|
الذهنية .. جوهر الازمة في السودان بقلم اسماعيل حسن آدم - كندا
|
بين أيديكم مساهمة متواضعة للنظر في قضية الازمة السودانية لمختلف ابعادها وهي عبارة عن قصاصات، رأيت جدواها، أتمنى أن تكون مبادرة لتحريض مفكرين للإدلاء بدلوهم، لقناعتي بضرورة التغيير الجذري لمستوى التفكير لان الاستهداف هو التغيير الحقيقي والجذري. هذه هي القصاصة الاولي والتي تتناول الذهنية او الفكر وسأتناول لاحقاً ثلاث قصاصات حول تقييم الذات ولغة الخطاب والعمل القيادي. مدخل: عقلية غطاء الجرّة تأتي التسمية من التجربة التي قام بها فريق من الباحثين، بوضع مجموعة كبيرة من الحشرات داخل جرة كبيرة و تم إغلاق الجرة، ففي كل مرة تتطير فيه الحشرات لأعلى للخروج من الجرة، كانت تصطدم بالغطاء فتعاود الكرَه مرات و مرات، لاحظ الباحثون إنه بعد عدة محاولات تكف الحشرات من الطيران إلى أعلى للخرج من الجرة، حتى عند إزالة الغطاء تماماً. ومثال آخر لهذه الذهنية انه قد جاء في الأثر أن كانتز، طالب في مستوى أكاديمي متواضع، أتى في إحدى المرات للمحاضرة متأخرا بعض الشئ، فنسخ ما وجده في السبورة من واجب منزلي، و عند العودة إلى سكنه قضى زمنا أكثر من ما هو متاح لحل الواجب، في اليوم التالي لتسليمه الواجب، فوجئ بمكالمة من البروفسير، فظن أنها مكالمة لتوبيخه فى تأخير الواجب، و لكن البروفسير كان في قمة الفرح و سأله " هل أنت من قام بحل تلك المسألة"، إندهش كانتز و قال للبروفسير، تعني الواجب المنزلي؟ نعم قال البروف، ذلك لم يكن واجبا و إنما كانت إحدى المعضلات الرياضية، حتى آينستاين لم يستطع حلها. و هكذا دخل كانتز التاريخ بالصدفة، إن العقل البشري سايكولوجيا ما ترسم له من حدود في اللاوعي. إن ما يراه الناس من صعوبة إزالة طغمة الاسلام السياسي الجاثمة علي صدورنا هو في الحقيقة محض سقف ذهني زائف خلقناه بأنفسنا.
1- الفكر و نحن بصدد الحديث عن الفكر، يجب أن نفترض ان مناشدة التغيير الفكري موجودة في جُل الثقافات و ضمنها ما جاء به القرآن، حيث نجد "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (الرعد). او حين قال ألبرت أينشتاين " إن العالم الذي نعيش فيه اليوم هو نتاج تفكيرنا، و لا يمكن تغيير هذا الواقع بدون تغيير تفكيرنا". اذن يمكن القول إن العقليه التي خلقت واقع الجبهة و استمراريته لربع قرن، سوف لن تكون هي العقليه التي تقتلعهم إقتلاعا. ان طريقة تفكيرنا كقادة سياسيين ونخب فكرية هي التي خلقت هذا الواقع المؤلم في السودان، قد يرفض البعض هذا الاتجاه في التفكير، فالهروب من المسؤليه و تعليقها علي نظام الجبهه هي إحدى إشكالات تفكيرنا الخاطئة؛ لان الجبهه وحدها لا يمكن ان تخلق هذا الواقع المؤلم، ففي الحقيقة نحن كنخب و قوى سياسية ساهمنا في صنع هذه المأساة بأيدينا ، لربما هذا هو الخبر السئ الذى نتفادى سماعه، و لكن الخبر الجميل، ان الحل بأيدينا أيضا. فالمعركة في ظاهرها هى البشير و طغمته و فى جوهرها معركة عقولنا، فإذا إستطعنا تغيير تفكيرنا، لا ينهزم نظام البشير فقط، بل حتما سينهزم معه الإسلام السياسي و ظلاله. ماذا يحتل جل تفكيرنا؟ يقول إييرل نيتينقيل "سيشكل جوهرك و يسمو بك، كلما يستحوذ على تفكيرك " توثيق و فضح جرائم النظام تحتل جل تفكيرنا، يسيطر هذا علي كل چهدنا و طاقتنا، فبدلا من ملء اسافيرنا بالحلول و الممكن، نسَودها كل يوم بقصص الطغمة التي لا تنتهي، من أكاذيب و فبركات، ماذا يتبفى من الوقت و الجهد للتركيز علي الحلول؟، وكلما نركن لهذه الأكاذيب نسمح لهم عن طيب خاطر أومن غير إدراك بصب المزيد من الوسخ في عقولنا، فحتما قد أدركت الطغمة هذه الحقيقة و من زمن مبكر، فبرعوا في إستخدامها، مما قد يفسر سبب غرقنا في بركة الشجب و الإدانة لربع قرن من الزمان، فأصبحنا أدوات فعالة لتداول وتسويق جرائم النظام، لطالما يستحوذ صنيع الطغمة الحاكمة جل وقتنا. فلا غرابة، تغتصب أمهاتنا، أخواتنا و بناتنا و كل ما نملك هو الشجب و الإدانة، حملة توقيعات، أو مظاهرة ضعيفة الحضور، ثم سرعان ما نلوذ بالصمت في إنتظار إنتهاك آخر لنعاود الكرّة حتى أضحى معلوماً للكل الاكليشيهات التي يستخدمها الجميع. الذهنية التي عمقت الأزمة ... من يملك آلة الدعاية يملك الشعب، و لا اظننا نحتاج لدروس عصر لنستوعب الدور الحاسم لآلة الدعاية، فقط ألق ِ نظرة للعالم من حولنا؛ فإذا شكل الإعلام احد اهم اسباب بقاء نظام الجبهة طوال هذا الوقت؛ وإذا كانت الجبهة تستعمله لقهر شعبها و إذلاله و سوقه للإستكانة كما يقول الاستاذ المفكر الجليل محمود محمد طه، هل يمكننا إستخدامه لحقن الدماء، غرس الامل و إستلهام شعبنا للتخلص من هذا الكابوس؟ في الحقيقة سوف لن تكون المعارضة بالفاعلية المطلُوبة لإقتلاع الجبهة من غير آلة فعالة للدعاية، كثير من الكتابات قد اثارت ضرورة قناة فضائية، و لكن لم يرذلك النور بعد لعدم الجدية، ِإن العقلية التي لا ترى هذا كأولوية لا ولم و لن تكن العقلية التي تحدث التغيير المرتجى. إن عقم التفكير يحصر آلة الدعاية في قناة فضائية في عهد تسيطر فيه أدوات التواصل الإجتماعي، فعدد التلفونات المحمولة قد يفوق بكثيرعدد التلفزيونات، وهذا إذا أدركنا أن القناة الفضائية نفسها ليست بالتكلفة الكبيرة التي يظنها كثيرون...سؤال آخر يتبادر للذهن، أذا كان الشباب هم ركيزة التغيير القادم، كم من الوقت يمضيه الشباب في الفيس بوك، والواتسآب وبقية قنوات التواصل الإجتماعي مقارنة بمتابعة التلفزيون؟ في عهد التخطيط العقلي، كيف نفكر هو المحك. هناك إتجاهان للتفكير فالأول التفكير في إتجاه الحلول للتحديات التي تواجه التغيير، أما الثاني فهو التفكير في العقبات و المعضلات. فيبدو جلياً إِن الإتجاه الثاني هو الغالب، إن محدودية التفكير فى اقتحام العقبات تؤدى لمحدودية التصرف، و هذه بدورها تؤدى لمحدودية النتائج، فإذا كنا كأفراد وقيادات نربو لغايات أكبر، فلا بد من الخٌروج من قوقعة تفكيرنا الصغيرة لإطار أرحب، ولكن يسبق ذلك نمو ذهني يأتي بالقراءة الموجهة-المركزة و المساهمة الفاعلة في أنشطة تسهم في هذا النمو، من محاضرات، سمنارات ...إلخ... فلماذا لا نملأ حياتنا بالأمل، الإصرار، الحرية، العدالة، السلام المستدام فنجذبها إلينا، كما يقول قانون التجاذب "الاشياء المتشابهة تتجاذب" فلنحلم أحلام كبيرة إذا كنا نريد وطن نفاخر به الأمم، ولنفكر في الممكن. و الممكن ليس بالضرورة هو الأسهل يقول ستيف جوبز مؤسس شركة آبل للكمبيوتر "إن ما يبدو سهلا لربما يكون أصعب مما قد يبدو معقدا، فلنعمل علي تنقية تفكيرنا ليسهل الصعب، وحين ندرك اهمية ذلك ونتوصّل إليه، نستطيع أن نحرك جبالا" إن قوى التجاذب و التضاد، كليهما خلق فى مكان واحد،هو عقلنا، فإذا تمكنا من السيطرة على أفكارنا بالتفكير الإيجابي و ليس العكس، يمكننا السيطرة على مصائرنا؛ و ِإلا سنعيش كالجنادب، في خوف دائم من أن يطأنا شخص، فنظل نقفز طول الوقت، هذه هي عقلية الضحية، بها لا يتحقق أي نصر، خاصة إذا كانت المسئولية عظمي كهزيمة الفاشست. كيف نتخلص من ذهنية الأزمة؟ يقول جورج برنارد شو "الذين ينجحون فى الحياة، هم أولئك الذين يبحثون عن الظروف التى تساعدهم على النجاح، فإن لم يجدوها، خلقوها"ويقول والدو إميرسون " ما يحدث لنا كأفراد فى ظاهر الامر لهو ضئيل مقارنة بما يحدث بدواخلنا" . فما هي هذه الظروف التي تساعد على النجاح؟ إن نظام الاسلام السياسي فاشى يستعمل كل أساليب القمع، من تعذيب و قتل و سحل و سجن و إغتصاب و و و..، بلا حرج وبلا وازع دينى، كون الفضيلة ليست هماً مهنياً اصيلاً يؤرقهم فليس لديهم متسعا من الوقت لتشذيب انفسهم بتدريب أخلاقي فاصبح جل همهم هو المحافظة على السلطة و ما نهبوه من أموال، يظنون إنهم يخدعون الله و الشعب بفقه الضرورة،فقه المرحلة، فقه التحلل، الحب الإسلامى و الليالى البرتقالية، ولكن في الحقيقة لا يخدعون إلا أنفسهم. و إن المغالاة في القمع و تراكم الضغوط، حوّل كثير من الناس لجيش من القانطين والمحبطين، واكتفيت الغالبية السياسية الناس برصد الإنتهاكات والفساد ثم الشجب والإدانه فسيطر هذا الإتجاه على جل اللقاءات والمنابر ووسائط التواصل الاجتماعية فإمتلأت بمحكيات مطوّلة كقصص ألف ليلة و ليلة فى الفساد و تسريب الوثائق و و و... فى الجانب الآخر ليس هناك عمل موازى، دؤوب، يضع برنامج عمل واضح ووسائل تلهم الجماهير، تبعث الأمل و تخلق الظروف الملائمة لدك حصون الطاغية، فخطورة غياب وضآلة هذا الإتجاه، يؤدي إلى حالات اليأس والإحباط و التشاؤم التى نراها اليوم. إن بداية الطريق لخلق الظروف التى تساعدنا على النجاح، التحرر من عقلية الضحية، إذ لا يمكن التخلص من عقلية الضحية بدون تغيير تفكيرنا، لا بد من تبلور صورة واضحة للأسباب الاساسية لإزالة الجبهة، إذ لماذا نريد إسقاط النظام؟ فكلما كانت - لماذا-هذه نافذة في وضوحها، كان الدافع، الإصرار و المثابرة لإزالة النظام أكبر و أقوى، فالأسباب يجب أن تشمل إزالة الظروف و الأسباب التي خلقت هذا الواقع المرير، حتى لا يعيد حزب المؤتمر الوطني انتاج نفسه فى صور اخري، و لكن لا بد من العمل لرفع نظرتنا لأنفسنا بإمتلاك قناعة قوية وعميقة بأننا كأفراد و شعب نستحق أن نعيش أحرار، فى وطن ديموقراطى، لنا كرامة مصانة ومحفوظة بالقانون، لنا الحق فى العيش الكريم، الحق فى التعليم و الصحة ... إلخ فإذا كنا نرى أنفسنا من هذا المنظار، سندرك أهمية ضرورة أن نعيش الحياة التي نريد اليوم و ليس غداً، و سوف لن نؤجل هذا الإستحقاق ليوم آخر، ولكن لإعتقادي أن الإحساس بقيمة أقل وهي الدونية أوالوسطية في أحسن الأحوال، هى ما أقعدتنا و ستقعدنا سنينا إذا لم نغير نظرتنا لأنفسنا، إذ يقول علماء النفس، لا يستطيع المرأ أن ينجز أكثر من نظرته أو تقييمه لنفسه(ا). إن جودة أى وطن من جودة أبنائه وبناته ، وجودة أبنائه وبناته من جودة أحلامهم، و جودة الأحلام تأتي من جودة النظر والتقييم لأنفسنا، فشخص تتقمصه عقلية الضحية لن يحلم بوطن حدادى مدادى كما يقول شاعر الشعب محجوب شريف، بل تنعكس في شكل كوابيس وليس احلام. الأحلام كالكائنات الحية، تحتاج لأوكسجين تتنفّسه ولعناية ورعاية وتشجيع، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية على حلم يرتكز علي احترام التنوّع والحرية والعدل رغم ظلمها واستغلالها الفاحش للزنوج منذ عهود الرق البغيضة وقد عبرت مفردات الحلم كما ورد في الدستور ان الحلم بني علي توحيد الشعب الامريكية والحرية مكفولة للجميع والمساواة والعدل. فلنجعل أحلامنا كبيرة و نخلق الجو الملائم لنموها، و لنبتعد من سارقي و قاتلى الأحلام، فهم ينضحون ما بدواخلهم من هزيمة، قاتلى الأحلام كقاتلى البشر، فهم لا يرون غير المستحيل، يثبطون الهمم بتصغيير أحلام الناس وتتفيهها ثم قتلها، ولا بد أن ندرك إنه من غير أحلام لا تتكون رؤى، صحيح قد تكون لنا أفكار، نلوكها بالسنين، و لكنها لا تبارح الربربة و الونسة، إذا كان الحلم كبير حتما سيتبعه عمل، و العمل الدؤوب يؤدى لتكوين الشخصية و تكوين الرؤى، الشخصية و الرؤى هى التى تسوق و تحدد المصير، هذا فى رأيي المتوضع، هو أقصر الطرق لسلام و أمان و ديمومة الديمقراطية و الإزدهار. فلا بد أن نتذكر كقوي وكوادر ونخب تغيير أن الطريق السهل من غير تعب غالبا ما يكون مسدوداً. النظرة للذات --> العمل (الحراك) --> المثابرة فى الحراك --> قوة الدفع الذاتى العمل القيادي... يتضح من طرحي اعلاه انني اركز علي عمل النخب السياسية والفكرية والثقافية المستنيرة والعلمانية لدرجة يمكن معها القول أن كل شئ يعلو أو يهبط بعلو أو هبوط العمل القيادي، إن الطبيعة البشرية إذا لم يتم تهذيبها، بتكوين الشخصية و ترويضها على الإستقامة و النزاهة و الإنضباط، غالبا ما تسعى هذه الشخصية الخام لتحجيم الآخرين، فتحكم على غيرها بأفعالهم و تحكم على نفسها من منطلق دوافعها، حتى عندما تخطئ أخطاء جسيمة فى حق نفسها أو مواطنينا، لا تعتذر ولا تنتقد نفسها طالما كانت دوافعها سليمة كما تعتقد، فبهذا السلوك تخلق فجوة كبيرة بينها وبين الجماهير، و تحيط نفسها بمن يبارك أعمالها و يحرق لها البخور، فتبعد من تشك فى ولائه و تشوّه سمعتهم .... إلخ هذا النموذج يصح خاصة حين ننظر لمعظم نخب وقادة العمل السياسي خاصة حين نتناول مأساة وأزمة إنسان اهلنا فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب. يقول جيف كندى الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية" فى أحايين كثيرة نلجأ لأريحية آرائنا، من غير عناء ومشقة التفكير" فلا غرابة من تعدد المنابر والمبادرات، ولكن المدهش لم نحرك ساكنا عند التنفيذ، أو نتحرك قليلا ثم سرعان ما يدب اليأس، ونركن اليه فى إنتظار مبادرة جديدة، لنعيد الكرّة من جديد. إن ما بذل من جهد معارض لوضع تصور لحل مشاكلنا لهو جهد مقدر بكل المقاييس، و لكن يقف التفكير عند هذا الحد عندما نأتى للتفعيل، و يتحول الجهد لمجرد جهد أكاديمى يزين الأرفف و الأضابير، إن نداء السودان الذي وْقع في الأيام الماضية لهو خطوة في الإتجاه السليم فعلينا أن نبني عليه و نملكه الجماهير بكل الطرق الممكنة. فلابد من تحديد أين نقف الآن و أين نتجه بدقة، فلا نكون كمن يريد السفر و لا يدري إلى أين، إن الحل لا يختبئ بعيدا أو فى جخانين الدول التى تدعم قضيتنا، إنه ثلاثة أرطال نحمله فى أعناقنا يسمى المخ/العقل، إنه منجم الذهب الذى نبحث عنه فى أمريكا و أوروبا، صحيح قد نحصل على دعم ما من هذه الدول، و لكن الدعم الحقيقي يكمن في جودة ومستوى تفكيرنا. إن السفر للعقل لا يكلفنا تذاكر سفر و لا فنادق و لا جوازات، فقط عقل مفتوح و قلب مفتوح، الرغبة الأكيدة في تغيير أنفسنا كجسد معارض لأننا نملك السيطرة عليها ثم بناء استراتيجيات وخطط مفتوحة وخارج الصندوق. هذه الصيرورة كفيلة بإقناع الآخرين بتغيير انفسهم تباعا وبأنفسهم كذلك لا بأيدينا، كما يجب توخي الأمانة، الإستقامة، الإبتعاد عن السلبية والسلبيين، العمل الدؤوب لرفع الإحساس بقيمتنا كأفراد، التدريب و التطوير المستمر على القيادة و التنمية البشرية، الإبتعاد عن الكراهية المرارة مهما فعل شذاذ الآفاق حتى لا يتغلب على تفكيرنا الإنتفام والمرارة. لكن يجب ان لا نفهم اطلاقاً بأنني اقصد العفو عما سلف. يقول مارتن لوثر كنج "لا تستسلم أبدا لإغراءات المرارة" ويقول نيكسون فى خطابه للجمهور فى فضيحة ووترقيت "إن من يكرهونك لن ينتصرون، حتى تبادلهم الكراهية، و بذلك تحطم نفسك". للسير للأمام، لا بد من ردم الهوة أولا، ردم المفارقة بين أين نقف و الهدف المرتجى، لا بد من الكف عن التفكير فى المشاكل وحدها دون التركيز في الحلول، إن العقل يسير في الإتجاه الذي يستحوذ تفكيرنا، فإذا كنا نركز دوما في ما تصنعه الطغمة من فساد و قتل وخلافه دون تفكيك ذلك وربطه بالحلول والبدائل سنظل نركض وراء هذا النوع من الأخبار، فلننظر للكتابات اليومية لمعرفة ما يستحوذ جل تفكيرنا، هذا قطعا لا يعني عدم الفضح و التوثيق و لكن يجب أن لا يكون ذلك شغلنا الشاغل. هناك أيضا ضرورة للكف عن القلق الزائد من التفكير في المستقبل بما نملك آنيا من أفكار فكثيرا ما نسمع الحديث عن البديل، فالبديل الحقيقي سيتولد من السير في الطريق الصحيح، فالتركيز في الحاضر سيقود إذا أحسنا التفكير، إلى المستقبل. إعمال العقل و التفكير و النقد العميق يساعد على تحقيق الهدف و ديمومته، دعنا نروض عقولنا بالقدر المستحق. هناك إتجاه لإلقاء اللوم على الجماهير، هل صحيح أن الناس جبنت و لا تريد أن تخرج؟ كم سحابة مرت على الناس و لم تمطر؟.. الحماس مع أهميته و ضرورته، إلا أنه يفتر لوحده، فهناك في تقديري فجوة كبيرة في مستوى الفكر، و هذه الفجوة بدورها خلقت فجوة في القيادة، فلا يمكن لأحد يظن أنه قائد أن يبني سمعة طيبة و يكون مكان ثقة للناس بما سيفعل في المستقبل، الناس تريد أن ترى من يشمر عن سواعده و يدخل معهم في أرض المعركة و الجخانين، يريدون أن يرون دخان المعركة في من يطرح نفسه كقائد، فالقائد يلهم الغير، لا يتعلق بالأفكار لمجرد موضوعيتها، ينزلها لأرض الواقع و المحك هو المقياس الحقيقي لما يظنون إنها أفكار، فإذا أثبتت جدواها تشكل رؤى و إلا ستشيخ في أضابير المؤتمرات كأفكار أو خواطر. من يقود لا بد أن تتوفر فيه بعض صفات القيادة، كالإستقامة، الأمانة، المثابرة و الشخصية، الشفافية .... سأعود لاحقا لموضوع القيادة، في مساهمة أخرى. إن الجماهير تبحث عن من يلهمها و يقودها متقدما الصفوف، لا أن يأمرها بالخروج و يكون هو على الأرائك متكئاً ، لا أعتقد إن الجماهير ستلقي بنفسها في التهلكة من أجل غد لا تراه آت بل متجسداً في السلوك القيادي، إن من يروج لجبن الجماهير عليه الذهاب و تقدم الصفوف بدلا من الخوض في وحل الجهل. يقول المثل الياباني " العدو هو الشخص الذي ستراه إذا وقفت أمام مرآه" فليقف كل منا أمام مرآة، وليسأل كل منا نفسه، ماذا فعلت لتغيير الواقع المرير في السودان، هل أسهمت بأي قدر في ما آل إليه الحال في السودان، سلبا أم إيجابا، هل هناك إلتزام كمثفف تجاه القضايا بشكل دؤوب أم كان إسهامنا بالصمت و اللامبالاة ؟ بالإجابة الأمينة سندرك من هو المسؤل الأول في ما آل إليه الحال. في وجود شمعة تضئ، لن يكون الشيطان فعالا(في مقطع من أغنية المبدع إمانويل من جنوب السودان)، فلنوقف الضجيج السلبي ولنعمل شئ ما يميزنا كبشر. يقول آرسيبالد " الشئ الوحيد الذي يميز الإنسان كإنسان هو العقل، كل الأشياء الأخرى يمكن أن تجدها في حصان أو خنزير" – آرشيبالد مادياش mailto:[email protected]@gmail.com
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الذهنية .. جوهر الازمة في السودان بقلم اسماعيل حسن آدم - كندا (Re: اسماعيل حسن آدم)
|
كتب الاستاذ اسماعيل حسن آدم:
Quote: توثيق و فضح جرائم النظام تحتل جل تفكيرنا، يسيطر هذا علي كل چهدنا و طاقتنا، فبدلا من ملء اسافيرنا بالحلول و الممكن، نسَودها كل يوم بقصص الطغمة التي لا تنتهي، من أكاذيب و فبركات، ماذا يتبفى من الوقت و الجهد للتركيز علي الحلول؟ |
وكتبنا سابقاً:
Quote: بالرغم من اتفاقي الكامل مع الاستاذ فتحي الضو بأن حكومة الانقاذ ماهي الا مجموعه منظمه من المجرمين (Gang)، الا انه كتابات الاستاذ وفي رؤيتي الخاصة ماهي الا عرضحال لا يقدم ولا يؤخر في مصيبة اهل السودان، ففساد السلطة الحاكمة في السودان بات امراً معروفاً حتي لقبائل الآيكانا (Aikanã) في ادغال الامازون. السودانيين الذي في الداخل يعيشون فظائع الانقاذ في صحوهم ومنامهم و من هاجر منهم فستجد أن دوافع هجرته هي الهروب من براثن هولاء المجرمين – لذا – فأن السؤال الموضوعي هو لمن يكتب فتحي الضَّـو؟ : كنت اتمني أن اجد واحداً من اصحاب الكتابات الراتبه قادراً علي ان يخرج بنا من مستوي كتابات العرضحال الي كتابات اكثر رؤية وعمقاً وقدرة في تحليل الوقائع والاحداث. الازمه في دولة السودان كامنه في رحم الشعب السوداني في ذاته والذي طوال تاريخه القديم والحديث انحصر ناتج تمازج فحولة رجاله وخصوبة نسائه في اخراج الوضيعيين والمجرمين والقتله والمنافقين.
(الاقتباس من بوست العرضحالجي فتحي الضَّـو شاهد ما شفش حاجه) |
الحمد الله الذي اشهدنا يوماً نقراء فيه مثل ما كتب الاستاذ اسماعيل حسن آدم فهذه بشري بأن يوما ما سمة تغيير حقيقي وجذري سيحدث في بلادنا...تغيير تقوده عقليات حقيقية واعية وراشدة بعيداً عن تُراهات هشام هباني وخالد كودي ومن اتبعهم من قطعان المعارضة السودانية.!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الذهنية .. جوهر الازمة في السودان بقلم اسماعيل حسن آدم - كندا (Re: اسماعيل حسن آدم)
|
بسم الله الرحمن الرحيم
في جدل من البعد الحيادي المطلق أنطلق معك يا هذا الأخ الكريم .. فأنت بدأت حديثا طيباَ حين بدأت أصابع اليد تشير إلى مكامن الداء في الذات .. وتلك خطوة مرموقة غاية في الحكمة .. وخاصة حين قلت ( إن طريقة تكفيرنا كقادة سياسيين ونخب فكرية هي التي خلقت هذا الواقع المؤلم في السودان ) حقيقة ومحصلة في غاية الأهمية .. ورجوع إلى المنطق الصائب بدرجة مائة في المائة .. وتلك الحقيقة أدركها الشعب السوداني بفطنة عجيبة حيث هي القاصمة التي صبغت فطرة الإنسان السوداني بطريقة محيرة للغاية !! .. فكانت تلك الوقفة السالبة العجيبة من شعب أبى أن يجاري التغيير رغم كل أشكال العذاب والمعاناة !! .. وهو ذلك الشعب الذي استطاع أن يسقط نظماَ من قبل كانت في غاية القوة والكبت والديكتاتورية .. فإذن وقفة الشعب الحالي ليست من قبيل الخوف والجبن كما ينادي البعض .. وليست من قبيل الضعف عن مواجهة القهر الجبار من نظام قائم .. ولكن الوقفة من قبيل القناعة بأن طريقة تفكير هؤلاء الساسة والنخب تمثل المحك الأساسي .. تفكير في غاية الضحالة والسذاجة .. وهو ذلك التفكير المحبط للأنفس إلى أدنى الدرجات .. وتمثل النكبة الكبرى في علاقة الساسة بالشعب .. وأنت في مسار الحديث في البدايات كنت مفرحاَ وصريحاَ نوعا ما .. حين كانت أناملك توضع في مواقع الجرح الحقيقية .. ولكنك بطريقة ما بدأت تبتعد عن المسار كلما أسهبت في الحديث .. وحتى لا نضيع الجهد في الكلام الطويل سوف نختصر الغاية في حروف قليلة ونقول .. الشعب قد عاش التجارب كثيراَ .. وفي كل التجارب عانى ولاقى المحن وقسوة الحياة .. والسيرة القديمة أشد قسوة من السيرة الجارية الحديثة .. هنالك مرت مواكب الجحيم في حياة الشعب السوداني طوال الحقب ما بعد الاستقلال .. في ظلال جميع التجارب .. العسكرية والحزبية .. وهنا الآن تمر مواكب الجحيم في مسيرة الشعب السوداني في ظل النظام القائم .. والصورة واضحة وضوح الشمس في عقلية الإنسان السوداني .. ولكن تلك الصورة مرفوضة كلياَ من النخب السياسية التي تتخذ تفكيراَ عجيباَ حين تظن أنها بريئة من تلك الإخفاقات في مسارات الماضي .. وأنها عايشت الأمة السودانية نعيم الجنان في مرحلة من المراحل !! .. وتلك فرية كاذبة ظالمة .. والحقيقة القاسية كامنة في أذهان الأمة السودانية .. فالماضي كان ذلك الجحيم بكل ألوان الجحيم في ظلال كل التجارب السابقة .. والحاضر هو ذلك الجحيم بكل ألوان الجحيم في ظل النظام القائم .. ومتى ما تواجد الجحيم فهو الجحيم .. وحينها لا تنفع التسويق بالأكاذيب ومحاولة تغطية الحقائق .. وتلك القناعة والإصرار من جانب النخب السياسية تعارض تلك القناة والإصرار من جانب الشعب الأبي .. وتلك القناعات في الجانبين أوجدت تلك الحالة من الانتكاسة وعدم التوافق في المسار .. وجاء الوقت لتتنازل النخب عن تلك الوقفة الغير مجدية وتقر بالأخطاء والمحن في الماضي والحاضر .. ولا تنادي بالعودة إلى الوراء بحجة العودة لأيام السعادة والهناء !! .. فلم تكن هنالك سعادة أو هناء في مسيرة الأمة السودانية في أية مرحلة من المراحل .. جاء الوقت لنكشف الأوراق انطلاقا من الصراحة والإقدام والشجاعة .. لأننا الآن نخاطب جيلاَ يختلف كثيراَ ولا تنفع معه التسويق ببضاعة عن الماضي الكاذب البغيض .. كما لا تنفع معه التركيز على سوالب النظام القائم فالجيل أدرى بذلك وقد ولد وترعرع في ظل ذلك النظام .
أخوكم الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الذهنية .. جوهر الازمة في السودان بقلم اسماعيل حسن آدم - كندا (Re: اسماعيل حسن آدم)
|
كتابة ممتازة ومحفزة ..
المسألة حتما في الذهنية السودانية ولكن ليس بتلك الطريقة .. جوهر الأمر ليس في إدمان الحديث حول جحيم وأبالسة الإنقاذ .. هذا عرض من الأعراض لا أكثر ولا أقل ..
جوهر الأمر هو الكثير من التراكمات الإجتماعية والإقتصادية والبيئية والسياسية والتأريخية والثقافية السالبة .. وجميعها ساهمت في تشكيل الشخصية السودانية و وسمت طرائق تفكيرها وحراكها في المحيط الوطني بسمات الفشل التام في القدرة على العمل الجماعي وإبداع حراك وطني جماهيري ينطلق من وطنية صادقة وقيم إنسانية رفيعة ..
كان ذلك ممكنا على مستوى النخبة .. شهدناه في اكتوبر وأبريل الا أن ذلك لم يعد متاحا الآن .. فقد كانت طبيعة نظامي عبود والنميري قابلة لذلك النوع من المواجهة, لم يكن عبود على سبيل المثال ليستعين بقوات حميدتي في سبيل الحفاظ على كرسيه لو جاز الخيال.. لم يكن ليقتل ما يفوق عن مئتي شهيد في ظرف يومين .. لم يكن لينتهك ويدوس على كل القيم الانسانية والاخلاقية والوطنية من اجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية الهائلة لاسرة عبود وأخوانه .. لم تكن هناك مصالح اقتصادية (لا ضخمة ولا حتى ضئيلة) .. ولم ينعدم الوازع الاخلاقي ... وكان الضمير الوطني حا ضرا ومثقلا بالأخطاء ..
والسبب الثاني كان تواجد ما يدعى بالنخبة داخل حدود فاعليتها الوطنية جغرافيا وفكريا !! .. أين تتواجد النخبة السودانية الآن ؟! في كندا وامريكا والامارات واستراليا الخ المهاجر .. ماذا فعلت فيها تلكم المهاجر .. كيف تعايشت مع الزمن السوداني القبلي القبيح .. ما فعل المرارات الانسانية العظيمة على تماسكها ؟!
هناك الكثير ليقال .. فالكتابة محفزة جدا لممارسة التفكير ..
| |
|
|
|
|
|
تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook
|
|