تظل المرأة الأقدر على التعبير عن ذاتها كإنسان ، وبذا كانت كتاباتها الأقرب للذات ، والاشمل للمعاناة... إذ تنطلق الكاتبة مارة بكل التخوم والمسالك في رحلتها من ذاتها وإلى ذاتها ، لقد استطاعت أن تلمس الذات الإنسان ، وأن ترسم معالمها وأن تشكـلها ، بلغة الكشف والبوح والأسرار ، هذه المقدرة التي لا يجاري فيها المرأة أحد.
لقد أنتج واقع العزلة الذي تعيشه المرأة ( الارتداد الداخلي ) ، أي الاتجاه إلى ذاتها ، فإلى أين والرصيد تركة معبأة بعاداتٍ وأفكار تـثـقل الكاهل ، وتمنح العقل محدودية التفكير ( دائرة التفكير ) في البحث عن طرق لصنع طبقٍ كفيل بسد حاجة وعاء لا يفتأ يفتح فمه.
فالمرأة الكاتبة مرتدة جيدة لداخلها ، عاشت من خلال تلك الحدود الضيقة ، تـتـنـفـس إرثـاً صنعته إرادة ذكورية . ومن هذه / وفي هذه المحدودية دارت عين البصيرة تبحث وتكشف وتقرأ الغد ، فلم يكن من المستـغرب أن تـقرأ الـتبدل في نمو جـسدها وتبدل حالاته ، خاصة إذا وُصمت بالنقص
في هذا التتبع ، وبغض النظر عن شمولية الرصد والتعبير ، تتضح المرجعية من كونها عن عاجزة إلا بتوحدها بالذكورة ( وهذا منتج إرث ) ، التي تمشي خلفها كظل رغم نزقها ( أي الذكورة ) ، وهي بهذا التعبير تعطي الحالة وصفها الصحيح في التبدل من وإلى .
الخصب.. إنها الصورة التي رآها الأقدمون في المرأة ، فكانت ربَّـة الخصب ، القادرة على المنح ، وهي وبذات المرجعية وتأسيساً على ذات الرؤية ، ما كان مقدراً لها أن تقول الـ ( لا )
هذا الإرث جعل من الرجل - في جنسه - الصور الأمثل ، أو الصورة الكمال ، فكيف لا يكون المخلص ، في الحبيب أو الرفيق أياً كانت صفته
إنها وباختصار تبحث عن الأمان ، وترسمه أمنية تبعث بها للحبيب . وكانت القضايا القومية والوطنية ، مثاراً تبدع فيه المرأة بالند ، مناضلة بالسلاح وبالحرف ، ترسم بحروفها وثيقة الكفاح ، لأنها رأت نفسها في هذا المجال إنساناً يحمل همه ، ورأت ذاتها الإنسان بذات الشيء في عين الرجل
ماذا يبقى منك ؟ "
لقد نجحت المرأة في التعبير عن ذاتها ، في صورة ولا أروع ، إنها تكتب نفسها ، وما يتماس مع هذه النفس على الورق ، وأعتقد إنها أرادت هذا الواقع ، لتقدر من خلاله التوغل أكثر فأكثر في ذاتها الإنسان ، لأنها عندما انفلتت منه
رغم ما يدور من أحاديث وكلام عن كتابة المرأة ، يظل الأدب العربي يقدم أديبات أكثر مما يقدم الأدب الغربي " .
وهذا نراه واضحاً في كم الكاتبات العربيات عامة ، والشاعرات بصفة خاصة ، ولعل الغلبة للشعر باعتباره الوعاء الجامع أو الأقدر على أن يصوغ الحالة ، أو لأنه الحياة كما تقول الشاعرة مها بيرقدار ، ولقد حركت تجربة الشعر الحديث ، هذه الرغبة في المرأة ، لأنها رأت من خلالها ثورتها على الإرث الذي حملت . وأعتقد ، بل أجزم .. أن ما نراه تمرداً وخروجاً في كتابة المرأة ، هو ثورتها على الحصار المفروض عليها ، تقول الشاعرة رلي صليبا : في إجابتها عن سؤال لماذا لا توجد شاعرات كبيرات ، فأجابت : اسألوا الرجل ؟.
لقد فرضت السيطرة الذكورية على المرأة حصاراً من أفكار ومحاذير ، وكان لا بد من كسر هذا الحصار والخروج ، وإثبات الحياة ، والفعل فيها ، بالانقلاب على هذا الإرث الذي لم تساهم فيه ، بقدر ما فرض عليها وكبلها ، لذا فلم يكن من المستغرب أن تكتب المرأة نفسها التي عاشتها أكثر ما عاشت وتعاملت مع الحياة ، ليصير هذا البوح ( حتى لأجيال الكاتبات الشابات ) طوطماً لابد من السير عليه ، أو هكذا تصورن التميز ، ربما وربما كن يرينه الشكل الأكثر احتواء لتجربتهن ، وتأسيساً على ( الشكل ) فإن الفصل بين أن تكون هناك كتابة نسائية ، وكتابة ذكورية أراه مرفوضاً ، لاتساع التجربة الإبداعية على التجزئة
وتقسيمها جنسياً ، إنما نعترف أن هناك شكلاً يميز كتابة المرأة ، إنه البوح والإسرار ( من السر ) ، وإذا اختلط بذات شاعرة كان حلماً شفيفـاً ، ولعل تجربة رواية ( ذاكرة الجسد ) للشاعرة والروائية أحلام مستغانمي ، يفضحها هذا البوح ، ويسقط كل التهم التي تناولت أن تكون هذه الرواية قد كتبت بقلم كاتب .
ورغم هذا التحدي ، تظل المرأة تستعذب هذه السيطرة الذكورية ، معتمدة على نظرية ( شهرزاد ) في الترويض والمراوغة ، فهي تعلم أنها المرأة والرجل صنو هذه الحياة
تتبع الشاعرة أم الخير الباروني ، هذه العلاقة ، فتقول :
نص / خـوف (7) .
" البارحة بعدما غادرتني
على غير عادتي
لم ألمس الماء
ولم أشرب
خفت ..
خفت أن أنطفئ . "
فأدعو لمعاودة قراءة هذا الكائن الجميل .
http://www.ofouq.com/current.htm( موقع افاق)