· إستقبلت وزارة الاستثمار وفداً كبيراً من المستثمرين الأتراك في الفترة 2009- 2010.. كان أولئك المستثمرون يتطلعون للاستثمار المباشر في جميع القطاعات الاقتصادية بالسودان.. و قد وجدتُ الجدية في مسعاهم عندما جلستُ إلى بعضٍهم..، كانوا يعرفون ما يريدون بالضبط .. و يتحدثون عن خططهم المستقبلية بإدراك، كلُاً في مجاله.. أحسستُ بأنهم ( اسلاميون) يحملون ذهنية ( علمانية)، و لديهم رؤية للاستثمار تختلف تماماً عن رؤية بعض المستثمرين الخليجيين الذين التقيتهم أثناء عملي في الوزارة، و الذين تعاطى معهم النظام بشيئ من ( الخيابة) و الغباء و البلَه،
· قبل حوالي ثلاثة أعوام، حدثت مشادة كلامية بين وزير الاستثمار و وزير الكهرباء في حضرة حسبو محمد عبدالرحمن، نائب رئيس الجمهورية.. و السبب أن وزير الكهرباء رفض مد الكهرباء للأراضي التي منحتها وزارة الاستثمار لأولئك المستثمرين.. فدافع وزير الكهرباء عن موقف وزارته.. لأنها وجدت أن كلفة الإمداد الكهربائي تبلغ (36) مليون دولار، و هي تكلفة أعلى بكثير مما ينبغي، وأكد رفض وزارته إمداد الكهرباء بتلك التكاليف العالية جداً لمستثمرين يتحصلون علي تسهيلات كبيرة ( دون أن تستفيد البلاد منهم شيئاً)، و أشار إلى مستثمرين خليجيين في مجال البرسيم تم منحهم مياه وكهرباء ( بالمجان) دون أن تجني البلاد من وراء ذلك فلساً واحداً
· و يبدو أن الاتفاقيات المبرمة مع أولئك المستثمرين كان بها بعض ثغراتٍ ينفذون منها لصالحهم.. و لم تكن نظرية Win-win game ( الكل يكسب) في حسبان من كانوا يمثلون النظام الذي كان يتعامل مع المستثمرين بحسن نية مبالغ فيه للوصول إلى اتفاق- أي اتفاق، و بأي ثمن، بينما كان المستثمرون يتعاملون بنظرية المعادلة الصفرية Zero sum game حيث يكون الصفر للسودان و يكون الكل لهم...
· و إذا طبقنا نظرية ( الكل يكسب) على حالة الاستثمار الخليجي في السودان، لاكتشفنا أن ( الكل) هنا تعني المستثمر الخليجي و المؤتمر الوطني فقط.. و لا تعني السودان و السودانيين الآخرين في شيء.. مع الأسف!
· كان الخليجيون يضغطون على رئاسة الجمهورية، و تأتي الأوامر لوزارة الاستثمار للقفز فوق القوانين الموضوعة.. و من ثم قام النظام بإنجاز قانون جديد يتماشى مع رغبة المستثمرين الخليجيين، و تم بعد ذلك وضع جميع الأراضي في السودان تحت تصرف البشير يمنح منها من يشاء و يمنع كما يشاء.. و لأجل المستثمرين الخليجيين تم تخصيص محاكم للتعامل مع قضايا الاستثمار لسرعة البت فيها حتى و إن أدى الأمر إلى الاضرار بالعاملين السودانيين..
· نعم، هناك بطء في إجراءات التقاضي.. و البطء ناتج عن تطويل الاجراءات من غير لزوم.. و كذلك من عدم مواكبة النظام القضائي لمتطلبات عصر السرعة و الانجاز.. كما يأتي البطء من ناحية تدني الوضع العام للخدمة المدنية في السودان و ( تمكين) غير المؤهلين في مراكز هم غير مناسبين لتسنمها..
· و في اعتقادي أن الأتراك قد تحسبوا لكل ذلك، فكما أتوا برجال أمنٍ أتراك لحراسة رئيسهم أردوغان أثناء تواجده في السودان، فسوف يأتون برجال من مختلف التخصصات لحماية مشاريع الاستثمار الخاصة بهم.. حتى لا يتلاعب بها المتلاعبون.. و ربما نصَّت الاتفاقيات الاستراتيجية ( السرية) على ذلك..
· و يتحدث النظام و تلعلع أبواقه في شتى وسائل الاعلام عن الاستثمار والتنمية المستدامة، فنتساءل عما إذا كانت الارادة السياسية للنظام تتطابق مع احتياجات الاقتصاد السوداني لتحقيق المراد من تلك التنمية.. بينما الصرف على التعليم 5 تريليون و على الصحة 9 تريليون و على الأمن 23 تريليون (بالقديم)..!
· إن السودان يعيش مأساة ذات أبعاد متعددة.. في الاقتصاد المنهار و في الأمن غير المستقر.. و في الخدمة المدنية التي ضاعت عقب قطع رؤوس الكفاءات بسيف الصالح العام و الهجرة شبه القسرية ل( العقول).. و الرؤية السياسية غير السوية للمستقبل ، و في الأخلاقيات العامة التي سيطرت عليها ثقافة الفساد منذ نشرها النظام بابتداع منهج ( التمكين).. و أصبح الثراء الحرام حلالاً و اللصوص هم الأعلون اجتماعياً بما سرقوا و نهبوا من أموال..
· و لا يمكن فطام اللصوص و المرتشين من السرقة و الارتشاء بعد أن أدمنوهما و تعايشوا معهما قرابة الثلاثين عاماً.. و تلك مأساة متجذرة في جميع الأنشطة ذات الطابع الاقتصادي.. و مع ذلك يتحدثون عن الاستثمار و يروِّجون له بكرةً و عشية.. و يدَّعون يومياً أنهم يعملون من أجل التنمية المستدامة..
· إن الحكومات الرشيدة هي التي تعمل جاهدة من أجل تنمية بلادها و إنسان البلاد.. و بُغية تنمية بلادها، نرى دول العالم المتقدم تهرول، حالياً، نحو دول أفريقيا المتخلفة، بما فيها السودان غير المستقر لا أمنيا و لا في سياساته الاقتصادية..
· فبريطانيا تتحرك نحونا بسرعة.. و فرنسا تنشط و تقدم رأس د. خليل ابراهيم عربوناً للنظام، و أمريكا تحاول الالتفاف حول نفسها للعودة إلى موارد السودان حتى لا يفوتها الفوات.. و روسيا حاضرة في الصداقة الجديدة بين البشير و بوتين لأخذ نصيبها من موارده.. أما الصين فقد تمددت ليس في السودان فقط بل في معظم أنحاء القارة.. و الأتراك قادمون بهمة و نشاط..
· لقد استعمرنا الأتراك و سامونا من القهر و الاستبداد ما ساموا.. لكن ما هي الدولة الأفريقية التي لم يستعمرها المستعمرون في الماضي؟ و ما هي الدولة الأفريقية التي سدت الأبواب أمام مستعمرها السابق..؟ حتى دولة جنوب أفريقيا التي كانت مستعمرة من قِبَل بريطانيا و هولندا.. و كان استعمار هولندا لها استعماراً استيطانياً، أقامت أطيب العلاقات مع بريطانيا و هولندا.. و شعارها ( الكل يكسب)..
· علينا عند الحديث عن قدوم الأتراك للاستثمار في السودان، ألا ننجرف نحو محاكمة أردوغان تاريخيا، بل علينا أن نركز على مصالح السودان الاقتصادية التي ربما يجنيها عند تعاطيه مع الأتراك، إن كان للسودان مصلحة في ذلك التعاطي في ظل نظام البشير..
· و لما كنا لا ندري شيئاً عن الاتفاقيات ( السرية) المبرمة بين النظام و بين الأتراك، و لا ندري عما إذا تمت مراعاة نظرية Win-win gain ( الكل يكسب) في الحسبان أم ظل حسن النية المبالغ فيه هو الحاكم لتلك لاتفاقيات.. فبإمكاننا أن نؤكد أن الاتفاقيات الاستراتيجية المبرمة بينهما تعني النظام وحده.. و لا تعنينا، اللهم إلا إذا نجح الشعب السوداني في إسقاط النظام.. و من ثم الاتفاق مع الأتراك على تعديل ما يحتاج إلى تعديل في تلك الاتفاقيات..
· أما قبل اسقاط النظام، فعلينا التزام جانب الشك الأقرب إلى اليقين، و المبني على الخبرات المتراكمة في تصرفات النظام الساقط أخلاقياً..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة