الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة السابعة بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 02:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-15-2018, 02:01 AM

محمد الفاتح عبدالرزاق
<aمحمد الفاتح عبدالرزاق
تاريخ التسجيل: 09-14-2018
مجموع المشاركات: 59

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإنسان في الحضارة الغربية الحلقة السابعة بقلم محمد الفاتح عبدالرزاق عبدالله

    01:01 AM December, 14 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد الفاتح عبدالرزاق-Sudan
    مكتبتى
    رابط مختصر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ، وَالْمَلآئِكَةُ، وَقُضِيَ الأَمْرُ، وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمور)
    الإنسان بين الإسلام والحضارة الغربية
    الحلقة السابعة
    الإنسان في الحضارة الغربية
    الباب الثاني
    الحياة
    الفصل الخامس
    ما الحياة؟

    أولاً، ما هو الأساس الذي عليه يتم تعريف الحياة، أو أي شيء آخر؟ من المؤكد أن الأساس هو الإطار المرجعي، الذي يتم وفقه هذا التعريف.. وأقصد بالإطار المرجعي، ما يرجع إليه الفرد المعين، أو الجماعة المعينة، في نظرتهم للوجود، أو إلى أي شيء فيه، والوسيلة التي يستخدمونها لتحديد هذه النظرة.. وفي هذا الصدد، العقل هو الأمر المشترك بين جميع البشر.. ولكن تصور العقل نفسه، والموقف منه، يختلف اختلافاً كبيراً، من فرد لفرد، ومن جماعة لجماعة.. والعقل نفسه على ماذا يعتمد في تحديد تصوراته؟ هل يعتمد على قدرته الذاتية، في الفهم والإدراك؟ أم يحتاج إلى شيء خارجه، إليه يرجع، وعليه يعتمد، في تحديد تصوراته، ومواقفه؟.. المرجعية، بهذا المعنى، هي أساس كل شيء يتعلق بالعقل البشري، وتصوراته.. وعلى صحتها، وعدم صحتها، تتوقف صحة، أو عدم صحة المعرفة البشرية.. وهذا هو مجال الاختلاف الأساسي، بين الإسلام والحضارة الغربية، بل بين جميع الأفكار والفلسفات والأديان المختلفة.
    وكما هو واضح، الحضارة الغربية تقوم على العلمانية، وهذا يجعلها تعتمد اعتماداً كلياً على العقل المجرد.. فالسند الأساسي للعقل في العلمانية، والمرجعية التي يبني عليها، هو العلوم الطبيعية، ومنهجها في التفكير.. وهو ما يسمى عند أصحابها بالتفكير العلمي، والمقصود به: التفكير الذي يقوم على منهج العلم المادي التجريبي.. والإضافة الأساسية في هذا التفكير، هي إدخال التجربة العلمية في الاعتبار بصورة أساسية.. والتفكير العلمي هذا، يقوم في جميع الحالات على ما هو مادي ومحسوس، ويخرج منه ما هو غير قابل لأن يكون محسوساً _الغيب.. ولذلك هو يتعلق بظواهر الأشياء في الوجود الطبيعي، وخصائصها، والقوانين التي تحكم سلوكها، وليس بالماهيات.. فهو بحكم طبيعته من المستحيل أن يعرف ماهية الأشياء.
    على ضوء ما تقدم، نحن نتحدث عن تعريف الحياة، في الحضارة الغربية.. وسنعرض هنا التعاريف الأساسية التي يعطيها أهل العلم للحياة، وفق علمهم.. ونلاحظ منذ البداية، أنها تعاريف غير ثابتة، ومتغيرة، بتغير ما يصل إليه العلم من معرفة بخصائص الحياة.. وتعريف أي شيء، يمكن أن يكون من خلال طبيعته وخصائصه التي تميزه عن غيره.. والتعريف بهذه الصورة، أمر مفيد جداً للمعرفة البشرية، ولكن خصائص أي شيء لا تشكل ماهيته، وهذا أمر سنعرض له لاحقاً.. ولكن نذكر هنا، مسألة مبدئية، وهي أن ماهية الأشياء، لا تقع في إطار علوم الطبيعة.. فهذه العلوم تتعلق فقط بالظواهر، والقوانين التي تحكمها، ولا شيء خلاف ذك!! يقول هويمارفون: "أما ماهية هذه القواعد ذاتها، لماذا هي هكذا وليس على شكل آخر، كيف يمكن أن يكون لذرة الهيدروجين، التي تبدو بسيطة التركيب، هذه الامكانيات التي تجعلها تحتوي العالم بكامله؟ هذه أسئلة لا تستطيع العلوم الطبيعية الإجابة عليها. إنها لا تستطيع الإجابة عليها بقدر ما لا نستطيع نحن معرفة ما كنا نشعر به قبل ولادتنا. بما أن علوم الطبيعة قد أصبحت ممكنة مع وبسبب هذه القواعد لذلك لا تستطيع أن تسأل عن أسبابها ذاتها. هنا تصطدم هذه العلوم بعتبات ملموسة معطاة مسبقاً لا قبل لها بتفسيرها." (2 ص 84).
    ويقول عن التدرج في تحديد العلم لمفهوم الحياة: "لقد أدى اكتشاف المستوى الجزيئي كقاعدة أخيرة لكل العضوية الحية إلى تغيير مفهومنا عن معنى "الحياة" بمقدار لا يقل عما فعله قبل ذلك اكتشاف الخلية. في المرحلة الأولى من المعرفة بدأ البشر والحيوانات كنوع من الآلات المعقدة. كانوا يتألفون من أعضاء تم التعرف على وظائفها بعد بحوث طويلة دامت عدة قرون. كان التعاون المنسق بين جميع هذه الأعضاء يشكل الكائن الحي كما تشكل أسطوانات المرجل والمكابس والصمامات والجذع المعقوف والشجرة ذات العقد ... إلخ تشكل بعملها الايقاعي المنسق الآلة البخارية (وإن كان الأمر لدى الكائن الحي أكثر تعقيداً لكن المبدأ واحد، هكذا بدأ الأمر آنذاك) 2 ص113
    بعد ذلك برز بالضرورة السؤال عن الطريقة التي تعمل بها الأعضاء المنفردة. نتج عن هذا السؤال اكتشاف تركيبها الخلوي. بذلك تغيرت الصورة جذرياً حيث بدأ الإنسان والحيوان وأيضاً النبات على ضوء هذه الاكتشافات دفعة واحدة على أنها محصلة لإتحاد عدد كبير من الخلايا المجهرية الصغيرة، أو كنوع من المستعمرات التي يحتوي كل منها على عشرات آلاف الخلايا التي وزعت العمل بين بعضها بطريقة عالية التخصص واتحدت في نظام هرمي شديد الانضباط. لقد تضافرت جهود هذه الخلايا التي تشكل مجتمعة هذا الكيان الهرمي لدرجة لم تعد معها أي خلية منها قادرة على الحياة بمفردها.
    سيظهر لنا الكائن الحي مختلفاً مرة أخرى عندما نراقبه من منظور المستوى الجزيئي. غير أن هذا لم يعد ممكناً إلا بمساعدة المخيلة، أي التصور التخيلي، لأن ما من أداة بصرية، حتى ولا المجهر الإلكتروني، تمكِّننا من مشاهدة نشاط الوحدات التي تتكون منها الحياة العضوية في هذا المستوى. تقوم الحياة هنا على الشريحة الدنيا من الواقع. أما الوحدات التي تتألف منها فهي الجزيئات المنفردة. لا نستطيع أن نتصور مستوى آخر تحت هذا المستوى.
    عندما ننتقل بأفكارنا إلى هذا المستوى نجد أن "الحياة" هي تعبير عن النشاط المتواصل الذي لا يهدأ لآلاف وآلاف الجزيئات الإنزيمية التي تحرض في كل ثانية في أضيق المكان ملايين التحولات الكيميائية. سنجد حولنا غابة، شديدة التداخل والتشربك، من الجزيئات السلسلية اللا حصر لها التي ترتبط دائماً مع جزيئات جديدة لمادة التفاعل، تقوم بتحويلها بسرعة البرق، ثم تعيد نفس العملية بعد واحد من مائة الف جزء من الثانية مع مادة جديدة وهكذا. قد يتولد لدينا الانطباع للوهلة الأولى بأننا نقف في مركز عالم تعمه الفوضى.
    غير أننا عندما نمعن التدقيق ونتمكن من تكوين صورة شاملة عما يحصل نكتشف أن ما يبدو شديد الفوضى يخضع في الواقع لقواعد شديدة القسوة. أنه ليس فوضوياً بل يجري بنظام دقيق مذهل بما يشبه تقريباً حركات آلاف الرياضيين الذين يقومون بحركات رياضية مختلفة في ملعب كبير. عندما نقف بينهم نظن أن الفوضى تعم كامل المكان لكننا عندما نراقبهم من مكان بعيد نكتشف أن كل شيء يحصل بايقاع منظم منسق.
    بهذه الطريقة المنسقة تحصل النشاطات النوعية لجميع الجزيئات الإنزيمية في الخلية بحيث تستطيع الخلية كوحدة وظيفية نشيطة الاستمرار في الوسط المحيط بها. تقوم مجموعة من الإنزيمات بمهمة إنتاج الجسيمات البروتينية وكذلك السكريات والشحوم وما بينها من الروابط المعينة، التي تتألف منها الخلية مع جميع اجزائها "وعضيياتها".." (2 ص 113 / 114).
    لقد قمت بنقل هذا النص الطويل، لأنه يلخص، بصورة دقيقة، تطور مفهوم الحياة حسب المستجدات في ميدان العلم.. لقد كان للمقدرة على التفاعل، دور كبير في ظهور الحياة، وتطورها، "إن الاستعداد (المتوسط) للتفاعل الموجود لدى معظم العناصر والجزيئات، هو أحد المقدمات الأساسية التي تقوم عليها حياتنا. لولا قدرة العناصر المختلفة على التأثير والتأثر والإتحاد بعضها ببعض لما حصل أبداً التطور الذي نعتبر نحن البشر أحد نتائجه" 2 ص 104.. وقد كانت هنالك وقفة خاصة عند المقدرة على الانقسام الذاتي، واعتبرت هي ما يُعَّرِف الحياة.. ولكن عندما تمت معرفة بعض العناصر غير الحية، والتي تمتلك خاصية المقدرة على الانقسام الذاتي، تم ابعاد التعريف الذي يعتمد على هذه الظاهرة.. ثم تم الاتجاه إلى تحويل الطاقة، كتعريف.. وأخيراً، جاء التعريف الذي يقوم على المقدرة على نقل المعلومات.. يقول هويمارفون: "إتفق العلماء في السنين الأخيرة على معايير تمييز أخرى لكي يتمكنوا من التوصل إلى تعريف مقبول لما هو حي. أحد هذه المعايير هو القدرة على "تحويل الطاقة من شكل إلى شكل آخر بطريقة منظمة"، والمعيار الآخر، هو القدرة على "نقل المعلومات، حول الطريقة التي يحصل فيها التحويل المنظم للطاقة، إلى نظام آخر مماثل" _ تعريف عالم الكيمياء العضوية الأمريكي ميلڤين كالڤين_ تشير هذه الصياغة التجريدية الغريبة إلى صعوبة المسألة.. يعود السبب الحقيقي في هذه الصعوبة ببساطة إلى أن هذه التعاريف، التي تحاول التمييز (أو التفريق) بين ما هو "ميت" وما هو "حي"، ترسم حدوداً لا وجود لها في الواقع في الطبيعة. إن حدوداً من هذا النوع هي حدود مصطنعة. وهي تنتسب إلى شبكة من المفاهيم المتدرجة التي نرميها فوق الطبيعة لكي لا نفقد الرؤية الشاملة عبر خبايا التعدد الهائل للظواهر" 2 ص96.. ويقول: "ما من أحد يعرف كيف كان مظهر البنية الجزيئية الأولى، على سطح الأرض، التي استحقت منحها لقب "حية". ماذا نعني حقيقة بهذه الصفة؟ كما هو الأمر غالباً لدى جميع التعاريف المتعلقة بخطوط حدية فإن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة. تواجهنا هذه الصعوبة في جميع الحالات التي نحاول فيها تقسيم مجمل الظواهر الطبيعية تقسيماً منهجياً" 2 ص95.
    يقول د.عمرو شريف: "تعلمنا في صغرنا (إن إدراك المشكلة هو نصف الطريق لحلها)، ولا شك أن خبراتنا الحياتية تؤكد هذا المعنى. أما بالنسبة للحياة، فالعكس هو الصحيح! فكلما تعمقنا في دراستها، كلما كبرت مشكلة التوصل إلى معرفة ماهيتها وأصلها! ومما يزيد من حجم المشكلة أنه يستحيل وضع تعريف محدد للحياة، لذلك يتم التعامل معها من خلال وصف مظاهرها البيولوجية، وسماتها الوجودية" 3 ص127.. بالطبع الحياة خبرة إنسانية، يعرفها كل إنسان من مجرد وجوده، وإن لم يستطع أن يعبر عن هذه الخبرة، تعبيراً دقيقاً، يقوم على العلم الصحيح بطبيعة الظاهرة.. ثم، كما سبق أن ذكرنا، أي تعريف إنما يعتمد بصورة كلية على الإطار المرجعي الذي يبني عليه.. فالتعاريف التي تقوم على العلوم الطبيعية، من المستحيل أن تتعدى إمكانات هذه العلوم!! فالحديث عن الحياة كظاهرة بيولوجية، هو بالضرورة محصور في الجوانب البيولوجية للحياة، ولا يستطيع بطبيعته، أن يتعداها.. وبصورة مبدئية، كما سبق أن ذكرنا، علوم الطبيعة لا علاقة لها بالماهيات، وإنما هي تتعلق بالظواهر وحسب.. والتعريفات المتباينة، هي وجوه متباينة للمعرفة، مفيدة جداً في مجالها.. ولكن لا يمكن لها أن تزعم أنها تعطي الكلمة الأخيرة.. فالخطأ، يأتي من مثل هذا الإدعاء.. فمهما تطورت العلوم الطبيعية، لا يمكن أن تعطي فهماً نهائياً للحياة، وليس مطلوباً منها ذلك.. ومقابل ذلك، كل فهم صحيح لوجه من الوجوه، مع محدوديته هو هام، ومفيد جداً للمعرفة البشرية، ويمكن أن يعين على الوصول إلى ما هو أكمل وأدق منه.
    إن مشكلة العلوم الطبيعية، في إطارها العلماني المادي، هي افتقارها إلى النظرة الكلية، التي تقوم على "ثابت وجودي" لا يتغير وهي تقوم على تحليل الظواهر وردها إلى عناصرها الأولية، ثم يتم دراسة كل ظاهرة، بمعزل عن الظواهر الأخرى، مع محاولة ربطها بهذه الظواهر.. هذا المنهج يقوم على تصور تعددي للوجود، وهذا خطأ أساسي، يجعل الوصول إلى الحقيقة _وهي بطبيعتها واحدة_ أمر مستحيل.. وهو ليس من إختصاصه، الوصول إلى الحقيقة الواحدة الكلية.. ومع ذلك هو مفيد جداً، عندما يوضع في إطاره، في الإعانة على تصور الحقيقة.. وذلك، لأن الحقيقة تتبدى في الظواهر.. وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ، وَفِي أَنفُسِهِمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟).. ومن أجل ذلك، يأمر الدين، أمراً مؤكداً، بمعرفة الظاهر، والظواهر.. وظاهرة الحياة، هي أعظم هذه الظواهر، وقد ذهب العلم الطبيعي، في معرفتها، كظاهرة، إلى مدى متقدم جداً.. أما أن يحيط بالظاهرة، ويعرف ماهيتها، فهذا ليس من إختصاصه، ولا هو مطالب به.. يقول د. عمرو شريف: "ومن الأسباب الرئيسية لصعوبة فهم الحياة، أن الفكر المادي عندما قام بدراسة الحياة، استخدم (المنهج الإختزالي Reductionism الذي يقوم بتحليل أية ظاهرة أو قضية إلى عناصرها الأولية، ثم دراسة كل عنصر على حدة. لذلك قام البيولوجيون عند دراسة ظاهرة الحياة، بتحليل الكائن الحي إلى عناصره: أجهزة الجسم ثم الأنسجة ثم الخلايا ثم الجزيئات العضوية، ثم الذرات، ثم المكونات تحت الذرية (البروتونات _ النيوترونات _ الإلكترونات)، وقالوا لنا لم نعثر إلا على مادة، ليس هناك إلا المادة لتفسير الحياة.. لقد فات هؤلاء أن ظاهرة الحياة التي يدرسونها بمنهجهم الاختزالي تكون قد اختفت تماماً عندما قاموا بعملية الإختزال والتحليل" (3 ص 129.. وقد لخص د. عمرو شريف، ما يسميه "المنظور الوجودي Ontological" للحياة، في ثمانية نقاط هي: 1/حياة ذكية 2/الحياة = المعلومات 3/يحكمها نظام تشفير ومعالجة المعلومات 4/القدرة على التشكيل 5/موجودات لها هدف متأصل في بنيتها 6/ذاتية التحكم 7/يعمل كوحدة واحدة 8/قادرة على التكاثر.. وهو قد شرح كل نقطة من نقاطه الثمانية، ويرمي من ذلك، بصورة أساسية، إلى أن يقول لنا إن الحياة ليست فقط الخصائص المادية للحي: الأعضاء، الأنسجة، الخلايا، الجزيئات، الذرات، الجسيمات تحت الذرية، بل إلى جانب هذه هنالك، بُعدٌ آخر، غير المادي للحياة.. هنالك الذكاء، وهنالك الجمال، وهما لن تجدهما في مجرد النظر للمادة.. حيث يقول: "إن الطبيعة على المستوى الفيزيائي والكيميائي، ليست إلا مجالات من الطاقة تكونت منها جسيمات فذرات ثم جزيئات.. أما على مستوى الوجود الملموس، فإن الطبيعة تعج بكل ما نرصده من حياة وجمال ومنطقية وغائية وذكاء" (3 ص 133).. ويتابع د. عمرو نقاطه بالتفصيل، وبإيراد بعض أقوال كبار العلماء المحدثين.. وللدكتور غرض أساسي من ذلك، هو أن يبرهن علمياً، أن الحياة ليست مجرد ظاهرة مادية أو بيولوجية.. وأن هنالك بعد آخر أساسي للحياة، لا يمكن معرفته من مجرد معرفة العلوم الطبيعية، فهذه العلوم بطبيعتها لا تعطيه.. ومن أوضح الأمثلة في هذا الصدد، الذكاء والجمال، فهما لا وجود لهما في المادة، من حيث هي مادة.. والذكاء في الطبيعة، لم يعد أمراً يختلف حوله، خصوصاً بين علماء الطبيعة..
    وهنالك ملاحظة أساسية، هي أن جميع الأحياء تتصرف، تصرف من له عقل!! يقول هويمارفون: "لقد وجدت في الطبيعة آثار لتأثيرات العقل قبل وجود الأدمغة التي تجعل الوعي ممكناً بزمن طويل"!! (2 ص 9).. ويقول: "يوجد في الطبيعة الحية ذكاء لا يرتبط بأية عضوية ملموسة أو بكلمات أخرى إن العقل ممكن دون وجود الدماغ الذي يؤويه" (2 ص 11).. ويضرب هويمارفون العديد من الأمثلة، للتعرف الذكي، عند عدد من الأحياء مثل الفراشات والطيور، التي تعمل على حماية نفسها، وعلى حماية صغارها، حتى قبل أن يولدوا.. وأهم ميز هذه التصرفات، أنها هادفة، وتقوم على "مراعاة الأحداث المستقبلية" ومرعاة التصرفات المحتملة لكائنات حية من فصيلة مختلفة تماماً.. يخلص هويمارفون بعد عرض نماذج مختلفة للذكاء، عند الأحياء ـ بل يذهب إلى أن هذا الذكاء ينطبق على الطبيعة غير الحية أيضاً ـ يخلص إلى قوله: "نحصل من كل هذا على استنتاج مثير بالغ الأهمية سنتعرض له مراراً وتكراراً في هذا الكتاب وسأشير إليه هنا بجملة مختصرة وهو أن دخول العقل والوعي إلى هذا العالم لأول مرة لم يكن معنا نحن البشر. يبدو لي أن هذه المقولة هي أهم معرفة نستطيع استخلاصها من نتائج بحوث العلوم الطبيعية الحديثة. السعي نحو الهدف والتكيف والتعلم والتجريب والإبداع كذلك الذاكرة والتخيل كلها كانت موجودة، كما سأحاول بيانه تفصيلاً في هذا الكتاب، منذ زمن طويل قبل وجود الأدمغة. علينا أن نعيد النظر ونتعلم من جديد أن الذكاء لم يوجد لأن الطبيعة تمكنت بعد سلسلة طويلة من التطور الوصول إلى الدماغ الذي جعل ظاهرة "الذكاء" ممكنة." 2 ص 12.. وما يقال عن الذكاء، يقال عن الجمال، وعن الألوان.. لا توجد ألوان في الطبيعة بالصورة التي تراها أعيننا!! أنها مجرد موجات ضوء مختلفة الطول، ونحن نرى هذه الأطوال بالألوان التي نراها بها!! يورد لنا د. عمرو أقوال عدد من العلماء المحدثين، الذين يرون استحالة تفسير الحياة، استناداً إلى علوم الطبيعة وحدها، نورد كنموذج لأقوال هؤلاء العلماء، قول أستاذ البيلوجيا الأمريكي ستيوارت كوفمان، الذي قال: "أن أي إنسان يخبرك أنه يعرف كيف نشأت الحياة على كوكب الأرض منذ حوالي 3.7 بلايين سنة، إما جاهل غبي أو محتال. فلا أحد يعلم من أين جاءت المعلومات اللازمة لنشأة الحياة، حين كانت الظروف المناخية سيئة للغاية، ولا أحد يعلم كيف جاءت المعلومات التي أحدثت هذا التنوع الهائل للكائنات أثناء الانفجار الإحيائي الكمبيري" 3 ص137 / 138.. يهمني بصورة خاصة، أمران: الحياة كمعلومات والغائية.. عندما تم اكتشاف "الجينوم" ـ الشفرة الوراثية للإنسان ـ ظن الكثير من العلماء، أنه تم الوصول إلى سر الحياة، أو أن هذا الوصول وشيك!! عن المعلومات التي تهمنا عن الجينوم البشري، نورد هذا التلخيص من د. عمرو شريف، يقول: "يبلغ طول سلسلة الدنا الحامل للشفرة الوراثية في الخلية الحية حوالي 2,04 متر. وإذا وصلنا سلاسل الدنا في جميع خلايا جسم الإنسان لبلغت طولاً يصل بين الأرض والشمس حوالي 5,1 ملايين مرة!!
    ويحمل الثلاثة والعشرون زوجاً من كروموسومات خلايا الإنسان حوالي 20 - 25 ألف جين. ويحمل كل جين المعلومات اللازمة لبناء آلاف الأنواع من البروتينات!! وتستخدم الشفرة الوراثية في جميع الكائنات الحية أربعة حروف فقط (نيوكليدات أو قواعد نيتروجينية) لتدوين المعلومات، أي أن هذه الحروف الأربعة قادرة على تشفير لبناء حوالي مليار نوع من البروتينات تمثل ما تحتاج إليه جميع الكائنات الحية لبناء أجسامها والقيام بوظائفها وهذه النسبة تفوق قدرة أي نظام تشفيري أبتدعه الإنسان.
    وتشغل هذه الشفرة مقداراً من الدنا يملأ بالكاد ملعقة صغيرة!! ويبقى به مكان لتدوين جميع المعلومات التي كتبها الإنسان عبر تاريخه.
    وعندما تم الانتهاء من قراءة الجينوم البشري، ملأ ما تم التوصل إليه من المعلومات ما يساوي 75.450 صفحة من صفحات جرايدنا اليومية. وعندها أعلن فرانسيس كولنز مدير مشروع الجينوم: "الآن علمنا الله اللغة التي خلق بها الحياة".."!! (3 ص 136).. هكذا، أصبحت الحياة، في نظر العلم الحديث، (معلومات) مشفرة، تتحول إلى كائن حي!! يقول د. عمرو شريف: "وتسمى عملية تحويل المعلومات إلى وجود مادي ثلاثي الأبعاد متخذاً شكل الكائن الحي ب "عملية التشكيل - Morphogenesis" ولا شك أن هذه العملية هي أهم سمات الحياة" (3 ص 143).
    أخيراً، توصل العلم، إلى أن الحياة معلومات!! وهذا من أكبر إنجازاته، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق.. وعظمة هذا الإنجاز، تأتي من أنه يقرب إلى الحقيقة بصورة كبيرة.. ويجعل العلم والدين، يعملان في إتجاه واحد، وفي كبريات قضايا الوجود.. وهذا ما سيتضح عندما نتحدث عن الإسلام.. هنا، نشير مجرد إشارة، إلى عبارة الأستاذ محمود محمد طه، التي يقول فيها: "من مادة الفكر صنع العالم"!! وسنشرح العبارة في موضعها.
    الحياة، في الأرض، واسعة جداً، وهي درجات، أو قل أطوار.. وهي عبارة عن هرم، تُشكل فيه الحياة المتطورة _ حياة الإنسان _ قمة هذا الهرم.. وهي تكاد تكون مجرد نقطة، بالنسبة لقاعدة الهرم.. وفي القاعدة، توجد أدنى مستويات الحياة.. ويتضح عظم هذه القاعدة، إذا نظرنا في حجم البكتيريا في الأرض، بالنسبة لبقية الأحياء.. يقول بول ديفيز: "وحيدة الخلية ذات الحجم الذري، والتي تسكن تقريباً، كل ركن أو زاوية متاحة أو أي صدع أو شق، على هذا الكوكب. والتي طويلاً ما تم استبعادها كمجرد جراثيم فقد أصبح معروفاً الآن أن الميكروبات تسيطر وتحكم شجرة الحياة" (4 ص 64).. ويقول: "يشمل ملء ملعقة من التربة الجيدة، على نحو عشرة تريليونات من البكتيريا، والتي تمثل عشرة آلاف نوع مختلف!! وعلى الجملة فأن كتلة الكائنات المكاروية على الأرض، يمكن أن تكون كبيرة لدرجة أن وزنها يبلغ مائة تريليون طن، أكثر من وزن كل الحياة المنظورة على الأرض لو تم تجميعها معاً"!! (4 ص 65).. كل هذه الأعداد، من قاعدة الحياة، وإلى قمة هرمها، عبر كل مراحلها، حيواتها تقوم على المعلومات!! فمن أين تأتي هذه المعلومات؟
    يقول ستيفن ماير: "إن مشكلة الحياة، هي مشكلة مصدر المعلومات البيولوجية" (3 ص 138).. ويقول د. عمرو شريف: "إن استخدام نظام التشفير في كتابة لغتي الحياة (الأحماض النووية والبروتينات) ثم في نقل المعلومات بينها، يعتبر شيئاً شديد الإلغاز بل يعتبر معجزة، إذ كيف تستطيع تفاعلات كيميائية، لا بصيرة لها أن تقوم بذلك" (3 ص 142).. وتزداد المشكلة تعقيداً، عندما نعرف أن الشفرة الوراثية لكي تعمل، تحتاج البروتينات، ووجود البروتينات، يعتمد على عمل الشفرة الوراثية!! يقول د. عمرو شريف: "وتتلخص المعضلة هنا في أن الشفرة الوراثية (الدنا) تحتاج إلى الإنزيمات من أجل أن تقوم بعملها، وما الإنزيمات إلا بروتينات، أي أن الشفرة الوراثية تحتاج إلى البروتينات. وفي الوقت نفسه، يحتاج بناء البروتينات إلى الشفرة الوراثية لتحديد تتابع الأحماض الأمينية التي تتكون منها وللربط بينها. إذاً فالبروتينات لا تنشأ دون الدنا، والدنا لا يعمل إلا بالبروتينات. كيف ينشأ نظامان مختلفان بصفة مستقلة عشوائياً، بينما يحتاج كل منهما للآخر لوجوده ووظيفته!!" (3 ص122).
    هذا ليس كل شيء!! هنالك مشكلة أكبر!! تتمثل هذه المشكلة، في أن الوراثة لو كانت قانوناً ثابتاً صارماً، لا يُخطيء، لما تطورت الحياة، وتعددت أنواعها.. ومن وجه آخر، يقول بول ديفيز: "إذا كان النسخ الوراثي مخلصاً تماماً، فإن الحياة لن يتسنى لها أبداً التكيف مع الظروف المتغيرة، وبالتالي سيكون الانقراض هو القضاء المحتوم الذي لا يمكن تجنبه"!! (4 ص 82).. يعالج العلم هذه المشكلة بالرجوع إلى (الطفرات) أو الخطأ!! فما يجعل الأحياء تتواءم مع الظروف الجديدة في البيئة، ومما يؤدي إلى تطورها، هو الطفرة الوراثية، ويعبرون عن هذه الطفرة بالخطأ!! وهو تعبير مدهش في غرابته!! فهو يجعل كل التطور، يعتمد بصورة كلية، على (الأخطاء) في الوراثة!! وهذا أمر لا يستقيم عقلاً.. فمن طبائع الأشياء، أن الخطأ لا يؤدي إلى نتائج صحيحة، وإنما يؤدي إلى خطأ مثله.. والتأقلم، مع ما يستجد في البيئة، عمل صحيح، بل عمل رائع في صحته، ولا يمكن أن يحدث نتيجة خطأ.. كما لا يمكن لخطأ متكرر، أن يؤدي إلى أمر رائع مثل ظهور الإنسان!!
    يعنينا السؤال: إذا كانت الحياة معلومات، فما هو مصدر هذه المعلومات؟ إجابة العلم، أن مصدر المعلومات هو البيئة.. يقول بول ديفيز مثلاً: "مصدر المعلومات الدلالية يمكن أن يكون _فقط_ متمثلاً في بيئة الكائن العضوي، ولكن هذا يستدعي السؤال: كيف جاءت المعلومات للبيئة في المقام الأول؟ إنها _فقط_ لم تكن منتظرة كشرائح أو صفحات من الطبعة المبدئية قبل الوجود للطبيعة كي تحاكيها. الطبيعة ليست مصمماً عبقرياً.. وعليه، فما الذي تعرفه عن محتوى معلومات البيئة نفسها؟ بالطبع المقصود بالبيئة هنا هو موطن الكائن العضوي. هل المحيط الأرضي؟ هل النظام الشمسي؟ في النهاية البيئة هي الكون كله. تتبع سلسلة التسبيب أو العلية، وستجد أن السؤال متعلق بالكونية. وهكذا نكون مواجهين بالسؤال المطلق: من أين جاء محتوى معلومات الكون؟" (4 ص86).. ماذا يعني بول ديفيز بالكون؟ هل يعني الكون المادي الحالي، بكل ما فيه من نجوم ومجرات، ومادة مظلمة... إلخ؟ هذا كون متحرك وله بداية!! وظهور الحياة فيه استغرق زمناً طويلاً جداً.. فهل الكون المقصود، هو كون لحظة ظهور الحياة؟ أم هو لحظة ظهوره هو نفسه _ البق بانق!؟ إن كل إجابة تحيل إلى سؤال، لإجابته لا بد من الرجوع إلى إجابة وراءه.. وهذا يؤدي إلى الدور _ الحركة اللانهائية.. القضية ليست الكون، وإنما هي الوجود الثابت وجودياً، والمطلق الكمال، بحيث لا يحتاج إلى غيره، ولا يستغني عنه غيره (راجع كتابنا الوجود: بين الإسلام والحضارة الغربية).

    14/12/18م























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de