قبل أشهر قليلة ألقى صحفي غربي بطرفة تحمل إيحاءات سياسية.. أورد الصحفي انه سأل الرئيس روبرت موغابي متى ستقول وداعاً للشعب الزيمبابوي .. بصعوبة خرجت ابتسامة من بين فكي الرئيس التسعيني والذي أجاب بسؤال "إلى أين سيسافر الشعب".. بل قبل سنوات حينما طلب بعض الساسة من موغابي عدم الترشح لإفساح المجال لقيادات شابة رد" لن يأخذ مني هذا الكرسي إلا الله".. بل مضى موغابي في طريق التوريث على طريقته الخاصة حيث شرع في إفساح المجال لزوجته الشابة.. فقام بعزل نائبه مانقاقو أبرز المخلصين له خلال السنوات الماضية.. كل ما فعله النائب المعزول تحريض قيادات الجيش لشق عصا الطاعة. فوجئ الشعب يوم الأربعاء الماضية بثورة شعبية يصنعها الجنرالات.. امتلأت شوارع هراري بالمدرعات.. لم تكن هنالك مقاومة غير أن الرئيس يرفض فكرة التنحي.. أمس الأحد فقد الرئيس سنده في الحزب الحاكم الذي صوت بأغلبية كبيرة لإسقاط عضوية موغابي الذي صنع الاستقلال.. إسقاط العضوية شمل زوجة الرئيس المرشحة لخلافته.. تم إمهال الرئيس مدة (٢٤) ساعة إن لم يتنح فسيتم عزله عبر البرلمان.. أغلب الظن أن الرجل العجوز سيستدعي الحكمة ويقرر الاستقالة ويطلب خروجاً آمناً ليقضي شيخوخة هادئة في مكان يعج بالممرضات ولا تتوفر فيها شاشة تلفاز تعرض أحداث الواقع.. لن يكون في مقدور الرئيس موغابي أن يستمع إلى فتاة شابة مثل ناتاشا التي قالت لمحطة الـ (سي إن إن) "أخيراً تخلصنا من الرجل العجوز". أغلب الظن أن انقلاب هراري الأبيض سيدخل في السياسة مصطلحاً جديداً عنوانه الانقلاب الرحيم.. هذا الواقع عبر عنه وزير الخارجية الأميريكي تيلرسون حينما وصف كل الأحداث بكلمة واحدة " إنها فرصة".. حاول جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا أن يقدم العون لصديق قديم، إلا أنه تراجع حينما لم يجد حماساً من دول الجوار لإنقاذ ديمقراطية الرجل العجوز.. قادة الانقلاب كانوا أكثر ذكاءً.. لم يعطلوا المؤسسات التشريعية، ولم يبدوا حماساً في اغتنام الفرصة للجلوس على المقعد الشاغر أو الذي سيكون كذلك.. كل ما فعلوه أنهم أزاحوا الغطاء فبانت سوءات موغابي وبدأ يتبرأ منه الأقربون قبل الأبعدون. لكن السؤال ماذا حدث للرئيس موغابي صانع استقلال زيمبابوي .. كيف ينسى الناس أن هذا الرجل هو من طرد البيض من مزارعهم وأعاد تمليكها للأفارقة.. كان يمكن لموغابي أن يكون أيقونة شعبية مثل الرئيس مانديلا الذي قاد شعبه للحرية بعد كفاح شاق.. آثر مانديلا ألا يبقى في المنصب طويلا حتى لا يمله الناس.. في الصورة المغايرة كان موغابي مصراً على أن يواصل الرحلة من القصر إلى القبر .. حينما عجز وأصابه الخرف قرر أن يجعل السلطة بين أهل بيته.. في ذات الوقت بدأت صورته في المخيلة العالمية تأخذ أبعاد العجوز المتسلط.. لم يكن مرحباً به في المنتديات العالمية.. إذا أمسك (المايك) في المحافل الدولية نهض الحضور يبحثون عن أبواب الخروج.. هذه الصورة السالبة جعلت العالم يغض الطرف عن انقلاب العسكر في زيمبابوي. في تقديري من المبكر الزعم أن التغيير الهادئ في هراري سيكون بداية لربيع أفريقي .. لكن من المؤكد أن سيناريو زيمبابوي سيجد من يقلب صفحاته في أرجاء القارة السمراء.. في أسمرا هنالك حالة غليان تنتظر سانحة مناسبة.. في جوبا كل الدلائل تشير إلى أن المسرح في انتظار مخرج بارع ليضع لمسات النهاية لحكم الجنرال سلفا الذي بالفعل هاجر نصف شعبه باحثاً عن الأمن والأمل في دول أخرى.. في الجزائر لن يتمكن بوتفليقه من إصابة دورة رئاسية خامسة بذات اليسر الذي حدث في سنوات سابقة. بصراحة.. علينا نحن في السودان أن نتعظ من تجربة زمبابوي التي حدث فيها التغيير بسلاسة.. وأن نخرج بدرس في غاية الأهمية أن الشعوب أحياناً (تزهج) من قادتها وإن أفلحوا في التنمية وسيطروا على الدولار وحافظوا على الوحدة الوطنية.. رغم ان الامتحان مكشوف والشواهد وافرة لن يتعظ حكام السودان وقادة الأحزاب من درس زمبابوي .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة