حزم محمد طاهر أمتعته جيداً.. أخيراً القدر ابتسم له. سيستفيد من مهلة جلالة الملك ليغادر بسلام.. رتب كل شيء.. شنطة الشيلة الكبيرة.. أخرى للحاجة والأخوات.. الثالثة تحتوي أشياءه الخاصة وبعض هدايا الأصدقاء.. الاقتراب من الوطن إحساس لا يكابده إلا الذي ابتعد عن البلد.. أخيراً سيسير حراً في شوارع بورتسودان.. لن يترك الطريق لعربة الشرطة.. الأهم من ذلك سيلتقي زينة.. آه متى يشرق الصباح ليتوجه نحو الميناء في رحلته للوطن. شعر محمد طاهر بانقباض مفاجيء.. ذات الشعور الذي يلازمه كلما اقترب من سماع أخبار سيئة.. عن له أن يستخدم الهاتف ليستفسر عن صحة الأسرة.. لكن وصايا الأصدقاء من المغتربين حذوره من الرد على الهاتف في مثل هذه الأيام.. غالباً ما تحمل كل مكالمة جديدة مطالب جديدة.. لا لن يغامر.. إن كانت هنالك مشكلات سيتم الاتصال عليه.. الوحيدة التي يتمنى التواصل معها هى زينة.. لكنه بسبب التقاليد المحافظة لن يستطيع أن يفعل ذلك..لا أحد حتى هذه اللحظة يدرك أنه اختار زينة الطيب البرير لتكون زوجته على سنة الله ورسوله. انكفأ أدروب على السرير الوثير كأنه يهرب من الحاضر.. في ذاك اليوم قرر الهجرة بشكل نهائي.. هنالك مخاطرة كبيرة في أن تقطع بحر المالح عبر قارب صغير.. يمكن أن تكون طعاماً للحيتان.. ويمكن أن تقبض عليك السلطات السعودية حتى قبل أن تصل الشاطيء.. رغم ذلك هنالك فسحة من الأمل.. أن يحقق الشاب حلمه من الزواج من زينة إذا ما حمل لقب مغترب.. كان محمد طاهر يدرك أن مهنة حمال في هيئة الموانيء لن ترجح كفته في منافسة الفوز بحسناء ( سلالاب). اقتربت الشمس من المغيب.. صاحب القارب الصغير (السنبك) كان حريصاً أن يقبض ماله على اليابسة.. رمي محمد طاهر بسؤال على التاجر هل ستكون معنا.. الإجابة لم تكن حاضرة.. بل لازمها تهديد (يا زول لو أنت متردد في راكب جاهز).. أخرج أدروب ثلاثة آلاف جنيه لتأكيد الجدية.. نظر إلى الشمس فكانت تحمل وجه زينة الأسمر..العيون المتسعة والضفائر المتناثرة والأسنان التي تفترق على شفاه ملساء وممتلئة.. بعدها قفز الشاب في جوف القارب كأنه يتحدى المجهول. كانت الأمواج هادئة في ذاك الليل.. بعد أن غاب الساحل شرع القبطان في فرض إدارته الشمولية على المجموعة التي تتكون من شعوب وقبائل مختلفة.. اثنين من الصوماليين وثلاث أحباش.. ومجموعة من أفارقة غرب أفريقيا.. واثنين فقط من السودانيين.. أخذ منهم الساعات.. ثم وضع الزاد تحت إدارة جماعية يرأسها المساعد الأكبر.. كانت التوجيهات الصارمة بتحاشي اشعال أية نار.. أو حتى الحديث بصوت صاخب أو السؤال عن زمن الوصول. في هذه اللحظة اتصلت مريم شقيقته الصغرى.. حمل الهاتف ببعض اللهفة والخوف.. تردد لكنه اختار أن يرد في النهاية.. بدأت الصغيرة تسرح وتشرح في طلباتها.. سألها وين ناس البيت؟.. ردت مشو بيت البكاء.. ارتفعت خفقات القلب بشكل يكاد يصل لسماعة الهاتف.. لم ينتظر رمى السؤال (المات منو يا مريم؟).. جاء الرد بطيئاً" بت الجيران ضربتها عربية بعد صلاة العصر".. الجيران منو؟.. ناس طيبة بت مختار.. وقع الهاتف على الأرض قبل أن تكتمل المكالمة بذات طريقة حادث الحركة فتفرق أشتاتاً على البلاط.. لم يتمكن أدروب من الحركة.. طيبة بت مختار عندها بنتين زينة وسمية.. قرر أن ينتظر.. أن يعيش على أمل خير له من السيناريو الأسوأ.. كل حياته رسمها دون احتياط للأقدار.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست