|
دستور الخرطوم مكيدة سياسية/ د.عمر القراى
|
جريدة الصحافة بتاريخ 6/4/2006
د. عمر القراي
)ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان الله لا يهدي كيد الخائنين) صدق الله العظيم عندما جاءت حكومة الانقاذ ، طرحت مشروعاً حضارياً ضخماً ، يستهدف اعادة صياغة الشعب السوداني، وفق رؤية هذه الجماعة للاسلام .. وبوحي من ذلك الفهم ، صعّدت الحرب في الجنوب ، وفي جبال النوبة ، ورفعت شعارات الجهاد ، ووظفت الاعلام لتضليل البسطاء ، بان لهم الجنة ، والحور العين ، ان هم قتلوا اخوانهم من الجنوبيين !! ولكن الجيوش الاسلامية لم تفلح في غزو الجنوب، ولم تقض على مقاومي جبال النوبة .. وتحول شعار "التمكين" ، من تمكين الاسلام في ارض السودان ، الى تمكين اعضاء الجبهة الاسلامية من اموال الشعب السوداني !! فبنوا العمارات الشاهقة ، وركبوا العربات الفارهة ، ثم لم يستحوا بعد كل هذا ، ان يخبروا الشعب بانهم يطبقون شرع الله ،وانهم انما يعيدون سيرة حكم عمربن الخطاب رضي الله عنه !! وبدلاً من ان يوحد المشروع الحضاري الشعب ، بلغ به الفشل حدأ جعله يعجز حتى عن توحيد الجبهة الاسلامية نفسها ، فانقسمت الى الوطني والشعبي ، اللذين كالا لبعضهما الاتهامات والسباب واشانة السمعة .. وحين اضطرت حكومة الجبهة الاسلامية ، لتوقيع اتفاقية السلام ، تنازلت من حلمها الكبير في نشر الاسلام في بلاد (الكفار)، الى مشاركة (الكفار) انفسهم ، في السلطة والثروة، ليصبح نائب الرئيس في الدولة الاسلامية المزعومة، مسيحياً !! ومع ذلك أصرت الحكومة ، على ان تحكم العاصمة وحدها ، دون سائراقاليم ، السودان بالشريعة الاسلامية، فهل كان هذا الاصرار من اجل الحرص على الاسلام ؟! الشريعة ذريعة : معلوم ان الشريعة الاسلامية حين تطبق بحق تطبق على كل الناس ، ولا تقبل ان يعفى منها غير المسلمين، لأن كل ما عداها ، في حكمها ، ضرب من الهوى .. قال تعالى ( وان احكم بينهم بما انزل الله ولاتتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل الله اليك فان تولوا فاعلم انما يريد الله ان يصبهم ببعض ذنوبهم وان كثيراً من الناس لفاسقون) (المائدة 49 ) .. وليس في الشريعة الاسلامية عهود مع غير المسلمين ، تتيح التعايش معهم ، ومشاركتهم في الحكم ، لأن كل العهود قد نسخت بسورة براءة .. قال تعالى في ذلك (براءة من الله ورسوله للذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الارض اربعة اشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وان الله مخزي الكافرين * وآذان من الله ورسوله الى الناس يوم الحج الاكبران الله برئ من المشركين ورسوله) (التوبة 1-3 ) .. فبعد ان نسخت الشريعة العهود مع المشركين ، أحكمت فيهم السيف .. قال تعالى ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم)(التوبة 5) .. كما احكمت السيف في اهل الكتاب ، حتى يعطوا الجزية .. قال تعالى في ذلك ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخرولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)(التوبة 29 ) .. ومنعت من موالاتهم ، قال تعالى ( يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين) (المائدة 51 ) .. وورد في الاثر ان ابا موسى الاشعري ، عين رجلاً نصرانياً كاتباً له، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ان يتخذ حنيفياً . قال : يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه . قال عمر : لا ادنيهم اذ ابعدهم الله ولا اعزهم اذ اذلهم الله ، وقرأ قوله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء ..) .. هذه هي الشريعة ، وهي معروفة لكل الجماعات الاسلامية ، بما فيها المؤتمر الوطني ، ولكنهم جميعاً لا يستطيعون تطبيقها ، ولا الدعوة لتفاصيلها بهذا الوضوح .. ثم انهم- وهذا هو الأهم- لا يدركون انها ليست كلمة الدين الاخيرة ، وانه لا بد من تطويرها ، لتنسجم مع اصول الدين ، ومع حقوق الانسان .. ان رفع شعار تطبيق الشريعة ، كان ولا يزال مجرد ذريعة ، لتضليل البسطاء ، الهدف منها استغلال القوانين الرادعة ، بدعوى حماية العقيدة ، لاسكات صوت المعارضة.. وذلك باتهامها بانها لا تعارض السلطة الساسية ، او الحزب الحاكم ، وانما تعارض شرع الله .. ولقد جاء دستور ولاية الخرطوم يحوي بين طياته مثل هذه الحيلة الخبيثة ، مما يوجب كشفه ، ومواجهته ، احقاقاً للحق وحفظاً للدين من التشويه ، وحماية للوطن من النكوص عن مسيرة السلام .. الحاكمية لله: جاء في المادة (1) من مسودة دستور ولاية الخرطوم ( ولاية الخرطوم هي احدى ولايات جمهورية السودان القائمة بحدودها عند نفاذ دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005 م ، الحاكمية فيها لله خالق البشر والسيادة فيها لمواطني الولاية يمارسونها عبادة لله وحملاً للأمانة وعمارة للعدل وتعاوناً على توطيد روح الوفاق والوحدة الوطنية اقصاء لعصبيات الملل الدينية والطائفية وقضاء على النعرات العنصرية وتمارس الولاية الحكم الذاتي تمكيناً للحرية والديمقراطية والسلام في اطار الحكم اللامركزي على النحو الذي يحدده دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005 م وهذا الدستور وان يستصحب العاملون في الولاية والحياة العامة مخافة الله وتقواه وابتغاء رضاه في كلا الدارين) .. لقد درجت كافة الجماعات الاسلامية ، على ترديد عبارة ( الحاكمية لله ) ، حتى اصبحت شعاراً اساسياً من شعاراتهم ، الغرض منه هو تطبيق الشريعة الاسلامية .. وهي تعني فيما تعني ، ان الجماعة الاسلامية لا تريد الحكم لنفسها ، مثل بقية الاحزاب والتنظيمات الاخرى .. وانما تريد الحكم لله. والهدف بطبيعة الحال، هو ان يقارن المواطن البسيط ، بين حكم الله وحكم البشر، فيختار حكم الله ، ويؤيد الجماعة الاسلامية ،
|
|
|
|
|
|