*من الذكريات ما يبقى كامناً في تربة الذاكرة.. *فإذا ما نزل عليها ماء الحياة اهتزت وربت وانبتت واقعاً بهيجاً... أو أليماً.. *والماء هذا قد ينزل جراء رائحة... أو منظر... أو مؤانسة.. *والذكرى التي نحن بصددها لا أدري موقعها من إعراب التصنيف النفسي.. *قد تكون عند بعض أطرافها بهيجة... وعند البعض الآخر أليمة.. *أما بالنسبة لي فلا هذا ولا ذاك... بما إنني كنت طرفاً في أقصى أطراف حكايتها.. *كنت طرفاً يراقب من على البعد... والجبن أحياناً نعمة.. *ومؤانسة من أحد هؤلاء الأطراف أمس تجذبني سنوات عديدة إلى الوراء.. *إلى حيث ذاك الطرف الذي كنت أرصد منه مغامرات الأطراف.. *ونفخ محدثي الروح في هذه الذكرى الهامدة بداخلي لتدب الحياة في أوصالها.. *فأبصر سحب أصيل ذلكم اليوم تنتشر في السماء.. *وأسمع عواء كلاب الحي... وزغردة عصافير أشجاره... وقهقهة ظريفه (الماجن).. *وأحس بلسعات نسيمه المائل للبرودة بفعل الغيوم.. *وأستشعر رهبة إزاء البيت الغامض الذي ينتصب أمامي بأسواره العالية.. *وأحاول تخيّل كيف تبدو سيدته المتوحشة داخله.. *ليست سيدة المنزل وحسب... وإنما سيدة من يعملون تحت إمرتها أيضاً من الرجال.. *وكانوا جميعاً متوحشين مثلها... عدا خادمتها اليافعة.. *تخيّل كيف تعيش حياتها الخاصة بعيداً عن وداعتها المصطنعة بالخارج.. *وكيف تضرب من يتسورون حائطها من الصغار ابتغاء الثمر.. *فقد قيل أن كل من تسول له نفسه أخذ ثمار من حديقتها غصباً تضربه بلا رحمة.. *وقيل بل يضربه رجالها تحت إشرافها هي... السادي.. *وقيل أيضاً أن الرجال يكتفون بجلب الضحايا إليها... وتتكفل هي بالباقي.. *فما من أحد من الذين جربوا يصدقنا أصل الحكاية.. *وربما يكون مكراً من تلقائهم لينال كلٌّ منا ما نالوه هم بداخل البيت المخيف.. *وبما أن أفراد (شلتنا) لم يجرب منهم أحد... فقد قرروا التجريب.. *وكان ذلك أصيل يوم بُعث من مرقده لتبدو السنوات لي يوماً... أو بعض يوم.. *ولولا أن كرتنا الوحيدة أصابها عطب لما فكرنا أصلاً.. *أو في الحقيقة ؛ لما فكر كل أفراد مجموعتنا إلا جباناً واحداً... هو أنا.. *وطفقت أرقب دخولهم البيت- من فوق السور- واحداً إثر آخر.. *ثم خروجهم- عبر الباب- واحداً تلو آخر... مهرولين.. *ولكن الخروج لم يكن مثل الدخول؛ الأيدي فيه نحو الأعلى... تسلقاً.. *بل كانت إما تدعك (وراءً) أو- وهذا ما حيرني- (أماماً).. *أما الذي أثار حيرة مفجر الذكرى في رأسي هو تفضيلي خيار (أبعد من الشر).. *فقلت له : وإلى الآن أنا أفعل ذلك... ثم أغني له.. *سيما إن كان أنثوياً !!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة