تأخر الشاب داخل المكتب الأنيق والصغير.. كان ذلك مؤشر أن الشاب قد وجد مبتغاه.. لكنه خرج عابساً.. أفادني لا نقود في الصراف الآلي.. لم تكن لدي خيارات غير أن أنقب عن ضالتي .. فقد تأهبت للسفر لمدينة كوستي لأداء مراسم عزاء.. نحو خمسة عشر موقعًا كانت تمنحني إجابة محبطة.. لديك مال لكنك لن تستفيد منه.. في النهاية اضطررت لاستخدام النقل العام بعد تأخير امتد لنصف يوم كامل.
هذه سياسة الحكومة في الضغط على السيولة للسيطرة على سعر الدولار. سياسة لا تتصف ببعد النظر.. سيجد المتعاملون في السوق الموازي وسائل أخرى للتعامل مع قيود الحكومة.. لكن في نهاية المطاف سيفقد الناس ثقتهم في المصارف.. سيعود الناس لتخزين أموالهم في البيوت لأنهم لن يتمكنوا من استخدام أموالهم حين الحاجة إليها.
فقدان الثقة في المصارف ربما يؤدي إلى إفلاسها.. أفادني وزير سابق أن المواطنين سحبوا من أموالهم في ثلاثة أيام ما كانوا يفعلونه في شهرين متتاليين.. كل استراتيجيات المصارف تفترض أن ربع العملاء فقط يحتاجون إلى أموالهم في ذات الوقت.. لكن حين الهلع في مثل هذه الظروف سيسحب معظم الناس أموالهم في وقت واحد.. هنا ستضطر الحكومة للتدخل لإنقاذ البنوك.. ستضطر في هذه الحالة لطباعة نقود لمقابلة الطلب المجنون الذي صنعته الحكومة بسياسات حمقاء.
النتيجة الأخرى التي ستحصدها الحكومة هروب جماعي من التحديث المصرفي.. نحن أصلاً متخلفون في مجال المعاملات المصرفية .. يتندر علينا الخليجيون بأننا البلد الذي لا يستطيعون فيه استخدام بطاقات الإئتمان.. حينما يهرب الناس من البنوك يتم التوسع في استخدام النقود وهو الهدف الذي من المفترض أن تسعى الحكومة لمحاربته .
في تقديري أن على الحكومة التراجع سريعاً من سياسة إطلاق الرصاص على الجهاز المصرفي.. بل على البنوك أن تستخدم كافة وسائل الإعلام للاعتذار للجمهور عن عجزها في مقابلة طلبهم في الحصول على أموالهم.. ليس من الاحترام أن يسعى مواطن بين عشرات المصارف والصرافات لينال بعضاً من أمواله ثم لا يجد غير الخذلان.
بصراحة.. هذه السياسة لن تهزم الدولار.. بل ستسدد ضربات مؤلمة للاقتصاد في المستقبل المنظور.. ماذا سيفعل مستثمر أجنبي حينما يقف أمام الصراف الآلي ولا يجد سبيلاً لأمواله.. أقرب الظن أنه سيبحث الضيف عن صالة الخروج في مطار الخرطوم.. نحن نصنع بيئة طاردة مع سبق الإصرار والترصد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة