|
بعد إستيلاء البشير على الجمل بماحمل لماذا لا يستخرج الإسلاميون بالسودان شهادة وفاة لحركتهم ؟
|
المتتبع للمقالات الأخيرة التى يتواتر على كتابتها من يطلق عليهم الرموز الفكرية للحركة الأسلامية فى السودان أمثال المحبوب عبد السلام و التجانى عبد القادر و عبد الوهاب الأفندى يجد فيها محاولة لتحليل أو فهم ماذا حدث للحركة الإسلامية فى السودان.
هذه الحركة التى ملأت الأرض ضجيجا و شغلت الناس عقب إستقوائها بعد المصالحة الوطنية 1977 م و تصريحات الترابى آنذاك لمجلة سودان ناو الإنجليزية " هذا القطر سوف يصبح إسلاميا سلميا أو عن طريق إنقلاب عسكرى"
إذن الحركة الإسلامية كانت تعرف هدفها جيدا ألا وهو الإستيلاء على السلطة سلميا أو عن طريق إنقلاب عسكرى.
عندما نجح الإستيلاء على السلطة كان هم الأسلاميين الأول هو المحافظة على هذه السلطة فنهايتها تعنى نهايتهم ولم يدروا أن إستمرارها كان أيضا يعنى نهايتهم كتنظيم.
الإلتفات إلى حماية السلطة و إعطائها الأولوية القصوى كلف الحركة الإسلامية الكثير على نطاق العمل التنظيمى بل أن الترابى كان أعلن ضمنيا عن أن الحركة بتنظيمها السابق لم تصبح موجودة عقب نجاح إنقلاب الإنقاذ. إستعاض الترابى عن ذلك بإنخراط اغلب الإسلاميين فى جهازى الدولة العسكرى والمدنى وبما أنه هو المسيطر على خيوط اللعب فى ذلك الوقت أتيح له السيطرة على الدولة بكاملها عن طريق الهيمنة على هذين الجهازين.
من ناحية رأس الدولة العسكرى لم يكن الترابى مشغولا بذلك فى بداية الإنقاذ إذ أنه إعتقد أنه تعلم من غلطة إختيار جعفر محمد نميرى لإنقلاب مايو بإختياره هو شخصيا للبشير الذى هو أحد أعضاء الحركة الإسلامية منذ دراسته الثانوية و الذى كان ولاءه مضمونا و مستعد للبصم بالعشرة على كل قرارات الزعيم كما كان الترابى يعتقد.
الترابى الذى كان مشغولا بتأمين السلطة الوليدة كان يعد فى نفس الوقت للإنقلاب الثانى وهو الإنقلاب الإقتصادى. و للحقيقة قام الترابى بمساعدة عدد من الإقتصاديين الإسلاميين داخل السلطة وخارجها بالإعداد جيدا لهذا الإنقلاب مما أدى لنجاحه نجاحا فاق كل التصورات فبتغيير العملة فى العام 1991 م مع إستجلاب المطابع لطباعتها فى السودان تحولت كل كتلة النقد فى البلاد بيد الحكومة وكانت هذه بداية السيطرة الفعلية للإسلاميين على كافة النشاط الإقتصادى داخل السودان والذى إستكمل بنجاح مع الوقت. ومع الإنشغال بشدة بشئ آخر وهو إستخراج البترول لتوفير موارد للتقد الأجنبى خاصة بعد توقف كل المساعدات الغربية بعد إستيلاء الإنقاذ على السلطة كذلك الظروف الدولية الشائكة فى ذلك الوقت بسبب إنغماس الترابى قيها بطومحاته الإقليمية والدولية ( تكوينه للمؤتمر الشعبى العربى و الأسلامى ورئاسته له) لم يتح له الوقت للإلتفات أو الإنتباه لما يجرى داخل أروقة الدولة وو سط أعضاء تنظيمه السابق ( المحلول عمليا) وخاصة المتنفذين فى السلطة.
فى عام 1993 م تم حل مجلس قيادة الثورة فى أعقاب إختيار وتنصيب البشير رئيسا للجمهورية ويقال أن الترابى إقترح عليه فى ذلك الوقت ان يستقيل من منصبه فى الجيش للتفرغ لرئاسة الجمهورية الذى هو منصب مدنى لكن البشير رفض ذلك الإقتراح بشدة بل أتى لأداء القسم مرتديا الزى العسكرى كإعلان صريح أنه لن يتخلى عن مصدر قوته.
عندما إعتقد الترابى أن الدولة قد ثبتت أركانها فى منتصف التسعينات إلتفت للشأن الداخلى فقام بصياغة للدستور و تفصيل النظام الأساسى للحزب الذى قرر إنشائه على أنقاض الحركة الأسلامية " حزب المؤتمر الوطنى" وقد قام الترابى برئاسة هيئة قيادة الحزب الحاكم وتقلد منصب الأمين العام فيه وكان الترابى قد جعل من اختصاصات هيئة القيادة مناقشة السياسات العامّة للمؤتمر الوطني والدولة وإقرارها وينصّ النظام الأساسي للمؤتمر الوطني على أنّ قرارات كلّ من هذه القطاعات نافذة وملزمة لكلّ عضو في المؤتمر الوطني فيما يليه من مسئولية في أجهزة الدولة أو المجتمع.
منذ ذلك الوقت بدا الشد والجذب بين الرجلين واضحا للعيان حتى توج بمذكرة العشرة 1997 المطالبة بتقليص سلطات الأمين العام و رئيس هيئة القيادة وكعادته فى مثل هذه الإمور سكت الترابى و بدأ العمل بنشاط وفى سرية على الرد بقوة على من خرجوا عن طاعته من تلاميذه فكانت مفاجأت المؤتمر العام للحزب عام 1998م عندما أسقط الترابى جميع المرشحين من الذين وقعوا على مذكرة العشرة ولم ينج منهم سوى إبراهيم أحمد عمر و غازى صلاح الدين و شكل المؤتمر العام للحزب الحاكم والذى حضره عشرة الف عضو من كافة ارجاء السودان حشد الترابى أغلبهم إنتصارا مدويا له واصل من بعده السير فى طريق الحد من سلطات رئيس الجمهورية وتحجيمها بواسطة البرلمان الذى كان يرأسه.
لم يكن من الممكن للبشير و مؤيديه من تلامذة الترابى المتمردين السكوت الذى كان يعنى نهايتهم الوشيكة فكانت مفاصلة رمضان 1999 م الشهيرة و التى حل فيها البشير المجلس الوطنى ,اخرج الترابى عمليا من معادلة السلطة بمساندة من غفل الترابى عن مراقبتهم عندما كان مشغولا بتثبيت أمور الدولة و إعتبر انهم مستمرون فى الولاء له أو أنهم يهابونه والحقيقة أن كان الترابى دائم التصرف معهم بإستعلاء الأساتذة على تلاميذهم. خرج الترابى من السلطة وكون حزب المؤتمر الشعبى المعارض ولكن الترابى كانقد فقد فعلياأغلب مصادر قوته رغم نجاحه فى بعض الأحيان فى خلق أزمات هنا وهناك أستطاع البشير ومؤيدوه تجاوزها بنجاح.
تاريخيا لم يكن على عثمان محمد طه رجل التنظيم القوى ونائب الترابى فى الجبهة الإسلامية القومية من الموقعين على مذكرة العشرة ولكنه فى اللحظات الحاسمة ساند البشير بكل قوة حتى تخلص من الترابى وعينه البشير نائبا أولا له و سطع نجمه أكثر من خلال المفاوضات المارثونية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان و التى توجت بإتفاقية نيفاشا ومع أن البشير كان يريد التوصل لإتفاق سلام يوقف الحرب و يقيه شرورها و ضغوط المجتمع الدولى إلا أنه كان ينظر بعين الريبة لما يحدث فى المفاوضات وخاصة التقارب الذى صار جليا بين زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان د. جون قرنق وبين نائب البشير الأول على عثمان محمد طه الذى كان له ايضا رجالا متنفذين واقوياء داخل السلطة وفى مفاصل حساسة و يقال أن د. جون قرنق ارسل مبعوثا خاصا للبشير لطمأنته و طرد مخاوفه لضمان عدم تعطيله لسير المفاوضات و إنجاز إتفاقية السلام.
صار جليا بعد ذلك التوتر فى علاقة الرئيس ونائبه الأول الذى أصبح ثانيا بعد حلول د. جون قرنق بالقصر الرئاسى وقد نزلت الوفاة المفاجأة لدكتور قرنق بردا وسلاما على البشير الذى سارع بعدها بتهميش نائبه و تقليص نفوذه فأستبعد عدد من رجاله و إستقطب عددا آخر.
بعد وفاة رجل الحركة الشعبية و زعيمها الكاريزمى القوى و تهميش النائب الثانى صار البشير هو الحاكم الأوحد للسودان فهو رئيس الجمهورية و رئيس الحزب الحاكم و ما يريده هو الذى يصير حتى مع وجود الحركة الشعبية كشريك فى السلطة.
ما يهمنا من هذا السرد أن البشير توصل فى النهاية على الإستيلاء على كل شئ وذهبت جهود وامانى الأسلاميين و أحلامهم الوردية فى دولة الخلافة الإسلامية فى السودان مع الريح وهذا ما يحز الآن فى نفس الكثيرين منهم فيكتبون ما يكتبون بيد أنى أنصحهم بتحرير شهادة وفاة للحركة الإسلامية فى السودان حتى نتمكن من إقامة مراسم الدفن التى تليق بها فإكرام الميت بدفنه.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بعد إستيلاء البشير على الجمل بماحمل لماذا لا يستخرج الإسلاميون بالسودان شهادة وفاة لحركتهم (Re: هشام المجمر)
|
Quote: الدكتور عبد الوهاب الأفندي لـ (الرأي العام):
الإسلاميون حكموا بلا خطة ... ويفكرون (حسب الظروف ) ! حوار: سلمى التيجاني
[email protected]
الدكتور عبد الوهاب الأفندي المفكر الإسلامي والأستاذ بجامعة ويستمينستر بلندن ومنذ أن أصدر كتابه ( الثورة والإصلاح السياسي ) يبدو وكأنه قد قرر أن يقول كل شئ ويمارس النقد الذاتي للحركة الإسلامية وتجربتها في الحكم وبالصوت العالي ... بدأ مؤخرا الحديث عن خطط الإسلاميين للحكم بعد إنقلاب يونيو 89 و اكتشف مؤخرا كذلك عدم وجود خطة محددة وواضحة ومتفق عليها أو قد تكون موجودة لكنها مكتوبة بالحبر السري ... نناقشه في هذه الأفكار ... وتداعياته تكشف الكثير :
+ دكتور عبد الوهاب متى اكتشفت أن الحركة الإسلامية لا تملك خطة لحكم السودان ؟
- أنا حقيقة قلت إنه لا توجد لدى الإسلاميين خارطة طريق أو خطة عامة معلنة ومعلومة لأنني سألت عنها ... نعرف في نهاية الأمر أنه لا بد من العودة للديمقراطية ولا بد من الإستعداد لذلك ... كنا نريد معرفة الخطوات التي ستتخذ لأنهم برروا الإنقلاب بمذكرة الجيش الشهيرة في فبراير 1989 والمعارضة كانت مسلحة وتملي بقوة السلاح على الناس ... في ذلك الوقت قيل إن الأغلبية مسلمة في السودان وسيختارون التوجه الإسلامي وأن الديمقراطية والإسلام في تصالح . كنا ننتظر الخطوات التي ستعمل لتحقيق هذا الغرض ولم أجد إجابات إما تهرباً من الإجابة أو إعطاء كلام نظري ليس له محتوى عملي ... فإذا كانت هناك خطة غير معلنة فهي مثلها مثل عدم وجود الخطة لأنها كاللغة التي لا يفهمها إلا شخص واحد
+ إذن أنت تتحدث عن خطة موجودة لكن لا يعلمها إلا قلة
- قد تكون موجودة لكنهم الآن مختلفون ... الخطة تقول إن مجلس قيادة الثورة يستقيل ولم يحدد الوقت ثم يستلم الترابي الحكم لكن المؤتمر الوطني ينفي ذلك ... خطة مثل هذه مثل عدمها .. إذا اختلف الشخصان كيف نحدد..؟
+ وماذا يقول المؤتمر الوطني عن خطته ؟
- حسب معرفتي أن المؤتمر الشعبي هو الذي يقول بوجود خطة لكن المؤتمر الوطني لم يتحدث عنها كثيرا
+ يعني ذلك أن المؤتمر الوطني يحكم بخطة ليست بيده؟
- الآن هم متهمون من الشعبي بخروجهم عن الخطة وتصرفهم كما يحلو لهم وقد تكون لديهم خطة لكنها غير واضحة حتى داخل المؤتمر الوطني ... ثانياً: هم الآن دخلوا في إتفاقات ملزمة وتجُبُ ما قبلها وألغت خطتهم إن وُجدت ... والخطة الآن حسب إتفاقية السلام التي تعيد الأمر للشعب في انتخابات .
من وجهة النظر العامة أن يعود الأمر للشعب لكن من وجهة نظر الإسلاميين - إذا كان المؤتمر الوطني يمثل الإسلاميين - وجاءت الإنتخابات بشخص آخر ما هي خطتهم ... وما هي خطتهم لكسب الإنتخابات ... يحتاجون لتحالفات ولعمل ... إذا فشلوا في الإنتخابات هل سيصبحون معارضة ... الإتفاقيات لم تتحدث عن ضمانات إذا أصبحوا في المعارضة . المؤتمر الوطني الآن يحكم في العاصمة والولايات ولديه شركات ومؤسسات مال ولديه سلطة وإذا سقط سيفقد السلطة والمناصب ومن يأتي بعده قد يقوم بتطهير في مؤسسات الدولة فهل هم مستعدون لذلك وإذا وُوجهوا بالسقوط هل سيقومون بإنقلاب آخر ؟
+ أتميل لتوقع الخسارة في الإنتخابات ؟
- أتوقع خسارتهم لأسباب واضحة ... إذا لحظتي موقف الشارع تجاههم ليس مشجعا ... أنت انفردت بالسلطة استأثرت بالمال والمناصب وكسبت عداء الآخرين ... أي تنظيم يحتفظ بالسلطة لسنوات كثيرة الشارع سيمله حتى هنا في أوروبا ...الحكومة ارتكبت ظلامات في حق الناس وتعجرفت وسيتم دفع ذلك في صندوق الإقتراع فهم لم يعملوا لمواجهة استحقاقات الديمقراطية وتصرفوا بطريقة تضر بوضعهم الإنتخابي . حتى في أوساط الإسلاميين هناك شعور بعدم الرضا وهو وضع لن يؤدي لإعادة انتخابك مرة أخرى ... يحتاجون الآن لمراجعة وضعهم والقيام بمصالحات مع بعض الجهات التي لديها مشاكل معهم
+ من تقصد بهذه الجهات ؟
- للصف الإسلامي نفسه... هناك من الإسلاميين من يقف في المنتصف ليس هنا أو هناك ... حزبا الأمة والإتحادي والمواطنون الذين تعرضوا لمضايقات ومشاكل اقتصادية بسبب سياسات الدولة والخطاب الحكومي ينكر وجودها أو التسبب فيها ... يحتاجون الإعتراف بها وشئ من الحساسية لمعاناة المواطنين وعمل سياسي وعلم بنبض الشارع فالواضح من خطاب الحكومة أنها لا صلة لها بالشارع .
+ لنفترض خسارة المؤتمر الوطني للإنتخابات القادمة ما هي توقعاتك للأوضاع حينها ؟
- هذا حساب لم يحسبوه يعتقدون أنهم قاموا بترتيب حالهم وهذا جزء من خداع النفس ... سيستخدمون المال وتكتيكات أخرى ... لكن لو تخيلوا الخسارة لأعدوا خطة للإصلاح .
قد يفكروا في إفشال الإنتخابات أو عمل إضطرابات أو أي شئ آخر لكنهم لن يرحبوا بخسارتهم وهذا من أخطر الأشياء التي أتوقعها ... كان عليهم الحصول من القوى السياسية الأخرى على ضمانات بعدم الملاحقة يتم تضمينها في إتفاقات مكتوبة كما حدث في جنوب أفريقيا فقد اتفقوا على العفو وعلى نسيان ما مضى مقابل أن يعترف كل من ارتكب خطأ أمام لجنة للمصالحة ومن لا يعترف يحاكم...
+ وما هو الأسوأ ؟
- لا أتخيل جهة تسيطر على 70% من السلطة إذا وجدت نفسها في موضع خسارة ولديها مسلحون وتسيطر على الجيش والأمن أن تقول مع السلامة وتذهب إلى بيتها ... لا أعتقد أن هذا سيحدث.
+ ربما انشغل المؤتمر الوطني بمشكلات البلاد الكثيرة ولم يستعد بوضع خطة للإنتخابات.
- لا، هم يستعدون ولكن على طريقتهم ... منذ دخولهم للحكم لديهم طريقة للعمل السياسي تعتمد على نظام الصفقات إما شخصية أو جماعية أو قبلية أو حزبية ويعتقدون أنهم بذلك يضمنون ولاء قطاع كبير من الرأي العام السوداني وأنهم هم الحكومة في الولايات ولديهم أوراق كثيرة وزعماء القبائل لا خيار لهم غير ذلك لكن الولاء لحكومة شئ والولاء لحزب شئ آخر ... أغلب هؤلاء ولاؤهم يكون لحزب الأمة والإتحادي لكنهم لا يريدون تضييع مصالحهم فقط . وأنا لا أثق في كل هذه الصفقات ... هذه الشخصيات التي انضمت للحكومة خسرت بتأييدها للحكومة، مثلا مبارك الفاضل خسر ... والحكومة لم تعطهم نفوذاً كافياً للإحتفاظ بالولاء التقليدي الذي كانوا يجدونه وفي النهاية أُبعدوا من الحكومة فهم بذلك خسروا مرتين .... والأحزاب الصغيرة التي انضمت للحكومة اصبحت لا هنا ولا هناك ... لذلك أقول إن الولاءات التي تجمعها الحكومة حولها ليست مضمونة في حالة السيولة التي يمر بها السودان الآن .
+ هل السودان موعود بخارطة سياسية جديدة بعد الإنتخابات ؟
- من الواضح أن الولاءات الجهوية هي العامل الأهم ... التمزق السياسي والضربات التي وُجهت للأحزاب الكبيرة أدت لان يكون لكل جهة ولاء لجهتها ... دارفور مثلا حتى الأحزاب الكبيرة لن تكسب مثل الماضي ستكون هناك منظمات إقليمية في الشرق والغرب والشمال والجزيرة والجنوب كلها ستتجه للإقليمية وستنشأ تحالفات ولن يكون هناك كسب مطلق ... الحركة الشعبية إن استمرت في وحدتها مع المؤتمر الوطني لن تتحالف معه في الإنتخابات وقرنق عبَر عن ذلك وقال إنهم سيدخلون في تحالفات حتى يتمكنوا من حكم الجنوب ... الحكومة حاولت انتزاع تعهد من الحركة الشعبية بالتحالف في الإنتخابات لكن الحركة تركت خياراتها مفتوحة ... فالحركة الشعبية تضمن أكثر من المؤتمر الوطني الحصول على مقاعد كثيرة في الجنوب وبالمقابل لن يحصل المؤتمر الوطني في الشرق والغرب على أغلبية ونسبة الـ«52%» التي يتمتع بها الآن لن يحصل عليها ربما يتحصل على 30% أو 35% وربما أقل من ذلك ولن تحصل الحركة الشعبية على أكثر من 20% والباقي يتوزع بين الأحزاب .
كل الأحزاب ستتحالف ضد المؤتمر الوطني لأنها تشعر الآن بأن المؤتمر استأثر بكل شئ وأنها تريد استرداد حقها ...كل ذلك إذا قامت إنتخابات وكانت نزيهة.
* ولماذا لا تقوم الإنتخابات ؟
- قد تؤجل وقد تحدث اضطرابات أو مشاكل أو قد يتفق طرفا الحكم على عدم قيام انتخابات.
* أتريد أن تقول إن الإسلاميين وضعوا أنفسهم في هذا الموقف الحرج لعدم إمتلاكهم لخطة يحكمون بها وبالتالي يأتون بها لصناديق الإقتراع ؟
- كانت لديهم ملامح عامة لكن كل شئ يتم التفكير فيه حسب الظروف ... مثلا موضوع شكل الحكم بعد الإنقلاب ... هل تستمر حكومة عسكرية أم يحكم حزب واحد؟...
الخطة الأولى حاول تنفيذها الترابي عندما كان في السجن فعرض على الميرغني والصادق المهدي توحيد الأحزاب الثلاثة وتوليها للسلطة مع ابتعاد زعمائها الثلاثة عنها، لكن المهدي والميرغني توقعا أن يستأثر الترابي بكل شئ لوجود كوادر مؤهلة معه فرفضوا العرض ...ثم جاء التفكير في المؤتمر الوطني في صورته الأولى فقد كان لا هو حزب ولا هو لا حزب يشبه اللجان الثورية ... كانوا يفكرون وهم ماشين وهذا التفكير كان مغلقاً على دائرة صغيرة وكان لديهم دوائر خاصة ( يضحك ) أفترض ذلك لكن معظم أعضاء التنظيم لا علم لهم بهذا الحوار ...
مثلا أقول لك هذه الحادثة : كنت في لندن في السفارة السودانية وجاءنا العميد عثمان حسن أحمد مسئول القطاع السياسي وجاءنا خبر أن مؤتمرا سينعقد بالخرطوم لمناقشة شكل النظام السياسي فسألته عن ذلك فاستغرب وقال إنه المسئول وإنه لم يعط أمرا بهذا وشكك في صحته ... واتضح أن المؤتمر تم الترتيب له من وراء مسئول القطاع السياسي فكما قلت لك بعض المسئولين كانوا لا يعرفون ما يجري فما بالك بأمثالنا ... هناك حلقة معينة تحدد في هذه الأمور وأحيانا لا تشاور المسئولين .
+ دعنا نتحدث عن الجنوب ... هل أيضا لم تكن توجد خطة لحل مشكلة الجنوب ؟
- سبع سنين أحاول معرفة الخطة لحل مشكلة الجنوب ... كان الحديث عاماً عن التمسك بالوحدة وأن تحريك الأسلمة في الجنوب هو جزء من الحل لكن لم تكن لدينا خطة طويلة المدى وأنا كنت في الوفد المفاوض تفاجأت بالدكتور علي الحاج وهو المتحدث باسم الوفد في أبوجا الثانية وهو يقول لنا إننا لم نأت هنا لتوقيع إتفاق مع قرنق عندها احتج الدكتور حسين أبو صالح وقال له لماذا لم تخبرونا بذلك وعندما وافق علي الحاج على بعض القضايا في المفاوضات واجهته الحكومة بإنتقادات شديدة .
+ الدكتور أبو صالح لم يكن عضواً بالحركة الإسلامية لكن أنتم هل كنتم خاليي الذهن ؟
- الحكومة كان لديها فهم محدد لكننا لم نكن نعرفه ... بعد سبع سنوات أخبرني أحدهم بعدم وجود خطة لحل مشكلة الجنوب ... الجيش لديه خطة ومكتب الجنوب لديه واحدة وكذلك منظمة الدعوة وهيئة الإغاثة الإسلامية وكل يعمل لوحده بسياسة منفصلة بدليل أن الحكومة وقعت إتفاقاً مع رياك مشار وعندما انشق عنه فاولينو ماتيب توقع مشار أن تقف معه الحكومة لكن اتضح أن للجيش خطة منفصلة فقام بضم فاولينو وقواته له.
يوجد اضطراب وعدم تناسق في المواقف ولا توجد هيئة تنسق بين كل الأطراف .
+ وجاء اتفاق السلام بالجنوب بلا خطة واضحة من الإسلاميين ؟
- نعم ... جاء من غير خطة ... علي عثمان وعلي الحاج طرحا على قرنق مشاركة السلطة وتقاسمها منذ أبوجا الثانية لكن الحركة الشعبية رفضت بحجة تحالفها مع القوى الشمالية الأخرى ثم إن الحكومة حينها كانت معزولة بالداخل و محاصرة دولياً وبذلك ستخسر الحركة الشعبية الدعم الدولي ... وحتى الأسس التي تريد الحكومة الإتفاق عليها مع الحركة لم تكن معروفة في حين طرح قرنق أسسه وهي تشبه ما تم الإتفاق عليه في نيفاشا بأن تنفرد الحركة الشعبية مدنيا وعسكريا بحكم الجنوب ويحكم المؤتمر الوطني في الشمال وتطبق الكونفيدرالية ويقسم السودان إلى خمسة أقاليم الشمال والجنوب والشرق ودارفور والوسط الذي يضم الجزيرة وكردفان والخرطوم ... وتتكون حكومة ضعيفة من رئيس وزراء تتناوب في توليه الأقاليم الخمسة ورئيس جمهورية شرفي ... وهو طرح لتقسيم السودان رفضت الحكومة العرض في ذلك الوقت لكن الإتفاق جاء قريبا منه.
+ الوضع في دارفور يختلف عن الجنوب فالحكومة ورثت مشكلة الجنوب من حكومات سابقة لكن مشكلة دارفور تفجرت وهي موجودة وبالتالي تختلف معالجتها للأزمة عن الجنوب ... هل يمكن أن نلاحظ هذا الإختلاف في خطة الحكومة لمعالجة مشكلة دارفور ؟
- دارفور لم تكن بها مشكلة ... المشكلة صُنِعت في دارفور ... في التحضير لإنتخابات 86 كان علي الحاج يقول إن 50% وربما أكثر من مقاعد دارفور ستذهب للجبهة الإسلامية التخبط هو الذي أدى لوجود مشكلة في دارفور وكتبت عن عبقرية الحكومة في صنع الأزمات لكنني لم أتخيل وجود مشكلة بهذا الحجم والكارثية ... كانت توجد مشاكل قديمة لكن من أول إنجازات الحكومة أنها حسَنت الأوضاع في دارفور وعقدت مؤتمراً للمصالحات وقام الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير بحملة ضد قطاع الطرق وتحقق أمن بمستوى معقول هناك لكن بعد ذلك حدثت تطورات أخرى بسبب الصراعات الداخلية وضيق الأفق . استراتيجية الحكومة في دارفور هي السيطرة بالقوة ... ولا يدخلون في محاولات تفاهم مع أية جهة ... والسبب الوحيد في عدم وجود مشاكل بالولايات الأخرى هو عدم وجود قوى إجتماعية متبلورة مثل ما يوجد في الجنوب والغرب والشرق ... لكن وفقا لسياسة الحكومة كان يجب وجود مشاكل في كل السودان لكنهم في دارفور ارتكبوا مشاكل أكبر .
* طريقة إدارة الأزمة مع المجتمع الدولي ووجود رؤية واضحة أكان سيقلل من درجات تفاقم الأزمة ؟
- من المؤسف هناك خلط بين الشعارات والسياسة ... الحكومة تفتكر أن المجتمع الدولي هو أمريكا وأن أمريكا تتآمر عليها ... هناك فرق بين أن تقول هذه الشعارات للرأي العام وأن تصدقها ... أمريكا دعمت نيفاشا وضغطت على قرنق ونصحتهم بإخلاص في التعامل مع دارفور بحكمة وسرعة لأن لديها مصلحة في استمرار ونجاح نيفاشا لأنهم ساهموا فيها خاصة وأنهم كانوا مقبلين على انتخابات ويريدون تقديم السلام في دارفور كإنجاز ... لم تكن هناك مؤامرة ومما يؤسف له أن للحركة الإسلامية كوادر واعية ومستنيرة لكن الخطاب مشكلة في حد ذاته و ساذج من يخلط بين التعبوي والتحليلي ولا توجد قدرة لفهم سبب ما حدث للمجتمع الدولي تجاه دارفور وعدم فهم للآليات التي تحرك السياسة في الدول الكبرى ... فالتعامل كان مستواه متدنياً لا يليق بحركة بمستوى الحركة الإسلامية ولا يتناسب وإدارة شئون الدولة .
* قضية حفظ الأمن والقوات الدولية إفراز آخر إحتاج لإدارة ولخطة..
- الحكومة حكّمت صوت العقل وقبلت بطرح الأُمم المتحدة ... السباق كان بين الحل الثالث والرابع ... الثالث طرحته الأمم المتحدة وهو مزيج بين مقترح السودان بالتمسك بالقوات الدولية وبين طرح القوى الكبرى التي تريدها قوات أممية ... الآن تسمى هجيناً وفي نهاية الأمر هي إعطاء دور للأمم المتحدة ودعم لعملية السلام وتحويلها لأُممية ... الحل الرابع هدد به بلير وبوش وقالا إذا لم تقبل الحكومة بالثالث سيتم حظر طيران في دارفور ويتم عمليا فصل دارفور عن السودان كما حدث في كردستان العراق . وبالنسبة لي فلن يكون هناك حل ما لم يتم الإتفاق على حل سياسي يُدخل كل قوى دارفور في السلام وبعد ذلك تصبح مظلة حفظ السلام لمساعدة الفرقاء على الإستمرار في عملية السلام كما حدث في الجنوب ... فالقبول بالقوات خطوة عاقلة وتستحق الترحيب وإن جاءت متأخرة .
+ لكنها أدخلت الحكومة في ورطة إذ كيف تبرر قبولها بهذه القوات بعد طول رفض ؟
- رفضها للقوات هو الذي يحتاج لتبرير ... الحكومة كانت قادرة على حل المشكلة إذا سارعت بإتفاق مع الفصائل الأخرى وتتولى كل القوى السودانية مهمة حفظ الأمن والسلام ... فوجود جهة أجنبية هي إعلان لفشل السودانيين ومؤسف أن نكون محتاجين «لحجّاز»..!! |
نقلا عن سودانايل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بعد إستيلاء البشير على الجمل بماحمل لماذا لا يستخرج الإسلاميون بالسودان شهادة وفاة لحركتهم (Re: هشام المجمر)
|
الأخ الاستاذ هشام تحيتي ومخبتي ألا تعتقد أن مجئيهم رغم مأسويته قد أتي بخير كبير للشعب السوداني الذي كان يحتاج لتجربة مثل تجربة الانقاذ لكشف زيف المشروع الاسلامي الذي يتسترون به. أقول هذا ولا انفي ان الشعب الكريم قد دفع ثمنا غاليا ولكن التجربة التي لا يدفع الفرد ثمنها تكرر نفسها. وليس المهم ان تكتب شهادة وفاة للحركة-نحن في السودان ندفن الميت دون شهادة وفاة- ولكن المهم ألا يخم الشعب مرة أخرى بإسم الدين ويعيش التجربة المرة مرة أخرى
| |
|
|
|
|
|
|
|