اذا كان خلو الذهن من اي تصور ميتافيزيقي لدى الطفل هو منطلق اساسي للارتداد الى حضن الطبيعة مرة اخرى ، فإن كلمة الحاد لا تمنحنا وصفا دقيقا لهذه الردة. ربما تكون الردة -والتي استخدمت في الثقافة الاسلامية اكثر جودة لتصوير العودة الى الاصل أي خلو الذهن من كلمة الحاد. الردة تعني العودة ، من الارتداد ، تعني السبق ، وتعني الاصل ، والرجوع. في حين ان كلمة الحاد تعني التحول والانحراف والانتقال والفرع . اذا فالكلمتان تناقضان بعضهما في الاتجاه. على هذا الاساس لا تحتاج الردة الى تأسيس وجودها على ارضية منطقية ، لأنها عودة ، في حين يحتاج الالحاد الى العكس من ذلك ، الى التأسيس لحالة الانتقال والتحول والانحراف عبر اسباب معقولة. واذا كان الامر كذلك ، فالإلحاد -باعتباره نفيا حاسما لكل ما هو ورائي - يتطلب نقاشا لا يختلف عن نقاش الايمان كثيرا من حيث الادوات. فالايمان متحقق في كليهما نفيا واثباتا. حيث ان ما لا يمكن اثباته لا يمكن ايضا نفيه ، حينها ندور في عالم اللا يقين من كلا الامرين. وحالة اللا يقين لا تعني ابدا الالحاد بل تعني نفسها فقط كلا ادرية. فاللا ادرية هي وقوف الاستدلال المنطقة على تخوم الميتافيزيقي حائرا . فهي اذن تتوسط بين الميل الى الايمان او الى الالحاد. وعندما نتحدث عن ميل فنحن بالتأكيد لا نتحدث عن عقلنة بل عاطفة غير ممنطقة . والعاطفة غير الممنطقة هي في حد ذاتها ايمان بفكرة او بنقيضها. فالإلحاد -كميل غير منطقي- هو ايمان باللا ايمان. حيث الايمان كما هو معروف لا يستند سوى الى اتجاه نحو يقين معين بدون اختبار وضعي. هنا يكون الالحاد ايمانا ، وحيث ان الايمان بذاته لا يعني اي شيء -الا في حدود الممارسة الطقوسية- فإن الالحاد كذلك لا يعني اي شيء - الا في حدود الامتناع عن الممارسة الطقوسية. على هذا فإن الطقوس تضحى معيارا حاسما للايمان والالحاد. ووصولنا الى هذه النقطة يكشف لنا اساس رهان باسكال الذي يبدو منطقيا للوهلة الاولى (وهو ليس كذلك في الواقع). ذلك الرهان الذي يستند الى الطقوس في الواقع وليس الى الدين كحقيقة مطلقة. أن تتبع الطقوس لتكون مؤمنا او لا تتبعها لتكون ملحدا ؛ ثم يلي ذلك خسارة او ربح من الفعل او الترك بحسب ما يتمخض عنه الموت. ماذا يعني هذا كله ؛ انه يعني -وبشكل مدهش- ان الايمان والالحاد هما حالة صفرية جامدة. فهما متساويان من حيث القيمة او في الحقيقة من حيث اللا قيمة . انهما عاطفة عمياء اما ان تتجه يمينا او يسارا فوق جسم كروي ، ومن ثم فسبيلهما حتما الى الالتقاء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة