روى لي علي حسن مويني الرئيس الأسبق لتنزانيا حادثة مهمة خلال الفترة الرئاسية الأولى في حكمه.. اكتشف مويني أن هنالك ندرة في صابون الغسيل.. ورث الرئيس الجديد تلك الأزمة من سلفه المعلم نيريري أحد أساطين حركة التحرير في أفريقيا.. منذ تلك اللحظة أدرك مويني ضرورة انتهاج سياسة التحرير الاقتصادي ثم أعقبها لاحقاً بالتعددية الحزبية.. بعد سنوات قليلة باتت تنزانيا نموذجاً في النجاح الاقتصادي.. بل إن الاستقرار الاقتصادي أسفر عن آخر سياسي في ظل تداول سلمي للسلطة.. لو لا حكاية الصابونة ربما أبطأ الرئيس مويني في مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي. حضرت البارحة مؤتمراً صحفياً للسيد رئيس الوزراء الفريق بكري صالح .. رغم أن المؤتمر احتشد بتفاصيل دقيقة وسيطرت عليه الهموم الاقتصادية إلا أن هنالك ضوءاً في آخر النفق.. حيث إن الفريق صالح ركز على سياسة التحرير الاقتصادي كهدف استراتيجي للدولة.. إيمان الرجل بالتحرير جعله يتحفظ على اُسلوب المعالجة الأمنية القهرية مع تجار العملة.. كما أن تأكيده على أن الدولة ستخرج من تجارة الحج وغيرها من الممارسات ذات الملمح الاشتراكي .. حيث يحتشد السوق بكثير من الشركات الرمادية أو الحكومية التي تتدثر بثياب القطاع الخاص، ولكن نسبها في النهاية يمضي نحو الحكومة أو مؤسساتها الحزبية. الرسالة الثانية التي ملأتني تفاؤلاً جاءت في معرض حديث رئيس الوزراء عن التقشف الحكومي.. كل المراقبين يتفقون أن الرواتب الرسمية لا تشكل عبئًا على الخزينة العامة.. واحدة من وجوه استنزاف المال العام هي الرحلات الخارجية للوزراء وأشباههم.. الفريق بكري تحدث عن ضوابط حدت من تضخم هذا البند.. لكن الأهم من ذلك إرساله رسالة مهمة.. سأل الرجل جموع الصحفيين عن آخر مرة سافر فيها رئيس الوزراء للخارج.. تحركت العيون في اتجاهات مختلفة لتؤكد أن الرجل منذ تقلده مهمة رئاسة الوزارة لم يسافر.. حتى قبل ذلك كان الرجل من المقلين في التسفار.. أهمية هذه الرسالة أنها تقدم منهج القدوة وفي ذات الوقت تمنح الرجل الجرأة في قول (لا) في وجه هواة جمع التذاكر الخارجية. الرسالة الثالثة التي حملت وجهاً إيجابياً جاءت من خلال تبشير رئيس الوزراء بضرورة الانفتاح على الخارج.. ركز على مجالين في هذا الانفتاح.. البداية هي فتح الأبواب امام الاستثمار الأجنبي .. الباب الأخر هو التطلع أن تكون السياحة مورداً اقتصادياً.. عدد من شيوخ الإنقاذ كانوا ينظرون إلى السياحة باعتبارها رجساً من عمل الشيطان.. حتى في قسمة السلطة يتم (التجوّد) بهذه الرسالة، فتصبح من نصيب الأحزاب المهمشة.. من حسن الحظ أن الانفتاح على الخارج يحسن من الصورة النمطية لبلدنا في ذهن الآخر.. وفي نهاية المطاف يمكننا الانفتاح من إعادة الاندماج في المجتمع الدولي وجني مغانم كثيرة أقلها الإعفاء من الديون الخارجية. في تقديري تمكّن رئيس الوزراء من إرسال رسائل عديدة بإحكام ودون "قومة نفس".. أعادنا الفريق بكري للعالم عبر إعادة ضبط الساعة الحكومية.. حدث ذلك بهدوء ونقاش مؤسسي داخل مجلس الوزراء.. كما قدم رسالة أخرى حينما بدأ مؤتمره في موعده تماماً.. حتى ردوده على أسئلة الصحفيين اتسمت بالدبلوماسية والقدرة على الخروج من المطبات دون أن تتسخ ملابسه.. وضع الفريق بكري لنفسه بصمة أن يكون خفيف الدم دون أن ينقص من وقار المنصب الكبير. بصراحة.. واحدة من نقاط قوة رئيس الوزراء أنه بدأ عمله بالتركيز على الملف الاقتصادي .. ومن حسن الحظ أنه ترك الخبز لخبازيه، لكنه مثلنا سينتظر النتائج.. كل ما يحتاجه الفريق بكري الآن يكمن في سرعة الجرد لملف القائمين على الاقتصاد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالباقي الظافر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست