بسم الله الرحمن الرحيم نشأ الحزب الشيوعي السودانى -كما تقول وثائقه- خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وبدأ نشاطه الفعلي عام 1946 تحت اسم الجبهة المعادية للاستعمار وعرفت لاحقاً باسم الحركة السودانية للتحرر الوطني وتم اختصارها باسم حستو التي اشتركت في انتخابات عام 1953 قبيل استقلال السودان من الاستعمار البريطانى ونالت مقعدا واحدًا من مقاعد مؤتمر الخريجين الخمسة، وتم اعتماد اسم الحزب الشيوعي السوداني بعد ذلك بعشر سنوات. وجاء تأسيس (حستو) نتيجة توحد الحلقات الأولي من الشيوعيين التي نشأت تحت تأثير التنظيمات الشيوعية في مصر خاصة وسط الطلاب، وتحت تأثير شيوعيين بريطانيين كانوا يعملون بالسودان. وقد انقذ توحيد هذه الحلقات الحركة الشيوعية السودانية من الانقسام الذي عانت منه الحركة الشيوعية المصرية حتي اليوم.
تزامن تأسيس (حستو) منتصف الاربعينات مع تأثيرات الحرب العالمية الثانية علي حركة الوعي الفكري والسياسي علي الشعب السوداني فقد ساهم السودانيون في الحرب بالقتال خارج السودان وانفتحوا علي التأثيرات الخارجية علي مدي لم يسبق له مثيل واستمعوا الي وعود حلف الناتو وبينها حق تقرير المصير بعد انتهاء الحرب وتعرفوا علي آفاق جديدة.
وقد انتهت الحرب بهزيمة الدول الفاشية وانتصار الحلف الديمقراطي، وفي داخله الاتحاد السوفيتي الذي انكسر الحصار حوله وبالتالي حول الأفكار الماركسيةو الاشتراكية وانبعثت حركة التحرر الوطني العالمية في الشرق الأقصى ثم جنوب آسيا ثم في البلدان العربية وانعكس ذلك كله علي حركة الجماهير في السودان فنشأت الأحزاب وتأسست الاندية العمالية في المدن الكبري وتحرك مزارعوا مشروع الجزيرة وقدموا مطالب في مطلع العام 1946. وفي نفس الوقت تقريباً بدأت مفاوضات بين مصر وبريطانيا حفزت السودانيين الي تكوين وفد موحد من الاتحاديين والاستقلاليين للمشاركة فيها، ونظم الطلاب أول مظاهرة تسير في شوارع الخرطوم منذ عام1924م
يبدو للناظر للوهلة الأولى لمسيرة الحزب الشيوعى السودانى ،من خلال نشاطه السياسى في الساحة السودانية ،أن هذا الحزب يمارس الديمقراطية في أجمل وأبهى صورها ،داخل مكاتبه وبين أعضائه ،ولكن عندما ،تقرأ فى وسائل الإعلام المختلفة ،أن هذا الحزب قام بإحالة أحد أعضائه الكبار للجنة محاسبة ،أو قام بفصله لأنه لم يلتزم بدستور الحزب ،وسبب ذلك أن هذا العضو المفصول يدعو للإصلاح والتجديد،كما في حالة الراحل الخاتم عدلان والأستاذ الحاج وراق ،أو أنه يناقش قضايا الحزب الفكرية خارج مكاتب الحزب أو الأوعية المعدة لذلك داخل الحزب ،كما فعلوا مع د.الشفيع خضر،أو بتقديم الإستقالة لعدم إتباع الحزب للديمقراطية في إتخاذ بعض القرارات،كما هو في حال الأستاذ كمال الجزولى المحامى ومجموعة من الأطباء.م فالصراع الفكري الذي قاده الراحل الخاتم عدلان في اوائل تسعينيات القرن الماضي والذي دعي فيه لحل الحزب الشيوعي ، وتكوين حزب جديد بإسم جديد، علي أساس أن الماركسية فشلت، وغابت شمسها فى موطنها الأصلى قبل السودان ،كما نادى بتغيير أساليب الحزب التي تدافع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين،بحيث أن هذه الشريحة لم تعد ذات الأغلبية بعد النهضة العلمية والصناعية في كل أنحاء العالم والتى أدت لشغل حمل الشهادات الجامعية أماكن ومواقع كثيرة كان يشغلها العمال أصحاب الشهادات المتوسطة والفنية،وبالطبع السودان ليس إستثناءاً من هذا التطور والتغير. وننقل عن الكاتب الكبير/زين العابدين صالح قوله في إحدى مقالاته الرصينة:(في إحدى المناظرات بين الخاتم عدلان و الدكتور الشفيع خضر في "المركز السوداني للثقافة و الإعلام" بالقاهرة عام 2000 قال الشفيع خضر "أن الخاتم عدلآن و رفاقه قد استعجلوا في الخروج من الحزب و كان يجب عليهم أن يناضلوا من الداخل بمشروعهم و توصيله لأكبر قطاع من عضوية الحزب ثم ينتظروا النتائج النهائية" ثم أضاف قائلا الدكتور الشفيع " أن الحزب الشيوعي بعد التطورات التي حدثت في الدول الاشتراكية أصبح من الضرورة إعادة التقييم في كل التجربة التي حدثت إضافة ألي قراءة جديدة للنظرية الماركسية علي ضوء تلك الأحداث" و قال أيضا " أن الحزب الشيوعي قد أصبحت الليبرالية احد مرجعياته الفكرية كما أن الفلسفة الماركسية لم تعود هي المرجعية الوحيدة بالنسبة للحزب أنما هي احد المرجعيات من مرجعيات عديدة" هذا القول استفز الخاتم مما دفعه يرد علي الدكتور و يقول له " أنت تتحدث عن رأيك الشخصي و لا اعتقد ما تقوله سوف يوافق عليه أصحاب المبدأ الإستاليني في الحزب و نحن ليس غريبين عن واقع الحزب و نعرف كيف تسير فيه الأشياء لذلك فضلنا الخروج مبكرا لكي نصدع برؤيتنا من خارج أسوار التنظيم حتى لا تكون هناك ضوابط تنظيمية لأفكارنا" هذه المناظرة رغم واقع الاختلاف فيها حول الضوابط التنظيمية ولكن تؤكد أن قضية التجديد و التحديث و الديمقراطية هو صراع موجود بين تيارين و يعتبر الدكتور الشفيع احد أعمدة تيار التجديد)م, وما ذكره الأستاذ الجليل زين العابدين أعلاه لا يختلف عن قول د.الشفيع خضر فى رسالته للمؤتمر السادس للحزب الشيوعى السودانى:(للأسف، فإن الحزب الشيوعي السوداني، يواجه تحديات الوطن والعصر، وهو في حالة أزمة عميقة، بل وفي حالة تدحرج نحو الصفر بلغة علم التكامل في الرياضيات. هذه الأزمة لا ينكرها الا من يحاول نفى الواقع ويستحلى العيش فى الوهم. وأي من الحضور في هذا المؤتمر يمكن أن يعدد مؤشرات وملامح هذه الأزمة، فالجميع يعيشها. وأي من الحضور سيستنتج أن موقع تركز هذه الأزمة هو قيادة الحزب الحالية، والتي اصبحت كسائق العربة فاقد الإتزان، لهذا السبب أو ذاك، مما يهدد سلامة عربته وركابها. إن الحزب، أي حزب، يختنق حد الموت عندما تتفشى في قيادته التكتلات والهيئات الموازية وثغرات الإختراق والمكايدات والقيل والقال والتربص وعدم الإنسجام، وكل ذلك يسبح في بحيرة من الجهل والتجهيل والحسد. ان ظهور هيئات موازية ورفاق في قيادة الحزب ينظرون لبعضهم بغيظ، ويكيدون لبعضهم ويتربصون، هو الطعنة القاتلة لروح الحزب، وهو إغتيال الروح الرفاقية بدم بارد، وهو اللحظة التي سينقشع عندها وهم أن الحزب هو ملتقى طوعي بهدف التفاكر والعمل لمجموعة تربطهم الثقة والمحبة والإخلاص)وبعد تقديم ألأستاذ الكبير/كمال الجزولى/المحامى إستقالته من اللجنة المركزية ،أصبحت المشاكل داخل الحزب العريق تتفاقم يوماً بعد يوم،مما يستجوب إعادة النظر لخروج مثل هولاء الأعضاء المستنيرين عن دائرة الحزب ومعرفة الأسباب الحقيقية التى أدت لإبتعادهم عن الحزب ،وبغض النظر عن موقف الصحفى الكبير الأستاذ/يوسف عبدالمنان من الفكر الماركسى والحزب الشيوعى فقد كتب بتاريخ:15/10/2016م بصحيفة المجهر الغراء(حديث السبت) :(ليس مفاجئاً أن يتقدم الأستاذ "كمال الجزولي" باستقالته من اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني في ظل واقع الحزب الراهن.. وتمزقه وغياب الرؤيا.. ونضوب الفكرة.. وسيطرة الراديكاليين الكلاسيكيين على مفاصل حزب كان في السابق أكبر حزب شيوعي في أفريقيا، ولكنه تعرض لمحنة انقلاب مايو حينما حمله "جعفر نميري" على أكتافه لعامين وحينما شعر بانحراف النظام عن مسار ودروب الحزب انقلب عليه وكلفه انقلاب عام 1971م، فقدان عظم ولحم الحزب، ثم دخل في عراك طويل انتهى بسقوط مايو.. ولكن مع سقوطها غربت شمس الشيوعية في العالم حتى سقط تمثال "لينين".. وفي السنوات الماضية وقع كل من "محمد إبراهيم نقد" و"عز الدين علي عامر" و"التجاني الطيب" والشاعر "محجوب شريف" على دفتر الرحيل المبكر، وشهدت أجهزة الحزب التنظيمية اضطرابات جاءت بموظف تنظيمي "الخطيب" لمنصب سكرتير عام الحزب الشيوعي الذي فقد المثقفين والمستنيرين من أمثال "الحاج وراق".. وقبله "الخاتم عدلان" وصعد لقيادته التنظيميون والكوادر السرية غير المعروفة جماهيرياً، وغاب الحزب عن الساحات والمنابر وأخذ حزب المؤتمر السوداني يقطف ثمرات أزمات الشيوعي وحالة حزب البعث، فأصبح المؤتمر السوداني هو (الوريث) والملاذ الذي يأوي إليه الشيوعيون واليساريون. في هذا المناخ الكئيب يتم فصل د."الشفيع خضر" الذي كان يفكر سراً وجهراً في تغيير منهج الحزب الشيوعي وهو يقرأ الواقع جيداً.. ولم تطق القيادة (الراديكالية) للحزب رؤى وأفكار "الشفيع خضر" فأبعدته من الحزب ولم يبقَ من القيادات المستنيرة إلا الشاعر والأديب "كمال الجزولي" والذي أخذ يضيق كمثقف ومفكر.. وقارئ مستنير بما يحدث من ضيق في أوعية وشرايين الحزب.. وإذا تحدث زجروه من غير أدب.. وإذا صمت رأى ما لا يسر عينه ولا يطيقه قلبه وعقله.. وأخيراً اختار "كمال الجزولي" الهروب من السفينة الغارقة وتقديم استقالة تم تسريب مضمونها لوسائل الإعلام (الأربعاء) الماضي ليصيب الحزب الشيوعي في كبده.. بعد أن تداول الشيوعيون نبأ عزم القيادة اتخاذ قرارات بحق "كمال الجزولي" فلم يترك لها (فضيلة) الفعل فاختار بنفسه أن يبتعد شأنه مثل عشرات المثقفين الذين تضيق بهم أوعية الأحزاب العقائدية وحتى الأحزاب الطائفية.. والحزب الشيوعي الذي ضاق صدره بـ"عبد الباسط سبدرات" ولم يتحمل رؤى وأفكار "الخاتم عدلان" ولا صوفية "عبد الله علي إبراهيم" وانفتاح "فاطمة أحمد إبراهيم".. ليس غريباً أن يبعد أمثال "كمال الجزولي" الذي ظل منذ فترة ليست بالقصيرة قريباً من الحركة الشعبية وبعيداً عن انكفاء الحزب الشيوعي.. ورجل مثقف وأديب ومفكر لا تطيقه هياكل الأحزاب التي طردت "غازي صلاح الدين" و"التجاني عبد القادر" من الإسلاميين.. وجمدت نشاط "عبد الرسول النور" في حزب الأمة.. ويظل دوماً المثقف مصدر قلق للأحزاب.. بينما التنظيميون من أهل الولاء الأقرب لمزاج القيادة.. ولكن خروج "كمال الجزولي" بمثابة خروج الروح من جسد الحزب الشيوعي وبداية النهاية لتنظيم بدأت عليه علامات الشيخوخة والزهايمر السياسي)إنتهى. إذاً:بالرغم من إكبارنا لنظافة أيدى الكثيرين من الشيوعيين السودانيين والذين تبوءوا مناصب كبيرة في الدولة او عملوا فى أعمال خاصة،وأمانتهم وحرصهم على المال العام لابد للحزب من أجل أن يواكب الواقع السودانى من عمل الأتى:- 1/السعى وراء تغيير إسم الحزب بإسم أخر ينسجم مع معتقدات الشعب السودانى،لأن الإسم القديم قد إستطاعت الحركة الإسلامية وبواسطتها أليتها الإعلامية القوية من إقناع وصرف عدد ليس بالقليل من قطاعات الشعب السودانى المختلفة من الانضمام للحزب الشيوعى وبأن الشيوعية هى الإلحاد بعينه. 2/لا بد من تبادل الأدوار ديمقراطياً وتحديد سن معينة لتولى المناصب داخل الحزب وذلك ،لإفساح المجال لأجيال جديدة،والإبتعاد عن التشبث بالمناصب لأطول فترة ممكنة،كما هو حادث الأن،وألا تكون نظرة قيادات الحزب (بأننا باقون فى مناصبنا مادام قيادات الأحزاب الأخرى والتى فاقت أعمارها الستة عقود مكنكشين في مناصبهم). 3/لا بد من التخلى عن الفكر الماركسى،والذى أكل عليه الدهر وشرب،والعمل على إيجاد أفكار وبرامج جديدة وإصلاحات واسعة ،تتوافق مع الواقع السودانى وخاصة الدين الإسلامى والذى هو دين أهل السودان. 4/إفساح المجال للمفكرين وأصحاب الأراء السديدة ،لكى تتم معالجة مشاكل الحزب وكذلك مشاكل السودان وفق منظور علمى دقيق،يستوعب الحاضر يستشرف المستقبل بدلاً من الفكر الماركسى،الذى لم يقدم الحزب في كثير من المجالات،بل كان خصماً على قواعد الحزب،وذلك لعدم مواكبته للتطورات التى تحدث في السودانوفى جميع المجالات وفى جميع أنحاء العالم. وختاماً:إذا إستمر هذا الحزب على نهجه هذا،فسوف يفقد كل الأعضاء المفكرين والمستنيرين،وقد بدأ فعلاً في فقدان هولاء،ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:(الخاتم عدلان،وراق،الشفيع خضر،هالة،كمال الجزولى ومجموعة الأطباء)نعم قد يقول قائل أن هولاء كونوا تنظيمات وقد فشل بعضها في الإستمرارية،ولكننا ننظر من جانب أخر وهو الوزن العلمى والفكرى والإجتماعى والقواعد التى تتبع لهولاء الأعضاء داخل الحزب،فلا بد من تدارك الحزب بالإصلاح والتجديد،وإلا أدركه الزوال ،بتفرق عضويته أيدى سبأ. وبالله الثقة وعليه التُكلان د/يوسف الطيب محمدتوم/المحامى [email protected]
مجرد المرور بأعشاش ( الدبابير ) الخربة تجلب النكد والغثيان إلى النفوس ،، فما مال قوم مازالوا يتواجدون في تلك الخنادق الخربة ؟؟ .. والله رب العرش العظيم كرم الإنسان بالعقل : ولكن ليس كل من يدخل في مسميات الإنسان يجيد استخدام ذلك العقل .. ومن أفشل أنواع الفشل العقلي في الإنسان أن يكون صاحب العقل هو ذلك الطرطور الذي يتمسك بتلك الأعشاش الخربة !! . والنظرية الشيوعية ليست مقدسة بدرجة العبادة ولكنها نظرية بشرية في حينها أثبتت فشلها لعقلاء الناس في العالم .. ولا يتمسك بها اليوم إلا عاجز متوهم يفقد الحيلة في كيفية التخلص من مغبة الفشل .. وعندها تسري على هؤلاء مقولة (العذر أقبح من الذنب ) .. وحين يخوض أحدهم لإحياء ماضي الشيوعية الذي ولى بغير رجعة نتحسر على مثل ذلك الغشيم .. والذي يجتهد ويخوض لإحياء ذكرى الشيوعية من جديد يسقط عن المقام لكونه ما زال يتخبط في متاهات الأوهام .. وبذلك هـو يسقط عن المقام إلى أدنى الدرك .. ويكتسب من الأحجام أقل من أحجام أطفال الرياض .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة