- الرئيس يدعوا لاجتماع عاجل... الآن وفورا. اجرى اتصالا آخر وثالث ورابع ... وبتوتر بالغ اصلح من ربطة عنقه وحمل رزمة من الاوراق ولم ينس قلمه غالي الثمن فغرزه في جيب سترته ، وبخطوات واسعة وسريعة دلف الى قاعة كبيرة الا ان من بها لم يتجاوزوا سبعة اشخاص ، توسطهم الرئيس ، الذي فتح ورقة امامه .. والقى اليها نظرة فاحصة من خلف نظارته وقال: لم يعد هناك وقت ايها السادة ... نظر الى وجوههم الواجمة واضاف بحزن: -ان امريكا تنهار... هكذا فقط... بكل بساطة... عم صمت المكان ، تلفت الرئيس بحيرة وقال: - الصين ابتلعت العالم كله بنعومة.. ابتلعته بينما نحن نحاول فرض نفوذنا بخشونة زائدة عن الحد ... اليوم وصلتني هذه الرسالة من دول النفط العربية ، والتي تفك اي ارتباط بين البترول والدولار ... رسالة أخرى من الصين تعتبر فيه الدولار مجرد ورق لا قيمة له ، والآن بورصتنا تنهار واوروبا جزعة ومرعوبة وهناك ازمة مالية ضخمة كنا نحاول اخفاءها طوال الاشهر السابقة ولكن اليوم تم اعلان افلاس اكبر عشرة بنوك بالولايات المتحدة ، انهارت كبيت النمل الطيني. هذا ملخص لما تعلمون به مسبقا وارجوا ان تعينونني على اتخاذ قرار حاسم بهذا الشأن .. قرارا يحدد مصيرنا الى الأبد ... مضت برهة من الصمت ، ففتح الرئيس كفيه منتظرا اجابة ، حينها تنحنح ستيني يرتدي سترة عسكرية ، وقال: - لم تنهار الدولة بعد... جيشنا لا زال الأقوى ... لا زلنا في المقدمة من حيث التكنولوجيا العسكرية ... قال الشاب بيأس: - سنبيع كل هذه التكنولوجيا للصين لرد قيمة ديونها الترليونية علينا ...انها ترفض الوفاء بالدولار وتشترط الذهب ، واحتياطينا من الذهب لا يكفي للوفاء بهذا الدين الضخم .. حاولنا جدولة الديون لكن من الواضح ان الصين تستغل حالة هزالنا وارتباكنا بعد ان فقدنا السيطرة على النفط ... ان كل شيء يتداعى بكل هذه البساطة.... صاح العسكري بعضب: - سنحتل دول النفط بالقوة ...لدينا قواعد عسكرية تستطيع انهاء الأمر في ساعات فقط ... حتى فنزويلا سنحتلها ، عندما لا تصلح المفاوضات فليس امامنا سوى الحرب. قال الشاب مستنكرا: -الحرب ليست لعبة ... الصين زودت هذه الدول بمنصات صواريخ اعتراضية ونحن ايضا زودناهم بأسلحة حديثة هذا ناهيك عن ما هو اهم من هذا كله ؛ المبرر يا سادة ... لا نملك مبررا لاحتلال هذه الدول ... قال عجوز اصلع الرأس: فلنختلق مبررا اذن... قاوم الشاب: اوروبا لن تقف معنا في حرب ذات مبرر واه ... وواضح الكذب ... ما نحتاجه هو ان نجد مبررا عميقا .. لقد استخدمنا كل المبررات في كل حروبنا السابقة .. مقاومة الشيوعية .. الارهاب ... فرض الحرية ... الديموقراطية.. مقاومة النازية ..فماذا سنفعل الآن .... دول النفط اشترطت الدفع باليوان او الذهب عندما علمت ان الدولار تحول الى عملة لا قيمة لها ... بل حتى اوروبا تتجه الى اتخاذ ذات القرار ... انهم خائفون جميعهم على اموالهم ... كان ذلك دافعهم سابقا إلى الوقوف مع امريكا الا ان الصين منحتهم تطمينات كافية اذا تم استخدام اليوان كعملة بديلة للدولار ... الصين سرقت ذهب افريقيا كله ... لديها الان جبالا من الذهب في خزنها ... واقتصادها قائم على الانتاج الفعلي وليس كفقاعة اقتصادنا هذا ... قال العسكري: لا زلنا الأقوى عسكريا ... لا زلنا نمتلك التكنولوجيا اللازمة لاجتياح كل دول العالم بما فيها الصين ... ثم نهض وقال بغضب: لا مناص امامنا يا سادة سوى من احتلال العالم ... ضرب الدول العاصية باقسى واعنف ما يمكن ان نوجهه وبكل ما لدينا من قوة.. انها مسألة حياة او موت ... فلتحيا اميريكا.. ثم مد راحته محييا التحية العسكرية ... فنظر اليه الرئيس باشمئزاز .. وطأطأ رأسه.. وقال: - انتهى عهد النازية ايها الجنرال .. لسنا المانيا الهتلرية ... لا نملك ما نحث به الشعب الامريكي على القتال ... لا نملك حتى فلسفة كفلسفة هتلر لنبرر اجتياحنا للعالم ... كان هناك رجل هزيل البنية ، لا يوحي شكله بسنه الحقيقي فلا هو بخمسيني ولا ستيني ... سترته مهدلة ويبدو عليه الوجوم من خلف نظارة سميكة ... قال بصوت رقيق خفيض: - سيدي الرئيس ... هلا سمحت لي... نظر اليه الرئيس وأومأ قائلا: بالتأكيد يا شبيه آلان وود ... لقد صمت كثيرا حتى خشيت انك لن تتكلم أبدا .... قال الهزيل: البقرة هي الحل يا سيدي .... التفت الجميع اليه باستنكار ... فاردف: - نعم البقرة يا سيدي ... إن اكذوبة فرض الحرية والديموقراطية كمبررات لشن حروبنا ما عادت تجدي ... لا بد ان نغير اولا من قيمنا الأساسية ... لا بد ان نجد هوية جديدة لأميريكا .. هوية ندفع بها كل الشعب الامريكي للدفاع عنها ... وسيساعدنا اعلامنا كله من اجل فرض هذه الهوية يا سيدي الرئيس... خلال اسبوعين من الآن يجب ان تتغير هوية الولايات المتحدة تماما ... اننا دولة فقدت هويتها البروتستانتية ... والبروتستانتية نفسها عقيدة مسالمة وفاشلة ... لقد ذم نيتشة المسيحية كلها لأنها تأمر بإدار الخد الذي لم يصفع ليتذوق هو ايضا طعم الصفعات ... لا بد ان نجد عقيدة اخرى ... بدا الاهتمام على وجه الرئيس واشار للنحيل بالاستمرار ... فقال الأخير: - لقد فكرت في عقيدة جديدة ... طرأت الى مخيلتي عندما كنت اقرأ أديان الهند ... وخاصة الهندوسية ... انهم يا سيدي يقدسون البقرة ... نعم ... نحن لن نقدسها فقط نحن سنعلنها آلهة وحيدة في هذا العالم .... سنسميها الديانة الهندواميركان ... ان اغلب الشعوب بما فيها دول النفط والصين وامريكا اللاتينية وروسيا وواوربا يأكلون البقر يا سيدي الرئيس... ثم قال بغضب: هل تفهمون ما اقوله يا سادة ... انهم يأكلون إلهنا الأعظم ... يأكلون هويتنا الوحيدة .... وإن رسالة امريكا هي حماية مقدساتها والدفاع عنها في اي مكان كان ... على جميع دول العالم ان تسلمنا ابقارها وان تصدر قوانين تحظر أكل لحم البقر ... البقر الذي هو آلهتنا وهويتنا وعنواننا وكرامتنا ... وبما ان تنفيذ الدول لهذه الأوامر الامريكية لن يكون سهلا ولن يتم بين عشية وضحاها فلابد لقواتنا ان تتدخل من اجل شيئين ان تضمن تنفيذ هذه الأوامر من ناحية وأن تتابع حسن تنفيذها من ناحية أخرى ... وعلى جميع دول العالم ان تعبد البقرة ... بكل اختصار ... لأننا لن نقبل منافسا لرمز كرامتنا وخلودنا الأبدي ... هل تقبلون انتم ذلك يا سادة ؟ ها .. هل تقبل بذلك سيدي الرئيس؟ بأن يذل ويهان رمزنا الخالد وهويتنا المقدسة .... رفع الرجل ذراعيه منتظرا الاجابة فسرت همهمات بين الجميع وهم يقولون : لا بالتأكيد لن نقبل ... لن نقبل ... ابدا لن نقبل.. اغمض الرئيس عينيه ... ثم صفق صفقات خفيفة وهو يقول: احسنت قولا يا شبيه آلان وود ... اذن فلتكن الإلهة البقرة هي منقذنا من السقوط ... قال النحيل: - الآن سأجهز لك خطابا حماسيا سيدي الرئيس لتلقيه على مسامع الشعب الأمريكي معلنا اتخاذ البقرة آلهة ورمزا للولايات المتحدة الأمريكية ، وأن الشعب عليه ان ينهض كله للدفاع عن إله ومقدساته ... داعيا الشباب الى التطوع في الخدمة العسكرية .... لا تخف سيدي الرئيس ... سيكون خطابا حماسيا مذهلا ... لا تنس أن الشعب الأمريكي اصيب بتخمة الرفاهية وهو يصدق كل ما تقوله له وسائل اعلامنا ... ستبث الفضائيات والقنوات الاخبارية ولمدة اسبوعين اخبارا تؤكد قداسة البقرة وألوهيتها ومعجزاتها ... فهناك في ابعد الكواكب رسمت البقرة علامة سطوتها ... وفي اعمق المحيطات سنشد اشارة البقرة منحوتة على الصخور الغارقة ... وستظهر علامة البقرة حتى في اجنحة الحشرات والديدان .... بل وحتى الفيروسات والبكتريا ... سيكشف اعلامنا الحر المستقل النزيه عن معجزات إلهتنا البقرة في كل هذا الكون ... قال الرئيس: ولكننا نحتاج لشعار لديننا الجديد ... ابتسم النحيل ووضع سبابتيه فوق رأسه وهزهما ... فأمن الرئيس على هذا الشعار قائلا: أحسنت يا شبيه آلان وود ... ثم نهض بعنفوان ونشاط وقال وهو يصفق: - حسنا يا شباب ... الى العمل ... الى العمل ... * * * بعد اسبوعين تحركت كل القطع البحرية الأمريكية وكل سلاحها الجوي والبري وصواريخها النووية والهيدروجينية نحو دول العالم ... للدفاع عن الآلهة البقرة ... فاستسلمت دول النفط قبل ان تبدأ الحرب وعلقت صور البقرة بديلا عن اعلامها الرسمية ، واعلنت كل حكومات افريقيا الدكتاتورية انها ستدافع عن البقرة بآخر جندي لها ... وأكدت دول شمال افريقيا ان البقرة هي اول ديانة فرعونية في التاريخ . وحاولت روسيا المقاومة لكنها قررت الا تدخل في صدام لا تحمد عقباه ... اما الصين ... فوضعت كل ترسانتها العسكرية في حالة الاستعداد الا انها لم تجد حليفا معها ... فطلبت التفاوض...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة