· ثمانية و عشرون عاماً و نيف و البشير في السياسة و يتلاعب بالسياسيين محلياً، لكنه لا يزال مبتدئاً في السياسة الدولية.. يرمي فيصيب قليلاً حيناً و يخطئ كثيراً في أحايين!
· تلاعب بدهاقنة السياسة في السودان.. ثم أعد خبراته التراكمية المكتسبة من النجاح في ( فركشة) الأحزاب السودانية، و جهز أدواته لتطبيق خبراته المحلية على ملاعب السياسة الدولية، بغرض الارتقاء من المحلية إلى العالمية..
· بوتين لاعب دولي متمرس.. عرِك السياسة الدولية و يتنافس، في صمت، مع كبار رصفائه الدوليين في ساحات الطموحات الاستراتيجية في أفريقيا و منطقة الشرق الأوسط.. و لذلك دعا البشير إلى منتجع ( سوشي) الروسي.. و تركه يثرثر كما شاء.. ثرثرةً انطلقت بلا قيود و لا كوابح..!
· بوتين أحدث تغييراً كبيراً في توجهات ادارة ( ترامب) في المنطقة.. و بدهائه غيَّر اتجاهات دول كثيرة لصالح روسيا في سوريا.. و جعل ترامب يصدر قراراً بإيقاف الدعم الأمريكي لشركاء أمريكا هناك.. بل و جعله يتنازل عن مطالبته بتنحية بشار الأسد من رئاستها.. و مثل ما فعل ترامب، فعل أردوغان متنازلاً عن شرط تنحية الأسد.. و كذلك لم تعد دول الخليج تمانع في بقاء بشار على سدة الحكم..
· تلك متغيرات تجري حالياً في الشرق الأوسط.. و تشكيلات لانتماءات و تحالفات جديدة.. نتجت، و تنتج، بالضرورة، من ( الفوضى الخلاقة) التي غرستها أمريكا في المنطقة منذ سنوات.. متغيرات لم و لن تكون كما اشتهت أمريكا أيام بوش و كونداليزا رايس..
· قلب البشير ظهره للدول المسماة ( دول الممانعة) قبل عامين أو ثلاثة أعوام.. و مضى يعانق الدول المسماة ( دول الانبطاح)... و ها هو يبدأ العودة إلى دول الممانعة مرة أخرى.. لأن:- "... خسارة سوريا كانت حتمية مع التدخل الأمريكي فيها، لكن تدخل روسيا في الوقت المناسب أنقذ سوريا".. أو كما قال.. و أضاف أن لا تسوية سياسية من دون الرئيس السوري بشار الأسد..
· و لم يكتف بذلك القول، بل صرح بأن المواجهة مع إيران ليست في صالح دول المنطقة.. و المعلوم أن المواجهة مع إيران هي أولى أولويات المملكة العرية السعودية التي تعمل جاهدة لتحقيقها.. و من أجل ذلك تحاول تجيِّيش الدول العربية و الاسلامية، بل و إسرائيل، إلى صفها..
· باع البشير آلاف المرتزقة السودانيين للقتال في اليمن.. و لم يجد من السعودية، نظير الارتزاق، ما كان يأمل من تدفق مليارات الريالات إلى خزائنه لعلاج علل اقتصاده المنهار.. و لم يحصل سوى على حفنة من الريالات و الدراهم.. رغم موت مئات من الشباب السودانيين جراء تحالفه مع السعوديين ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران التي قطع البشير علاقته ( المتينة) معها و طرد سفيرها من الخرطوم لإرضاء السعودية..
· ايران لم تقدم مالاً لنظام البشير أثناء العلاقات الطيبة بين نظامها و نظامه، لكنها قدمت له من الأسلحة و اللوجيستيات ما ربما تفوق تكلفته المادية مجموع ما تلقاه النظام من الأموال من السعودية ثمناً لمشاركته في تحالف ( عاصفة الحزم)..
· لقد تأخر البشير كثيراً في الخروج من رهانه على دول الانبطاح ، أو الجواد الخاسر حالياً.. و عاد ليثرثر في سوشي الروسية كثيراً تمهيداً للعودة إلى دول الممانعة المستظلة بمظلة روسيا..
· و في جلسة ثرثرة واحدة ضرب عرض الحائط بعلاقته المستجدة مع المملكة العربية السعودية و بالاستثمارات السعودية المحتملة.. و أغلق الباب أمام تطبيع علاقة نظامه مع أمريكا غير عابئ بها و لا بشركاتها.. و فتح الأبواب واسعة أمام إيران..
· لكن، لماذا قرر التنازل عن سيادة السودان لقطعة من أرضه لروسيا.. و لماذا طالب بتزويده بصواريخ إف 300، و هي صواريخ بعيدة المدى تُمكِّن الجيش السوداني من السيطرة على النطاق الجوي للسودان و لمسافات بعيدة..؟
· ربما فكر البشير، أخيراً، في استرجاع حلايب و باللجوء إلى التسلح بأحدث الأسلحة الروسية.. و لذلك طلب مقاتلات "سوخوي 30" من روسيا، ليتمكن من تغطية الأجواء السودانية كما يجب، و ربما حصل في اتفاقيته مع الروس على منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 300". .. و رادارات و منظومات كاملة لصواريخ أخرى..
· من المؤكد أنه انتوى الدفاع عن الأجواء السودانية بأحدث الصواريخ الباليستية بعد أن فشل أسلوب ( الدفاع بالنظر) ضد الطائرات التي تعربد في أجواء السودان كما عربدت طائرات اسرائيلية فوق الخرطوم و بورتسودان ، قبل أعوام قليلة ماضية، بدون رادع.. ولا زالت الطائرات الحربية المصرية تعربد فوق سماء حلايب المحتلة و تدخل أبعد من ذلك في العمق السوداني بولاية البحر الأحمر..
· و يقول البشير أنه طلب حتى منظومات الدفاع الجوي للبحرية السودانية و قوارب و صواريخ قوارب.. و ذلك ، بالتأكيد، لإيقاف تحركات البحرية المصرية في مياهنا الاقليمية و التي شهدت مناوشات بين البحرية السودانية و البحرية المصرية قبل أسابيع..
· ينبغي ألا نلوم البشير في سعيه للحصول على الصواريخ إس 300 و غيرها من الأسلحة إن كان قصده الدفاع عن سيادة السودان ضد المتربصين به في الخارج.. بالرغم من أن سعيه جاء متأخراً، إلا أن فيه خيراً كثيراً للسودان، إن كانت نيته صادقة..!
· أما الحديث عن القاعدة الجوية الروسية في البحر الأحمر، فذاك حديث يطول النقاش حوله من حيث مبدأ قبول/ رفض إقامة أي قاعدة أجنبية في السودان.. و حول شروط إقامتها و ملحقات الشروط و سنوات التعاقد عليها..
· على أيٍّ، لقد كسب بوتين البشير.. و خسر البشير أمريكا و السعودية و الدول المتحالفة معها .. و سوف تتوقف رحلاته المكوكية إلى الخليج.. و نحن نتمنى عودة أبنائنا من معارك الارتزاق في اليمن دون المزيد من الخسائر في الأرواح أو الاصابات و الاعاقات الجسدية!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة