|
الحكم الذاتي ..هل يكون الحل لمداواة فشل النخب السودانية في تحقيق الدولة القومية بقلم المثني ابراهي
|
تارة أخري تحملنا رياح السياسة السودانية الهوجاء للحديث عن موبقات الجبهة الاسلامية وما ارتكبته بحق هذا الوطن المنكوب , فقد شهدت الساحة السودانية منذ استيلاء هذه العصابة علي سدة الحكم تصاعدا لافتا للخطاب العنصري المتدثر بلبوس الاسلام والذي ينذر بنقله غير مسبوقة لصراع الهوية في السودان الشمالي بعد انفصال الجنوب بكل ما يحمله من مهددات , وقد كتبت مقالات عدة بما اسميناها المتشدقون بوهم الصفائية الاسلاموعروبية , اشارة الي الساعين الي تكريس مفهوم صفاء هوية السودان بأعتبارها اسلامية وعربية خالصة , وتبدو هذه النزعة بائنة في كتابات مقالات دعاة الانفصال (منبر السلام العادل) الذراع الخفي والوجه المعبر عن ايدلوجيا الجبهة الاسلامية , التي تؤكد بما لا يدع اي مجال للشك بأن احد اهم اهداف فصل الجنوب هو تأكيدا الي نقاء هوية الدولة السودانية علي اساس العروبة والاسلام في السودان الشمالي كما يتوهمون , ومنذ الخطاب الرئاسي الاشهر لرئيس الجمهورية في العام 2010 بالقضارف بمناسبة أعياد الحصاد هناك اكتسبت نزعة الصفائية زخما كبيرا وتصاعد حراكها علي مستوي القول والفعل بتحالف غير مقدس بين العنصريين المستعربين والمتنطعين في التيار السلفي الذين ظلوا علي امتداد التاريخ سدنة للأستبداد والفساد والعنصرية بأسم الدين.........
في جولة المفاوضات الاخيرة بين نظام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية دفعت الحركة الشعبية بكرت الحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الازرق (كتنيك مرحلي) واثارت الخطوة ردود افعال واسعة بأعتبار ان الخطوة ستغري الاخرين , بالرغم من الحكم الذاتي ليس غريبا بحكم انه من ثمرات اتفاقية نيفاشا يتم الاحتكام اليه عبر الية المشورة الشعبية , فهذا ليس بشيئ جديد حتي يثير كل هذه ردود الافعال , ولكن المؤتمر الوطني المعروف عنها نقض المواثيق والعهود وضعت العراقيل امام خطوات تنفيذ المشورة الشعبية , فالحكم الذاتي هو شكل متقدم من اشكال الفدرالية , فالحكم الزاتي نظام سياسي واداري يحصل فيه الاقليم علي صلاحيات واسعة تمكنه من ادارة شؤونه بنفسه بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الاقليم علي قدم المساواة, وهو نظام يعطي لاقليم يقع في احدي الدول دون ارادته لاسباب جغرافية او تاريخية (اسبانيا نموذجا) ولكن الملاحظ ان معظم الاقاليم التي تم منحها الحكم الذاتي تطور الامر الاستقلال, وعلي سبيل المثال منحت اريتريا الحكم الذاتي من قبل الامم المتحدة ولكنها مضت الي اكثر من ذلك الي ان نالت استغلالها 1993, وكذلك تيمور الشرقية التي منحت حكما ذاتيا من قبل الامم المتحدة1999 ولكنها مضت الي اكثر من ذلك الي ان نالت استقلالها في العام 2002 بمعني ان نظام الحكم الذاتي هي الخطوة الاولي التي تؤدي الي الاستقلال, وكذلك الاكراد الان في العراق بما انهم يتمتعون بنظام الحكم الذاتي الا انهم يمضون قدما في اتجاه الاستقلال من العراق, وعليه اري انه النظام الامثل للدولة السودانية يمكن من خلالها للاقاليم السودانية التي تجأر بالشكوي من استغلال المركز لها واستغلال ثرواتها علي ابشع نحو من ادارة شؤنها بنفسها لاستحالة تكوين الدولة القومية المستوعبة لكافة الفئات التي تكون الشعوب السودانية ,خاصة في ظل وجود عصابة الجبهة الاسلامية علي سدة الحكم, واذا استمرت الاوضاع بحالها الراهن فأما الانزلاق الي مهاوي الصوملة او الاتجاه الي منح الحكم الذاتي الذي لن اظنه بعيد المنال بحكم قرائتي لايدلوجية الجبهة الاسلامية التي لن تتواني عن عن فعل اي شيء يضمن بقاءها في السلطة وهي علي استعداد لاحراق كل السودان والجلوس كومة الرماد مثلما فعلت النازية في المانيا ...................
أن النزاعات الدامية التي تشهدها الدولة السودانية في تقديري ما هي الا عنوان بارز لمشكلة سياسية شائكة هي سببها الجذري, وعلي كثرة ما قيل وكتب عن هذه النزاعات فقلما صوب الحديث عن المشكلة الرئيسية لأن الانظمة الحاكمة هي المسؤلة عنها بالدرجة الاولي تريد صرف الانظار لجهات اخري(المؤامرة الخارجية) تفاديا للحقيقة وهروبا من استحقاقاتها , ونحسب ان السبب الجذري للنزاعات الدامية في الدولة السودانية هو فشل الانظمة الحاكمة في بناء الدولة القومية عقب الاستقلال وفقا لمفهومها الحقيقي , فالدولة القومية أو الوطنية هي حاضنة مفاهيم الحكم المعاصرة مثل المساواة علي اساس المواطنة وحكم القانون وكفالة الحقوق المدنية,وأهم سمات الدولة القومية المعاصرة ان تكون الرابطة الوطنية هي اساس الانتماء دون الغاء لخطوات الانتماءات الثانوية اثنية كانت او دينية , لا بد ان يكون الانتماء الوطني طاغيا ومهيمنا عليها , وهيمنة الرابطة الوطنية علي بقية الانتماءات هي قاعدة المساواة الفعلية علي أساس المواطنة التي نفتقدها كسودانيين في هذا الوطن المنكوب,وبدونها تصبح نصوص مثل المساواة في الحقوق والواجبات وكفالة الحقوق المدنية مجرد شعارات يتزيأ بها الدستور بدون أي أثر حقيقي علي أرض الواقع , فالدولة القومية لا تتحقق لمجرد وجود كيان قطري بحدود معلومة علي رأسها حكومة ولها علم ونشيد وطني ودستور وغير ذلك من مظاهر الدولة كما نشاهد في الحالة السودانية المثيرة للجدل , فمثل هذه المظاهر يمكن توجد في أي دولة تمارس الفصل العنصري بالقانون أو بالامر الواقع, ومن المعلوم ان المجتمعات الغربية قد مرت بمراحل من الصراعات الحادة والدامية بين كيانات مختلفة علي الاسس الاثنية والدينية او الجهوية او الطبقية قبل أن تولد الدولة القومية لتصهر كل تلك الكيانات في بوتقة واحدة ويصبح الانتماء الوطني هو الاساس دون الغاء الانتماءات الثانوية ....................................... في دول أخري مثل الهند انتبه اباء الاستقلال لخطورة هذه الاشكالات المهددة لتماسك الدولة فأنتهجوا سياسات لجعل الدولة قومية وتمثيلية ومستوعبة ومعبرة عن كل فئات المجتمع وقد اصابت نجاحا مقدرا , وبفضل هذه السياسات بلغ عدد الرؤساء المسلمين في الهند منذ الاستقلال(4) بالرغم من ان نسبة المسلمين في الهند لا تتعدي نسبة 10% وبالرغم من ان النظام السياسي للحكم في الهند جمهوري برلماني فأن لمنصب الرئيس كرمز للسيادة أهميته ومغزاه, وفي ماليزيا تجح حكامها بدرجة الامتياز في تأسيس دولة قومية مستوعبة وتمثيلية رغم التبياينات الاثنية والدينية وتلك التجربة الرائدة التي خطها المفكر الرئيس الاسبق لماليزيا مهاتير محمد في كتاب اسماه (بناء الامة ) أما في السودان أخفق اباء الاستقلال وكل الانظمة التي مرت علي الحكم في بناء الدولة القومية , وقد عمدت النخبة السودانية بعد الاستغلال علي احتكار السلطة والثروة في أطرها الجهوية لا فرق في ذلك بين الانظمة العسكرية والحزبية , فبعيدا عن المجادلات دعونا نلغي نظرة علي هيكلة الدولة السودانية منذ الاستقلال والاختلال الواضح في توزيع السلطه بما لا يتناسب الحجم الديمقرافي للسكان , فلقد بدأ الاختلال الوظيفي منذ سودنه الوظائف علي اعتاب الاستقلال وظل يتعمق بأستمرار بوهم التفاوت التعليمي الكذوب ويقال ذات الشيئ عن السلطة الدستورية وحظوظ الثروة بين القوميات وقد انتظر الجنوبيين حتي توقيع نيفاشا لينتزعوا حقوقهم بقوة السلاح , ولكن نيفاشا باتت فقط مفصلة علي الجنوبيين وبات غيرهم من القوميات المهمشه بعيدا عن حظه في السلطة والثروة , فنظرة واحدة علي خارطة الوظيفة من خلال الخدمة المدنية والعسكرية تكفي للتأكد من الازمة وتغني عن المجادلات خاصة علي مستوي المرافق الحيوية تكفي الدهشة ناهيك عن انحيازالسلطة المركزية علي الاساس العرقي ,وقد ظهرت تجليات الازمة بوضوح كدليل يغني عن المجادلات في ترشيح المؤتمر الوطني لمرشحين الرئاسة في المؤتمر العام ودفع بخمسة وجوه كلها تنتمي الي الشمال النيلي كسقطة نجلاء تبين حقيقة هذه الجماعة الغائصة في وحل العنصرية حتي اخمض اذنيها ,وانحياز النخبة الحاكمة لا يقتصر علي الوظيفة العامة بل يمتد الي الصراعات القبلية حين تكون اطراف النزاع قبائل عربية في مواجهة قبائل افريقية , وانحياز السلطة بدافع العروبة بات واضحا لا لبس فيه وقد جاءت احداث دارفور لتقطع قول كل خطيب,وكان من الطبيعي مع تنامي الوعي بالمصالح وسط الفئات المهمشة ان تتصاعد التناقضات, والمشكلة ان النخب السياسية الحاكمة لم تنتبه الي حقيقة ما كان تعنيه اصوات الاحتجاج التي وجهت بالقمع بدلا عن الخطوات التصحيحية لتنزلق البلاد نحو مهاوي العنف كجرس انذار علي اقتراب وقوع الكارثة الكبري.......................... ......................................................................... من المؤسف حقا ان يربط الهوس العروبي بالشرعية الاسلامية , وينشأ تحالف غير مقدس بين العنصريين دعاة الانفصال والتيارات السلفية التكفيرية , فقد خرجت مسيرات وفتاوي من روابط علماء السوء وفقهاء السلطان اللذين اقل ما يجب ان يقال عنهم انهم غير محترمين , فمن عجائب هؤلاء انهم اكتشفوا بعد اكثر من ثمان حجج من اقرار حق تقرير المصير للجنوب عبر الاستفتاء في برتكول مشاكوس الاطاري في يوليو 2002 ان الاستفتاء حرام شرعا وذلك قبل اسبوعين من التصويت , ولكن ترزية الفتاوي يظنون انهم بذلك يفعلون ما يناسب الامام , فهل سيعمل بموجب فتواهم ام انه غالب الظن سيضرب بها عرض الحائط كما فعل من قبل بفتوي تحريم سفره الي قطر ابان صدور لائحة الاتهام من محمكة الجنايات الدولية .....! ان هذا عبث بالدين لمصالح الدنيا وهو منبت الصلة بقيم الاسلام الجوهرية ,فالحالة الراهنة في السودان ليست في الجوهر الا استنساخا لتجارب توظيف الاسلام من اجل الهيمنة السياسية والاقتصادية من مدخل الهوية ,واننا نواجه اليوم خطرا ماحفقا يهدد الدولة السودانية بالتفتيت مصدره التحالف بين جناحي المستعربين من الساسة والكهنوت , وأسوأ ما في هذا التحالف انه يؤسس لعنصرية مؤدلجة تتقمص القدسية الدينية ,ولكن أسوأ انواع هذه العنصرية هي تلك المؤدلجة بأوهام علمية مثل النازية القائمة علي وهم التفوق الجيني للجنس الاري , وأوهام دينية مثل الصهيونية المبنية علي اسطورة شعب الله المختار , وتأتي العروبية لتتوشح بالاسلام بفهم شائه لتنكر انتماءات الاخرين والسنتهم ,وهكذا بات من واجبات المرحلة التصدي الحاسم لهذا الخطر المحدق الماحق بأصطفاف وطني عريض يضم كافة الفئات التي لها ما تخشي عليه من هذا التوجه وما اكثرها , وفي مقدمة هذه الفئات يأتي المستهدفون مباشرة بالالغاء او بالالحاق او الاتباع من المنتمين للأثنيات غير العربية , وورثة الثقافات والحضارات السودانية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وشرق السودان وفي الشمال الاقصي , يجب ان ينتظم هذا الاصطفاف وكذلك الحريصين علي الاسلام الحق للزود عنه في وجه التلاعب والاستغلال لاغراض الهيمنة العنصرية بما يسيء اليه ويوسع مساحات العداء ضده ....................... وبناء علي تلك المسببات هل يكون نظام الحكم الذاتي هو الدواء الناجع لمداواة اشكالات الدولة السودانية اذا مالم تسقط حكومة الجبهة الاسلامية , او يكون لنا نخب في مستوي التحديات مثل الراحل د جون قرنق للخروج بنا الي بر الامان ,فنحن في امس الحوجة الي نظام ديمقراطي متفق عليه من جميع الفئات التي تكون الدولة السودانية ,فالاخفاق في جعل الدولة قومية هو الذي ادي الي انفصال الجنوب , وهذا الاخفاق الذي ادي الي مشكلة دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق مهما كانت المزاعم الفارغة وليس هناك شاهد علي ان الدولة السودانية لم تكن قومية او تمثيلية اصدق من الكتاب الاسود , فالحل قبل فوات الاوان بالاعتراف الصادق بكل الروافد المكونه للهوية السودانية والتعبير عنها بصورة متوازنه في الخطاب الرسمي وتهيئة المناخ المعافي للتفاعل الديمقراطي لا ان نترك هذا النظام ليبث سمومه الهدامة وروائحه النتنه عبر ما يسمون انفسهم بجماعة منبر السلام العادل , وعندئذ ستبقي العناصر القوية وتتلاشي العناصر الضعيفة علي شاكلة الطيب مصطفي واسحق احمد فضل الله وزمرتهم هذا تلقائيا بلا اقصاءات واحقاد ايدولجية ,ولكن تتطلب جملة اجراءات منها مراجعه مناهج التعليم وتنقيحها من كافة اشارات الاستعلاء الجهوي التي تحفل بها ودعم اللغات المحليه وكتابه التاريخ الوطني بأمانه ونزاهه علمية تعكس اسهامات كل الفئات التي تشكل الدولة السودانية ودورها في تشكيل الوطن , اما محالة فرض الوهمة الاحادية المهيمنة فليست سوي اصرارا علي منطق الصدام لن يشفع لها التدثر بثوب شرع الله لا نري جوهره..
|
|
|
|
|
|