ربما كانت التجربة الأولى لكثير من الناس.. أن يحشروا في قارب صغير يعبر بهم النهر الجامح.. لم يكن الماء ليحول بيننا وجزيرة عباس.. لكن للجزيرة قصة جديرة بالاعتبار .. فكر الشاب عباس من نواحي الكاسنجر في إقامة منتجع سياحي في إحدى الجزر الصغيرة..ديكور بلدي وطبيعة خلابة وترحاب غير محدود نجح المشروع الذي كان رأس ماله الخيال الخصب.
زرت في عطلة نهاية الأسبوع جامعة مروي التي تسمى في الرواية الرسمية عبداللطيف الحمد.. وتلك قصة أخرى نعود لها في وقت آخر.. الزيارة القصيرة ولدت في نفوسنا الأمل في التغيير الى الأفضل.. الجامعة الوليدة تنتهج منهجًا موسعًا في استخدام التكنولوجيا.. كما أن معظم كوادرها العليا من الشباب والذي يهزمه الشيوخ في أماكن أخرى مع سبق الإصرار والترصد..لكن الزيارة جعلتني أقف على الحياة بمنظار آخر.
مروي يمكن أن تكون دراسة حالة حول تأثير التنمية على حياة السكان.. طرق الإسفلت باتت تشق القرى الطيب أهلها.. بساتين النخيل وحدائق المانجو تضيف للطبيعة بعدًا جديدًا.. ارتفعت مداخيل السكان البسطاء.. تضاعفت الرقعة الزراعية أضعافًا مضاعفة .. كل ذلك كان بسبب قيام سد مروي.. حتى السكان الذين تأثرت قراهم بالإغراق تمكنوا من حيازة أراضٍ خضراء واسعة قللت من الأثر النفسي بضياع بعض من التاريخ وغير قليل من الجغرافيا.
وسط هذا الأمر شق على نفسي التعثر الذي أصاب مصنع تعليب الصلصة في كريمة.. هذا المصنع كان عنوانًا في إعادة الأمل.. حيث عاد للحياة بعد توقف دام عقودًا طويلة.. بل تمكن من إقناع المزارعين بالتوسع في زراعة الطماطم.. فعل الفلاحون ما في وسعهم .. لكن عند الحصاد فشل المصنع في الإيفاء بتعهداته في شراء المحصول.. هذه التجربة ألقت بظلال سالبة من عدم الثقة.. انصرف المزارعون من زراعة الطماطم إلى غيرها.
في تقديري مطلوب من جامعة مروي أن تتوسع في خدمة المجتمع.. تبدأ المهمة الصعبة بتجسير العلاقة بين المصنع والمزرعة.. ليس عبر جبر الخواطر بل من باب تقديم الوصفة العلمية لإعادة الحياة للمصنع والثقة المزارع.. الدور المجتمعي مطلوب بإلحاح من كل الجامعات وفي مقدمتها الرابضة في الولايات.
بصراحة.. مروي الآن باتت مهيأة لاستقبال الهجرة العكسية من العاصمة للولايات.. كل تلك النهضة كان وراءها الأخ الكريم أسامة عبدالله وزير السدود الأسبق.. الرجل الآن يجلس على دكة البدلاء فيما الفاشلون يسيطرون على الملعب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة