في ذاك اليوم وقف البروفيسور عبد الملك محمد عبدالرحمن مدير جامعة الخرطوم خطيبًا في جمعنا الكبير.. لا أذكر المناسبة جيدًا.. لكن عبارته ظلت محفورة في ذاكرتي..المؤسسة الذكية تختار من تكرمه لأنها بذلك تكرم نفسها.. لهذا كلما مرت بي مناسبة تكريم استخدم معيار البروفيسور الصارم.. بل ذات يوم غضب كثير من الزملاء لأنني انتقدت تكريم شركة دال للأستاذ محجوب محمد صالح.. حجتي أن المحجوب كان رئيس لجنة تأميم الصحافة في عهد مايو.. بل كان حاضرًا في عدد من لجان التحقيق مع رموز العمل الإعلامي بعد اندلاع الثورة الظافرة.
قرأت قبل أيام خبرًا يفيد أن رئاسة الجمهورية ممثلة في وزير رئاسة الجمهورية أسبغت رعايتها الرسمية لتكريم صديقي العزيز جمال أنقرة.. في البداية ظننت أن التكريم مقصود به البطل النور عنقرة صاحب الإسهامات الباذخة في عهد الدولة المهدية..لكن حينما قرأت الخبر كرتين علمت أن الأمر يخص الأخ الحبيب جمال عنقرة.. ومن مسوغات التكريم أن الأستاذ عنقرة أسهم في حملة جمع الصف الوطني..وأين الصف الوطني الموحد ورئيس الوزراء السابق رهين المهاجر.
بل سألت نفسي لماذا الأستاذ عنقرة وحده من تراه رئاسة الجمهورية مستحقًا للتكريم..عنقرة صاحب إسهام اجتماعي كبير حيث أن آخر مبادرة قدمها كانت توفير (الشيلة) لعدد من عرسان الصحافة.. بمعنى أنه بعيد عن القضايا التي تؤرق المهنة..هنالك الكثير من الرموز الصحفية التي بذلت جهودًا في سبيل ترقية مهنة الإعلام.. حيث يظل- مثلًا- الأستاذ حمدي بدرالدين علامة امتياز في العمل التلفازي.. فيما عثمان ميرغني كاد أن يفقد بصره في سبيل الكلمة..هنا يقفز السؤال عن المعايير التي استخدمتها وزارة رئاسة الجمهورية في هذا الاختيار.
ليست رئاسة الجمهورية وحدها من لا يحكم معايير صارمة في الاحتفاء بالشخصيات البارزة..مثلًا كانت هنالك كلية تقنية في مروي..تم ترفيعها إلى جامعة باسم عبداللطيف الحمد رئيس أحد الصناديق المصرفية العربية..الاختيار أحرج المواطن الكويتي نفسه حيث بات أشبه بقسط الدفع المقدم.. لم يتردد العقل السياسي القاصر من تجاوز رمزية وتاريخية مروي وذلك في سبيل إصابة عرض زائل.. اما شهادات الدكتوراة الفخرية فباتت لا تمر بصحيفة السوابق الجنائية.
في تقديري من المهم جدًا تحكيم معايير صارمة في التكريم خاصة إذا ما ارتبط الأمر بالمؤسسات السيادية أو الأكاديمية ذات القدم الراسخ..إن لم يحدث ذلك فسيُفتح الباب أمام الشُلل والمجموعات.. بل ربما نقع في حرج بالغ حينما نجد مواطنًا يحمل نوط الجدارة وهو طريد العدالة..أو من نوشحه بوسام ابن السودان البار فيما يختلف حول جدارته عشيرته الأقربون.
بصراحة.. أخشى أن يأتي يومٌ نضطر فيه لتكوين لجان فحص الأهلية للتكريم..لم يعد هنالك منهج في التحفيز الأدبي.. أليس من العار أن تتولى دولة تركيا علاج الدكتور الفاتح على حسنين والرجل قدم لبلده الكثير. حتى في وداعه بالمطار غاب كبار المسئولين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة