مع الإعتذار لهذه الأغنية القديمة والتي لا أظن أبناءنا من الجيل الجديد قد سمع بها ، لكن أحوال البلد وما آلت إليه من (سقوط) عام في شتى المجالات ، بدءاً بإنحدار المنهج السياسي وأنحياز إتجاهاته في شتى المسارات المصلحية ما عدا المصلحة الوطنية العامة أو الجماعية ، وإنتهاءاً بسقوط الإقتصاد والثقافة والفنون والرياضة والأخلاق والقيِّم النبيلة ، وكذلك الموروثات والفضائل الإجتماعية البحتة التي كانت واحدة من (مميَّزات) الزول السوداني المنتمي إلى حقبة الخير والفضيلة والكرم والتكاتف والتواصل الإنساني اللامنقطع ، كل هذا يجعل جيلنا نحن الذين عايشنا الحقبتين معاً نشعر بأن هذه البلاد وشعبها قد وصلا إلى بؤرة الدوامة اللامتناهية وأن (خاصية اللف والدوران) أصبحت نموذجاً أساسياً أو كتالوجاً لا تستقيم الحياة الضنكة التي وصلنا إليها بفضل سياسات الإنقاذ أو المؤتمر الوطني ، فكدنا لا نعلم هل ما يحيط بنا من وطن هو الذي يدور أم نحن بأجسادنا قد أصابنا الدوار ، كل المعاملات البسيطة والروتينية التي كانت في الماضي لا تُحسب ضمن مهام اليوم ومشاقه المتعدَّدة أصبحت في حقبة أو(صدمة معتز موسى) واحدة من المعارك الملتهبة التي يخوضها المواطن البسيط قبل أن يبدأ عمله الأساسي أو ينخرط لأداء واجباته تجاه الحصول على قوت يومه ، فالحصول على المال من البنوك بالنسبة للموظفين والمنتمين إلى فئة الأجراء بالمرتب أصبح واحدة من المعارك اليومية التي إن إنتصر فيها وإستطاع الحصول على قدرٍ من ما يطلبه من مالهِ وحلالهِ أصابه إغتباطٌ وفرح وشعورٌ بالإنجاز الكبير ، ثم من بعد ذلك ينتقل المواطن المغلوب على أمره إلى صفوف الخبز وما أدراك ما الخبز ، هاتان معركتان يوميتان لا يمكن الحصول فيهما على نتيجة دون التدرب المستمر لإكتساب مهارات في فنون (اللف والدوران) فإن لم تكن فيك من الفهلوة والمقدرة على التحايل على برنامجك الزمني بما في ذلك إلتزاماتك المهنية والوظيفية فلن تستطيع أن تعيش أو تُكمل متطلبات يومك الروتينية ، فالوقوف بالساعات أمام ماكينات الصرف الآلي أو في صفوف الوقود أو في نوافذ الدفع في البنوك ، لا بد أن يتم إقتطاع زمنه ووقتهُ من ساعات العمل أياً كانت الوظيفة أو المهنة التي تمارسها ، ثم يأتي أولئك المنعمَّون الحالمون من أصحاب المناصب والنفوذ والسلطة والمستفيدين من حالة الفوضى التي ضربت بأطنابها أركان البلاد ، ليحدثوك عن الإنتاج وإعتباره الحل الأوحد للخروج من الأزمة وهذا الإنهيار المزري والمخيف في كافة القطاعات ، كيف يتسنى للكادر البشري الذي يدير عجلة الإنتاج أن يلتفت إلى واجباته وأعماله ناهيك عن أن يُبدع فيها ويُجيد ، وهو يقضي 50 % أو يزيد من ساعات نشاطه في صفوف الوقود والصرافات الآلية والبنوك ، بالله عليكم عودوا إلى رشدكم فليس بعد الخبز والوقود وإنعدام السيولة من إشارة لا تقبل الشك أن هذه البلاد تعاني من مشكلة (خبرات وكفاءات) ، فقد تم تشريد معظم من (يُجيدون) إدارة الأزمات عبر قانون الصالح العام وإستراتيجية التمكين السياسي فهاموا في شتى بقاع العالم ينتجون ويُبدعون ويبنون في غير أوطانهم ، لا حل لمشكلة الفشل المستمر في منظومتنا السياسية والفنية والإدارية بغير تفكيك منهج التعيين في المناصب وفق مبدأ التمكين السياسي ، فضلاً عن العمل الفوري على إعادة توطين خبراتنا وكفاءاتنا المهاجرة مهما كلَّف ذلك من ثمن .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست