|
الصحافة الحرة ومحاربة الفساد/
|
الصحافة الحرة هي الوجه الآخر للديمقراطية ،فلا ديمقراطية بدونها فلذلك فهي سلطة رابعة ومرآة للشعب في مراقبة السلطة التنفيذية ونقدها ، وكم عانت حرية الصحافة والرأي والتعبير كثيراً ومازالت تعاني في ظل حكومات استبدادية والتي تجد من المهم عدم التعرض لقراراتها فتكمم الافواه التي تنادي بالإصلاح وتضرب بها عرض الحائط وتعاقب القائلين بها سواء بالقوانيين العادية أو الاستثنائية أو من خلال سلطاتها ، وفي ظل مثل هذه الحكومات تنتشر الفساد في مفاصل الدولة ويعم الخراب ، فالمعادلة هي وجود صحافة حرة ومسئولة تتقيد بالقانون وبالمصالح العامة للمجتمع وباحترام حقوق الأفراد ومنها الحق في الحياة الخاصة ومن ثم وجب علي الصحفي وجميع العاملين بالصحافة أن يراعوا في سلوكهم المهني مبادئ الشرف والأمانة وآداب المهنة وأعرافها وتقاليدها ولا يخفي علي أحد مدى خطورة انتشار الصحافة الصفراء وتأثيرها علي القيم والمبادئ داخل المجتمع والمساس بالتقاليد وتكدير الأمن العام وإثارة المواطنين ، الاعتبار الأخلاقي يستوجب تأمين الحياة الخاصة وعدم تعرضها للانتهاك مع أن الاعتبار الأخلاقي نفسه يوجب الطعن أحياناً في أعمال ذوي الصفة العامة عند فحص مدى مصداقيتهم وأمانتهم إلاّ أن ذلك لا يعني أن تصبح حياتهم الخاصة كتاباً مفتوحاً لكل متلصص ،نقول هذا ونحن نتابع سيل الاتهامات بالفساد في الصحف هذه الأيام ، فمساحة الحرية التي إتيحت لهذه الصحافة أتت أكلها وأن إستمرارها سوف تكون خيراً وبركة علي مجتمعنا فما من أحد يريد أن يكشف فساده وهذا وحده يكفي للحد من الفساد هذا من ناحية وناحية أخرى علي الصحافة أن تدرك مسئوليتها في الحفاظ علي قيمة هامة يحرص عليها كل إنسان إلا وهي الشرف والاعتبار وما تجريم القذف إلاّّ حماية لهذه القيمة ، فمن غير المعقول أن تتخذ الصحافة من حريتها التشهير بالناس ، دون ضوابط مهنية متفق عليها فعلي سبيل المثال تناولت الصحف قضية وكيل وزارة العدل بصورة مثيرة فالصحيفة التي نالت السبق في هذا الأمر ابرزت الخبر علي النحو التالي(إبان توليه منصب مدير الأراضي وكيل العدل يستولي علي أراضي قيمتها (30)ملياراً وفي ثناياً الخبر أوردت الصحفية أرقام القطع المسجلة باسم الوكيل وتاريخ التصرف والذي بموجبه آلت هذه القطع للسيد الوكيل والثابت من خلال المستندات أن الوكيل تحصل علي هذه القطع عن طريق الشراء أو التصديق من الحكومة ومنذ الوهلة الأولي يبدو أن هنالك استغلال نفوذ بحسبان ان أي مواطن عادي لا يستطيع الحصول علي هذه القطع ذي الميزات التفضيلية ولكن طريقة نشر الخبر توحي بانعدام المهنية الصحفية والشرف, كان يمكن للصحيفة وقد تحصلت علي المستندات من مصادرها وتأكدت من صحتها أن تقوم بعرضها للسيد الوكيل للتعليق عليها ومن ثم تقوم بنشرها مصحوباً بتعليق الوكيل نفسه، وتمضي الصحيفة نفسها في نشر خبر آخر يخص هذه المرة مدير المساحة (بالوثائق ... مدير مساحة يستحوذ علي (7)قطع مميزة بالخرطوم ) ، هذه المرة استخدمت الصحيفة كلمة استحواذ بدلاً من الاستيلاء ولعل الفرق واضح بين الكلمتين وفي ثنايا الخبر أوردت الصحيفة أسم مدير المساحة كاملاً وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم نقف علي رد من مدير المساحة وفي خبر ثالث أوردت ذات الصحيفة خبراً مفاده (السلطات تحقق مع 10نافذين بوزارة التخطيط العمراني بتهمة الفساد وهذه المرة لم تورد الصحيفة أسماء هؤلاء العشرة بل تحفظت علي الاسماء لحين استكمال التحقيق والتحري. من خلال هذا التباين في نشر الإخبار نجد أن مسألة محاربة الفساد تكتنفها بعض المحظورات، الإنتصار للنفوس وتصفية الحسابات مما يخرج الأمر من سياقه الموضوعي ، وفي المقابل فأن الحكومة ومؤسساتها تقع علي عاتقها متابعة ما ينشر واتخاذ إجراءات في مواجهة منسوبيها بعد التحقيقات اللازمة ، بدلا من التزام الصمت أو الدفاع عن منسوبيها بطرق ملتوية لا تمت إلي الحقيقة بصلة ففي حالة وكيل وزارة العدل كان من الأفضل أن يبادر هو شخصياً وفور ورود الأخبار بالرد الموضوعي عبر بيان يوضح ملابسات امتلاكه كل هذه القطع كان ذلك يكفي في بيان الحقيقة وأن يكون كل ذلك بعيدا عن الوزارة ، فالوزارة ليست طرفاً في هذه الاتهامات وبالتالي فأن حشرها في المسألة بل اتخاذها مطية للدفاع عن الوكيل ، جلب لها السخط الإعلامي والشعبي، أن محاربة الفساد هي الخطوة الأولي للإصلاح الحقيقي فعلي الجميع الصبر علي نار الحرية فمن أراد نورها فليصطلي بنارها
|
|
|
|
|
|