ظاهرة دول الخليج ظاهرة تستحق الوقوف والتأمل والمقارنة ، هذه الدول كما هو معلوم تشترك في أن مجتمعاتها التقليدية تطورت من مشيخات قائمة على قبول نظام الزعامة القبلي إلي نظام الدولة الحديثة مع إحتفاظها بتقاليدها الموروثة في الحكم ، بعضها تتبنى النظام الملكي وبعضها يتبنى النظام الرئاسي وبعضها حافظت على نظام الأمارة . خلال ثلاثة عقود ونيف تحولت عواصم هذه الدول من قرى صغيرة إلي عواصم عالمية ، يتجول المترو في شوارعها ، وناطحات السحاب تشق عنان سماواتها ، وأصحبت من دول الجذب السياحي في المنطقة بعد أن كان سكانها يهجرونها في الصيف إلي أوربا والبلاد العربية كمصر والأردن والمغرب وسورية ، وتحولت إقتصادياتها بفعل الثروة النفطية التي تفجرت في معظمها في بداية الثلث الأخير من القرن الماضي من إقتصاديات معيشية إلي إقتصاديات عالمية ، تأسست فيها الشركات متعددة الجنسيات الضخمة التي تضاهي الشركات الدولية ، وقامت فيها أسواق مال قوية ، وفتحت الفرص للعمالة من من كل دول العالم . هذه الدول سخرت مداخيل النفط لبناء دولها ، وتحقيق أعلى مستوى معيشي لمواطنيها ، الذين يحظون بمستوبات عالية من الرعاية ، وقد ساعد هذه الدول إستقرار أنظمة الحكم فيها ، وصغر مساحتها الجغرافية ، وقلة السكان في أن تحقق أعلي معدلات للنمو الإقتصادي ، و التنمية الإجتماعية . ورغم أن هذه الدول أخذت بالنظم الحديثة في النهضة التي إنتظمت كل دول المجموعة التي تندرج تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، إلا أنها حافظت على موروثها وثقافتها التقليدية جنبا إلى جنب مع تيار التحديث الذي أخذت به لتطوير مجتمعاتها وبنياتها التحتية . هذه الدول – أي دول مجلس التعاون - التي كانت محل سخرية من بعض أنظمة شقيقة من الدول العربية ، حيث كانت تُنعت أنظمتها بالرجعية والمتخلفة ، أنجاها الله من ما يسمى بالأنظمة الثورية التي تمتطي أيديولوجيات صورت مجتمعات بلدانها كأنها كانت تعيش في العصر الحجري وأنها جاءت لإخراجها من وهدة البدائية والتخلف ، وأنها الوحيدة القادرة على إحداث التقدم فيها ، ولكنها دمرتها وتركتها قاعاً صفصفا ، والمفارقة أن ما حققته دول الخليج لمجتمعاتها لم تحققه تلك الأنظمة الثورية صاحبة الشعارات ، فهنا لم نسمع ضجيج الشعارات والهتافات . من بين دول الخليج التي شهدت جميعها هذا التطور تميزت دولة الامارات من بين هذه المجموعة بافكار غير مسبوقة ، وكانت دبي العاصمة التجارية لدولة الأمارات صاحبة سجل زاخر بالإبدعات والأفكار المبدعة ، فكانت دأئما سباقة في الريادة ، من خلال الأفكار الخلاّقة لحاكمها مما حولها لأكبر مركز تجاري في الشرق الأوسط ، وإمارة دبي التي هي واحدة من ست إمارت تتكون منها دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت نموذجا للإبتكار في ميادين عديدة ليس لبقية دول الخليج إنما لكل محيطها المجاور من الدول العربية وغير العربية ، وآخر ما أبدعتة دولة الإمارات إستحداث وزارتين لا أظنها موجودة في أي من حكومات العالم وهما وزارة ( السعادة ) و وزارة ( التسامح ) ما هذا الإبهار والإبداع ، وزارة للسعادة ... أن تصبح للسعادة وزارة ، هذه فكرة غير مسبوقة ، والمفهوم هنا يتعلق بعدد من البرامج المعنوية تنفذها الدولة لتدخل السعادة في نفوس كل من يوجد على أرضها مواطناً كان أو مقيماً أو زائراً من خلال إطلاق الطاقات الإيجابية في الفرد التي من شأنها أن تجعل الفرد يتفاعل مع محيطة بطريقة منفتحة مما ينعكس على حياته والمجتمع حوله . كذلك فإن إنشاء وزارة للتسامح يعد مفهوما متقدما في ظل ظهور عصيبات تلبس أثوابا متعددة ، منها ماهو ديني وما هو عرقي وما هو عنصري وهلم جرا ، وهذا محك يمكن فيه ممارسة هذا التسامح عمليا في دولة يعيش فيها خليط من الجنسيات والثقافات ، فالتسامح كقيمة إنسانية ودينية وأخلاقية أساس للسلام والمحبة بين البشر عامة ، وبين المواطنين في الدولة الواحدة ، وبين سكان الحي ، ومرتادي الشارع والأماكن العامة ، فإذا ساد ساد الأمن والسلام . والحقيقة إن تلك الأفكار الكبيرة رائداها هما المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الذي كان دائما يتحدث عن مسئوليته في تحقيق السعادة لمواطنيه ، وكذلك حاكم دبي نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، إن هذه المفاهيم عندما تتبلور كقناعات عند صاحب القرار ، فإنه بلا شك يتحول الفرد في هذه الدولة إلي طاقة إيجابية تعمل لصالح الدولة والعكس صحيح .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة