اتخذت مقعدًا في الصفوف الخلفية وتلك عادة تمكني من التقاط كل شاردة وواردة.. لكن حينما التفت يسارًا وجدت بجانبي السيد مدير شركة زادنا بلحمه وعظمه.. البعد عن الأضواء عادة درج عليها أحمد الشايقي.. فقد جعل الرجل أعماله تحكي عنه.. ولكن لن تكتمل اللوحة إن لم تدرك أن تلك البساطة يكملها عمق رئيس مجلس إدارة شركة (زادنا) الدكتور خالد حسين والذي يحوز على ثلاث درجات دكتوراة.. ربما تلك التركيبة المتجانسة جعلت مشروع زادنا ينمو بشكل مدهش من شركة رأس مالها فقط سبع ملايين جنيه وكل أصولها تكمن في عربة كامري قديمة.
ذات الاندهاش الذي تملكني شمل معظم أعضاء الوفد الزائر من جامعة الخرطوم.. لم نتمكن من زيارة معمل الأنسجة من الداخل.. مثل هذه الرحلة تستلزم غسل الطهارة.. هنا كل كل شيء يوحي إليك بأنك في بلد غير السودان.. معامل تستعين بخبرات عالمية.. القطاع الزراعي يعمل كخلية نحل.. مجموعة تنشط في أبحاث النخيل وثانية تتخصص في إنتاج الموز وأخري تهتم بإنتاج التقاوى.. الشركة تخطط بالتعاون مع الدولة لزراعة ٧٠ مليون شجرة موز محسن.. خلال ١٨ شهرًا يقدر العائد بحوالي مليار ونصف من الدولارات التي يحتاجها الميزان التجاري حتى يقارب الاستقامة.
ليس بالزراعة وحدها يمكن أن تتعرف على تجربة شركة زادنا.. حيث تنشط ذات الشركة في تعبيد الطرق.. في نهاية هذا الشهر ستشق زادنا طريقًا يأخذك من أم درمان إلى الأبيض مختصرًا المسافة بنحو ٤٠% مقاربة بذاك الطريق الذي يمر عبر كوستي.. تجربة الموانيء البرية في عطبرة والأبيض تظهر فيها بصمة زادنا حيث تعتمد نظرية التطوير العمراني في استرداد التكاليف الباهظة وذلك لإحياء وسط حضري جديد.
لكن الذي شدني لدراسة تجربة زادنا تكمن في عاملين.. تمكنت الشركة من شراء رضا الناس في كل المشاريع التي اقتضت التنازع مع السكان المحليين.. بل إن لم يتحقق ذاك الرضاء ترفع زادنا يدها عن المشروع مهما كانت مغانمه المتوقعة.. الأمر الثاني أن الشركة صنعت نموذجًا في التكامل مع القطاع الخاص.. معظم شركات القطاع العام تدخل في صراع دامٍ مع طبقة رجال الأعمال إلا زادنا.. الآن زادنا تخطط لإقامة مشاريع ضخمة في مجال الزراعة.. في منطقة نهر النيل مثلًا تقوم الشركة بإعداد الأرض في حيازات ضخمة لا تقل عن المائة فدان للوحدة الواحدة وسقايتها عبر نظام الري المحوري .. بعد إنجاز الأمر يتم التسليم للقطاع الخاص تسليم مفتاح.. ولا ينتهي دور الشركة هنا بل يمتد للإرشاد وتوفير أسواق الصادر.
في تقديري أن فكرة زادنا تستحق الدراسة لأنها زاوجت بين محاسن القطاع العام وفاعلية القطاع الخاص.. كما أثبتت ذات التجربة أن التكامل بين العام والخاص ممكنٌ بل ربما يكون قارب نجاة من الأوضاع المأساوية في مجال الاقتصاد.. لهذا من الواجب تسليط الضوء على هذه التجربة والتي تتسق مع مدارس اقتصادية عالمية تتحدث عن الشراكة بين الحكومة و القطاع الخاص في تحقيق التنمية في البلاد النامية.
بصراحة.. زيارة الأمس إلى شركة زادنا زادت من معدل التفاؤل وزادت من جرعات الأمل في محيط الظلام الدامس.. الآن ثبت أن في آخر النفق تجربة ناجحة جدًا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة