(ود حلتنا) وائل كان يفكر بشكل مختلف..حينما حالفه الحظ في رحلة الذهب قرر أن يتوسع في الزراعة ذات العائد المضمون ..في الأسبوع الماضي روى لي حكاية مؤلمة ..أوقف صاحبنا المحراث الآلي ( التراكتور ) في محطة الوقود..كان في وضع انتظار لمدة ثلاث ليال..حظه جعله في أول الصف بحيث يتدلى (خرطوش ) الوقود فوق ظهر دابته..في اليوم الموعود جاء الوقود نحو مئتي برميل فقط ..المفاجاة أنه لم ينل شيئًا..الأخبار غير السارة أن هذا المزارع قرر أن يزرع فقط نحو (٤٠٪ ) من الأرض التي زرعها العام المنصرم .
حسنا فعل رئيس الجمهورية بإلغاء حفل الإفطار السنوي الذي يستضيفه القصر الجمهوري..تمنيت أن تشمل مبادرة الرئيس كل الإفطارات الممولة من المال العام..السيد والي الخرطوم كان يتحدث عن خططه في إقامة الآلاف من الموائد الحكومية..في كل مؤسسة هنالك تقليد سنوي في بعثرة المال العام ..يلتقي الوجهاء في موائد يغيب عنها الفقراء..رغم أن عامة الناس يوفرون الإفطار لعابري السبيل عبر الإفطار الجماعي الذي ينتشر في الأحياء الشعبية وبعض المساجد ..لهذا من الأفضل أن يترك هذا الجهد للمجتمع .
حزنت وأنا أقرأ خبر انفردت به الزميلة الغراء ( الجريدة) يوم الاثنين الماضي..حسب( الجريدة ) أن قيادة البرلمان وبعض كبار النواب يستمتعون بحصة ثلاثة آلاف لتر من الوقود أسبوعيًا..المنحة المجانية تشمل الرئيس ونوابه ورؤساء اللجان ونوابهم بالإضافة لكبار الموظفين..وفي صحيفتكم هذه نشر بالأمس خبر أن الحكومة وفرت سلعة غاز الطبخ لنواب البرلمان بأسعاره الرسمية..لن يمتد تعليقي هذه المرة للسيارات والبيوت التي تم تمليكها للنواب ببعض التسهيلات..لكن المقارنة بين مزارع جاد يبيت ثلاث ليالٍ في محطة الوقود ونائب يأتيه الوقود مجانا يثبت حجم المفارقة المفضية إلى الهلاك .
رغم أنني لست مقتنعًا أن تقليل الإنفاق الحكومي هو الحل لأزمتنا الاقتصادية..في اقتصاد تسيطر عليه الحكومة سيؤدي التقشف الشديد لانكماش حاد يلازمه تضخم جامح..هنا يصبح الاقتصاد مثل مريض مصاب بضغط عالٍ مع ارتفاع في السكر ..لكن التقشف المطلوب هو الذي يشعر المواطن أن حكومته تستشعر الأزمة..وأن ربط الحزام لا يستهدف البطون الخاوية..مخصصات شاغلي المناصب الدستورية تجعل لأصغر مسؤول ثلاث سيارات غالية الثمن تملأ بالوقود من غير حساب..بعض منازل الكبار لا تتأثر بانقطاع التيار الكهربائي ..في هذه المنازل ما لا عين رأت من المسابح والحدائق الغناء..كل ذلك والشعب في فقر مدقع.
في تقديري حتى هذه اللحظة لم تصمم الحكومة سياسة تقشفية..عدد أعضاء مجلس الوزراء يقترب من المائة..اذا أضفنا قائمة الذين يتمتعون بمخصصات وزير..مسؤول دار الحركة الاسلامية بدرجة وزير دولة..وزارة رئاسة مجلس الوزراء بها خمسة وزراء..رئاسة الجمهورية أربعة من الوزراء ..ثلاثة وزراء في كل من المالية والخارجية..ذات الجيوش تتمدد في الولايات ..هذه فقط نماذج لرؤية الحكومة للتقشف..بالإمكان أن تصمم الحكومة سياسة تقشفية لا تنهك الاقتصاد ولا تعزل البلاد دبلوماسيًا وفي ذات الوقت تكون محسوسة ومرئية للمواطن العادي.
بصراحة..تحتاج الحكومة أن تبصر بعين المواطن العادي..ليت السيد الرئيس رأى منظر المواطنين في صباح أول يوم في رمضان وهم يقطعون جسر النيل الأزرق راجلين..لعن الله السيارات المظللة التي تحجب الرؤية وتحول بين الراعي والرعية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست