:: ( ليس بالضرورة أن تكون الدولة مسؤولة عن تشغيل الخريجين، وفي العالم هناك دول تخرج طبيباً ليعمل نجاراً، فالدولة ليست مؤسسة خيرية)، السفير كرار التهامي، الأمين العام لجهاز شؤون السودانيين بالعاملين بالخارج، متحدثاً - من منبر طيبة برس - عن استقبال العائدين من السعودية .. وقد صدق الرجل، فأن أجهزة الدولة ومؤسساتها العامة ليست مؤسسة خيرية، فلا تهاجموه.. وأرسلوا سيول الهجوم إلى نهج الدولة الذي رسخ في المجتمع ثقافة ( لوفاتك الميري اتمرغ في ترابه)..!! :: وقبل حديث التهامي بعام، كتبت زاوية وابتدرتها بقصة رمزية .. تم تنظيم سباق للتجديف بين المنتخبين العربي والياباني..وكان بكل قارب خمسة أشخاص..انطلق السباق، فانتصر الفريق الياباني.. وعند تحليل الأسباب، كشف المحلل بأن قارب المنتخب الياباني يتكون من مدير القارب وأربعة مجدفين، بيد أن قارب العرب كان يحمل على متنه السادة : وزير القارب، وزير الدولة بالقارب، وكيل القارب، الخبير الوطني للقارب، ثم مجدف واحد فقط لاغير..ولاحقاً، تم تشكيل لجنة تحقيق عربية لمعرفة أسباب الخسارة، فحققت اللجنة ثم أوصت بشطب (المجدف)..!! :: وهكذا حال مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.. ترهل بلا إنجاز، و تكدس بلا إنتاج، و زحام من أجل مزايا الوظيفة، وليس لخدمة الناس والبلد.. والمدهش، عندما يفكرون في هيكلة وحدة حكومية مترهلة فإنهم يشردون الكفاءة المنتجة، وبعد عام يفتحون فرص التوظيف لترهل آخر في ذات الوحدة..ولعلكم تذكرون، في يناير العام الفائت، أي في مناخ ما قبل الإنتخابات، بضغط من اتحاد عمال السودان، وبلا دراسة لآثاره الإقتصادية والإجتماعية السالبة، وبلا أي معايير تصطحب الكثافة السكانية ونسبة شبابها، تم رفع سن التقاعد للعاملين بالدولة إلى (65 عاماً)..!! :: وبعد أشهر من هذا القرار الخاطئ، بشرت المفوضية القومية للإختيار للخدمة المدنية الناس والبلد بتكدس آخر و ترهل جديد..تم تخصيص أكثر من (6.000 وظيفة)، لإستيعاب الخريجيين بالوزارات والمؤسسات الإتحادية، و أكملت اللجان من تهيئة (24.000 وظيفة)، بالولايات، هكذا كان الحدث بعد قرار رفع سن المعاشر مباشرة.. وكان يبدو خبراً مفرحاً، ولكنه لم يكن كذلك، بل كان محزناً ..وعكس قصر نظر سياسة الدولة..لماذا كل هذه الوظائف بالخدمة العامة؟، وهل المواطن - صاحب الخدمة - بحاجة إليها؟، وهل هي وظائف للإنتاج والخدمات ..؟؟ :: فالإجابة لم تكن بحاجة إلى كثير تفكير، بل قالها الأمين العام للمفوضية بالنص : ( نحرص على إستيعاب أكبر عدد من الخريجين بالخدمة المدنية بغرض توفير فرص العمل وتقليل البطالة بالسودان).. تلك هي الغاية العظمى من ال (30.000 وظيفة) بالخدمة المدنية.. إستيعاب أكبر عدد من الشباب لتقليل البطالة، وليس لحاجة خدمات الناس إلى (أكبر عدد من العاملين).. سياسة تحويل الخدمة المدنية إلى ديوان زكاة - صرف بلا إنتاج أو خدمة - ليس حلاً للأزمات الإقتصادية التي منها (العطالة ).. هذا التحويل نوع من تخدير الأزمات لحين ( الإنفجار)..!! :: الدولة المعاصرة هي التي تكتفي حكومتها بالدورين (الرقابي والإشرافي فقط لاغير)، أي غير مسؤولة عن حشد الزوارق بغير المجدفين .. والدولة المعاصرة هي التي تفسح حكومتها مواقع الإنتاج والخدمات لشركات المجتمع، لتنتج هذه الشركات وتخدم وتنهض بالمجتمع والبلد..ولكن حكومتنا تكبل القطاع الخاص بقيود الضرائب والأتاوات وبكل أنواع الحرب، ثم تتمدد هي - بأجهزتها الكسولة وخدمتها المدنية المترهلة وقوانيها البائسة - على مفاصل الإنتاج والخدمات، ليكون الحصاد الترهل و الفساد و قبح الخدمات.. لقد صدق التهامي في تلك المحاضرة الاقتصادية، فهاجموا حكومته..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة