وتظاهرات تأييد لنضال باتريس لوممبا وثوار الكاميرون والكنغو والجزائر (وكلهم احتضنتهم الخرطوم حانية واستمعنا اليهم ونحن طلاب) . وهذا هو الاطار الذي تضامن فيه السودانيون مع الشعب الفلسطيني . والمحزن المقلق في «البعد الواحد» لزعيم الحركة الشعبية ان المرء لا يجد في اقواله ايماءة تأييد للمقهورين المهمشين في فلسطين واراضيها المحتلة . والسبب في ذلك - كما يبدو - هو الرغبة في كسب ود الدوائر المعادية للعرب والمسلمين التي تطربها النغمة الواحدة التي تعزفها الحركة الشعبية ليلاً ونهاراً . وجدير بالتسجيل ان التجمع الوطني الديمقراطي في الخارج لم يصدر - فيما بين يدي من وثائق - اي بيان تضامن مع الانتفاضة التي يتضامن معها عدد لا يستهان به من محبي السلام ذوي «الابعاد المتعددة» داخل اسرائيل نفسها . والراجح ان موقف الحركة المعادي للعرب هو السبب.
وقد اسعدني ان د. جون قرنق لم يركز - في حديثه عن السودان الجديد - على «إعادة توزيع السلطة والثروة» . ينبغي وضع هذا الشعار البراق في مظروف وارساله الى منغستو هايلي مريام في منفاه . فالسودان كله متخلف اقتصادياً ومثلث كوستي - سنار - الخرطوم الذي كانت الحركة في طفولتها تكثر الحديث عنه ليس قطعة من كاليفورنيا . مفهوم اعادة التوزيع مفهوم بلشفي لينيني اثبتت التجارب اخفاقه . ويصعب ان يجد صدى في الولايات المتحدة او بريطانيا او غيرها من الديمقراطيات الغربية التي لا تؤمن باعادة التوزيع» بل بزيادة الثروة لكي تعم الجميع بدرجات متفاوته ، مع مساندة ودعم من لا تشملهم عن طريق اعانات البطالة ودعم الاسكان والغذاء والعلاج احيانا واصلاح نظم الدولة لكي تتاح الفرصة امام ذوي المواهب لصعود السلم . وتدخل في ذلك اجراءات «التمييز الايجابي التي تعطي دفعه مدروسة في التنمية لمناطق معينة وفئات اجتماعية معينة . وهذا مفهوم مقبول في السودان ايضا حيث يمكن توفير قروض وتدريب لتشجيع فئة رجال المال والاعمال في الجنوب او تجاوز اجراءات بيروقراطية لترقية افراد في مجالات مختلفة وتحقيق توازن في تمثيلهم بأعلى المستويات . اما اعادة توزيع السلطة والثروة على النمط الذي انجز عام 1917م في روسيا فلا يمكن تحقيقه الا بالعنف الدموي ولن يوفر للبلاد شيئاً سوى عقود من القهر والتسلط او الحروب في السودان الجديد !
وقد ذكر د.جون قرنق الحرب الاهلية عدة مرات كما ذكر فترة السلام المؤقتة في اعقاب اتفاقية اديس ابابا لعام 1972م . لكنه راوغ ولم يذكر أنه شخصياً عارض ذلك السلام . ونعلم من كتاب القاضي الجليل ابيل الير ان المتعاطفين مع موقف جون قرنق ذلك لم يقبلوا سلام اديس ابابا وعملوا باستمرار لتقويضه.
من زاوية اخرى فإن ارتداء معطف القاضي الذي يوزع احكام الادانات في كل الاتجاهات يحمل مزالق كبرى . فالحركة وزعيمها يعانيان ايضاً من بعض امراض سياسيي السودان القديم ، مثل الرئاسة مدى الحياة . تسلم د. جون القيادة عام 1983م. ولن يتخلى عنها . وهو اشبه في ذلك بالسيد الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني ود. حسن الترابي والاستاذ محمد ابراهيم نقد الذين لن يتخلوا عن رئاسة احزابهم الا عندما يختارهم الله إلى جواره.
ولئن كان التمويل الخارجي من اخطر ادواء احزاب السودان القديم فإن الحركة الشعبية تمول علناً من دول اجنبية . ولئن كان سياسيو السودان القديم يكذبون على جماهيرهم فإن د. جون قرنق الذي حدثنا من منصة الزعيم الصادق كذب في الولايات المتحدة عندما ادعى ان الجنوبيين يُسترقون ويجري «تصديرهم» الى دول اخرى (كما أورد د. اليكس دي فال في البحث المشار اليه اعلاه). وقد نشرت الواشنطون بوست (يوم 27 فبراير الماضي - ثلاثة ايام قبل ندوة قرنق بلندن) تحقيقاً صحفياً من كارل فيك بنايروبي اوضح فيه ان بعض قادة الحركة الشعبية شاركوا في استغفال وخداع الخواجات بمسرحيات نظمت بغرض نيل الدولارات لتحرير «الارقاء» !
نختم باخطر ما قاله د. جون قرنق في الندوة ، وقد كان عن المناطق المحررة. لم يحدثنا بالطبع عن السجون (مثل ذلك الذي قتل فيه القاضي مارتن ماجير) ولم يحدثنا عن تجنيد الاطفال بل عن خطة «السلام عبر التنمية» ويعني بها الانفصال العملي كأمر واقع : عملة مختلفة ومصارف مختلفة وكل مقومات الدويلة المستقلة .
وبما أنه ذكر ايضاً موضوع الحدود فإن خطة المستقبل تبدو واضحة : استقلال فعلي ، ثم حرب (على غرار الحرب الاريترية الاثيوبية) . هذا هو ما بشرنا به د. جون قرنق في قاعة كنيسة مزداته بحكم دينية تدعو للسلام والوئام.
لهذه الاسباب مجتمعة لم اكن بين الذين وقفوا يصفقون ويهللون . لكنني لم اندم على السفر لحضور الندوة . فبوسع المرء ان يختلف مع جون قرنق او يتفق معه . لكن احداً لا يستطيع ان يتجاهله .
انصافاً للاحياء .. فاطمة احمد ابراهيم للسيدة الجليلة فاطمة احمد ابراهيم مكانة خاصة في قلبي . ولعل خير نعت لها هو انها ضمير اليسار النابض» . لذا فإن مقاطعة بعض اليساريين لها في محاولة لاجبارها على النزول من المنصة وعدم نقد اتفاق الحركة الشعبية مع حزب د. الترابي قد احزنتني للغاية.
جرأة فاطمة في ندوة قرنق بلندن لا تنفصل عن جرأتها عندما اسست «صوت المرأة» او تصدرت «الاتحاد النسائي» او حثت الجماهير على التصدى لجبروت النميري او طرقت باب المستقبل كأول نائبة برلمانية.
هاجمتني قبل اعوام بعنف عندما كتبت قائلاً إن الشيوعيين ذرفوا دموع التماسيح على د. خالد الكد رغم انهم كانوا يغرسون الخناجر في ظهره حينما كان حياً . إلا ان ذلك لم يغير من رأيي فيها فهي شخصية تاريخية بحق ينبغي ان نعرف قدرها وان اختلفنا معها ، بالذات في هذا الوقت الذي يستهين فيه شباب اليسار بضمير اليسار!
الرأي العام 12-3-2002
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: د. خالد المبارك: جون قرنق يتحدث .. في لندن (Re: bunbun)
|
الأخ بنبون علىما اعتقد فإن الدكتور خالد المبارك من اهل الموسيقى وكان علىما اظن عميدا لمعهد الموسيقى والمسرح فى السبعينيات وهو بذلك لن يكون محسوبا على الجبهة بأى حال.. هذا اعتقادى فارجل جاء بحديث عن قرنق وعن حركته يصب فى مجرى ما يقوله ناس الحكومة .. هل هذه هى الحقيقة فعلا ؟؟ وهل قرنق محسوبا على الكنيسة الغربية فعلا؟؟ وهل هو يمثلها ويرفع صوتها؟؟؟ اذن هل الحرب فى الجنوب هى حرب دينية؟؟ لطالما انكر ذلك الجميع .. الطرفين بلا استثناء. اين الحقيقة ؟؟؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. خالد المبارك: جون قرنق يتحدث .. في لندن (Re: قرشـــو)
|
اخ قرشو
هناك انتقادات عديدة توجه للحركة منها الموضوعي ومنها غير ذلك وكما قال د. خالد مبارك يمكن ان نختلف او نتفق معها في جزئيةٍ ما هنا او هناك لان الحقيقة موزعة وليست مطلقة .. وفي رأي ان العلمانية لا تعني فصل الدين عن الدنيا ولكن عن السياسة ود. جون نفسه مسيحي ..
| |
|
|
|
|
|
|
|