بدا الصحافي المصري الكبير غير متحمس لمواصلة الحديث عن الشأن السوداني..لكن ضغط الدكتور حيدر إبراهيم دفع الأستاذ محمد حسنين هيكل ليعترف أنه تجاوز الحديث عن الشأن السوداني بسبب حساسية السودانيين..وفي الحقيقة تسببت مقالات هيكل عن ثورة أكتوبر في موجة غضب سودانية حتى كادت تصل مباني السفارة المصرية بالخرطوم..ولاحقًا حينما قدم هيكل رواية غير دقيقة عن مقتل الإمام الهادي المهدي تكرر ذات الغضب بدلًا من تقديم تصحيح للواقعة التي تعددت روايات تفصيلها.
مؤخرًا بدأت استشعر هذه الحساسية والتي لم تعد حكرًا لمشاعر عامة الناس بل وصلت الى النخب الحاكمة والمؤثرة..قبل أيام احتجت الشرطة على مشاهد درامية في برنامج يبث في قناة (سودانية ٢٤ ) ويعتمد على الكاميرا الخفية..قيادة الشرطة رأت في العمل الدرامي ما يسيء لصورة الشرطة..ولا أدري ماذا كانت تفعل هذه القيادة مع الممثل المصري الراحل إسماعيل يس الذي مثل دور الشاويش المحدود الذكاء في عدد من الأعمال الدرامية..الأسوأ من الاحتجاج كان في تفاصيل المعالجة والتي كانت شرطًا للسماح ببث العمل..تم الزام القناة بكتابة عبارة مشاهد تمثيلية كلما ظهرت أزياء الشرطة على الشاشة.
ذات الحساسية جعلت وزير الخارجية الجديد يستهل أول أسبوع عمل بزوبعة في فنجان..وزارة الخارجية احتجت على مسلسل مصري لأن بعض المشاهد تتحدث عن مدن الدمازين وغيرها باعتبارها منابع تتحرك منها مجموعات إرهابية..لكن ذات المشاهد كانت تكتمل داخل التراب المصري..ارتباط بلدنا بالإرهاب ليس بهذه البساطة..فقد تجول بن لادن في بلادنا قبل أن يهاجر الى أفغانستان ..كما أن كارلوس أقام بارتياح في السودان للدرجة التي جعلته يفكر في الزواج من سودانية..حتى أن الرئيس المصري السابق حسني مبارك اتهم بلدنا بمحاولة اغتياله في أديس أبابا..مسح اسم السودان من قائمة الاٍرهاب الأمريكية أصعب ملف يواجهه الوزير الدرديري الدخيري ..سحب هذه المشاهد لن يغير من الصورة النمطية السالبة لبلادنا.
استغربت من عاصفة الغضب التي حدثت في الخرطوم عقب زيارة وفد صحفي للمملكة العربية السعودية..لا أدري ماذا سيحدث لو أن هؤلاء الزملاء زاروا إسرائيل حتى ولو من باب توثيق المجازر الإسرائيلية ..لكن الغضب لا ينفصل من الحساسية الشديدة تجاه التعامل مع الخارج..كما أنه يشير إلى عدم تفهم رسالة الصحافة على أسسها الصحيحة..الصحافة سلطة موازية للسلطة التنفيذية..والصحفي لسان الشعب..الحكم على النوايا يعتبر مجحفًا وظالمًا..صحيح أن بعض الدول تضع قيودًا عامة على زيارة دولة إذا ما صنفت في خانة العدو..حدث ذلك من أمريكا تجاه جزيرة كوريا خلال سنوات الحصار الطويلة.
في تقديري ..ان علينا التخلص من هذه الحساسية الزائدة..تبدأ المهمة من رسل الصحافة والإعلام وتمتد الى قاعات الدراسة في الجامعات..علينا إدارة حوار صريح وشفاف حول الشخصية السودانية..حوار يتلمس جوانب القوة ولا يهمل أوجه الضعف والقصور..الحساسية في بعض أوجهها تشير الى احتقار الذات أو عدم الثقة في رواية أخرى.. لكنها في كل الأحوال ليست علامة عافية.
بصراحة تبدو مهمة التخلص من هذه الحساسية صعبة إذا كان اتحاد الصحفيين يصر على حبس عمل درامي مثل بيت الجالوص لأنه أبرز الجوانب المظلمة في مهنة الصحافة..وإن كانت الشرطة تحتج على برنامج مقالب..رحم الله شعبًا عرف قدر نفسه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست