إذا كان 750 طفلاً في مدرسة أساس طرفية بشمال أم درمان لا يتناولون وجبة الإفطار ، نتاج العوز والحاجة وعدم قدرة أهاليهم على مقابلة متطلبات ذلك ، يمكن للقاريء الكريم أن يتخيَّل العدد الحقيقي للأطفال في مرحلة الأساس بجميع أنحاء العاصمة وخصوصاً المناطق الطرفية ، ثم لكم أن تتخيَّلوا العدد إذا عمّمَنا ذلك على كل أنحاء السودان وإستصحبنا في تحليلنا ما يمكن أن يُشير إليه الفارق التنموي الكبير بين الأقاليم والعاصمة والتي تحوز على الأقل حسب التقديرات على أكثر من 70% من حركة الإقتصاد على علاتها بالمقارنة بحالة الضمور الإقتصادي وضعف سوق العمل في الولايات ، سنحصيهم بالتأكيد ونجدهم ملايين ، ولما كانت حكومة المؤتمر الوطني الداعم الرئيسي لحركة تجفيف وزعزعة أمر التعليم الحكومي لصالح المدارس الخاصة ، تماشياً مع المنهج (الإستثماري) الذي تختطه إستراتيجية المؤتمر الوطني لأجل تمكين منسوبيه ومحظييه والمتحالفين معه مصلحياً ، كان لا بد أن يلتفت المجتمع السوداني رغم ما يعانيه من أوجاع متعلِّقة بالحالة المعيشية العامة المتدنيه لهؤلاء الأطفال ، بإعتبار أن روح التكافل والتراحم لا تهزم عزيمتها الصعوبات والملمات حتى لو كان ذلك بإسم الفقر العام الذي ساد الأغلبية العُظمى من شرفاء هذا الوطن ، فالفتات مما تبقى في أيدينا ولو كنا (نسبياً) لا نخرج من دائرة الفقر العام يُمكن أن يفعل شيئاً لأجل هؤلاء الأطفال ، الذين تعفَّف أهليهم عن مد يدهم لسؤال الناس إلحافاً ، وفي ذات الوقت يُصرَّون على أن يتابع أبناءهم تعليمهم لما يعلمون عن أهميته ودوره في بناء مستقبلهم ، فإن كانت حكومة المؤتمر الوطني قد رفعت يدها بالتمام والكمال عن النظر إلى حال الفقراء في هذه البلاد التي يتعجب من ترف نافذيها القاصي والداني ، وأصبح التعليم فيها سلعةً تباع بالمال وعجزت الأسر الضعيفة عن توفير أبسط المقومات لأبناءها الطلاب بالقدر الذي جعلهم يدفعونهم للمدارس دون ما يسد رمقهم إلى حين عودتهم إلى البيوت ، والتي أيضاً لا يقين في كونها تحتوي على ما يمكن أن يسُد جوع طفل لم يتناول وجبهً واحدة منذ الصباح ولثمان ساعات متواصلة ، هؤلاء الأطفال أمانة في عنق المجتمع ، بعد أن أثبتت الوقائع أن الحكومة لا يعنيها أبداً أمر بناء الإنسان وإعداده ليكون أوَّل مقومات التنمية المُستدامة ، وبالفعل هناك الكثير من المنظمات والتجمعات التي بدأت تعمل في هذا المجال ومن أمثلتها (بنك الطعام) الذي يستهدف آلاف التلاميذ في المدارس والداخليات الجامعية إلا أن الفجوة لم تزل كبيرة ، كما توجد غيرها من المجهودات الفردية والجماعية ، ولكن نحتاج كمجتمع متكافل ومتعاضد ، أن نتفقَّد جيراننا ومن حولنا لنعرف أحوالهم ولو في نطاق مشكلاتهم الصغيرة التي قد تتمثَّل في (سندوتش) يحمله طفل إلى المدرسة ، ونمدُ لهم يد العون بلا منٍ ولا أذى ، يجب أن نزرع في هؤلاء الأطفال قيمة التكافل الإجتماعي والروح الوطنية للبذل والعطاء من أجل حل مشكلات الفقر العام الراهنة ، فمثل هؤلاء التلاميذ إذا لم ننتبه سيترّبون في كنف الحقد الإجتماعي والشعور بالدونية ، بالإضافة إلى ما يفعله الجوع من ضعف على مستوى الجسد والتحصيل الأكاديمي والقدرة على الإستيعاب ، فضلاً عن أنه ثغرة كبرى تنضاف إلى ثغرات أخرى في مجال رفع مستوى الفاقد التربوي ورفد الشارع السوداني بالكثير من الظواهر السلبية على المستوى الأخلاقي والسلوكي ، دعونا نتفقَّد أحوال بعضنا البعض ونساعد من يحتاج ولو باليسير.. اللهم يا كاشف الغُمة أرشدنا سواء السبيل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة