|
مات نكروما فماتت الجامعة الافريقية ومات عبد الناصر فماتت الاشتراكية ورحل قرنق ثم ماذا؟
|
في تحليل متعمق كان هذا الراى للبروفسير حسن مكى :-
- بروفيسور حسن مكي: يكفي ان اشير إلى ان موت النائب الأول الاسبق لرئيس الجمهورية، الشهيد المشير الزبير محمد صالح في حادث الطائرة التي سقطت في بحر الناصر بأعالي النيل في جنوب السودان عام 1998م، كان يمكن ان يحدث حرباً اهلية في الحركة الاسلامية بالسودان لولا لطف الله الذي عصمها، كما ان موت الشخصيات الاستثنائية في التاريخ يؤدي دائماً إلى التغييرات المفصلية الحاسمة· فبعد موت نكروما اول رئيس لجمهورية غانا بعد استقلالها الوطني، انتهت الدعوة الى الجامعة الافريقية وانتقلت غانا إلى حضن الغرب· وحينما مات الرئيس الاسبق لجمهورية مصر العربية الشقيقة، الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر، انتهت الاشتراكية في مصر· ويجب ان يطرح ماذا يعني موت الفقيد الكبير د· جون قرنق في هذا الاطار الكبير بالنسبة للسودان والجنوب السوداني·
القراءة الاولى:
وأضاف مكي قائلاً: بالطبع فهناك أشياء واضحة جداً يمكن قراءتها منذ الوهلة الاولى، وفي مقدمتها ان موت الراحل قرنق يعني الموت السياسي للشماليين في الحركة الشعبية، والمسألة الثانية هي ان موت قرنق يعني انتفاء وانتهاء البعد العالمي للحركة الشعبية كثورة افريقية، كان من اهدافها ان تحكم السودان كله بشماله وجنوبه، فالقيادة الجديدة للحركة الشعبية لن يكون من أولوياتها حكم الشمال، ولا حتى المساهمة في حكمة، كما لن تكون من أولوياتها قضايا دارفور والشرق والعلاقة مع اريتريا، وذلك لان المأمول السياسي للقيادة الجديدة للحركة، هو المحلية الجنوبية، ولكن المحمول السياسي للجنوبية الصرفة ستكون لها نتائج بعيدة المدى على السودان كله، منها انهم سيحاولون التحديد القاطع للحدود مع الشمال، ولهذا فستخرج قضية خارطة ابيي الجديدة المزعجة والمقلقة والمثيرة للجدل المحمول على النحو الذي اقترحها بها الخبراء الاجانب الاعضاء في اللجنة المشتركة لترسيم حدود منطقة ابيي، وفقاً لما ورد في اتفاقية السلام المبرمة مع الحركة الشعبية· ووفقاً لهذه الخارطة المقترحة والتي سيتم طرحها كمرجعية من قبل القيادة الجديدة للحركة، وكذلك وفقاً لما اشرنا إليه عن البترول الافريقي جنوب خط 14 شمال فإن معظم او كل البترول السوداني يظهر في الجنوب، حسب هذه الخارطة المقترحة والتي ستحظى بالاولوية لدى القيادة الجديدة للحركة، وليس قضايا دارفور او ياسر عرمان، او شرق السودان، وهذا يمكن ان يوحد الجنوبيين كلهم خصوصاً وان المرحلة القادمة في قيادة الحركة الشعبية ستكون هي مرحلة اولاد بحر الغزال ومنهم سلفا كير ميارديت وبونا ملوال وألدو اجو وفرانسيس دينق وغيرهم، وذلك بدلاً عن المرحلة السابقة التي كانت هي مرحلة اولاد بور بقيادة الراحل الفقيد د· جون قرنق·
لماذا هذا التوقيت؟!
* إيلاف: دعنا نعود إلى الملابسات المتعلقة بما جرى للراحل والفقيد الكبير د· جون قرنق، والسؤال هو لماذا برأيك حدث هذا الذي جرى وفي هذا التوقيت بالذات وليس في اي فترة من الاوقات الطويلة السابقة والمراحل العصيبة الماضية التي مرت بها الحركة منذ ظهورها وبروزها والسيطرة والهيمنة التي كانت محكمة عليها من قبل د· جون قرنق؟
- بروفيسور حسن مكي: مشروع قرنق لحكم السودان وسلوكه السياسي منذ ان جاء إلى الخرطوم كان يشير إلى انه اهمل الحسابات الاخرى، حيث ذكر ان السلام لا يعني ان تكون للسودان علاقة مع اسرائيل، كما اهمل تأثيرات جنوب السودان على يوغندا ككل، او وجود جيش الرب او غيره· وقد وضح ان قرنق كان يتجه لتحالف استراتيجي مع النظام الراهن القائم بالخرطوم في اطار مشروعة لحكم السودان، بينما يوغندا بقيادة موسفيني كانت ترى ان يتجه إلى تحالف مع كمبالا وهذا هو الامر الذي ازعج موسفيني بعد ان طرح قرنق مسألة جيش الرب اليوغندي المعارض كواحدة من خمس قضايا سودانية داخلية· بينما يرى موسفيني ان تدخل هذه المسألة في اطار قضية كبيرة ومرجعية امنية، وليس كمفردة فقط على النحو الذي طرحها بها قرنق، سواء أكان يدري او لا يدري ان موسفيني يمكن ان يقبل بأن تطرح هذه المسألة كمفردة في برنامج لحكومة البشير، ولكنه لا يمكن ان يقبل بأن يتم طرحها على هذا النحو من قبل قرنق·
وأضاف بروفيسور مكي قائلاً: قضية جيش الرب بالنسبة لقرنق لم تكن هي الهاجس، لانها قضية متعلقة بقبيلة الاشولي في جنوب السودان، حيث يُوجد ثلثان من عدد افرادها، بينما يوجد الثلث منها في يوغندا، وبالتالي فإن مسألة جيش الرب اليوغندي هي جزء من قضية جنوب السودان بالنسبة لقرنق ويمكن حلها بمجرد الحديث مع قبيلة الاشولي دون الدخول في تعقيدات مع يوغندا كما يرى موسفيني·
غلطة الشاطر قرنق:
* إيلاف: هل يعني هذا انك ترى ان الراحل الكبير د· جون قرنق ورغم ما عُرف عنه من حدة في الذكاء والمهارة السياسية والحنكة لم يكن على دراية بالتعقيدات المتعلقة بيوغندا، كما يرى موسفيني فيما يتعلق بمسألة جيش الرب اليوغندي الذي يمثل معارضة مسلحة شرسة مزمنة ومزعجة؟
بروفيسور حسن مكي: ليس لدي ادنى شك في مدى الذكاء والشطارة والمهارة والحنكة التي كان يتمتع بها د· قرنق· لكن السؤال هل هو كان أكثر شطارة ومهارة من الدهاقنة الذين رسموا سياسة وخارطة افريقيا على النحو الذي تريده وتسعى له القوى الدولية الكبرى والقوى الاقليمية المعنية والتي قد تكون منخرطة في مثل هذه المخططات المحكمة والمتقنة والمحترفة، فربما كانت هذه الشطارة التي يتمتع بها د· قرنق هي التي ساقته للقيام بهذه الزيارة ليوغندا للاجتماع مع الرئيس اليوغندي يوري موسفيني في هذا التوقيت بالذات لكي يلقى حتفه ومصرعه نتيجة لذلك، وبصفة مباشرة عقب هذه الزيارة الغامضة والمثيرة لتساؤلات محيرة ومنها لماذا لم يرافق قرنق فيها اي ممثل للسفارة السودانية لدي يوغندا رغم ان قرنق ذهب إلى يوغندا بعد ان تولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية!!
بين قرنق وسلفاكير:
وأضاف مكي قائلاً: واحدة من الملابسات المهمة في هذا الصدد هي ان علاقة الراحل قرنق كانت متوترة مع نائبه في الحركة الشعبية سلفا كير ميارديت، وتعيينه لسلفا كير نائباً لرئيس حكومة الجنوب كان اقصاءً له من الجيش الشعبي في واقع الامر، حيث تمت احالته إلى المعاش· غير ان الامر الذي ربما كان قد فات على الكثيرين الانتباه له، هو ان سلفا كير قد ارتكز على خلفيته العسكرية ونفوذه كقائد كبير لقوات الجيش الشعبي لكي يجبر قرنق على ترقيته إلى رتبة الفريق، وبالطبع فلا يوجد ضابط تتم ترقيته بعد احالته إلى المعاش على النحو الذي اقدم عليه قرنق في تعامله مع سلفاكير، فقد كان الصراع واضحاً جداً بين الرجلين، وهو صراع كان يمكن ان يؤدي إلى حرب أهلية في الحركة الشعبية، ولهذا فقد كان على القوى الدولية ان تختار بين الاثنين بعد ان اتضح لها ان قرنق وسلفا كير لا يمكن ان يقودا سفينة واحدة·
بين قرنق وموسفيني:
* إيلاف: هذا عن العلاقة بين قرنق وسلفا كير، فماذا عن العلاقة والصداقة الحميمة التي كانت قائمة بين قرنق والرئيس اليوغندي يوري موسفيني ولماذا لم تعصم قرنق من الذي جرى له برأيك؟
- بروفيسور حسن مكي: علاقة قرنق بموسفيني ليست افضل من علاقته مع سلفا كير، ولم تكن افضل من علاقات علي صبري مع السادات، واسياس افورقي مع مليس زيناوي، ومجمل القول هو ان علاقة قرنق مع الرئيس اليوغندي يوري موسفيني كانت علاقة سياسية وليست صداقة فقط، والسياسة لا تحتمل الصداقة او لا تعتمد عليها اذا تعارضت معها، فالسياسي قد يقتل والده وينقلب عليه وهو لا يحتمل الصراع· وإلا فما الذي يجعل الرئيس الاريتري اسياس افورقي يحارب صديقه السابق رئيس الوزراء الاثيوبي مليس زيناوي كما حدث بالفعل، ولا يجعل موسفيني يحارب صديقه السابق الراحل قرنق·
* إيلاف: من المعروف لدى كل المؤمنين ان الآجال وانتهاء الاعمار هي بيد الخالق فلماذا تبدو كأنك تستبعد الأقدار الألهية وتتمسك بالاصرار على وجود مؤامرة كان الراحل قرنق ضحية لها كما ترى؟
- بروفيسور حسن مكي: لا استبعد الاقدار بل وارى ان خطاب الحركة الشعبية الذي ركن إليها عندما نعى الراحل قرنق كان حكيماً، وكذلك كان الخطاب الذي ادلى به حكيم الجنوب الزعيم الوطني الكبير مولانا أبيل ألير في هذا الخصوص· لكننا نتعلم من خلال القراءة الواسعة لاقدار الله سبحانه وتعالى وربما كان الراحل قرنق ونتيجة للشطارة التي كان يتمتع بها قد قام بزيارة يوغندا لاطفاء الحريق قبل ان يبدأ· ولعلى اذكر هنا انه عندما سئل عن تدخل الرئيس الاريتري اسياس افورقي كانت إجابته عظيمة عندما تحدث عن البعوضة والناموس ويبدو انه كان يسعى إلى ان يجعل ناموسيته محكمة الإغلاق حتى لا يتسرب منها البعوض·
الحركة الشعبية بعد قرنق:
* إيلاف: من الواضح انك ترى ان غياب قرنق سيحدث تغييرات جذرية في توجهات الحركة الشعبية في ظل القيادة الجديدة لها، فما هي برأيك اهم هذه التغيرات اضافة إلى ما ذكرته منها؟
- بروفيسور حسن مكي: جون قرنق كقائد للحركة الشعبية كان ضد الانفصاليين وقام بتصفيتهم واصبح صاحب نظرية السودان الجديد التي تعني ان يحكم الجنوب والمهمشون السودان كله، شماله وجنوبه، وفي رأيي فإن القيادة الجديدة للحركة ستقوم بالعودة إلى الجذور لحركة جنوبية لها اهداف متعلقة بالجنوب فقط وليست لها علاقة بحكم الشمال والعلاقة مع اريتريا بقيادة اسياس افورقي، ولذلك فإن سلفا كير ليس من اولوياته ان يكون نائباً لرئيس الجمهورية، بل انه ورفاقه قد يرفضون حتى ان تكون جوبا عاصمة للجنوب، ويفاضلون بينها وبين رومبيك ونيوسايت·
* إيلاف: كيف ستتعامل الولايات المتحدة الاميركية مع القيادة الجديدة للحركة الشعبية برأيك؟
- بروفيسور حسن مكي: الولايات المتحدة الاميركية لديها وجوه متعددة ومتنوعة، لكنها متناغمة في نهاية الامر او نهاية المطاف، فهناك اميركا المتمثلة في الكونغرس والتي اقامت سلام السودان، وهناك اميركا المتمثلة في الاجهزة الامنية والمهتمة بما يسمى بمحاربة الارهاب، وهناك اميركا المتأثرة باللوبيات اليهودية وغيرها· لكن الرؤية الاميركية واضحة وهي التي طرحها مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية في واشنطن، ودعا فيها إلى دولة واحدة بنظامين في السودان، غير اننا لا نستطيع القول ان هذه هي قراءة اللوبيات الاميركية المختلفة التي تحكم الرئيس الاميركي· كما اننا لا نعرف حتى الآن منطلقات سلفا كير ومجموعته في ظل التوجهات المحلية والاقليمية والدولية المحيطة بالحركة الشعبية، وقد يستطيع سلفا كير ان يلم شمل الجنوبيين بما فيهم مجموعات فاولينو اذا ما استطاع ان يكسب ثقة الحكومة المركزية في الخرطوم·
المرحلة القادمة:
* إيلاف: اذن فكيف برأيك ستتعامل الحكومة المركزية مع القيادة الجديدة للحركة الشعبية؟
- بروفيسور حسن مكي: المرحلة القادمة هي مرحلة املاءات وليست مرحلة خيارات، والترتيبات موجودة وهي قوات حفظ السلام التي بدأت تصل إلى جنوب السودان والميزانية معتمدة، واولويات الصرف واضحة، والمطلوب فقط هو تهيئة البيئة السياسية، وهذا هو الامر الذي كان فيه غموض في ايام قرنق حيث لم يحدد حتى اين ستكون عاصمة الجنوب؟، فالمطلوب الآن هو تحديد العاصمة وتكوين حكومة الجنوب بعد ان اضاع قرنق فترة الـ 6 أشهر الماضية قبل ان يقوم بذلك· فالقوى التي تقف خلف سلفا كير ستسعى لتجمع حوله الصف السياسي الجنوبي وكبار حكماء الجنوب، واذا نجحت في ذلك واستطاعت ان تقيم تحالفاً بينه وبين قادة المليشيات، يمكنها ان تنجح مرحلياً نجاحاً نسبياً، خاصة وان فرصة نجاح سلفاكير في هذه الملفات اكبر من فرص سلطة الراحل قرنق الذي كان يتحدث عن السودان كله·
* إيلاف: برأيك ما هي النتائج التي سيسفر عنها التحقيق في الحادث الذي أودى بحياة الراحل قرنق؟
- بروفيسور حسن مكي: التحقيق سيكون مجرد إبراء للذمة ليس إلا ولا اكثر ولا اقل، فلن يكون مثل التحقيق في حادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري لمعرفة الجهات المنفذة، وذلك لان المقصود هنا هو اغلاق الملف فقط وليس الوصول إلى الجاني او إلى ترتيبات بعيدة المدى·
بين سلفاكير وفاولينو:
* إيلاف: برأيك هل سينجح سلفاكير في التفاهم مع القوات التي يقودها فاولينو ماتيب؟
- بروفيسور حسن مكي: اعتقد ان القوات التي يقودها فاولينو يمكن ان تتفاهم مع سلفاكير اذا ما تفاهم هو مع الحكومة المركزية، لانه في موقفه وموقعه الجديد لن يشكل خطورة على الحكومة في المرحلة الراهنة، وان كان سيشكل خطورة على السودان في مرحلة تقرير المصير، لكن الحكومة ليست لديها خيارات، وهي الآن كقاطرة على خط السكة الحديد، وقد بدأت سنوات تقرير المصير بعد الفترة المحددة·
* إيلاف: برأيك كيف سيتعامل سلفا كير مع القوى السياسية الشمالية الاخرى خارج الحكومة؟
- بروفيسور حسن مكي: سلفا كير سيجامل القوى الاخرى مجرد مجاملات، ولكن بالنسبة له يهمه من هو في الحكم حتى يعبر بمشروعه السياسي ومشروعه لجنوب السودان وهو اصلاً لا يعرف هذه القوى الشمالية، بما فيها حتى الحاكمة منها حالياً إلا من خلال المفاوضات، وقد كان مفاوضاً للحكومة حتى مفاوضات ابوجا مع الحركة الشعبية في اوائل التسعينيات الماضية، وكان يميل إلى الوصول إلى حل معها منذ ذلك الحين لولا تدخلات قرنق ولهذا فإن الشماليين المتحالفين مع الحركة الشعبية ليس أمامهم سوى ان يأتوا إلى حيث بيت الطاعة في المؤتمر الوطني، فهناك خلاف بين سلفاكير والراحل قرنق الذي كان مثقفاً وله فضاء فكري ورحابة فكرية وكان يستخدم اليساريين الشماليين بدلاً من ان يستخدموه· وذلك لانه كان شاطراً وماهراً· اما سلفاكير فهو يرى ان كل هذا مجرد ترف وهو لا يحتاج إلى القوى الشمالية لكي يصل بها إلى حكم الشمال، كما انه لا يحتاجها لكي يحكم الجنوب بل هو يرى انها عبء عليه، واهم له منها فاولينو ماتيب وقواته، فهو رجل عملي وليس ايديولوجي ويمكن ألا تكون له حتى رغبة في ان يكون نائباً أولاً لرئيس الجمهورية لولا مقتضيات الاتفاقية·
* إيلاف: كيف ترى ما حدث في العاصمة عقب الإعلان عن وفاة الراحل الكبير د· جون قرنق؟
- بروفيسور حسن مكي: أرى ان ما حدث أقل مما كان متوقعاً، لكن المسألة المهمة هنا هي ان السلطة كانت غائبة عندما جلست الحكومة في >بيت البكاء< لتلقي العزاء في الفقيد قرنق بينما العاصمة تحترق
|
|
|
|
|
|