المتحدثون باللغة الانجليزية .. و (أي لغة) .. يمكن تصنيفهم الى ثلاثة : أهل اللغة الام و أهل اللغة الثانية و أهل اللغة الاجنبية . و نحن في السودان نقع تحت طائلة التصنيف الثالث .. أي .. نحن من الذين يتحدثون الانجليزية كلغة احنبية . فماذا يعني هذا التصنيف ؟ أولا نشير الى ان أهل هذا التصنيف هم الاكثر حوجة للرعاية و الاهتمام من المعلمين و المتعلمين على السواء . مع هذا التصنيف ينبغي عليك الاجتهاد اكثر من الاخرين لتجويد تعلم اللغة الاجنبية . و لكي تجود تلك اللغة الاجنبية يجب عليك العمل بواحد من ثلاثة اشياء : (1) اما ان تعيش في البيئة الحقيقية للغة فتسافر الى هناك و تعيش مع السكان (في لندن مثلا) .. (2) و اما اصطناع بيئة مشابهة و ذلك عبر مشاهدة الافلام و الاستماع الى المحادثات او قراءة القصص و المقالات و هلم جرا . و كل ذلك جريا وراء توفير بيئة مناسبة للتعلم . لكن يبدو ان البيئة المناسبة ليست هي العامل الحاسم في تعلم اللغة . بل ان البيئة ليست بتاتا العامل الحاسم في التعلم على الاطلاق . (3) و عليه نعرض الشئ الثالث المعروف بالتعليم بالبناء على اهتمامات المتعلم و شغفه . لقد أطنب خبراء التعلم .. و خصوصا رواد التعليم الجديد .. في توضيح اهمية ما اسموه التعليم بالبناء على اهتمامات المتعلم . و هي نفس العبارة القائلة ان التعلم العميق يحدث عندما يوافق التعليم شغف المتعلم و رغبته .. أي ما يهتم به . و فعلا .. يبدو ان الخيار الافضل هو ان نخاطب اهتمامات المتعلم و شغفه . و لكن ما هو السر في التركيز على اهتمامات المتعلم و شغفه ؟ السر يكمن في الذاكرة الحية . فالعلم المفيد و الخبرة القيمة و المعرفة الفعالة هي التي تبقى في الذاكرة الحية حيث يسهل استعادتها عند الطلب (وقت التفكير او العمل مثلا) . و بسبب ذلك صارت جودة التعليم و التعلم تقاس بالمقدار الذي يبقى في تلك الذاكرة الحية بعد انتهاء عمليات التعليم و التعلم . ان وجود مجرد التلقين و الشرح و البيئة المناسبة لا يعني حدوث تعليم عميق .. اذا لابد من وجود الذاكرة الحية . المشكلة ان الذاكرة الحية لا تمتلئ دائما عبر التكرار و الاعادة . مشكلة طريق الاعادة و التكرار انه ياخذ الوقت الطويل حتى يمكننا القول انه استثمار غير مجدي . اما امتلاء الذاكرة الحية بالعلم الفعال فيتم عبر مخاطبة الخبرة و الاهتمامات المستحوذة على شغف المتعلم اولا و قبل كل شئ . فاذا كان المتعلم شغوفا بكرة القدم (مثلا) حري بالمعلم ان يستغل هذا الشغف فيقدم له دروس الاحياء عن النباتات المتسلقة (مثلا) عبر بوابة كرة القدم . ربما تسأل المتعلم عن فريقه المفضل .. وقد يجيبك بانه برشلونة . تساله عن مهارات اللاعبين و أجسامهم القوية المتناسقة . ربما يذكر لك انها جراء العناية بالتغذية المتكاملة . تلتقط حينئذ راس الخيط فتذكر ان الاطعمة توفر العناصر الغذائية لبناء الجسم مثل البروتينات و الفيتامينات . قد يحدثك المتعلم بشغف بعدها عن ما يعرفه من الاطعمة الموفرة للفيتامينات المناسبة للاعبين كالجرجير و الخس و البقدونس . فتذكره بانها من النباتات .. ثم تضيف انها ليست متسلقة . ثم تساله ان كانت النباتات المتسلقة لها نفس القدرة على توفير الفيتامينات . لقد توفر الان لدرسك الارضية القوية للوصول به الى المتعلم و جعله يستقر من بعد ذلك في الذاكرة الحية مرتبطا بقوة و الى الابد بالاهتمامات الكبرى للمتعلم . هذا بالنسبة لمادة الاحياء .. اما بالعودة الى اللغة الانجليزية فالامر لا يختلف البتة . اللغة في الاصل عبارة عن مفردات و قواعد تجمع هذه المفردات في سياق معين (قصة او مقال او قصيدة) . اذا جعلنا السياقات تنطوي على مواضيع تشكل اهتمامات المتعلم نكون قد جعلنا بوابة الذاكرة الحية مشرعة لتلك اللغة المراد تعلمها . و كاننا نشير هنا الى ان الحكمة تكمن في عدم اهدار الطاقة و الوقت في دراسة اللغة عبر سياقات لا تعبر عن اهتمامات المتعلم . نعم .. انه بالضبط ما نود ان نخلص اليه . نلاحظ أن معظم المناهج تحرص على التنويع في السياقات التي تقدم من خلالها اللغة . و هذا بصورة عامة عمل جيد .. و لكنه ينطوي على مشكلة . المشكلة في ذلك ان السياقات المختارة ليست جميعها مما يتحمس له المتعلم . و للتعويض عن عدم مناسبة السياقات المختارة في المنهج يرى بعض المعلمين انه من المناسب الاستفادة من اتساع النيت و سهولة الوصول اليه في تعويض المتعلم اذا لم يجد ان السياقات المقدمة له تمس شيئا مما يتحمس له . و ربما انه على المعلم و المنهج على السواء ان يبدءا و يركزا على المواضيع المحبوبة وسط قطاع واسع من المتعلمين مثل كرة القدم . ان يكون السياق مما يتحمس له المتعلم قد اوجد كثير من خريجي الجامعات الذين يجيدون الانجليزية رغم ان موضوع دراستهم كان شيئا آخر مثل الهندسة او الطب . و لكن الطب اوالهنسة كان السياق المحبوب لديهم و كان يمثل شغف اولئك الخريجين الاكبر . المهم في القصة ان ما يحبونه كان يقدم لهم عبر اللغة الانجليزية . و النتيجة ان الانجليزية تسربت مع الشغف بالطب اوالهندسة الى الذاكرة الحية فوقع لتلك الانجليزية التجويد مثلما وقع للطب و الهندسة . و بالمقابل توفر لنا نظرية الذاكرة الحية و الشغف تفسيرا لظاهرة تفشت في الآونة الاخيرة بين خريجي اقسام اللغة الانجليزية في الكليات الجامعية الا و هي الضعف الواضح في المستوى . لعل الكل يعرف ان اقسام اللغة الانجليزية بالكليات الجامعية لا تبذل الجهد في تعليم منسوبيها اللغة الانجليزية (كلغة تخاطب) .. حيث انها لا تركز على تجويد القدرات الاربعة المعروفة : الكلام و الكتابة و القراءة و السماع . الغالب الذي يحدث في تلك الاقسام انها تقدم معارف و دراسات عن اللغة الانجليزية مثل الشعر و النثر و الدراما و تاريخ الادب و المدارس الادبية مثل الرومانسية و الوجودية او العبثية . و الحقيقة انه ليس كل من يتوق الى تعلم الانجليزية له شغف بادبها و تاريخها و قواعدها . و جراء هذا التناقض يجد كثير من طلاب الاقسام الانجليزية انفسهم قد اهدروا السنين دون ان يطوروا القدرات الاساسية المشار اليها اعلاه . هذا الذي يحدث في التعليم العالي هو نفسه ما يحدث في التعليم الثانوي او الاساس .. وضع اللغة في السياقات غير المناسبة و التي لا تخاطب الاهتمامات و مشاعر الشغف للمتعلم . و يجدر بي ان أذكر الوقائع التالية عن المدارس الثانوية التي تشرح مأزق السياق غير المتوافق مع اهتمامات و شغف المتعلم . نحن نعرف ان المدارس الثانوية السودانية تدرس ضمن مادة الانجليزي ما يسمى ب (الادب الانجليزي) و هو عبارة عن كتابين قصصيين احدهما من الادب الافريقي و الاخر من الادب الانجليزي . الكثير من الطلاب و معهم العدد الكبير من المعلمين لا يطيقون قصص الثقافة الافريقية و لا الثقافة الانجليزية خصوصا (1) تلك التي تعود احداثها الى زمن دخول الاستعمار الى نيجيريا قبل اكثر من قرن (كتاب: الاشياء تتداعى) . (2) و الاخرى التي تعود احداثها الى زمن تفشي القرصنة البحرية حول الجزر البريطانية قبل اكثر من قرنين من الزمان (كتاب: جزيرة الكنز) . لقد فشل ذلك الادب الانجليزي المختار و تلك الدروس المقررة لمادة الانجليزية .. فشلوا جميعهم في الوصول الى بوابة الذاكرة الحية و البقاء فيها بما ينعكس تعلما واضحا للغة و طلاقة عذبة في استخدامها . المفارقة ان معظم الطلاب يختارون هذا الادب الانجليزي فقط لان طريقة امتحانه توفر فرصا افضل لاصطياد الدرجات . مرة أخرى ما يتم في المدارس الثانوية و الاساسية هو تدريس (عن) اللغة الانجليزية و ليس تدريس اللغة الانجليزية عبر مخاطبة قدراتها الاربعة المعروفة . خلاصة كل ما تقدم اننا فشلنا في تدريس اللغة الانجليزية في جميع مراحل نظامنا التعليمي (1) عندما فشلنا في نقل طلابنا الى البيئة الحقيقية للانجليزي (و هو ضرب من الخيال) .. (2) و عندما فشلنا في اصطناع بيئة مشابهة حيث ان المنهج و المعلم و المدرسة لا يقدم أي منهم الافلام و الفيديوهات و الكتب و المقالات المطلوبة .. (3) و عندما فشلنا في ابتكار السياقات المعتمدة على اهتمامات المتعلمين و على شغفهم حتى صار الشغف الاكبر لدي المتعلمين (و بعض المعلمين) هو الذهاب الى مناجم التعدين الاهلي للذهب .. و التي هي عبارة عن حفر في بطون الصحارى .. او كهوفً بين شقوق الجبال . اما المدرسة .. فلتذهب المدرسة الى الجحيم . اما المدرسة .. فلتذهب الى الجحيم بقلم / نوري حمدون
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
نوري حمدون
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست