ثمة توقعات بأنّ العالم مقبلٌ على أزمة اقتصادية جديدة، وسط أجواء دولية شبيهة بتلك التي خيّمت على العالم عشية الحرب العالمية الأولى والثانية! في عام 1999 ولدت فكرة إنشاء مجموعة العشرين، وذلك عندما اجتمع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة السبع (الاقتصادات الأكبر في العالم)، ورأى هؤلاء أن هناك حاجة إلى توسيع نطاقة المجموعة، حتى تكون منتدى رئيسياً للاقتصادات الأولى، للبحث في أوجه التعاون الممكنة بين الدول الأعضاء بهدف معالجة التحديات الاقتصادية والمالية المطروحة على مستوى العالم. وكانت اجتماعاتها في البداية على مستوى الوزراء، ثم تحوّلت وأصبحت على مستوى قادة الدول مع بروز الأزمة المالية التي عصفت بالعالم عام 2008. ومع مرور الوقت، توسّعت مداولات المجموعة لتشمل ملفات جديدة مثل التنمية والتغير المناخي ومكافحة الإرهاب. وقد عقدت المجموعة قمتها هذا العام في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين (30/11 و 1/12)، البلد الذي يرزح حالياً تحت وطأة أزمة اقتصادية تتمثل في زيادة التضخم وارتفاع معدّلات البطالة، ويعتمد على «وصفة» القروض والإجراءات التقشفية «غير الشعبية»، وفق ما بات معروفاً عن خطط وإملاءات صندوق النقد الدولي!. حلم التنمية المستدامة؟ ورفعت القمة شعار «بناء توافق من أجل التنمية العادلة المستدامة»، في وقت تجعل فيه الوقائع العيانية الماثلة على الأرض من هذا الشعار حلماً بعيد المنال، في ظل صراعات كثيرة طافية على السطح، وتفاوت غير مسبوق بين الشمال الغني والجنوب الفقير، وانتقال كتلٍ بشرية بعشرات الآلاف سنوياً في هجرات غير شرعية من دول آسيوية وأفريقية إلى أوروبا. وفي وقت تسود فيه أيضاً التوترات والانقسامات العميقة بين بعض الدول الأعضاء في المجموعة، على خلفية سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتطرفة والانعزالية؛ من قبيل حروبه التجارية ضد الصين ودول أخرى عدة، والتوتر القائم بين روسيا والدول الغربية بسبب أكثر من أزمة، وأكثرها سخونة الآن هي الأزمة الأوكرانية. كما أنّ هناك العديد من الوقائع والمعطيات التي تفضي إلى مزيد من التوتر وإثارة الغيوم الملّبدة في سماء العلاقات الدولية (عرض العضلات عبر المناورات بين روسيا والناتو، العقوبات الأميركية ضد إيران، الحروب الجارية بالوكالة في أكثر من ساحة وميدان)، فضلاً عن الحروب السيبرانية والانقسامات الناتجة عن تصدّع العولمة حول ملفات التجارة والتغير المناخي. وكادت قضية التغير المناخي أن تطيح بإمكانية إصدار بيان ختامي للقمة، علماً أنّ قمتان كبيرتان عقدتا هذا العام لمجموعة الدول السبع ومنتدى التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا-المحيط الهادئ، انتهتا من دون صدور بيانات ختامية، على خلفية الصراعات الناشبة. وقد أدى التوتر في العلاقات الدولية إلى عودة الحديث عن الحرب الباردة وسباق التسلّح النووي، بالتزامن مع توقعات بأنّ العالم مقبلٌ في غضون عام على «كارثة اقتصادية» جديدة ربما تعيد سيرة الكساد العالمي الكبير الذي عرفته البشرية في ثلاثينات القرن العشرين؛ وسط أجواء دولية يرى كثيرون أنها شبيهة بتلك التي خيّمت على العالم عشية الحرب العالمية الأولى والثانية!. «صياغات توافقية» فضفاضة وفي ضوء ذلك كلّه، لاحظ مراقبون أنّ البيان الختامي للقمة تجنّب المواضيع الساخنة التي لم يكن بالإمكان التوصل إلى اتفاق بشأنها، لصالح «صياغات توافقية» تُخفي أكثر مما تظهر من حجم الخلافات القائمة!. إضافة إلى التركيز على قضايا وعناوين عامة ليس ثمة خلافات تذكر بشأنها؛ مثل التأكيد على «المساواة بين الجنسين في العمل، وتعزيز وصول المرأة إلى المناصب القيادية»، ودعم خطط وأنشطة منظمة الصحة العالمية، بما يخدم الاهتمام بالصحة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030. فضلاً عن القضايا المتصلة بشأن الهجرة والنزوح، ودعم «التدفق الحر للمعلومات والأفكار والمعرفة»، و«مواصلة تعزيز المهارات المعرفية والرقمية»، والإشارة إلى أهمية وجود «نظام ضريبي دولي عادل ومستدام وعصري»، و«الالتزام بمنع الفساد ومكافحته»...الخ. ومن الأمثلة على هذه البنود التي لا تُسمن ولا تغني من جوع الحديث عن «الالتزام بمعالجة تحديات الأمن الغذائي»، واعتبار أنّ ذلك «أمرٌ حاسم لتحقيق عالم خالٍ من الجوع وجميع أشكال سوء التغذية، يُعزز الدينامية في المناطق الريفية والزراعة المستدامة»!. كما جاء في البيان الختامي أن الأطراف المشاركة اتفقت على «تجديد التزامها بالعمل من أجل تحسين نظام دولي قائم على القواعد». كما اتفقت أيضاً على أنه يجب معالجة أزمات اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وأشار البيان إلى العواقب الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن موجات اللجوء، مُشدّداً على أهمية الإجراءات المشتركة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه المسألة، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية المتزايدة. وبالنسبة إلى المناخ، أشار البيان إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بانسحابها من اتفاقية المناخ في باريس التي تم التوصل إليها في عام 2015. في حين وعدت دول أخرى «بمواصلة التعامل مع القضية، واعتبار أن «اتفاق باريس» لا رجعة فيه، وتعهدّت تنفيذه بشكل كامل والاستمرار في معالجة تغير المناخ، مع تعزيز التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي. ولم يتضمن البيان وعداً لتجنّب الحمائية التجارية. وبالمثل، لم تكن هناك صياغة حول الممارسات التجارية العادلة. وأكد البيان الختامي على المساواة بين الجنسين وخفض الهوة بينهما في القوى العاملة، ومواصلة تعزيز المبادرات الرامية إلى إنهاء جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات والعنف القائم على هذا الأساس، والالتزام بتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة، بما في ذلك العمل مع القطاع الخاص لتحسين ظروف العمل للجميع بوصفه «أمراً بالغ الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية العادلة والمستدامة».
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة