بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ)
رأينا، في الحلقة السابقة، كيف نسب د. النور الإسلام للبراغماتية، كما فعل مع الأستاذ محمود ودعوته.. ونحن هنا نورد في نقاط، الاختلاف الجذري بين الفكرة الجمهورية _الإسلام_ والبراغماتية، وفي المبادئ الأساسية.. ننبه إلى أن المراجع، هي نفس المراجع المذكورة في الحلقة السابقة، ونحن نشير إليها بأرقامها كما وردت. ولكن قبل الدخول في نقاط المقارنة بين البراغماتية والإسلام، نحب أن نذكر تعريفاً موجزاً بالبراغماتية، يوضح أسسها الفلسفية. يرجع استخدام براغماتية، كمصطلح فلسفي إلى بيرس Charles Piers وذلك في يناير 1878م بمجلة Popular Science Monthly والكلمة أصلها يوناني، وتعني: عملي أو صالح لغرض معين، أو يؤدي إلى الغرض المطلوب.. وبعد بيرس تناول المصطلح وليم جيمس وفصله في نظام فلسفي ونشره حتى أصبحت هذه الفلسفة تعرف بوليم جيمس ويعرف بها 2-131. والفكرة الأساسية عند تشارلز بيرس تقول: (إن معنى كل اصطلاح أو فكرة ليس لها صورة حسية، إنما هو أثر هذه الفكرة، أو الاصطلاح في المحسوسات، أي في الاختيار والمشاهدة..).. 2-139.. فبيرس يزعم أن كل اصطلاح حق إذا كان له مدلول Object، والمدلول له وجود حقيقي Real إذا كان ينتج بعض النتائج في هذه الحياة الدنيا التي نشاهدها، وإلا فلا معنى للاصطلاح، ولا وجود للمدلول أو الشيء 2-140 .. فالفكرة عند بيرس، وعند البراغماتيين عموماً، إنما هي مشروع أو خطة للعمل والنشاط، والتأثير على البيئة. هذه هي الخطوة الأولى في البراغماتية – وهي أن البراغماتية نظام فلسفي لتفسير معنى الفكرة أو العقيدة، فالفكرة هي مشروع للعمل، وليست حقيقة في ذاتها، كما تزعم الفلسفة العقلية 2-142.. وأضاف وليم جيمس لذلك: (ليست فقط الفكرة مشروعاً للعمل، وإنما العمل، والنتائج هي الدليل على صحة الفكرة..).. – 1-32- وأضاف جون ديوي للبراغماتية رؤيته في أن (الفكر أو العقل، ليس للمعرفة فالعقل ليس أداة المعرفة وإنما هو أداة الحياة..).. 1-150 وقد سميت نظرية ديوي هذه بالآلية Instrumentalism، وهي تعني أن العقل آلة يستخدمها الإنسان في المحافظة على الحياة أولاً وفي تنميتها، واضطرادها ثانياً.. وقد أضاف شيلر schiller الانجليزي للبراغماتية مصطلح الإنسية Humanism الذي اعتمده البراغماتيون. والآن لنرى المبدأ الأساسي للبراغماتية، كما يوضحه وليم جيمس، فهو يقول: (إن الطريقة البراغماتية، هي محاولة تفسير كل فكرة بتتبع واقتفاء أثر نتائجها العملية كل على حدة..).. 1-64.. ويقول (إذاً فلكي نبلغ الوضوح التام في أفكارنا عن موضوع ما فإنا نحتاج إلى اعتبار ما يترتب من آثار يمكن تصورها..).. 1-65 .. فمعيار الحق الأساسي بالنسبة للبراغماتية هو النتائج وما تقوم عليه من نفع، ولا يوجد أي معيار قبلي ثابت، تقاس وفقه الأفكار والمبادئ، والعقائد .. (عليك أن تخرج من كل كلمة قيمتها النقدية الفورية والعملية..).. 1-33 كما يقول وليم جيمس.. فرفض الأفكار، والمبادئ، والقيم القبلية من أهم مبادئ البراغماتية وهو مبدأ تنبني عليه، كل المبادئ الأخرى، ولذلك سنفصل فيه بعض الشيء.. يقول وليم جيمس: (البراغماتي يولي ظهره بكل عزم وتصميم وإلى غير رجعة، لعدد كبير من العادات الراسخة المتأصلة، العزيزة على الفلاسفة المحترفين، انه ينأى بعيداً عن التجريد، وعن عدم الكفاية، ويعرض عن الحلول الكلامية، وعن التعليلات القبلية الدرئية "السابقة على التجربة" وعن المبادئ الثابتة، وعن ضروب المطلق والأصول المزعومة.. وهو يولي وجهه شطر الاستفادية والمحسوس والكفاية، شطر الحقائق والوقائع شطر الأداء والمزاولة، وشطر القوة..).. 1-7 .. يلاحظ أن كل ما ذكره وليم جيمس من أن البراغماتي يولي ظهره له، ويعرض عنه هو ما يقوم عليه الإسلام / الفكرة.. ويقول: (وفحوى ذلك كله أن البراغماتية تعني الهواء الطلق، وإمكانات الطبيعة المتاحة، ضد الوثوقية التعسفية، واليقينية الجازمة، والاصطناعية، وادعاء النهائية، في الحقيقة، بإغلاق باب البحث والاجتهاد، استناداً على مبدأ العلة الغائية..).. 10-71.. ويقول عن البراغماتية (وليس لها أية مذاهب أو مبادئ اللهم إلا طريقتها ومنهجها..).. 1-75.. ويقول: (إن حلالنا وحرامنا، وصوابنا وباطلنا، ومحرماتنا وعقوباتنا، وكلماتنا وصيغنا واصطلاحاتنا اللغوية وعقائدنا كلها مستحدثات جديدة كثيرة، ابتدعت وخلقت بحيث أنها تصوغ نفسها بسرعة تقدم التاريخ، مواكبة على نفس الوتيرة.. وأبعد ما تكون عن كونها مبادئ سابقة تحيي السبيل وتنعشه..).. 1-283.. فرفض كل ما هو قبلي، هو من أهم مبادئ البراغماتية وهو لا خلاف حوله، بين البراغماتيين – وهو على النقيض تماماً لما تقوم عليه الفكرة الجمهورية، كفكرة دينية إسلامية كل ما فيها يقوم على مبادئ وقيم قبلية!!. المهم، بالنسبة للبراغماتية، لا توجد حقيقة قبلية، ولا مبادئ وأفكار وقيم قبلية.. والبراغماتية شدت الأعناق وجذبت الأفكار مما كان ومما هو كائن إلى ما سوف يكون... شدت الأعناق وجذبت الأنظار من الماضي إلى المستقبل وذلك بان جعلت معيار صدق القول، هو ما يترتب على ذلك القول من نتائج.. فأعطني من القول ما يهديني سواء السبيل في حياة عامة أو في صناعة وزراعة وتجارة، اسلم لك فوراً بأنه قول حق، بغض النظر عما كان وما هو كائن بالفعل فليس الحق شيئاً قائماً هناك ثم يجئ الناس ليشخصوا إليه بأبصارهم، وليقولوا فيه ما يقولون، بل الحق هو طريق سير نمشي في الحياة على هداه 1-3.. فالحقيقة بالنسبة للبراغماتية ليست موضوعية موجودة في جهة ما، وإنما هي حكم، تحكمه وتحدد معيار الصدق فيه المنفعة المباشرة. والفلسفة البراغماتية، منهج في التفكير، أكثر منها نظرية عامة تتكون من أفكار ومواقف تجاه موضوعات، وقضايا فلسفية كالإنسان، والقيم والمعرفة مثلا ولذلك نجد وليم جيمس يقول عن البراغماتية: (وهي في نفس الوقت لا تظاهر أو تناصر أو تمثل أو تنوب عن أية نتائج خاصة، إنها مجرد طريقة فقط مجرد منهاج فقط..).. 1-102 ولكن فيما بعد، اضطرت البراغماتية أن تقول رأيها في الحقيقة على اعتبار أنها قضية الفلسفة الأساسية.. يقول وليم جيمس: (على أن البراغماتية في الوقت الحاضر... أصبحت تستعمل في معنى أوسع من المشار إليه، على اعتبار أنها تعني أيضاً نظرية معينة للحقيقة..).. والآن ندخل في المقارنة بين المفاهيم الأساسية للفلسفة البراغماتية والإسلام / الفكرة: 1/ عموماً البراغماتية فلسفة علمانية – كما قرر د. النور.. ودعوة الأستاذ محمود دعوة دينية، أسلامية وهذا وحده يجعل الجمع بينهما في أي مستوى من المستويات المهمة أمر تعسفي شديد التعسف.. يقول الأستاذ محمود للدكتور مصطفى محمود: (فالفرق، إذن، كبير جداً بين الفلسفة والدين.. ومثل هذا يقال عن الفرق بين العلم التجريبي المادي، والدين، وأيسره اعتماد الفلسفة، والعلم التجريبي، اعتماداً كلياً، ونهائياً، على الفكر، في حين أن الدين يروض العقل حتى يتسامى على نفسه ليصل إلى تجريد التوحيد، فيلغي الشفعية، ويخلص إلى الوترية..).. والعلمانية ومنها البراغماتية تتعامل مع دورة واحدة من دورات الوجود، هي هذه الحياة الدنيا، في حين ان الدين يتعامل مع الدنيا والأخرى معاً.. ففي الدين اعتبارات الموت، وما بعد الموت، مكون أساسي لفكر وسلوك المتدين.. وهذا أمر ليس للبراغماتية أية علاقة به. 2/ الفكرة الجمهورية كدعوة إسلامية تقوم في جميع تفاصيلها في المعرفة وفي العمل والسلوك على مبدأ واحد أساسي هو مبدأ التوحيد.. وهو يعني فيما يعني وجود الله دائماً في الصورة، في التصور والمعرفة، وفي العمل والسلوك، فالله تعالى في الفكرة الجمهورية لا يخرج من الصورة إطلاقاً.. فكل شئ في الحقيقة مرده إلى الله، وكل شيء في العمل والسلوك ينبغي أن يكون مرده إلى الله.. وإلى ذلك تشير الآية: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) .. وعلى العكس من ذلك، الله تعالى، في البراغماتية لا يدخل في الصورة، إطلاقاً.. فهو عندهم مرفوض مبدئياً ومن عدة وجوه.. هو مرفوض لأنه فكرة قبلية وهو مرفوض لأنه مبدأ كلي.. وهو مرفوض لأنه غيب، ولا يمكن في نظرهم التعامل معه تجريبياً بصورة مباشرة، وهو ليس حدثاً والبراغماتية لا تتعامل إلا مع الأحداث التي تدخل في إطار الخبرة البشرية، حسب تصورها لهذه الخبرة.. ولكن لنرى رأي البراغماتية المباشر، ومن أقوال فلاسفتها الأساسيين، وخاصة وليم جيمس، أكثرهم اعتدالاً في التعامل مع الدين، ومع التجربة الدينية، فهو يقول: (فإذا أثبتت الأفكار اللاهوتية أن بها قيمة في الحياة الملموسة المحسوسة، فهي أفكار صحيحة بالنسبة للبراغماتية، بمعنى أنها نافعة إلى هذا الحد..).. 2-96 وحتى هذا اغضب بيرس، حتى انه فكر في تغيير مصطلح براغماتية 3-16 يقول وليم جيمس: (وليس في وسعي هنا أن أخوض في كل البراهين المنطقية لوجود مثل هذا الكائن الأعظم، أكثر من أن أقول أنه ليس فيها برهان واحد على سبيل الحصر يبدو في نظري صحيحاً..).. 1-178. 3/ بالنسبة للفكرة الجمهورية من الناحية الوجودية الأنطلوجية، الذات الإلهية المطلقة هي وحدها الموجود بذاته وكل من عداها وما عداها لا وجود له إلا بها.. والحقيقة الإلهية هي الثابت الوجودي الوحيد وكل الخلق في حالة فناء، يتقلبون في الصور ويطلبون ثبات الحقيقة وهيهات!! أما بالنسبة للبراغماتية فالوضع على العكس، المطلق لا وجود له، وإنما الوجود فقط للمحسوس، المحدود، في تعدده الظاهر، يقول وليم جيمس: (إنني لا أؤمن شخصياً بالمطلق) 1-355 ويقول: (وإذاً فالمطلق ليس صحيحاً على أي نحو..).. 1-357.. 4/ الفكرة الجمهورية تتعامل مع حقيقة موضوعية، تتمثل في الذات الإلهية، وتجلياتها.. وبالنسبة لها، ليس في الوجود سوى ذات الله، وأسمائه، وصفاته وأفعاله، فالكون المادي في كل صوره وأحداثه، هو فعل الله ولذلك قلنا إن الله تعالى في الفكرة الجمهورية لا يخرج من الصورة إطلاقاً.. أما بالنسبة للبراغماتية، فهي ترى انه لا توجد أي حقيقة موضوعية.. يقول وليم جيمس: (اما الحقيقة الموضوعية البحتة، الحقيقة التي لا تؤدي في إرسائها ورسوخها أي دور مهما تكن وظيفة منح الرضا والاكتفاء والإشباع الإنساني، في تزويج الأجزاء السابقة من الخبرة، بالأجزاء الجديدة اللاحقة، فهذه حقيقة لا وجود لها في أي مكان على الإطلاق..).. 1-87 .. ويقول عن الحقيقة: (الحقيقة علاقة أجزاء من الخبرة اقل رسوخاً وثباتاً بأجزاء أخرى أكثر رسوخاً وثباتاً نسبياً..).. فالحقيقة عند البراغماتية ليست أكثر من خبرة بشرية يقول جيمس: (لذلك أقول حينئذٍ إن الحقيقة صفة أو خاصية لبعض أفكارنا..).. 1-351 ويقول: (إن الحقيقي في أوجز عبارة ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرنا، تماماً كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا..).. 1-353.. 5/ الفكرة الجمهورية تقوم على التوحيد المتمثل في وحدة الوجود، ووحدة الفاعل وعلى العكس من ذلك تماماً البراغماتية ترفض الوحدة، وتقوم على التعدد، بصورة أساسية.. يقول وليم جيمس: ("العالم واحد"!! إن العبارة قد تصبح ضرباً من عبادة الأرقام.. صحيح ن رقم "ثلاثة" و"سبعة" اعتبرا رقمين مقدسين، ولكن من الناحية التجريدية لماذا يكون واحد أكثر سمواً وعلواً وعزة من 43 أو من 25 مليوناً أو عشرة!؟).. 1-162.. ويتساءل: (ما هي القيمة العملية للتوحيد بالنسبة لنا..).. 1-163.. ويقول: (البراغماتية يجب ان تدير ظهرها للأحدية المطلقة وتولي وجهها شطر طريقة التعددية الأكبر تجريبية.. وهذا يخلي بيننا وبين عالم الواقع العادي، عالم المعقول البديهي، الذي تجد فيه الأشياء، متصلة جزئياً، ومنفصلة جزئياً..).. 1-196.. 6- الفكرة الجمهورية تقوم على أركان الإيمان في الإسلام، وهي جميعها مرفوضة من قبل البراغماتية، على اعتبار أنها أفكار قبلية، وغيبية.. والفكرة الجمهورية، ترى أن الوجود الحادث كله، يحكي قصة واحدة هي تنفيذ لأمر الله، الواحد (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ* وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)... على النقيض من ذلك، ترفض البراغماتية، هذه الفكرة الواحدة.. يقول وليم جيمس: (يترتب على ذلك ان كل من يقول بان العالم كله يحكي قصة واحدة، فانه بذلك يغمغم ويلغط بواحدة أو أخرى من تلك العقائد الجزمية الأحدية، التي يؤمن بها المرء على مسؤوليته..).. 1-176.. 7/ الفكرة الجمهورية تؤمن بالغائية، يقول الأستاذ محمود: (الغائية أصل الدين.. بل آصل الأصول فيه. فلا مكان للصدفة، لا في كبيرة، ولا صغيرة..).. وعلى العكس من ذلك يقول وليم جيمس: (وكل من يدعي وحدة غائية مطلقة، قائلاً أن هناك غرضاً واحداً يخدمه كل تفصيل من تفاصيل الكون، فإنما يتمذهب تحكماً وجزماً، وتبعة المجازفة تقع عليه وحده..).. 1-173.. 8/ الفكرة الجمهورية ترى أن الحقيقة – الذات الإلهية – هي خالق كل شيء.. وعلى العكس من ذلك ترى البراغماتية إننا نحن من يخلق الحقيقة.. يقول وليم جيمس: (فالحقيقة تصنع تماماً كالصحة والثروة والقوة في سياق الخبرة ومجراها..).. 1-258.. 9/ بالنسبة للفكرة الجمهورية البيئة روحية، ذات مظهر مادي والفكرة تتعامل مع البعدين معاً.. أما البراغماتية فلا تتعامل الا مع البعد المادي للبيئة، وبصورة محدودة.. 10/ البراغماتية، في نظرتها للزمن تركز على المستقبل – كما سبق أن بينا – وتركز على النتائج العملية، المستقبلية، التي تقوم على المنفعة المباشرة، وتنعي على العقلانيين انشغالهم بالماضي.. أما الفكرة الجمهورية، فهي ترى ان أصل الزمن هو الحاضر – اللحظة الحاضرة – يقول الأستاذ محمود: (فليس الماضي زمناً، ولا المستقبل زمناً، باعتبار الحقيقة وإنما هما زمانان باعتبار الحكمة.. والشيء الذي هو زمن باعتبار الحقيقة إنما هو اللحظة الحاضرة..).. فالفكرة، من الناحية العرفانية والناحية السلوكية تركز على اللحظة الحاضرة تركيزاً كبيراً.. فالله تعالي، ليس في الماضي، ولا في المستقبل، وإنما هو في الحاضر فهو لا يحويه الزمان ولا المكان.. وكل السلوك، في العبادة، وفي المعاملة، هو رياضة، للعيش في اللحظة الحاضرة ومن عبارات الأستاذ محمود الجامعة، قوله: (الكون كله موجود في كل جزء منه..).. وقوله: (ما من شيء كان، أو سيكون، إلا وهو كائن الآن..).. وهذه معاني لا تستطيع البراغماتية أو أي فلسفة أخرى، أن تشم شميمها. 11/ الفكرة الجمهورية في جميع تفاصيلها، تقوم على القرآن، وعلى حياة محمد صلى الله عليه وسلم.. وهذان أمران لا علاقة للبراغماتية بهما، لا من قريب ولا من بعيد. 12/ تعتبر معضلة الجبر والاختيار، هي مشكلة الفكر البشري، الأولى والأساسية، عبر تاريخ الفكر البشري، وإلى اليوم سواء كان هذا الفكر فكراً دينياً، أو فكراً فلسفياً... وبالنسبة لي شخصياً، كانت قضية الجبر والاختيار من المسائل الأساسية، التي أدت إلى انتمائي للفكرة الجمهورية.. فقد كان الموضوع ضمن دروس الفلسفة التي تلقيناها بجامعة الخرطوم، حيث كان يدرسنا الموضوع، أكاديمي عجوز شديد الجدية، يدعى بروفيسور كافندش، ضمن مادة: مشاكل فلسفية، وقد أحدث لنا بلبلة فكرية، ونفسية شديدة، لم يخرجني منها إلا كتابَا "الإسلام" و"أسس دستور السودان" للأستاذ محمود.. فالبراغماتية، ترفض التسيير، وترى حرية الإرادة البشرية – انظر كتاب The Writings of William James الفصل المعنون The Dilemma of Determinism ولا أعلم أن للمرجع ترجمة عربية. أما الفكرة الجمهورية، فتقوم على التسيير التام وعندها ان الله تعالى هو الفاعل الحقيقي لكل ما يجري في الوجود، وقد تمت معالجة الموضوع بتوسع في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام".. فوحدة الفاعل هي أصل التوحيد، وهي معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، وتعني لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. والسلوك كله، في الفكرة الجمهورية يقوم على تجويد وحدة الفاعل، وهذه هي وظيفة المنهاج "طريق محمد" صلى الله عليه وسلم.. والاختلاف في هذه النقطة بالذات يجعل الخلاف بين الفكرة الجمهورية والبراغماتية خلافاً جوهرياً، في جميع القضايا لأنه لا يوجد أي مجال، من مجالات الحياة، والفكر في الفكرة لا يقوم على مبدأ وحدة الفاعل بما في ذلك تصور الواقع، والتعامل معه والنظرة لإشكالية النص، وهما المجالان اللذان ركز عليهما د. النور، تركيزاً كبيراً كما سنرى.. ود. النور، للإعلاء من شأن البراغماتية، قال في حقها: (ارتبطت كلمة البراغماتية بشكل عام بالمنفعة الأمر الذي ألقى عليها الكثير من الظلال السالبة.. غير إن البراغماتية، على ما هي عليه من علات، هنا وهناك، قد مثلت تحولاً كبيراً في مسار الفكر البشري، والعقل البشري، خاصة في القرون الأربعة الماضية)!! 1-1 لاحظ هذه المبالغة (تحولاً كبيراً في مسار الفكر البشري، والعقل البشري..)!! ولم يورد د. النور أي مثال لهذا التحول الكبير، وهو لم يفعل لأنه لن يجده.. والأعجب من ذلك القول، بان هذا التحول الكبير حدث (خصوصاً في القرون الأربعة الماضية)!! ولكنك يا دكتور أوردت بنفسك، تواريخ حياة مؤسسي الفلسفة، وجميعهم ولدوا في القرن التاسع عشر، بما فيهم بيرس مؤسس الفلسفة، فلو أسسها يوم ميلاده، يكون مجرد وجودها لم يمر عليه أكثر من قرن ونصف، خل عنك تأثيرها!! وهذه ليست المرة الوحيدة التي يناقض فيها د. النور، ما يورده بنفسه، كما سنرى.. والذين أرخوا للفلسفة البراغماتية، لهم رأي يختلف كثيراً عن هذا التأثير الكبير، على الفكر العالمي كله، الذي يزعمه د. النور.. وهذا هو د. اسماعيل علي، من كتابه: "فلسفات تربوية معاصرة" يقول: (وعلى الرغم مما كانت تلقاه معظم الفلسفات الأوروبية من اهتمام بين المشتغلين بالفلسفة داخل الولايات المتحدة، فإن البراغماتية باعتبارها فلسفة أمريكية، لم تحظ بما تستحق من اهتمام خارج الولايات المتحدة، بل لقد ضرب عليها موقف عزلة وتعتيم عجيبان، حتى لقد شكا "سيدني هوك" في بحث له بعنوان "الفلاسفة الامريكيون في حالة عمل"، من أن أمريكا ظلت دولة مجهولة من الناحية الفكرية، وخاصة بالنسبة لفلسفتها البراغماتية.. ولقد دفع هذا الموقف واحداً مثل "بتركاز" عندما كان يدعى كضيف سنة 1960 لحضور سمنار للفلسفة في جامعة هيدلبرج، حين عرض عليه أثناء إقامته أن يلقي كلمة أو كلمتين في جامعة مجاورة، وهي جامعة "مينز" سرعان ما فطن إلى انه لو تحدث عن ديوي أو رويس، أو عن الموقف السائد في الفلسفة الأمريكية فان حديثه لن ينال غير القليل من الاهتمام، فرأى بدلاً من ذلك أن يدلي ببعض الأحاديث، عن كانط)!! 3-3. كل ما تقدم، يدل دلالة صارخة، على جهل د. النور بثقافة العصر، فمن لا يستطيع أن يذكر أي معلومة صحيحة عن موضوع اختاره بنفسه، من المستحيل في حقه أن يتحدث حديثاً صحيحاً عن الموضوعات الأخرى المتعلقة بالتيارات الفكرية السائدة.. في الواقع د. النور لا يتحدث عن فكر!! وإنما يتحدث عن مزاجه الخاص، ورغبته، ويلوي أعناق الأشياء، لتنسجم مع هذا المزاج والرغبة.. فد. النور ليس مفكراً ولا هو باحث أمين.. فهو لا يؤتمن على أي شيء، لأنه يكذب، ويصور الأشياء على خلاف ما هي عليه، في جرأة غريبة.. د. النور محمد حمد غير مؤتمن على الحديث عن الفكرة الجمهورية بالذات، فهو يكذب عليها ويبالغ في الكذب.. في الواقع، في جميع كتاباته، لا يعرض شيئاً سوى نفسه!! هو فقط يريد أن يقول: أنا هنا!! خالد الحاج عبد المحمود رفاعة الخميس 16/2/2017م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة