أعجبني المهندس أحمد عجب الفيا والي غرب كردفان وهو يخاطب مواطنيه بعد إلقائه القبض على أحد فاقدي الضمير ممن تجرّدوا من الأخلاق وهووا إلى القاع وتردّوا إلى دَرَك سحيق من الانحطاط .. فقد قام وحش بشري بسرقة وبيع إغاثة تبرّع بها بعض المحسنين من أهل الخير لمنكوبي السيول والأمطار التي ضربت مدينة النهود واكتشفه الوالي عجب الفيا ورهطه فأودعوه غياهب السجن.
عجب الفيا قدّم درساً بليغاً لجمهور ولايته، بل لكل شعب السودان الذي لطالما عانى من الفساد الذي عمّ وطمّ، حين حذر قيادات حزبه خلال خطاب جماهيري، من التورط في الفساد والسرقة، فقال (والله لو سرق وزير أو معتمد أشيل منو الحصانة واسجنو فوراً وأي زول يفكر يسرق حاجاتكم يجهز شنطتو للسجن).
عاتبني صديق من المنتسبين إلى الحزب الحاكم على قيام (الصيحة) بإبراز ذلك الخبر بمانشيت أحمر ضخم يقول: (ضبط قيادي بالمؤتمر بالوطني متلبّساً بسرقة إغاثة في النهود)، ثم توسعت الصحيفة في الخبر بأن شرطة غرب كردفان ضبطت القيادي و(رئيس أحد قطاعات الحزب بالولاية متلبساً بسرقة مواد إغاثية تم الدفع بها لنجدة المتضررين من السيول والأمطار في مدينة النهود).
ساءلت نفسي: هل كان ذلك الصديق المعاتِب مُحقاً في حديثه وهل كنا منصفين حين ركزنا على ذكر عبارة (قيادي بالمؤتمر الوطني) أم متحاملين؟!
نزعم أننا ننطلق في موقفنا من الحكومة من مرجعية أخلاقية تختلف عن تلك التي لا ترى في ضوء الشمس إلا ظلاماً دامساً .. مرجعية قرآنية تقوم على مبدأ العدل الذي أمر الله المؤمنين أن يبذلوه مع العدو والصديق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .. أي لا يحملكم بغضكم لقوم ألا تعدلوا .
أود أن أسأل: هل ما أوردناه في المانشيت أهم ما في الخبر، أم إن الأهم قيام الوالي بالتحرُّك بنفسه لضبط ذلك المجرم وإيداعه السجن بصورة فورية، وكذلك حديثه المؤثِّر لمواطنيه عن أنه لن تأخذه في الحق لومة لائم وكشفه عن رقم هاتفه لعامة الناس بالمايكرفون وإعلانه الاستعداد للرد على كل من يتصل به من المواطنين وفي أي وقت؟!
يتساءل محدثي: إن كان ذلك المجرم الذي باع الإغاثة قيادي في المؤتمر الوطني ألم يكن ذلك الوالي قيادي بالوطني كذلك، بل أعلى مقامًا في الحزب الحاكم؟!
ربما يقول قائل إن هناك شيئاً من التحامُل، ولكن ما يُخفّف منه وربما يمنح المانشيت بعض المصداقية الأخلاقية أن الناس يفترضون أن الحزب الحاكم لا ينبغي أن يوظِّف في هيكله التنظيمي في المراكز القيادية إلا من تتوافر فيهم درجة عالية من الصدق والانضباط الأخلاقي، كما أن الجُرم المُقتَرف كبير وقبيح يفترض ألا يأتيه أي إنسان عادي، ناهيك عن مسؤول حزبي كبير ينبغي أن تهزه المأساة التي تعرّض لها البسطاء والفقراء من الناس، ممن تهدّمت مساكنهم، بل ينبغي أن يُسهم بماله في تخفيف آثارها على الناس بدلًا من سرقة وبيع ما ينفقه المحسنون الآخرون. لذلك فإن هناك بعض المنطق في إيراد المانشيت بتلك الكيفية، سيما وأن خطأ الحاكم صاحب المسؤولية الأكبر يُفترض أنه الأكبر .
هذا لا يعني ألا يحتفى بالتصرف النبيل والمسؤول للوالي (عجب الفيا) الذي ينبغي أن يجد حظه من الثناء في التقارير الإخبارية والمقالات التي ينشرها كتاب الرأي إعلاءً لقيم الطهر والحكم الراشد.
المثال الأوضح للتحامُل الذي يستحق الاعتذار يتمثل في خبر آخر ورد قبل نحو أسبوع في أعلى الصفحة الأولى بعنوان: (محاكمة شبكة يتزعمها مسؤول بصندوق الشرق تستخرج أرقامًا وطنية للأجانب)، فقد اتضح أن الخبر لا أصل له البتة، وأصل الحكاية أن أحد المتهمين في دعوى لاستخراج أرقام وطنية للأجانب لا علاقة له بصندوق الشرق زعم خلال إحدى الجلسات في محكمة أنه يعمل في صندوق الشرق الأمر الذي أغضب مديره ومجلس إدارته فاتصلوا محتجّين.
ما أصدق العبارة: (ما آفة الأنباء إلا رواتها)، ولكن ينبغي أن يُضيَّق الخناق على تلك الأخطاء المؤذية اتساقاً مع الهدي القرآني الذي توعد ناشري أحاديث الإفك: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)، فقد أوردت الصحيفة خبرًا (منجوراً) في شكل اتهام لمسؤول في الصندوق، وهو ما يستدعي الاعتذار واتخاذ الإجراء اللازم ضد المخطئين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب مصطفى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست